الأحد، 3 مارس 2013

4.الكتاب لسيبويه الجزء الرابع

الكتاب : الكتاب
المؤلف : أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، سيبويه (المتوفى : 180هـ)

الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا باب بناء الأفعال
التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها
فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل، وفعل يفعل، وفعل يفعل. ويكون المصدر فعلاً، والاسم فاعلاً.
فأما فعل يفعل ومصدره فقتل يقتل قتلاً، والاسم قاتل؛ وخلقه يخلقه خلقاً، والاسم خالق؛ ودقه يدقه دقاً، والاسم داقٌّ.
وأما فعل يفعل فنحو: ضرب يضرب ضرباً وهو ضاربٌ؛ وحبس يحبس حبساً، وهو حابس.
وأما فعل يفعل ومصدره والاسم فنحو: لحسه يلحسه لحساً وهو لاحسٌ، ولقمه يلقمه لقماً وهو لاقمٌ، وشربه يشربه شرباً وهو شاربٌ، وملجه يملجه ملجاً وهو مالج.
وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول. وذلك: لزمه يلزمه لزوماً، ونهكه ينهكه نهوكاً، ووردت وروداً، وجحدته جحوداً، شبهوه بجلس جلوساً، وقعد يقعد قعوداً، وركن يركن ركوناً، لأن بناء الفعل واحد.
وقد جاء مصدر فعل يفعل وفعل يفعل على فعلٍ، وذلك: حلبها يحلبها حلباً، وطردها يطردها طرداً، وسرق يسرق سرقاً.
وقد جاء المصدر أيضاً على فعل، وذلك: خنقه يخنقه خنقاً، وكذب يكذب كذباً، وقالوا: كذاباً، جاءوا به على فعالٍ، كما جاء على فعولٍ. ومثله حرمه يحرمه حرماً، وسرقه يسرقه سرقاً. وقالوا: عمله يعمله عملاً، فجاء على فعلٍ كما جاء السرق والطلب. ومع ذا أن بناء فعله كبناء فعل الفزع ونحوه، فشبه به.
وقد جاء من مصادر ما ذكرنا على فعلٍ، وذلك نحو: الشرب والشغل. وقد جاء على فعلٍ نحو: فعله فعلاً، ونظيره: قاله قيلاً. وقالوا: سخطه سخطاً، شبهوه بالغضب حين اتفق البناء وكان المعنى نحواً منه، يدلك ساخطٌ وسخطته أنه مدخل في باب الأعمال التي ترى وتسمع، وهو موقعه بغيره.
وقالوا: وددته وداً، مثل شربته شرباً. وقالوا: ذكرته ذكراً كحفظته حفظا.
وقالوا: ذكراً كما قالوا شرباً.
وقد جاء شيء من هذه الأشياء المتعدية التي هي على فاعلٍ على فعيلٍ، حين لم يريدوا به الفعل، شبهوه بظريفٍ ونحوه، قالوا: ضريب قداحٍ، وصريمٌ للصارم. والضريب: الذي يضرب بالقداح بينهم.
وقال طريف بن تميم العنبري:
أو كلما وردت عكاظ قبيلةٌ ... بعثوا إلي عريفهم يتوسم
يريد: عارفهم.
وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعال كما جاء على فعولٍ، وذلك نحو: كذبته كذاباً، وكتبته كتاباً، وحجبته حجاباً، وبعض العرب يقول: كتباً على القياس. ونظيره: سقته سياقاً، ونكحها نكاحاً، وسفدها سفاداً. وقالوا: قرعها قرعاً.
وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعلانٍ، وذلك نحو: حرمه يحرمه حرمانا، ووجد الشيء يجده وجداناً. ومثله أتيته آتيه إتياناً، وقد قالوا: أتياً على القياس.
وقالوا: لقيه لقياناً، وعرفه عرفاناً. وثل هذا: رئمه رئمانا وقالوا: رأماً.
وقالوا: حسبته حسباناً، ورضيته رضواناً. وقد قالوا: سمعته سماعاً، فجاء على فعالٍ كما جاء على فعولٍ في لزمته لزوماً.
وقالوا: غشيته غشياناً، كما كان الحرمان ونحوه.
وقد جاء على فعلانٍ نحو الشكران والغفران. وقالوا: الشكور كما قالوا: الجحود. فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها، ولكن الأكثر يقاس عليه. وقالوا: الكفر كالشغل، وقالوا: سألته سؤالا، فجاءوا به على فعالٍ كما جاءوا بفعالٍ.
وقالوا: نكيت العدو نكاية، وحميته حماية، وقالوا: حمياً على القياس. وقالوا: حميت المريض حميةً كما قالوا: نشدته نشدةً. وقالوا: الفعلة نحو الرحمة واللقية. ونظيرها: خلته خيلة. وقالوا: نصح نصاحة، وقالوا: غلبه غلبةً كما قالوا: نهمةٌ، وقالوا: الغلب كما قالوا: السرق. وقالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه كما لا يقولون نكحاً وهو القياس.
وقالوا: دفعها دفعا كالقرقع، وذقطها ذقطاً، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة.
وقالوا: سرقةٌ كما قالوا: فطنةٌ.
وقالوا: لويته حقه ليانا على فعلانٍ، وقالوا: رحمته رحمةً كالغلبة.


وأما كل عملٍ لم يتعد إلى منصوب. فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى، ويكون الاسم فاعلاً والمصدر يكون فعولاً، وذلك نحو: قعد قعوداً وهو قاعد، وجلس جلوساً وهو جالسٌ، وسكت سكوتاً وهو ساكتٌ، وثبت ثبوتاً وهو ثابتٌ، وذهب ذهوبا وهو ذاهبٌ. وقالوا: الذهاب والثبات، فبنوه على فعال كما بنوه على فعولٍ، والفعول فيه أكثر. وقالوا: ركن يركن ركوناً وهو راكنٌ.
وقد قالوا في بعض مصادر هذا فجاء به على فعلٍ كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فعولٍ، وذلك قولك: سكت يسكت سكتاً، وهدأ الليل يهدأ هدءاً، وعجز عجزاً، وحرد يحرد حرداً وهو حاردٌ. وقولهم فاعلٌ يدلك على أنهم إنما جعلوه من هذا الباب وتخفيفهم الحرد.
وقالوا: لبث لبثاً فجعلوه بمنزلة عمل عملاً وهو لابثٌ، يدلك على أنه من هذا الباب. وقالوا: مكث يمكث مكوثاً، كما قالوا: قعد يقعد قعوداً: وقال بعضهم: مكث، شبهوه بظرف لأنه فعل لا يتعدى كما أن هذا فعلٌ لا يتعدى، وقالوا: المكث كما قالوا: الشغل وكما قالوا: القبح، إذ كان بناء الفعل واحداً.
وقال بعض العرب: مجن يمجن مجناً، كما قالوا: الشغل. وقالوا: فسق فسقاً كما قالوا فعل فعلاً، وقالوا: حلف حلفاً كما قالوا: سرق سرقاً.
وأما دخلته دخولاً وولجته ولوجاً فإنما هي ولجت فيه ودخلت فيه؛ ولكنه ألقي في استخفافا كما قالوا: نبئت زيداً، وإنما يريد نبئت عن زيدٍ.
ومثل الحارد والحرد: حميت الشمس تحمى حمياً، وهي حاميةٌ.
وقالوا: لعب يلعب لعبا، وضحك يضحك ضحكاًن كما قالوا الحلف.
وقالوا: حج حجاً كما قالوا: ذكر ذكراً.
وقد جاء بعضه على فعالٍ كما جاء على فعالٍ وفعولٍ، قالوا: نعس نعاساً، وعطس عطاساً، ومزح مزاحاً.
وأما السكات فهو داءٌ كما قالوا: العطاس. فهذه الأشياء لا تكون حتى تريد الداء، جعل كالنحاز والسهام، وهما داءان، وأشباههما.
وقالوا: عمرت الدار عمارةً، فأنثوا كما قالوا: النكاية، وكما قالوا: قصرت الثوب قصارة حسنة.
وأما الوكالة والوصاية والجراية ونحوهن فإنما شبهن بالولاية لأن معناهن القيام بالشيء. وعليه الخلافة والإمارة والنكابة، والعرافة، وإنما أردت أن تخبر بالولاية.
ومثل ذلك الإيالة، والعياسة والسياسة. وقد قالوا: العوس.
كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داءٍ على غير فعالٍ وبابه فعالٌ، كما قالوا: الحبط، والحج، والغدة. وهذا النحو كثير.
وقالوا: التجارة والخياطة والقصابة، وإنما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها، فصار بمنزلة الوكالة. وكذلك السعاية، إنما أخبر بولايته كأنه جعله الأمر الذي يقوم به.
وقالوا: فطنةٌ كما قالوا: سرقةٌ.
وقالوا: رجح رجاحناً، كما قالوا: الشكران والرضوان.
وقالوا في أشياء قرب بعضها من بعض فجاءوا به على فعالٍ، وذلك نحو الصراف في الشاء، لأنه هياجٌ، فشبه به كما شبه ما ذكرنا بالولاية، لأن هذا الأصل كما أن ذاك هو الأصل.
ومثله الهباب والقراع، لأنه يهيج فيذكر. وقالوا: الضبعة كما قالوا: العوس.
وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ، وذلك: الصرام والجزاز، والجداد، والقطاع، والحصاد.
وربما دخلت اللغة في بعض هذا فكان فيه فعالٌ وفعالٌ، فإذا أرادوا الفعل على فعلت قالوا: حصدته حصداً، وقطعته قطعاً، إنما تريد العمل لا انتهاء الغاية. وكذلك الجز ونحوه.
ومما تقاربت معانيه فجاءوا به على مثالٍ واحد نحو الفرار والشراد والشماس والنفار والطماح، وهذا كله مباعدة، والضراح إذا رمحت برجلها. يقال رمحت وضرحت، فقالوا: الضراح شبهوه بذلك. وقالوا: الشباب، شبهوه بالشماس.
وقالوا: النفور والشموس، والشبوب والشبيب، من شب الفرس.
وقالوا: الخراط كما قالوا: الشراد والشماس، وقالوا: الخلاء والحران. والخلاء: مصدر من خلأت الناقة أي حرنت. وقد قالوا: خلاءٌ لأن هذا فرق وتباعدٌ.
والعرب مما يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد، ومن كلامهم أن يدخلوا في تلك الأشياء غير ذلك البناء، وذلك نحو: النفور، والشبوب والشب، فدخل هذا في ذا الباب كما دخل الفعول في فعلته، والفعل في فعلت.


وقالوا: العضاض شبهوه بالحران والشباب، ولم يريدوا به المصدر من فعلته فعلاً. ونظير هذا فيما تقاربت معانيه قولهم: جعلته رفاتاً وجذاذاً. ومثله الحطام والفضاض والفتات. فجاء هذا على مثالٍ واحد حين تقاربت معانيه.
ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفضالة، وذلك نحو القلامة، والقوارة، والقراضة، والنفاية، والحسالة، والكساحة، والجرامة وهو ما يصرم من النخل، والحثالة. فجاء هذا على بناء واحد لما تقاربت معانيه.
ونحوه مما ذكرنا: العمالة والخباسة، وإنما هو جزاء ما فعلت، والظلامة نحوها.
ونحوٌ من ذا: الكظة والملأة والبطنة ونحو هذا، لأنه في شيءٍ واحد.
وأما الوسم فإنه يجيء على فعالٍ، نحو: الخباط والعلاط والعراض والجناب والكشاح. فالأثر يكون على فعالٍ والعمل يكون فعلاً، كقولهم: وسمت وسماً، وخبطت البعير خبطاً، وكشحته كشحاً. وأما المشط والدلو والخطاف فإنما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وسمت به، كأنه قال: عليها صورة الدلو.
وقد جاء على غير فعالٍ، نحو القرمة والجرف، اكتفوا بالعمل، يعني المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر. الخباط على الوجه، والعلاط والعراض على العنق، والجناب على الجنب، والكشاح على الكشح.
ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النزوان، والنقزان؛ وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثله العسلان والرتكان.
وقد جاء على فعالٍ نحو النزاء والقماص، كما جاء عليه الصوت نحو الصراخ والنباح، لأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه ما تكلف من نفسه في النزوان ونحوه. وقالوا: النزو والنقز، كما قالوا: السكت والقفز والعجز، لأن بناء الفعل واحدٌ لا يتعدى كما أن هذا لا يتعدى.
ومثل هذا الغليان، لأنه زعزعة وتحرك. ومثله الغثيان، لأنه تجيش نفسه وتثورٌ. ومثله الخطران واللمعان، لأن هذا اضطراب وتحرك. ومثل ذلك اللهبان والصخدان، والوهجان، لأنه تحرك الحر وثؤوره، فإنما هو بمنزلة الغليان.
وقالوا: وجب قلبه وجيباًن ووجف وجيفاً، ورسم البعير رسيماً، فجاء على فعيلٍ كما جاء على فعال، وكما جاء فعيلٌ في الصوت كما جاء فعالٌ. وذلك نحو الهدير، والضجيج، والقليخ، والصهيل، والنهيق، والشحيج، فقالوا: قلخ البعير يقلخ قليخاً، وهو الهدير.
وأكثر ما يكون الفعلان في هذا الضرب، ولا يجيء فعله يتعدى الفاعل، إلا أن يشذ شيءٌ، نحو: شنئته شنآناً.
وقالوا: اللمع والخطر، كما قالوا: الهدر. فما جاء منه على فعلٍ فقد جاء على الأصل وسلموه عليه.
وقد جاءوا بالفعلان في أشياء تقاربت. وذلك: الطوفان، والدوران، والجولان. شبهوا هذا حيث كان تقلباً وتصرفاً بالغليان والغثيان، لأن الغليان أيضاً تقلب ما في القدر وتصرفه.
وقد قالوا: الجول والغلي، فجاءوا به على الأصل.
وقالوا: الحيدان والميلان فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرناه من المصادر قد دخل بعضها على بعض.
وهذه الأشياء لا تضبط بقياس ولا بأمر أحكم من هذا. وهكذا مأخذ الخليل.
وقالوا: وثب وثباً ووثوباً، كما قالوا: هدأ هدءً وهدوءاً. وقالوا: رقص رقصاً، كما قالوا: طلب طلباً. ومثله خب يخب خبباً. وقالوا: خبيباً كما قالوا: الذميل والصهيل.
وقد جاه شيءٌ من الصوت على الفعلة، نحو الرزمة، والجلبة، والحدمة والوحاة.
وقالوا: الطيران كما قالوا: النزوان. وقالوا: نفيان المطر، شبهوه بالطيران لأنه ينفي بجناحيه، فالسحاب تنفيه أول شيء رشاً أو برداً. ونفيان الريح أيضاً: التراب. وتنفي المطر: تصرفه كما يتصرف التراب.
ومما جاءت مصادره على مثالٍ لتقارب المعاني قولك: يئست يأساً ويآسةً وسئمت سأماً وسآمةً، وزهدت زهداً وزهادةً. فإنما جملة هذا لترك الشيء. وجاءت الأسماء على فاعل لأنها جعلت من باب شربت وركبت.
وقالوا: زهد كما قالوا: ذهب، وقالوا: الزهد كما قالوا: المكث.
وجاء أيضاً ما كان من الترك والانتهاء على فعل يفعل فعلاً، وجاء الاسم على فعلٍ. وذلك أجم يأجم أجماً وهو أجمٌ، وسنق يسنق سنقاً وهو سنقٌ، وغرض يغرض غرضا وهو غرضٌ.
وجاءوا بضد الزهد والغرض على بناء الغرض، وذلك هوى يهوى هوى وهو هوٍ.
وقالوا: قنع يقنع قناعةً، كما قالوا: زهد يزهد زهادةً. وقالوا قانعٌ، كما قالوا: زاهدٌ، وقنعٌ كما قالوا: غرضٌ، لأن بناء الفعل واحد، وأنه ضد ترك الشيء.


ومثل هذا في التقارب بطن يبطن بطناً وهو بطينٌ وبطنٌ، وتبن تبناً وهو تبن، وثمل يثمل ثملا وهو ثملٌ. وقالوا: طبن يطبن طبناً وهو طبنٌ.
باب ما جاء من الأدواء
على مثال وجع يوجع وجعاً وهو وجع، لتقارب المعاني وذلك: حبط يحبط حبطاً وهو حبطٌ، وحبج يحبج حبجاً وهو حبجٌ.
وقد يجيىء الاسم فعيلاً نحو مرض يمرض مرضاً وهو مريض. وقالوا: سقم يسقم سقماً وهو سقيمٌ، وقال بعض العرب: سقم، كما قالوا: كرم كرماً وهو كريمٌ، وعسر عسراً وهو عسيرٌ. وقالوا: السقم كما قالوا: الحزن. وقالوا: حزن حزناً وهو حزينٌ، جعلوه بمنزلة المرض لأنه داء. وقالوا: الحزن كما قالوا: السقم وقالوا في مثل وجع يوجع في بناء الفعل والمصدر وقرب المعنى: وجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ.
ومثله من بنات الياء ردى يردى ردىً وهو ردٍ، ولوى يلوى لوىً وهو لوٍ، ووجى يوجى وجىً وهو وجٍ، وعمى قلبه يعمى عمىً وهو عمٍ. إنما جعله بلاءً أصاب قلبه.
وجاء ما كان من الذعر والخوف على هذا المثال، لأنه داء قد وصل إلى فؤاده كما وصل ما ذكرنا إلى بدنه، وذلك قولك: فزعت فزعاً وهو فزعٌ، وفرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ، ووجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ، ووجر وجراً وهو وجرٌ. وقالوا: أوجر فأدخلوا أفعل ههنا على فعل لأن فعلاً وأفعل قد يجتمعان، كما يجتمع فعلان وفعلٌ. وذلك قولك: شعثٌ وأشعث، وحدبٌ وأحدبٌ، وجربٌ وأجرب. وهما في المعنى نحوٌ من الوجع.
وقالوا: كدرٌ وأكدر، وحمقٌ وأحمق، وقعسٌ وأقعس. فأفعل دخل في هذا الباب كما دخل فعلٌ في أخشن وأكدر، وكما دخل فعلٌ في باب فعلان.
ويقولون: خشنٌ وأخشن.
واعلم أن فرقته وفزعته إنما معناهما فرقت منه، ولكنهم حذفوا منه كما قالوا: أمرتك الخير، وإنما يريدون بالخير.
وقالوا: خشيته خشيةً وهو خاشٍ، كما قالوا: رحم وهو راحمٌ فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه، ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله.
وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه. قالوا: أشر يأشر أشراً وهو أشرٌ، وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ، وفرح يفرح فرحاً وهو فرحٌ، وجذل يجذل جذلاً وهو جذلٌ. وقالوا: جذلان، كما قالوا: كسلانٌ وكسلٌ، وسكران وسكرٌ.
وقالوا: نشط ينشط وهو نشيطٌ، كما قالوا: الحزين. وقالوا: النشاط، كما قالوا: السقام. وجعلوا السقام والسقيم كالجمال والجميل.
وقالوا: سهك يسهك سهكاً وهو سهكٌ، وقنم قنماً وهو قنمٌ، جعلوه كالداء لأنه عيبٌ. وقالوا: قنةٌ وسهكةٌ.
وقالوا: عقرت عقراً، كما قالوا: سقمت سقماً. وقالوا: عاقرٌ كما قالوا: ماكثٌ.
وقالوا: خمط خمطاً وهو خمطٌ، في ضد القنم. والقنم: السهك.
وقد جاء على فعل يفعل وهو فعلٌ وهو فعلٌ أشياء تقاربت معانيها، لأن جملتها هيج. وذلك قولهم: أرج يأرج أرجاً وهو أرجٌ، وإنما أراد تحرك الريح وسطوعها. وحمس يحمس حمساً وهو حمسٌ، وذلك حين يهيج ويغضب. وقالوا: أحمس كما قالوا: أوجر، وصار أفعل ههنا بمنزلة فعلان وغضبان.
وقد يدخل أفعل على فعلان كما دخل فعلٌ عليهما فلا يفارقهما في بناء الفعل والمصدر كثيراً، ولشبه فعلان بمؤنث أفعل. وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: رجلٌ أهيم وهيمان، يريدون شيئاً واحداً وهو العطشان.
وقالوا: سلس يسلس سلساً وهو سلسٌ، وقلق يقلق قلقاً وهو قلقٌ، ونزق ينزق نزقاً وهو نزقٌ، جعلوا هذا حيث كان خفةً وتحركاً مثل الحمس والأرج.
ومثله: غلق يغلق غلقاً، لأنه طيشٌ وخفةٌ. وكذلك الغلق في غير الأناسي لأنه قد خف من مكانه.
وقد بنوا أشياء على فعل يفعل فعلاً وهو فعلٌ، لتقاربها في المعنى، وذلك ما تعذر عليك ولم يسهل. وذلك: عسر يعسر عسراً وهو عسرٌ، وشكس يشكس شكساً وهو شكسٌ. وقالوا: الشكاسة، كما قالوا: السقامة. وقالوا: لقس يلقس لقساً وهو لقسٌ، ولحز يلحز لحزاً وهو لحزٌ. فلما صارت هذه الأشياء مكروهةً عندهم صارت بمنزلة الأوجاع، وصار بمنزلة ما رموا به من الأدواء.
وقد قالوا: عسر الأمر وهو عسيرٌ، كما قالوا: سقم وهو سقيمٌ. وقالوا: نكد ينكد نكداً وهو نكدٌ، وقالوا: أنكد كما قالوا: أجرب وجربٌ. وقالوا: لحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ، لأن معناه قريبٌ من معنى العسر.
باب فعلان ومصدره وفعله


أما ما كان من الجوع والعطش فإنه أكثر ما يبنى في الأسماء على فعلان ويكون المصدر الفعل، ويكون الفعل على فعل يفعل. وذلك نحو: ظمىء يظمأ ظمأ وهو ظمآن، وعطش يعطش عطشاً وهو عطشان، وصدى يصدى صدىً وهو صديان. وقالوا: الظماءة كما قالوا: السقامة، لأن المعنيين قريبٌ، كلاهما ضررٌ على النفس وأذىً لها.
وغرث يغرث غرثاً وهو غرثان، وعله يعله علهاً وهو علهان، وهو شدة الغرث والحرص على الأكل.
وتقول: عله كما تقول: عجلٌ، ومع هذا قرب معناه من وجع.
وقالوا: طوى يطوى طوىً وهو طيان. وبعض العرب يقول: الطوى فيبينه على فعلٍ، لأن زنة فعلٍ وفعلٍ شيء واحد، وليس بينهما إلا كسرة الأول.
وضد ما ذكرنا يجيء على ما ذكرنا، قالوا: شبع يشبع شبعا وهو شبعان، كسروا الشبع كما قالوا: الطوى، وشبهوه بالكبر والسمن حيث كان بناء الفعل واحداً.
وقالوا: روى يروى رياً وهو ريان، فأدخلوا الفعل في هذه المصادر كما أدخلوا الفعل فيها حين قالوا: السكر.
ومثله خزيان وهو الخزي للمصدر، وقالوا: الخزي في المصدر كما قالوا: العطش، اتفقت المصادر كاتفاق بناء الفعل والاسم.
وقد جاء شيءٌ من هذا على خرج يخرج، قالوا: سغب يسغب سغبا وهو ساغبٌ، كما قالوا: سلف يسفل سفلا وهو سافلٌ. ومثله جاع يجوع جوعا وهو جائع، وناع ينوع نوعا وهو نائعٌ. وقالوا: جوعان فأدخلوها ههنا على فاعل لأن معناه غرثان.
ومثل ذلك أيضاً من العطش: هام يهيم هيماً وهو هائمٌ، لأن معناه عطشان.
ومثل هذا قولهم: ساغبٌ وسغابٌ، وجائعٌ وجياعٌ، وهائمٌ وهيامٌ، لما كان المعنى معنى غراث وعطاش بني على فعال كما أدخل قوم عليه فعلان إذ كان المعنى معنى غراثٍ وعطاشٍ. وقالوا: سكر يسكر سكراً وسكراً، وقالوا: سكران، لما كان من الامتلاء جعلوه بمنزلة شبعان. ومثل ذلك ملآن.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: ملئت من الطعام، كما يقولون: شبعت وسكرت. وقالوا: قدحٌ نصفان وجمجمةٌ نصفى، وقدحٌ قربان وجمجمةٌ قربى، جعلوا ذلك بمنزلة الملآن لأن ذلك معناه معنى الامتلاء، لأن النصف قد امتلأ والقربان ممتلىءٌ أيضاً إلى حيث بلغ. ولم نسمعهم قالوا: قرب ولا نصف، اكتفوا بقارب ونصف، ولكنهم جاءوا به كأنهم يقولون: قرب ونصف، كما قالوا: مذاكير ولم يقولوا: مذكير ولا مذكارٌ، وكما قالوا: أعزل وعزلٌ ولم يقولوا: أعازل. وقالوا: رجلٌ شههوان وشهوى لأنه بمنزلة الغرثان والغرثى.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: شهيت شهوةً، فجاءوا بالمصدر على فعلة، كما قالوا: حرت تحار حيرةً وهو حيران.
وقد جاء فعلان وفعلى في غير هذا الباب: قالوا خزيان وخزيا، ورجلان ورجلى، وقالوا عجلان وعجلى. وقد دخل في هذا الباب فاعلٌ كما دخل فعلٌ فشبهوه، بسخط يسخط سخطاً وهو ساخطٌ، كما شبهوا فعلٌ يفزع يفزع فزعا وهو فزعٌ؛ وذلك قولهم، نادمٌ وراجلٌ وصادٍ.
وقالوا: غضبان وغضبى، وقالوا: غضب يغضب غضباً، جعلوه كعطش يعطش عطشاً وهو عطشان، لأن الغضب يكون في جوفه كا يكون العطش.
وقالوا: ملآنةٌ، شبهوه بخمصانةٍ وندمانةٍ.
وقالوا: ثكل يثكل ثكلاً، وهو ثكلان وثكلى، جعلوه كالعطش، لأنه حرارةٌ في الجوف.
ومثله لهفان ولهفى، ولهف يلهف لهفاً. وقالوا: حزنان وحزنى، لأنه غمٌّ في جوفه وهو كالثكل، لأن الثكل من الحزن. والندمان مثله وندمى.
وأما جربان وجربى فإنه لما كان بلاءً أصيبوا به بنوه على هذا كما بنوه على أفعل وفعلاء، نحو أجرب وجرباء.
وقالوا: عبرت تعبر عبراً، وهي عبرى مثل ثكلى، فالثكل مثل السكر، والعبر مثل العطش. وقالوا: عبرى ما قالوا: ثكلى.
وأما ما كان من هذا من بنات الياء والواو التي هي عينٌ فإنما تجيىء على فعل يفعل معتلةً لا على الأصل؛ وذلك عمت تعام عتمةً، وهو عيمان وهي عيمى، جعلوه كالعطش، وهو الذي يشتهي اللبن كما يشتهي ذاك الشراب، وجاءوا بالمصدر على فعلةٍ لأنه كان في الأصل على فعلٍ كما كان العطش ونحوه على فعلٍ، وكلنهم أسكنوا الياء وأماتوها كما فعلوا ذلك في الفعل، فكأن الهاء عوضٌ من الحركة.
ومثل ذلك: غرت تغار غيرةً وهو في المعنى كالغضبان. وقالوا: حرت تحار حيرةً، وهو حيران وهي حيرى، هو في المعنى كالسكران لأن كليهما مرتجٌ عليه.
باب ما يبنى على أفعل


أما الألوان فإنها تبنى على أفعل، ويكون الفعل على فعل يفعل، والمصدر على فعلةٍ أكثر. وربما جاء الفعل على فعل يفعل، وذلك قولك: أدم يأدم أدمةً، ومن العرب من يقول: أدم يأدم أدمةً، وشهب يشهب شهبةً، وقهب يقهب قهبةً، وكهب يكهب كهبةً. وقالوا: كهب يكهب كهبةً، وشهب يشهب شهبةً.
وقالوا: صدىء يصدأ صدأةً، وقالوا: أيضاً صدأ، كما قالوا: الغبس. والأغبس: البعير الذي يضرب إلى البياض. وقالوا: الغبسة كما قالوا: الحمرة.
واعلم أنهم يبنون الفعل منه على افعال، نحو اشهاب وادهام وايدام. فهذا لا يكاد ينكسر في الألوان. وإن قلت فيها: فعل يفعل أو فعل يفعل.
وقد يستغنى بافعال عن فعل وفعل وذلك نحو ارزاق، واخضار واصفار، واحمار، واشراب، وابياض، واسواد. واسود وابيض واخضر واحمر واصفر أكثر في كلامهم، لأنه كثر فحذفوه والأصل ذلك.
وقالوا: الصهوبة، فشبهوا ذلك بأرعن والرعونة.
وقالوا: البياض والسواد، كما قالوا: الصباح والمساء، لأنهما لونان بمنزلتهما، لأن المساء سوادٌ والصباح وضحٌ.
وقد جاء شتى من الألوان على فعل، قالوا: جون ووردٌ، وجاءوا بالمصدر على مصدر بناء أفعل إذ كان المعنى واحداً - يعني اللون - وذلك قولهم: الوردة والجونة.
وقد جاء شيء منه على فعيل، وذلك خصيفٌ، وقالوا: أخصف وهو أقيس. والخصيف: سوادٌ إلى الخضرة. وقد يبنى على أفعل ويكون الفعل على فعل يفعل والمصدر فعلٌ، وذلك ما كان داءً أو عيباً، لأن العيب نحو الداء، ففعلوا ذلك كما قالوا: أجرب وأنكد. وذلك قولهم: عور يعور عوراً وهو أعور، وأدر يأدر أدراً وهو آدر، وشتر يشتر شتراً وهو أشتر، وحبن يحبن حبناً وهو أحبن وصلع يصلع صلعاً وهو أصلع. وقالوا: رجلٌ أجذم وأقطع، وكأن هذا على قطع وجذم وان لم يتكلم به، كما يقولون شتر وأشتر وشترت عينه. فكذلك قطعت يده وجذمت يده. وقد يقال لموضع القطع: القطعة والقطعة والجذمة والجذمة، والصلعة والصلعة للموضع. وقالوا: امرأةٌ سهاء ورجلٌ أسته فجاءوا به على بناء ضده، وهو قولهم: رجل أرسح ورسحاء، وأخرم وخرماء وهو الخرم، كما قال بعضهم: أهضم وهضماء وهو الهضم.
وقالوا: أغلب أزبر، والأغلب: العظيم الرقبة، والأزبر: العظيم الزبرة، وهو موضع الكاهل على الكتفين. فجاءوا بهذا النحو على أفعل كما جاء على أفعل ما يكرهون.
وقالوا: آذن وأذناء كما قالوا: سكاء. وقالوا: أخلق وأملس وأجرد، كما قالوا: أخشن، فجاءوا بضده على بنائه. وقالوا: الخشنة كما قالوا: الحمرة، وقالوا: الخشونة كما قالوا: الصهوبة.
واعلم أن مؤنث كل أفعل صفة فعلاء، وهي تجري في المصدر والفعل مجرى أفعل، وقالوا: مال يميل وهو مائلٌ وأميل، فلم يجيئوا به على مال يميل وإنما وجه فعل من أميل ميل، كما قالوا: في الأصيد: صيد يصيد صيداً.
وقالوا: شاب يشيب كما قالوا: شاخ يشيخ، وقالوا: أشيب كما قالوا: أشمط، فجاءوا بالاسم على بناء ما معناه كمعناه، وبالفعل على ما هو نحوه أيضاً في المعنى.
وقالوا: أشعر، كما قالوا: أجرد للذي لا شعر عليه، وقالوا: أزب كما قالوا: أشعر. فالأجرد بمنزلة الأرسح.
وقالوا: هوج يهوج هوجاً وهو أهوج، كما قالوا: ثول يثول ثولاً وأثول، وهو الجنون.
باب أيضاً في الخصال
التي تكون في الأشياء
أما ما كان حسناً أو قبحاً فإنه مما يبنى فعله على فعل يفعل؛ ويكون المصدر فعالاً وفعالةً وفعلاً، وذلك قولك: قبح يقبح قباحةً، وبعضهم يقول قبوحةً، فبناه على فعولةٍ كما بناه على فعالةٍ. ووسم يوسم وسامةً، وقال بعضهم: وساماً فلم يؤنث، كما قالوا: السقام والسقامة. ومثل ذلك جمل جمالاً.
وتجيىء الأسماء على فعيل، وذلك: قبيحٌ، ووسيمٌ، وجميلٌ، وشقيحٌ، ودميمٌ.
وقالوا: حسنٌ فبنوه على فعل، كما قالوا بطلٌ. ورجلٌ قدمٌ وامرأةٌ قدمةٌ، يعني أن لها قدماً في الخير، فلم يجيئوا به على مثال جريء وشجاع، وكميٍّ، وشديد.
وأما الفعل من هذه المصادر فنحو: الحسن والقبح، والفعالة أكثر.
وقالوا: نضر وجهه ينضر، فبنوه على فعل يفعل مثل خرج يخرج، لأن هذا فعل لا يتعداك إلى غيرك كما أن هذا فعلٌ لايتعداك إلى غيرك.
وقالوا: ناضر كما قالوا: نضر. وقالوا: نضيرٌ كما قالوا وسيمٌ، فبنوه بناء ما هو نحوه في المعنى، وقالوا: نضرٌ كما قالوا حسن، غلا أن هذا مسكن الأوسط.


وقالوا: ضخمٌ ولم يقولوا: ضخيمٌ كما قالوا: عظيمٌ.
وقالوا: النضارة كما قالوا الوسامة.
ومثل الحسن: السبط، والقطط.
وقالوا: سبط سباطةً وسبوطةً.
ومثل النضر الجعد.
وقالوا: رجلٌ سبطٌ، كما بنوه على فعل.
وقالوا: ملح ملاحةً ومليحٌ، وسمح سماحةً وسمحٌ.
وقالوا: سميحٌ كقبيحٌ.
وقالوا: بهو يبهو بهاءً وبهيٌّ، كجمل جمالاً وهو جميلٌ.
وقالوا: شنع شناعةً وهو شنيع.
وقالوا: أشنع، فادخلوا أفعل في هذا إذ كان خصلةً فيه كاللون.
وقالوا: شنيعٌ كما قالوا خصيف، فأدخلوه على أفعل.
وقالوا: نظف نظافةً ونظيفٌ، كصبح صباحةً وصبيحٌ.
وقالوا: طهر طهراً وطهارةً وطاهرٌ، كمكث مكثاً وماكثٌ.
قال: هذيلٌ تقول: سميجٌ ونذيلٌ، أي نذلٌ وسمجٌ.
وقالوا: طهرت المرأة كما قالوا: طمثت، أدخلوها في باب جلست ومكثت؛ لأن مكثت نحو جلست في المعنى.
وما كان من الصغر والكبر فهو نحوٌ من هذا، قالوا: عظم عظامةً وهو عظيمٌ، ونبل نبالةً وهو نبيلٌ، وصغر صغارةً وهو صغيرٌ، وقدم قدامةً وهو قديمٌ.
وقد يجيىء المصدر على فعلٍ، وذلك قولك: الصغر والكبر، والقدم، والعظم، والضخم.
وقد يبنون الاسم على فعلٍ، وذلك نحو ضخمٍ، وفخمٍ، وعبلٍ. وجهمٌ نحوٌ من هذا.
وقد يجيىء المصدر على فعولةٍ كما قالوا القبوحة، وذلك قولهم: الجهومة والملوحة والبحوحة.
وقالوا: كثر كثارةً وهو كثيرٌ، وقالوا الكثرة: فبنوه على الفعلة، والكثير نحو من العظيم في المعنى إلا أن هذا في العدد.
وقد يقال للإنسان قليلٌ كما يقال قصيرٌ، فقد وافق ضده وهو العظيم، ألا ترى أن ضد العظيم الصغير وضد القليل الكثير، فقد وافق ضد الكثير ضد العظيم في البناء. فهذا يدلك على أنه نحو الطويل والقصير، ونحو العظيم والصغير.
والطول في البناء كالقبح، وهو نحوه في المعنى، لأنه زيادةٌ ونقصانٌ.
وقالوا: سمنٍ سمناً وهو سمينٌ، ككبر كبراً وهو كبيرٌ.
وقالوا: كبر علي الأمر كعظم.
وقالوا: بطن يبطن بطنةً وهو بطينٌ كما قالوا: عظيمٌ، وبطن ككبر.
وما كان من الشدة والجرأة والضعف والجبن فإنه نحوٌ من هذا، قالوا: ضعف ضعفاً وهو ضعيفٌ، وقالوا: شجع شجاعةً وهو شجاعٌ وقالوا: شجيعٌ. وفعالٌ أخو فعيلٍ.
وقد بنوا الاسم على فعالٍ كما بنوه على فعلوٍ فقالوا: جبانٌ، وقالوا: وقورٌ، وقالوا: الوقارة، كما قالوا: الرازانة.
وقالوا: جرء يجرؤ جرأةً وجراءةً، وهو جريء؟ ولغةٌ للعرب: الضعف كما قالوا: الظرف وظريفٌ، والفقر والفقير.
وقالوا: غلظ يغلظ غلظاً وهو غليظٌ، كما قالوا: عظم يعظم عظماً وهو عظيمٌ، إلا أن الغلظ للصلابة والشدة من الأرض وغيرها.
وقد يكون كالجهومة، وقالوا: سهل سهولةً وسهلٌ، لأن هذا ضد الغلظ كما أن الضعف ضد الشدة.
وقالوا: سهلٌ كما قالوا: ضخمٌ.
وقد قال بعض العرب: جبن يجبن كما قالوا: نضر ينضر.
وقالوا: قوي يقوى قوايةً وهو قويٌّ كما قالوا: سعد يسعد سعادةً وهو سعيدٌ. وقالوا: القوة كما قالوا: الشدة، إلا أن هذا مضموم الأول.
وقالوا: سرع يسرع سرعاً وهو سريعٌ، وبطؤ بطأ وهو بطيءٌ، كما قالوا: غلظ غلظاً وهو غليظٌ. وإنما جعلناهما في هذا الباب لأن أحدهما أقوى على أمره وما يريد.
وقالوا: البطء في المصدر كما قالوا: الجبن، وقالوا: السرعة، كما قالوا القوة، والسرع كما قالوا: الكرم.
ومثله ثقل ثقلاً وهو ثقيلٌ.
وقالوا: كمش كماشةً وهو كميشٌ، مثل سرع. والكماشة: الشجاعة.
وقالوا: حزن حزونةً للمكان، وهو حزنٌ، كما قالوا: سهل سهولةً وهو سهل. وقالوا: صعب صعوبةً وهو صعبٌ، لأن هذا إنما هو الغلظ والحزونة.
وما كان من الرفعة والضعة، وقالوا: الضعة، فهو نحوٌ من هذا، قالوا: غنى يغنى غنىً وهو غنيٌّ، كا قالوا: كبر يكبر كبراً وهو كبيرٌ، وقالوا: فقيرٌ كما قالوا: صغيرٌ وضعيفٌ، وقالوا: الفقر، كما قالوا: الضعف، وقالوا: الفقر كما قالوا: الضعف. ولم نسمعهم قالوا: فقر، كما لم يقولوا في الشديد شدد، استغنوا، باشتد وافتقر كما استغنوا باحمار عن حمر، وهذا هنا نحوٌ من الشديد والقوي والضعيف.
وقالوا: شرف شرفاً وهو شريفٌ، وكرم كرما وهو كريمٌ، ولؤم لآمةً وهو لئيمٌ كما قالوا: قبح قباحةً وهو قبيحٌ، ودنؤ دناءةً وهو دنيءٌ، وملؤ ملاءةً وهو مليءٌ.


وقالوا: وضع ضعةً وهو وضيعٌ. والضعة مثل الكثرة، والضعة مثل الرفعة. وقالوا: رفيعٌ ولم نسمعهم قالوا: رفع، وعليه جاء رفيعٌ وإن لم يتكلموا به، واستغنوا بارتفع.
وقالوا: نبه ينبه وهو نابهٌ، وهي النباهة، كما قالوا: نضر ينضر وجهه، وهو ناضرٌ، وهي النضارة، وقالوا: نبيه كما قالوا: نضيرٌ، جعلوه بمنزلة ما هو مثله في المعنى، وهو شريفٌ.
وقالوا: سعد يسعد سعادةً، وشقي يشقى شقاوةً، وسعيدٌ وشقيٌّ فأحدهما مرفوعٌ والآخر موضوعٌ، وقالوا: الشقاء، كما قالوا: الجمال واللذاذ، حذفوا الهاء استخفافاً.
وقالوا: رشد يرشد رشداً، وراشد، وقالوا: الرشد كما قالوا: سخط يسخط سخطاً والسخط وساخط.
وقالوا: رشيدٌ كما قالوا: سعيدٌ، وقالوا: الرشاد كما قالوا: الشقاء.
وقالوا: بخل يبخل بخلاً. فالبخل كاللؤم، والفعل كفعل شقي وسعد. وقالوا: بخيلٌ. وبعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول البخل كالكرم.
وقالوا: أمر علينا أمير، كنبه وهو نبيهٌ، والإمرة، كالرفعة، والإمارة كالولاية.
وقالوا: وكيلٌ ووصيٌّ وجريٌّ، كما قالوا: أميرٌ، لأنها ولاية.
ومثل هذا لتقاربه: الجليس، والعديل، والضجيع، والكميع، والخليط، والنزيع. فأصل هذا كله العديل، ألا ترى أنك تقول من هذا كله فاعلته.
وقد جاء فعلٌ، قالوا: خصمٌ. وقالوا: خصيمٌ.
وما أتى من العقل فهو نحوٌ من ذا، قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ، فجاء فعل في هذا الباب كما جاء فعل فيما ذكرنا.
وقالوا: ظرف ظرفاً وهو ظريفٌ، كما قالوا: ضعف ضعفا وهو ضعيفٌ، وقالوا في ضد الحلم: جهل جهلاً وهو جاهلٌ، كما قالوا: حرد حرداً وهو حاردٌ، فهذا ارتفاعٌ في الفعل واتضاع.
وقالوا: علم علماً، فالفعل كبخل يبخل، والمصدر كالحلم، وقالوا: علامٌ، كما قالوا في الضد: جاهلٌ، وقالوا: عليمٌ، كما قالوا: حليمٌ.
وقالوا: فقه وهو فقيهٌ، والمصدر فقهٌ، كما قالوا: علم علماً وهو عليمٌ.
وقالوا: اللب واللبابة ولبيبٌ، كما قالوا: اللؤم واللآمة ولئيمٌ.
وقالوا: فهم يفهم فهماً وهو فهم، ونقه ينقه نقهاً وهو ننقهٌ، وقالوا: النقاهة والفهامة، كما قالوا: اللبابة.
وسمعناهم يقولون: ناقةٌ، كما قالوا: عالمٌ.
وقالوا: لبق يلبق لباقةً وهو لبقٌ، لأن ذا علمٌ وعقلٌ ونفاذٌ، فهو بمنزلة الفهم والفهامة.
وقالوا: الحذق، كما قالوا: العلم، وقالوا: حذق يحذق، كما قالوا: صبر يصبر.
وقالوا: رفق يرفق رفقاً وهو رفيقٌ، كما قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ، وقالوا: رفق، كما قالوا: فقه.
وقالوا: عقل يعقل عقلاً وهو عاقلٌ، كما قالوا: عجز يعجز عجزاً وهو عاجزٌ. وقالوا: العقل، كما قالوا: الظرف، أدخلوه في باب عجز يعجز لأنه مثله في أنه لا يتعدى الفاعل.
وقالوا: رزن رزانةً، وهو رزينٌ ورزينةٌ.
وقالوا للمرأة: حصنت حصناً وهي حصانٌ، كجبنت جبناً وهي جبانٌ. وإنما هذا كالحلم والعقل.
وقالوا: حصنا، كما قالوا: علما، وقالوا: حصنا مثل قولهم: جبنا. ويقال لها أيضاً ثقالٌ ورزان.
وقالوا: صلف يصلف صلفاً وهو صلفٌ، كقولهم: فهم فهماً وفهمٌ.
وقالوا: رقع رقاعةً ورقيع، كقولهم: حمق حماقةً، لأنه مثله في المعنى. وقالوا: الحمق كما قالوا: الجبن، وقالوا: أحمق، كما قالوا: أشنع، وقالوا: خرق خرقا وأخرق، وقالوا: أحمق وحمقاء وحمقٌ. وقالوا: النواكة وأنوك، وقالوا: استنوك، ولم نسمعهم يقولون: نوك، كما لم يقولوا فقر. وقالوا: حمقٌ، فاجتمعا كما قالوا: نكدٌ وأنكد.
واعلم أن ما كان من التضعيف من هذه الأشياء فإنه لا يكاد بكون فيه فعلت وفعل، لأنهم قد يستثقلون فعل والتضعيف فلما اجتمعا حادوا إلى غير ذلك، وهو قولك: ذل يذل ذلاً وذلةً وذليلٌ، فالاسم والمصدر يوافق ما ذكرنا، والفعل يجيء على باب جلس يجلس.
وقالوا: شحيحٌ والشح، كالبخيل والبخل، وقالوا: شح يشح.
وقالوا: شححت كما قالوا: بخلت، وذلك لأن الكسرة أخف عليهم من الضمة، ألا ترى أن فعل أكثر في الكلام من فعل، والياء أخف عليهم من الواو وأكثر.
وقالوا: ضننت ضناً كرفقت رفقا، وقالوا: ضننت ضنانة، كسقمت سقامةً.
وليس شيءٌ أكثر في كلامهم من فعلٍ. ألا ترى أن الذي يخفف عضداً وكبداً لا يخفف جملاً.
وقالوا: لب يلب، وقالوا: اللب واللبابة واللبيب.


وقالوا: قل يقل قلةً ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف.
وقالوا: عف يعف عفة وعفيفٌ.
وزعم يونس أن من العرب من يقول لببت تلب، كما قالوا: ظرفت تظرف، وإنما قل هذا، لأن هذه الضمة تستثقل فيما ذكرت لك، فلما صارت فيما يستثقلون فاجتمعا فروا منهما.
باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك.
اعلم أنه يكون كل ما تعداك إلى غيرك على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل، وفعل يفعل، وفعل يفعل، وذلك نحو ضرب يضرب، وقتل يقتل، ولقم يلقم. وهذه الأضرب تكون فيما لا يتعداك، وذلك نحو جلس يجلس، وقعد يقعد، وركن يركن.
ولما لا يتعداك ضربٌ رابع لا يشركه فيه ما يتعداك، وذلك فعل يفعل نحو كرم يكرم، وليس في الكلام فعلته متعديا.
فضروب الأفعال أربعةٌ يجتمع في ثلاثةٍ ما يتعداك وما لا يتعداك، ويبين بالرابع مالا يتعدى، وهو فعل يفعل.
وليفعل ثلاثة أبنية يشترك فيها ما يتعدى وما لا يتعدى: يفعل ويفعل ويفعل، نحو يضرب ويقتل ويلقم.
وفعل على ثلاثة أبنية، وذلك فعل، وفعل، وفعل، نحو قتل ولزم ومكث. فالأولان مشتركٌ فيها المتعدي وغيره، والآخر لما لا يتعدى كما جعلته لما لا يتعدى حيث وقع رابعاً.
وقد بنوا فعل على يفعل في أحرف، كما قالوا: فعل يفعل فلزموا الضمة، وكذلك فعلوا بالكسرة فشبه به. وذلك حسب يحسب، ويئس ييئس، ويبس ييبس، ونعم ينعم. سمعنا من العرب من يقول:
وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
وقال:
واعوج غصنك من لحوٍ ومن قدم ... لا ينعم الغصن حتى ينعم الورق
وقال الفرزدق:
وكومٍ تنعم الأضياف عيناً ... وتصبح في مباركها ثقالا
والفتح في هذه الأفعال جيد، وهو أقيس.
وقد جاء في الكلام فعل يفعل في حرفين، بنوه على ذلك كما بنوا فعل على يفعل، لأنهم قد قالوا في فعل، فأدخلوا الضمة كما تدخل في فعل. وذلك فضل يفضل ومت تموت. وفضل يفضل ومت تموت أقيس.
وقد قال بعض العرب: كدت تكاد فقال فعلت تفعل كما قال فعلت أفعل، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمة. وهذا قول الخليل وهو شاذٌ من بابه كما أن فضل يفضل شاذ من بابه فكما شركت يفعل يفعل كذلك شركت يفعل يفعل. وهذه الحروف من فعل يفعل إلى منتهى الفصل شواذ.
هذا باب
ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث
وذلك قولك: رجعته رجعى، وبشرته بشرى، وذكرته ذكرى، واشتكيت شكوى، وأفتيته فتيا، وأعداه عدوى، والبقيا.
فأما الحذيا فالعطية، والسقيا ما سقيت، وأما الدعوى فهو ما ادعيت.
وقال بعض العرب: اللهم أشركنا في دعوى المسلمين.
وقال سبحانه وتعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " . وقال بشير بن النكث:
ولت ودعواها كثيرٌ صخبه
فدخلت الألف كدخول الهاء في المصادر. وقالوا: الكبرياء للكبر.
وأما الفعيلى فتجىء على وجهٍ آخر تقول: كان بينهم رمياً، فليس يريد قوله: رمياً، ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي، ولا يكون الرميا واحداً. وكذلك الحجيزي.
وأما الحثيثي فكثرة الحث كا أن الرميا كثرة الرمى، ولا يكون من واحد.
وأما الدليلي فإنما يراد به كثرة علمه بالدلالة ورسوخه فيها. وكذلك القتيتي، والهجيري: كثرة الكلام والقول بالشيء.
والخليفي: كثرة تشاغله بالخلافة وامتداد أيامه فيها.
باب ما جاء من المصادر على فعول
وذلك قولك: توضأت وضوءاً حسناً، وأولعت به ولوعا.
وسمعنا من العرب من يقول: وقدت النار وقوداً عالياً، وقبله قبولاً، والوقود أكثر. والوقود: الحطب.
وتقول: إن على فلان لقبولاً، فهذا مفتوح.
ومما جاء مخالفاً للمصدر لمعنىً قولهم: أصاب شبعه، وهذا شبعه، إنما يريد قدر ما يشبعه. وتقول: شبعت شبعاً، وهذا شبعٌ فاحشٌ، إنما تريد الفعل. وطعمت طعماً حسناً، وليس له طعمٌ، إنما يريد ليس للطعام طيبٌ.
وتقول: ملأت السقاء ملئاً شديداً، وهو ملء هذا، أي قدر ما يملأ هذا.
وقد يجيىء غير مخالف، تقول: رويت رياً وأصاب ريه، وطعمت طعماً وأصاب طعمه، ونهل نهلاً وأصاب نهله.
وتقول: خرصه خرصاً، وما خرصه، أي ما قدره. وكذلك الكيلة.
وقالوا: قته قوتاً. والقوت: الرزق، فلم يدعوه على بناء واحد، كما قالوا: الحلب في الحليب والمصدر. وقد يقولون الحلب وهم يعنون اللبن. ويقولون: حلبت حلباً يريدون الفعل الذي هو مصدر.


فهذه أشياء تجيء مختلفة ولا تطرد.
وقالوا: مريتها مرياً، إذا أرادوا عمله. ويقول: حلبتها مريةً لا يريد فعلةً، ولكنه يريد نحواً من الدرة والحلب.
وقالوا لعنةٌ للذي يلعن. واللعنة المصدر. وقالوا: الخلق، فسووا بين المصدر والمخلوق. فاعرف هذا النحو وأجره على سبيله.
وقالوا: كرع كروعاً. والكرع: الماء الذي يكرع فيه.
وقالوا: درأته درءاً، وهو ذو تدرإٍ، أي ذو عدة ومنعةٍ؛ لا تريد العمل.
وكاللعنة السبة، إذا أرادوا المشهور بالسب واللعن، فأجروه مجرى الشهرة.
وقد يجيء المصدر على المفعول، وذلك قولك: لبنٌ حلبٌ، إنما تريد محلوبٌ وكقولهم: الخلق إنما يريدون المخلوق. ويقولون للدرهم: ضرب الأمير، إنما يريدون مضروب الأمير.
ويقع على الفاعل، وذلك قولك يومٌ غمٌّ، ورجلٌ نومٌ، إنما تريد النائم والغام.
وتقول: ماءٌ صرىً، إنما تريد صرٍ خفيفٌ إذا تغير اللبن في الضرع. وهو صرىً. فتقول: هذا اللبن صرىً وصرٍ.
وقالوا: معشرٌ كرمٌ، فقالوا هذا كما يقولون: هو رضى، وإنما يريدون المرضي، فجاء للفاعل كما جاء للمفعول. وربما وقع على الجميع.
وجاء واحد الجميع على بنائه وفيه هاء التأنيث، كما قالوا: بيضٌ وبيضةٌ وجوز وجوزةٌ، وذلك قولك: هذا شمطٌ وهذه شمطةٌ، وهذا شيبٌ وهذه شيبةٌ.
باب ما تجيء فيه الفعلة
تريد بها ضربا من الفعل وذلك قولك: حسن الطعمة. وقتلته قتلة سوءٍ، وبئست الميتة، وإنما تريد الضرب الذي أصابه من القتل، والضرب الذي هو عليه من الطعم.
ومثل هذا الركبة، والجلسة، والقعدة.
وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى، وذلك نحو الشدة، والشعرة، والدرية. وقد قالوا: الدرية.
وقالوا: ليت شعري، في هذا الموضع، استخفافاً لأنه كثر في كلامهم، كما قالوا: ذهب بعذرتها، وقالوا: هو أبو عذرها، لأن هذا أكثر وصار كالمثل، كما قالوا: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، لأنه مثل، وهو أكثر في كلامهم من تحقير معدىٍّ في غير هذا المثل. فإن حقرت معدىٌّ ثقلت الدال فقلت معيدىٌّ.
وتقول: هو بزنته، تريد أنه بقدره. وتقول: العدة، كما تقول القتلة.
وتقول: الضعة والقحة، يقولون: وقاحٌ بين القحة، لا تريد شيئاً من هذا.
كما تقول: الشدة والدرية والردة وأنت تريد الارتداد.
وإذا أردت المرة الواحدة من الفعل جئت به أبداً على فعلةٍ على الأصل، لأن الأصل فعل. فإذا قلت الجلوس والذهاب ونحو ذلك فقد ألحقت زيادةً ليست من الأصل ولم تكن في الفعل. وليس هذا الضرب من المصادر لازماً بزيادته لباب فعل كلزوم الإفعال والاستفعال ونحوهما لأفعالهما. فكان ماجاء على فعل أصله عندهم الفعل في المصدر، فإذا جاءوا بالمرة جاءوا بها على فعلةٍ كما جاءوا بتمرةٍ على تمرٍ. وذلك: قعدت قعدةً وأتيت أتيةً.
وقالوا: أتيته إتيانةً، ولقيته لقاءةً واحدةً، فجاءوا به على المصدر المستعمل في الكلام. كما قالوا: أعطى إعطاءةً واستدرج استدراجةً.
ونحو إتيانةٍ قليلٌ، والاطراد على فعلةٍ.
وقالوا غزاةٌ، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قيل: حجةٌ، يراد به عمل سنةٍ. ولم يجيئوا به على الأصل، ولكنه اسمٌ لذا.
وقالوا: قنمةٌ، وسهلكةٌن وخمطةٌ، جعلوه اسماً لبعض الريح كالبنة والشهدة والعسلة، ولم يرد به فعل فعلة.
هذا باب
نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو
التي الياء والواو منهن في موضع اللامات قالوا: رميته رمياً وهو رامٍ، كما قالوا: ضربته ضرباً وهو ضاربٌ ومثل ذلك: مراه يمريه مرياً، وطلاه يطليه طلياً، وهو مارٍ وطالٍ. وغزا يغزوه غزواً وهو غازٍ، ومحاه يمحوه محوا وهو ماحٍ، وقلاه يقلو قلواً وهو قالٍ.
وقالوا: لقيته لقاءً، كما قالوا: سفدها سفاداً، وقالوا: اللقى كما قالوا النهوك. وقالوا: قليته فأنا أقليه قلىً، كما قالوا: شريته شرىً.
وقالوا: لمي يلمى لمياً، إذا اسودت شفته.
وقد جاء في هذا الباب المصدر على فعلٍ، قالوا: هديته هدىً، ولم يكن هذا في غير هدىً، وذلك لأن الفعل لا يكون مصدراً في هديت فصار هدىً عوضا منه.


وقالوا: قليته قلىً، وقريته قرىً، فاشركوا بينهما في هذا فصار عوضا من الفعل في المصدر، فدخل كل واحد منهما على صاحبه، كما قالوا: كسوةً وكسىً، وجذوةٌ وجذىً، وصوةٌ وصوىً، لأن فعلٌ وفعلٌ أخوان. ألا ترى أنك إذا كسرت على فعل فعلةً لم تزد على أن تحرك العين وتحذف الهاء. وكذلك فعلةٌ في فعل، فكل واحدٍ منهما أخٌ لصاحبه. ألا ترى أنه إذا جمع كل واحد منهما بالتاء جاز فيه ما جاز في صاحبه، إلا أن أول هذا مكسور وأول هذا مضموم، فلما تقاربت هذه الأشياء دخل كل واحد منهما على صاحبه. ومن العرب من يقول: رشوةٌ ورشاً، ومنهم من يقول: رشوةٌ ورشاً، وحبوةٌ وحباً، والأصل رشاً. وأكثر العرب يقول: رشاً وكسىً وجذىً.
وقالوا: شريته شرىً، ورضيته رضىً. فالمعتل يختص بأشياء، وستراه فيما تستقبل إن شاء الله.
وقالوا: عتا يعتو عتواًن كما قالوا خرج يخرج خروجاً، وثبت ثبوتاً. ومثله دنا يدنو دنواًن وثوى يثوي ثوياً، ومضى يمضي مضياً، وهو عاتٍ دانٍ وثاوٍ وماضٍ.
وقالوا: نمى ينمي نماءً، وبدا يبدو بداءً، ونثا ينثو نثاءً، وقضى يقضي قضاءً. وإنما كثر الفعال في هذا كراهية الياءات مع الكسرة، الواوات مع الضمة، مع أنهم قد قالوا: الثبات والذهاب. فهذا نظير للمعتل.
وقد قالوا: بدا يبدو بداً، ونثا ينثو نثاً، كما قالوا: حلب يحلب حلباً، سلب يسلب سلباً، وجلب يجلب جلباً.
وقالوا: جرى جرياً، وعدا عدواً، كما قالوا: سكت سكتاً.
وقالوا: زنى يزني زناً، وسرى يسري سرىً، والتقى، فصارتا ههنا عوضاً من فعلٍ أيضاً، فعلى هذا يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه لام.
وقالوا: قومٌ غزىً، وبدىً ، وعفىً، كما قالوا: ضمرٌ وشهدٌ وقرحٌ.
وقالوا: السقاء والجناء، كما قالوا: الجلاس والعباد والنساك.
وقالوا: بهو يبهو بهاءً وهو بهيٌّ، مثل جمل جمالاً وهو جميل.
وقالوا: سروا يسرو سرواً وهو سريٌّ، كما قالوا: ظرف يظرف ظرفاً وهو ظريفٌ.
وقالوا: بذو يبذو بذاءً وهو بذيٌّ كما قالوا: سقم سقاماً وهو سقيم وخبث وهو خبيثٌ. وقالوا: البذاء كما قالوا الشقاء. وبعض العرب يقول: بذيت، كما تقول: شقيت. ودهوت دهاءً وهو دهيٌّ، كما قالوا: ظرفت وهو ظريفٌ. وقالوا: الدهاء، كما قالوا: سمح سماحاً. وقالوا: داهٍ كما قالوا: عاقل.
ومثله في اللفظ عقر وعاقرٌ. وقالوا: دها يدهو وداهٍ، كما قالوا: عقل وعاقلٌ. وقالوا: دهيٌّ كما قالوا: لبيبٌ.
هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن عينات تقول: بعته بيعاً وكلته كيلاً، فأنا أكيله وأبيعه، وكائلٌ وبائعٌ، كما قالوا: ضربه ضرباً وهو ضاربٌ.
وقالوا: سقته سوقاً وقلته قولاً، وهو سائقٌ وقائلٌ، كما قالوا: قتله يقتله قتلاً وهو قاتلٌ.
وقالوا: زرته زيارةً، وعدته عيادةً، وحكته حياكةً، كأنهم أرادوا الفعول ففروا إلى هذا كراهية الواوات والضمات.
وقد قالوا مع هذا: عبده عبادةً، فهذا نظير عمرت الدار عمارةً. وقالوا: خفته فأنا أخافه خوفاً وهو خائفٌ، جعلوه بمنزلة لقمته فأنا ألقمه لقماً وهو لاقمٌ، وجعلوا مصدره على مصدره لأنه وافقه في الفعل والتعدي.
وقالوا: هبته فأنا أهابه هيبةً وهو هائبٌ، كما قالوا: خشيته وهو خاشٍ، والمصدر خشيةٌ وهيبةٌ.
وقد قال بعض العرب: هذا رجلٌ خافٌ، شبهوه بفرقٍ وفزع إذ كان المعنى واحداً.
وقالوا: نلته فأنا أناله نيلاً وهو نائل، كما قالوا: جرعه جرعاً وهو جارعٌ، وحمده حمداً وهو حامدٌ.
وقالوا: ذمته فأنا أذيمه ذاماً، وعبته أعيبه عاباً، كما قالوا: سرقه يسرقه سرقا. وقالوا: عيباً.
وقالوا: سؤته سوءاً وقته قوتاً، وساءني سوءاً، تقديره فعلاً، كما قالوا: شغلته شغلاً وهو شاغلٌ.
وقالوا: عفته فأنا أعافه عيافةً وهو عائفٌ، كما قالوا: زدته زيادةً. وبناء الفعل بناء نلت.
وقالوا: سرته فأنا أسوره سؤوراً، وهو سائرٌ. وقالوا: غرت فأنا أغور غؤوراً وهو غائرٌ، كما قالوا: جمد جموداً وهو جامدٌ، وقعد قعوداً وهو قاعدٌ، وسقط سقوطاً وهو ساقط.
وقالوا: غرت في الشيء غؤوراً وغياراً، إذا دخلت فيه، كقولهم: يغور في الغور. وقال الأخطل:
لما أتوها بمصباحٍ ومبزلهم ... سارت إليهم سؤور الأبجل الضاري
وقال العجاج:


ورب ذي سرادقٍ محجور ... سرت إليه في أعالي السور
وقالوا: غابت الشمس غيوباً، وبادت تبيد بيوداً، كما قالوا: جلس يجلس جلوساً، ونفر ينفر نفوراً.
وقالوا: قام يقوم قياماً، وصام يصوم صياماًن كراهية للفعول.
وقالوا: آبت الشمس إياباً، وقال بعضهم: أؤوباً، كما قالوا: الغؤور والسؤور، ونظيرها من غير المعتل الرجوع.
ومع هذا أنهم أدخلوا الفعال، كما قالوا: النفار والنفور، وشب شباباً وشبوبا، فهذا نظيره من العلة. وقالوا: ناح ينوح نياحةً، وعاف يعيف عيافةً، وقاف يقوف قيافة فراراً من الفعول. وقالوا: صاح صياحاً وغابت الشمس غيابا، كراهية للفعول في بنات الياء، كما كرهوا في بنات الواو.
وقالوا: دام يدوم دواما وهو دائمٌ، وزال يزول زوالاً وهو زائلٌ وراح يروح رواحا وهو رائحٌ، كراهية للفعول.
وله نظائر أيضاً: الذهاب والثبات.
وقالوا: حاضت حيضا، وصامت صوما، وحال حولاً؛ كراهية الفعول، ولأن له نظيراً نحو سكت يسكت سكتا، وعجز يعجز عجزاً، ومثل ذلك مال يميل ميلاً.
فعىل ما ذكرت لك يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه عينه.
وقالوا: لعت تلاع لاعاً، وهو لاعٌ، كما قالوا: جزع يجزع جزعاً وهو جزعٌ.
وقالوا: دئت تداء داء وهو داءٌ، فاعلم، كا قالوا: وجع يوجع وجعا وهو وجعٌ. وقالوا: لعت وهو لاعئٌ مثل بعت وهو بائعٌ، ولاعٌ أكثر.
هذا باب نظائر بعض ما ذكرنا من بنات الواو التي الواو فيهن فاءٌ تقول: وعدته فأنا أعده وعداً، ووزنته فأنا أزنه وزناًن ووأدته فأنا أئده وأداً، كما قالوا: كسرته فأنا أكسره كسراً.
ولا يجيء في هذا الباب يفعل، وسأخبرك عن ذلك إن شاء الله.
وإعلم أن ذا أصله على قتل يقتل وضرب يضرب، فلما كان من كلامهم استثقال الواو مع الياء حتى قالوا: ياجل ويبجل، كانت الواو مع الضمة أثقل، فصرفوا هذا الباب إلى يفعل، فلما صرفوه إليه كرهوا الواو بين ياء وكسرةٍ إذ كرهوها مع ياء فحذفوها، فهم كأنهم إنما يحذفونها من يفعل. فعلى هذا بناء ما كان على فعل من هذا الباب.
وقد قال ناسٌ من العرب: وجد يجد، كأنهم حذفوها من يوجد، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام.
وقالوا: ورد يرد وروداً، ووجب يجب وجوباً، كما قالوا: خرج يخرج خروجاً، وجلس يجلس جلوساً.
وقالوا: وجل يوجل وهو وجلٌ فأتموها، لأنها لا كسرة بعدها، فلم تحذف، فرقوا بينها وبين يفعل.
وقالوا: وضؤ يوضؤ، ووضع يوضع، فأتموا ما كان على فعل كما أتموا ما كان على فعل، لأنهم لم يجدوا في فعل مصرفاً إلى يفعل كما وجدوه في باب فعل نحو ضرب وقتل وحسب، فلما لم يكن يدخله هذه الأشياء وجرى على مثالٍ واحد، سلموه وكرهوا الحذف، لئلا يدخل في باب ما يختلف يفعل منه، فألزموه التسليم لذلك.
وقالوا: ورم يرم وورع يرع ورعاً وورماً، ويورع لغة، ووغر صدره يغر ووحر يحر وحراً ووغراً، ووجد يجد وجداً، ويوغر ويوحر أكثر وأجود، يقال يوغر ويوحر ولا يقال يورم، وولي يلي، أصل هذا يفعل، فلما كانت الواو في يفعل لازمة وتستثقل صرفوه من باب فعل يفعل إلى باب يلزمه الحذف، فشركت هذه الحروف وعد، كما شركت حسب يحسب وأخواتها ضرب يضرب وجلس يجلس. فلما كان هذا في غير المعتل كان في المعتل أقوى.
وأما ما كان من الياء فإنه لا يحذف منه، وذلك قولك، يئس ييئس، ويسر ييسر، ويمن ييمن؛ وذلك أن الياء أخف عليهم؛ ولأنهم قد يفرون من استثقال الواو ومع الياء إلى الياء في غير هذا الموضع، ولا يفرون من الياء إلى الواو فيه؛ وهي أخف. وسترى ذلك إن شاء الله. فلما كان أخف عليهم سلموه.
وزعموا أن بعض العرب يقول: يئس يئس فاعلم؛ فحذفوا الياء من يفعل لاستثقال الياءات ههنا مع الكسرات، فحذف كما حذف الواو. فهذه في القلة كيجد.
وإنما قل مثل يجد لأنهم كرهوا الضمة بعد الياء كما كرهوا الواو بعد الياء فيما ذكرت لك، فكذلك ما هو منها، فكانت الكسرة مع الياء أخف عليهم؛ كما أن الياء مع الياء أخف عليهم؛ في مواضع ستبين لك، إن شاء الله، من الواو.
وأما وطئت ووطىء يطأ؛ ووسع يسع، فمثل ورم يرم وومق يمق، ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر، كما قالوا: قلع يقلع وقرأ يقرأ، فتحوا جميع الهمزة وعامة بنات العين. ومثله وضع يضع.
باب افتراق فعلت وأفعلت
في الفعل للمعنى


تقول: دخل وخرج وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا قلت: أخرجه وأدخله وأجلسه.
وتقول: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته، وجاء وأجأته؛ فأكثر ما يكون على فعل إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت.
ومن ذلك أيضاً مكث وأمكثته.
وقد يجيى الشيء على فعلت فيشرك أفعلت، كها أنهما قد يشتركان في غير هذا؛ وذلك قولك: فرح وفرحته، وإن شئت قلت أفرحته؛ وغرم وغرمته، وأغرمته إن شئت؛ كما تقول: فزعته وأفزعته.
وتقول: ملح وملحته؛ وسمعنا من العرب من يقول: أملحته، كما تقول: أفزعته.
وقالوا: ظرف وظرفته، ونبل ونبلته؛ ولا يستنكر أفعلت فيهما؛ ولسكن هذا أكثر واستغني به.
ومثل أفرحت وفرحت: أنزلت ونزلت، قال الله عز وجل: " لولا أنزل عليه آيةٌ من ربه قل إن الله قادرٌ على أن ينزل آيةً " ، وكثرهم وأكثرهم، وقللهم وأقلهم.
وأما طردته فنحيته، وأطردته: جعلته طريداً هارباً، وطردت الكلاب الصيد أي جعلت تنحيه.
ويقال طلعت أي بدوت، وطلعت الشمس أي بدت. وأطلعت عليهم أي هجمت عليهم.
وشرقت: بدت؛ وأشرقت: أضاءت. وأسرع: عجل. وأبطأ: احتبس. وأما سرع وبطؤ فكأنهما غريزة كقولك: خف وثقل، ولا تعديهما إلى شيء، كما تقول: طولت الأمر وعجلته.
وتقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته، ورجع ورجعته. وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزيناً وجعلته فاتناً، كما أنك حين قلت: أدخلته أردت جعلته داخلاًن ولكنك أدرت أن تقول: جعلت فيه حزناً وفتنةً، فقلت فتنته كما قلت كحلته، أي جعلت فيه كحلاً، ودهنته جعلت فيه دهناً، فجئت بفعلته على حدةٍ، ولم ترد بفعلته ههنا تغيير قوله حزن وفتن. ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته. وفتن من فتنته كحزن من حزنته.
ومثل ذلك: شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر الرجل لم تقل إلا أشترته، كما تقول: فزع وأفزعته. وإذا قال: شترت عينه فهو لم يعرض لشتر الرجل، فإنما جاء ببنناء على حدة. فكل بناء مما ذكرت لك على حدةٍ. كما أنك إذا قلت طردته فذهب فاللفظان مختلفان.
ومثل حزن وحزنته: عورت عينه وعرتها. وزعموا أن بعضهم يقول: سودت عينه وسدتهأ، كما قالوا: عورت عينه وعرتها.
وقد اختلفوا في هذا البيت لنصيبٍ فقال بعضهم:
سودت فلم أملك سوادي وتحته ... قميصٌ من القوهي بيضٌ بنائقه
وقال بعضهم: سدت، يعني فعلت.
وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا جعلته حزيناً وفاتناًن فغيروا فعل كما فعلوا ذلك في الباب الأول.
وقالوا: عورت عينه كما قالوا: فرحته، وكما قالوا: سودته.
ومثل فتن وفتنته: جبرت يده وجبرتها، وركضت الدابة وركضتها، ونزحت الركية ونزحتها، وسار الدابة وسرتها.
وقالوا: رجس الرجل ورجسته، ونقص الدرهم ونقصته. ومثله غاض الماء وغضته.
وقد جاء فعلته إذا أردت أن تجعله مفعلاً، وذلك: فطرته فأفطر، وبشرته فأبشر. وهذا النحو قليل.
فأما خطأته فإنما أردت سميته مخطئاً، كما أنك حيث قلت: فسقته وزنيته، أي سميته بالزنا والفسق. كما تقول: حييته أي استقبلته بحياك الله، كقولك: سقيته ورعيته، أي قلت له: سقاك الله ورعاك الله، كما قلت له يا فاسق. وخطأته قلت له يا مخطىء. ومثل هذا: لحنته.
وقالوا: جدعته وعقرته، أي قلت له: جدعك الله وعقرك الله. وأفقت به، أي قلت له أفٍّ.
وقالوا: أسقيته في معنى سقيته، فدخلت على فعلت كما تدخل فعلت عليها، يعني في فرحت ونحوها. وقال ذو الرمة:
وقفت على ربعٍ لمية ناقتي ... فما زلت أبكي حوله وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه
وتجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر، وذلك قولك: أقتلته أي عرضته للقتل. ويجيء مثل قبرته وأقبرته، فقبرته: دفنته، وأقبرته: جعلت له قبراً.
وتقول: سقيته فشرب، وأسقيته: جعلت له ماءً وسقيا. ألا ترى أنك تقول: أسقيته نهراً. وقال الخليل: سقيته وأسقيته، أي جعلت له ماءً وسقيا. فسقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته.
ومثله: شفيته وأشفيته، فشفيته: أبرأته، وأشفيته: وهبت له شفاءً كما جعلت له قبراً.
وتقول: أجرب الرجل وأنحز وأحال، أي صار صاحب جربٍ وحيالٍ ونحازٍ في ماله. وتقول لما أصابه: هذا نحزٌ وجربٌ وحائلٌ للناقة.


ومثل ذلك: مشدٌّ، ومقطفٌ: ومقوٍ، أي صاحب قوةٍ وشدةٍ وقطافٍ في ماله.
ويقال: قوي الدابة وقطف.
ومثل ذلك قول الرجل: ألام الرجل أي صار صاحب لائمةٍ.
وتقول: قد لامه، أي أخبر بأمره.
ومثل هذا قولهم: أسمنت وأكرمت فاربط، وألامت.
ومثل هذا أصرم النخل وأمضغ، وأحصد الزرع، وأجز النخل وأقطع، أي قد استحق أن تفعل به هذه الأشياء، كما استحق الرجل أن تلومه. فإذا أخبرت أنك قد أوقعت به قلت: قطعت وصرمت وجززت، وأشباه ذلك.
وقالوا: حمدته أي جزيته وقضيته حقه، فأما أحمدته فتقول وجدته مستحقاً للحمد مني، فإنما تريد أنك استبنته محموداً كما أن أقطع النخل استحق القطع، وبذلك استنبت أنه استحق الحمد، كما تبين لك النخل وغيره، فكذلك استبنته فيه.
وقالوا: أراب، كما قالوا: ألام، أي صار صاحب ريبةٍ، كما قالوا: ألام أي استحق أن يلام. وأما رابني فإنه يقول: جعل لي ريبةً، كما تقول: قطعت النخل أي أوصلت إليه القطع واستعملته فيه.
ومثل ذلك: أبقت المرأة وأبق الرجل وبقت ولداً، وبققت كلاماً كقولك: نثرت ولداً ونثرت كلاماً.
ومثل المجرب والمقطف: المعسر والموسر والمقل. وأما عسرة فتقول ضيقت عليه، ويسرته: تقول وسعت عليه.
وقد يجيء فعلت وأفعلت المعنى فيهما واحد، إلا أن اللغتين اختلفتا. زعم ذلك الخليل. فيجيء به قوم على فعلت، ويلحق قوم فيه الألف فيبنونه على أفعلت. كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت لا يستعمل غيره، وذلك قلته البيع وأقلته، وشغله وأشغله، وصر أذنيه وأصر أذنيه وبكر وأبكر، وقالوا: بكر فأدخلوه مع أبكر وبكر كأبكر فقالوا أبكر كما قالوا: أدنف الرجل فبنوه على أفعل، وهو من الثلاثة، ولم يقولوا: دنف كما قالوا: مرض. وأبكر كبكر. وكما قالوا: أشكل أمرك.
وقالوا: حرثت الظهر واحرثته.
ومثل أدنفت: أصبحنا، وأمسينا، وأسحرنا، وأفجرنا، شهوه بهذه التي تكون في الأحيان.
ومثل ذلك: نعم الله بك عيناً، وأنعم الله بك، وزلته من مكانه وأزلته.
وتقول: غفلت؛ أي صرت غافلاً، وأغفلت إذا أخبرت أنك تركت شيئاً ووصلت غفلتك إليه. وإن شئت قلت: غفل عنه فاجتزأت بعنه عن أغفلته؛ لأنك إذا قلت عنه فقد أخبرت بالذي وصلت غفلتك إليه.
ومثل هذا: لطف به وألطف غيره، ولطف به كغفل عنه، وألطفه كأغفله. ومثل ذلك بصر وما كان بصيراً، وأبصره إذا أخبر بالذي وقعت رؤيته عليه.
ووهم يهم وأوهم يوهم، مثل غفل وأغفل.
وقد يجيء فعلت وأفعلت في معنى واحدٍ مشتركين كما جاء فيما صيرته فاعلاً ونحوه؛ وذلك وعزت إليه وأوعزت إليه، وخبرت وأخبرت، وسميت وأسميت. وقد يجيئان مفترقين، مثل علمته وأعلمته، فعلمت: أدبت، وأعلمت: آذنت، وآذنت: أعلمت؛ وأذنت: النداء والتصويت بإعلانٍ. وبعض العرب يجري أذنت وآذنت مجرى سميت وأسميت.
وتقول: أمرضته، أي جعلته مريضاً، ومرضته، أي قمت عليه ووليته. ومثله أقذيت عينه أي جعلتها قذيةً، وقذيتها: نظفتها.
وتقول: أكثر الله فينا مثلك، أي أدخل الله فينا كثيراً مثلك، وتقول للرجل: أكثرت، أي جئت بالكثير، وأما كثرت فأن تجعل قليلاً كثيراً، وكذلك قللت وكثرت. وإذا جاء بقليلٍ قلت: أقللت وأوتحت. وتقول: أقللت وأكثرت أيضاً في معنى قللت وكثرت.
وتقول: أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا، وذلك إذا صرت في حين صبحٍ ومساءٍ وسحرٍ، وأما صبحنا ومسينا وسحرنا فتقول: أتيناه صباحاً ومساءً وسحراً، ومثله بيتناه: أتيناه بياتا.
وما بني على يفعل: يشجع ويجبن ويقوى، أي يرمى بذلك، ومثله قد شنع الرجل أي رمي بذلك وقيل له.
وقالوا: أغلقت الباب، وغلقت الأبواب حين كثروا العمل، وسترى نظير ذلك في باب فعلت إن شاء الله. وإن قلت أغلقت الأبواب كان عربياً جيداً، وقال الفرزدق:
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
ومثل غلقت وأغلقت أجدت وجودت وأشباهه.
وكان أبو عمرو أيضاً يفرق بين نزلت وأنزلت.
ويقال أبان الشيء نفسه وأبنته، واستبان واستبنته، والمعنى واحدٌ، وذا هاهنا بمنزلة حزن وحزنته في فعلت، وكذلك بين وبينته.
باب دخول فعلت على فعلت
لا يشركه في ذلك أفعلت
تقول: كسرتها وقطعتها، فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسرته وقطعته ومزقته.


ومما يدلك على ذلك قولهم: علطت البعير وإبلٌ معلطةٌ وبعيرٌ معلوطٌ. وجرحته وجرحتهم. وجرحته: أكثرت الجراحات في جسده.
وقالوا: ظل يفرسها السبع ويؤكلها، إذا أكثر ذلك فيها.
وقالوا: موتت وقومت، إذا أردت جماعة الإبل وغيرها. وقالوا: يجول أي يكثر الجولان، ويطوف أي يكثر التطويف.
واعلم أن التخفيف في هذا جائز كله عربي، إلا أن فعلت إدخالها ههنا لتبيين الكثير. وقد يدخل في هذا التخفيف كما أن الركبة والجلسة قد يكون معناهما في الركوب والجلوس، ولكن بينوا بها هذا الضرب فصار بناءً له خاصاً، كما أن هذا بناءٌ خاصٌّ للتكثير، وكما أن الصوف والريح قد يكون فيه معنى صوفةٍ ورائحة.
قال الفرزدق:
ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
وفتحت في هذا أحسن، كما أن قعدة في ذلك أحسن. وقد قال جل ذكره: " جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب " ، وقال تعالى: " وفجرنا الأرض عيوناً " .
فهذا وجه فعلت وفعلت مبيناً في هذه الأبواب، وهكذا صفته.
باب ما طاوع الذي فعله على فعل
وهو يكون على انفعل وافتعل
وذلك قولك: كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، وحسرته فانحسرن، وشويته فانشوى، وبعضهم يقول: فاشتوى. وغممته فاغتم، وانغم عربية. وصرفته فانصرف، وقطعته فانقطع.
ونظير فعلته فانفعل وافتعل: أفعلته ففعل، نحو أدخلته فدخل، وأخرجته فخرج، ونحو ذلك.
وربما استغني عن انفعل في هذا الباب فلم يستعمل، وذلك قولهم: طردته فذهب، ولا يقولون: فانطرد ولا فاطرد. يعني أنهم استغنوا عن لفظه بلفظ غيره إذ كان في معناه.
ونظير هذا فعلته فتفعل، نحو كسرته فتكسر، وعشيته فتعشى، وغديته فتغدى. وفي فاعلته فتفاعل، وذلك نحو ناولته فتناول، وفتحت التاء لأن معناه معنى الانفعال والافتعال؛ قال يقول معناه معنى يتفعل في فتحة الياء في المضارع. كذلك تقول: تناول يتناول، فتفتح الياء ولا تكون مضمومة كما كانت يناول، لأن المعنى للمطاوعة معنى انفعل وافتعل.
ونظير ذلك في بنات الأربعة على مثال تفعلل نحو دحرجته فتدحرج، وقلقلته فتقلقل، ومعددته فتمعدد، وصعررته فتصعرر. وأما تقيس وتنزر وتتمم، فإنما يجري على نحو كسرته فتكسر، كأنه قال تمم فتتمم، وقيس فتقيس، كا قالوا: نزرهم فتنزروا.
وكذلك كل شيء جاء على زنة فعلله عدد حروفه أربعة أحرف، ما خلا أفعلت، فإنه لم يلحق ببنات الأربعة.
باب ما جاء فعل منه على غير فعلته
وذلك نحو: جن، وسل، وزكم، وورد. وعلى ذلك قالوا: مجنونٌ ومسلولٌ، ومزكومٌ، ومحمومٌ، ومورودٌ.
وإنما جاءت هذه الحروف على جننته وسللته وإن لم يستعمل في الكلام، كما أن يدع على ودعت، ويذر على وذرت وإن لم يستعملا، استغني عنهما بتركت، واستغني عن قطع بقطع. وكذلك استغني عن جننت ونحوها بأفعلت. فإذا قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل. كما قالوا: حزن وفسل ورذل. وإذا قالوا: جننت فكأنهم قالوا جعل فيك جنونٌ، كما أنه إذا قال أقبرته فإنما يقول: وهبت له قبراً وجعلت له قبرا.
وكذلك أحزنته وأحببته. فإذا قلت محزونٌ ومحبوبٌ جاء على غير أحببت. وقد قال بعضهم: حببت، فجاء به على القياس.
باب دخول الزيادة في فعلت للمعاني
اعلم أنك إذا قلت: فاعلته، فقد كان من غيرك إليك مثل ما كان منك إليه حين قلت فاعلته.
ومثل ذلك: ضاربته، وفارقته، وكارمته، وعازني وعاززته، وخاصمني وخاصمته. فإذا كنت أنت فعلت قلت: كارمني فكرمته.
واعلم أن يفعل من هذا الباب على مثال يخرج، نحو عازني فعززته أعزه، وخاصمني فخصمته أخصمه، وشاتمني فشتمته أشتمه. وتقول: خاصمني فخصمته أخصمه.
وكذلك جميع ما كان من هذا الباب، إلا ما كان من الياء مثل رميت وبعت، وما كان من باب وعد، فإن ذلك لا يكون إلا على أفعله، لأنه لا يختلف ولا يجيء إلا على يفعل.
وليس في كل شيء يكون هذا. ألا ترى أنك لا تقول نازعني فنزعته، استغني عنها بغلبته وأشباه ذلك.
وقد تجيء فاعلت لا تريد بها عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت، وذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله، وسافرت، وظاهرت عليه، وناعمته. بنوه على فاعلت كما بنوه على أفعلت.
ونحو ذلك: ضاعفت وضعفت، مثل ناعمت ونعمت، فجاءوا به على مثال عاقبته.


وتقول: تعاطينا وتعطينا؛ فتعاطينا من اثنين وتعطينا بمنزلة غلقت الأبواب، أراد أن يكثر العمل.
وأما تفاعلت فلا يكون إلا وأنت تريد فعل اثنين فصاعداً، ولا يجوز أن يكون معملاً في مفعولٍ، ولا يتعدى الفعل إلى منصوب.
ففي تفاعلنا يلفظ بالمعنى الذي كان في فاعلته. وذلك قولك: تضاربنا، وترامينا، وتقاتلنا.
وقد يشركه افتعلنا فتريد بهما معنىً واحدا، وذلك قولهم: تضاربوا واضطربوا، وتقاتلوا واقتتلوا، وتجاوروا واجتوروا، وتلاقوا والتقوا.
وقد يجيىء تفاعلت على غير هذا كما جاء عاقبته ونحوها، لا تريد بها الفعل من اثنين. وذلك قولك: تماريت في ذلك، وتراءيت له وتقاضيته، وتعاطيت منه أمراً قبيحاً.
وقد يجيىء تفاعلت ليريك أنه في حالٍ ليس فيها. من ذلك: تغافلت، وتعاميت، وتعاييت، وتعاشيت وتعارجت، وتجاهلت. قال: إذا تخازرت وما بي من خزر فقوله: وما بي من خزر يدلك على ما ذكرنا.
وقالوا: تذاءبت الريح وتناوحت وتذأبت، كما قالوا: تعطينا، وتقديرها: تذعبت وتذاعبت.
باب استفعلت
تقول: استجدته أي أصبته جيداً، واستكرمته أي أصبته كريماً. واستعظمته أي أصبته عظيماً، واستسمنته أي أصبته سميناً.
وقد يجيىء استفعلت على غير هذا المعنى كما جاء تذاءبت وعاقبت، تقول: استلأم، واستخلف لأهله كما تقول أخلف لأهله، المعنى واحد.
وتقول: استعطيت أي طلبت العطية، واستعتبته أي طلبت إليه العتبى. ومثل ذلك استفهمت واستخبرت، أي طلبت إليه أن يخبرني؟ ومثله: استثرته.
وتقول: استخرجته، أي لم أزل أطلب إليه حتى خرج. وقد يقولون: اخترجته، شبهوه بافتعلته وانتزعته.
وقالوا: قر في مكانه واستقر، كما يقولون: جلب الجرح وأجلب، يريدون بهما شيئاً واحداً، كما بني ذلك على أفعلت بني هذا على استفعلت.
وأما استحقه فإنه يكون طلب حقه، وأما استخفه فإنه يقول طلب خفته. وكذلك استعمله أي طلب إليه العمل، وكذلك استعجلت، ومر مستعجلاً أي مر طالباً ذاك من نفسه متكلفاً إياه.
وأما علا قرنه واستعلاه فإنه مثل قر واستقر وقالوا في التحول من حالٍ إلى حال هكذا، وذلك قولك: استنوق الجمل، واستتيست الشاة.
وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمرٍ حتى يضاف إليه ويكون من أهله فإنك تقول: تفعل، وذلك تشجع وتبصر وتحلم وتجلد، وتمرأ، وتقديرها تمرع، أي صار ذا مروءة، وقال حاتم طيىء:د
تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
وليس هذا بمنزلة تجاهل؛ لأن هذا يطلب أن يصير حليما.
وقد يجيء تقيس وتنز وتعرب على هذا.
وقد دخل استفعل ههنا، قالوا: تعظم واستعظم، وتكبر واستكبر.
كما شاركت تفاعلت تفعلت الذي ليس في هذا المعنى، ولكنه استثباتٌ، وذلك قولهم: تيقنت واستيقنت، وتبينت واسبنت: وتثبت واستثبت.
ومثل ذلك - يعني تحلم - تقعدته أي ريثته عن حاجته وعقته. ومثله: تهيبني كذا وكذا، وتهيبتني البلاد، وتكاءدني ذاك الأمر تكاؤداً، أي شق علي.
وأما قوله: تنقصته وتنقصني فكأنه الأخذ من الشيء الأول فالأول.
وأما تفهم وتبصر وتأمل، فاستثباتٌ بمنزلة تيقن.
وقد تشركه استفعل نحو استثبت.
وأما يتجرعه، ويتحساه ويتفوقه، فهو يتنقصه، لأنه ليس من معالجتك الشيء بمرة، ولكنه في مهلةٍ.
وأما تعقله فهو نحو تقعده، لأنه يريد أن يختله عن أمرٍ يعوقه عنه. ويتملقه نحو ذلك، لأنه إنما يديره عن شيء.
وقال: تظلمني، أي ظلمني مالي، فبناه في هذا الموضع على تفعل، كما قالوا: جزته وجاوزته وهو يريد شيئاً واحداً، وقلته وأقلته ولقته وألقته، وهو إذا لطخته بالطين؛ وألقت الدواة ولقتها.
وأما تهيبه فإنه حصرٌ، ليس فيه معنى شيءٍ مما ذكرنا، كما أنك تقول استعليته لا تريد إلا معنى علوته.
وأما تخوفه فهو أن يوقع أمراً يقع بك، فلا تأمنه في حالك التي تكلمت فيها أن يوقع أمراً. وأما خافه فقد يكون وهو لا يتوقع منه في تلك الحال شيئاً.
وأما تخونته الأيام فهو تنقصته، وليس في تخونته من هذه المعاني شيءٌ، كما لم يكن في تهيبه.
وأما يتسمع ويتحفظ فهو يتبصر. وهذه الأشياء نحو يتجرع ويتفوق، لأنها في مهلة. ومثل ذلك تخيره.
وأما التعمج والتعمق فنحوٌ من هذا. والتدخل مثله، لأنه عملٌ بعد عملٍ في مهلة.
وأما تنجز حوائجه واستنجز فهو بمنزلة تيقن واستيقن، في شركة استفعلت.


فالاستثبات والتقعد والتنقص والتنجز وهذا النحو كله في مهلة، وعمل بعد عمل. وقد بينا ما ليس مثله في تفعل.
باب موضع افتعلت
تقول: اشتوى القوم، أي اتخذوا شواءً. وأما شويت فكقولك: أنضجت. وكذلك اختبز وخبز واطبخ وطبخ، واذبح وذبح. فأما ذبح فمبنزلة قوله قتله، وأما ذبح فبمنزلة اتخذ ذبيحةً.
وقد يبنى على افتعل ما لا يراد به شيء من ذلك، كما بنوا هذا على أفعلت وغيره من الأبنية، وذلك افتقر واشتد، فقالوا هذا كما قالوا استلمت، فبنوه على افتعل كما بنوا هذا على أفعل.
وأما كسب فإنه يقول أصاب، وأما اكتسب فهو التصرف والطلب. والاجتهاد بمنزلة الاضطراب.
وأما قولك: حبسته فبمنزلة قولك: ضبطته، وأما احتبسته فقولك: اتخذته حبيساً، كأنه مثل شوى واشتوى.
وقالوا: ادخلوا واتلجوا، يريدون يتدخلون ويتولجون.
وقالوا: قرأت واقترأت، يريدون شيئاً واحداً، كما قالوا: علاه واستعلاه.
ومثله خطف واختطف.
وأما انتزع فإنما هي خطفة كقولك استلب، وأما نزع فإنه تحويلك إياه وإن كان على نحو الاستلاب. وكذلك قلع واقتلع، وجذب اجتذب بمعنىً واحدٍ.
وأما اصطب الماء فبمنزلة اشتوه، كأنه قال: اتخذه لنفسك.
وكذلك: اكتل واتزن. وقد يجيء على وزنته، وكلته فاكتال واتزن. قال رؤبة:
يعرضن إعراضاً ... لدين المفتن
باب افعوعلت وما هو على مثاله
مما لم نذكره قالوا: خشن، وقالوا: اخشوشن. وسألت الخليل فقال: كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد، كما أنه إذا قال: اعشوشبت الأرض فإنما يريد أن يجعل ذلك كثيراً عاماً، قد بالغ. وكذلك احلولى.
وربما بني عليه الفعل فلم يفارقه، كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت وافتعلت ونحو ذلك، لا يفارقه بمعنى، ولا يستعمل في الكلام إلا على بناء فيه زيادة.
ومثل ذلك: اقطر النبت واقطار النبت، لم يستعمل إلا بالزيادة، وابهار الليل، وارعويت واجلوذت، واعلوطت من نحو اذلولى.
والجوذ واعلوط، إذا جدبه السير. واقطار النبت، إذا ولى وأخذ يجف. وابهار الليل، إذا كثرت ظلمته، وإبهار القمر، إذا كثر ضوءه. واعلوطته إذا ركبته بغير سرج. واعروريت الفلو، إذا ركبته عرياً؛ وكذلك البعير.
ونظير اقطار من بنات الأربعة: اقشعرت واشمأززت.
فأما قعس واقعنس فنحو حلى واحلولى.
وأما اسحنكك: اسود، فبمنزلة اذلولى. وأرادوا بافعنلل أن يبلغوا به بناء احرنجم، كما أرادوا بصعررت بناء دحرجت. فكذلك هذه الأبواب، فعلى نحو ما ذكرت لك فوجهها.
باب ما لا يجوز فيه فعلته
إنما هي أبنيةٌ بنيت لا تعدى الفاعل، كما أن فعلت لا يتعدى إلى مفعول فكذلك هذه الأبنية التي فيها الزوائد.
فمن ذلك انفعلت، ليس في الكلام انفعلته؛ نحو انطلقت وانكمشت وانجردت، وانسللت. وهذا موضعٌ قد يستعمل فيه انفعلت وليس مما طاوع فعلت، نحو كسرته فانكسر، ولا يقولون في ذا: طلقته فانطلق، ولكنه بمنزلة ذهب ومضى، كما أن افتقر بمنزلة ضعف. وأي المعنيين عنيت فإنه لا يجيء فيه انفعلته.
وليس في الكلام احرنجمته، لأنه نظير انفعلت في بنات الثلاثة، زادوا فيه نونا وألف وصل كما زادوهما في هذا. وكذلك: افعنللت، لأنهم أرادوا أن يبلغوا به احرنجمت. وليس في الكلام افعنللته، وافعلنليته، ولا افعاللته، ولا افعللته، وهو نحو احمررت واشهاببت.
ونظير ذلك من بنات الأربعة: اطمأننت واشمأززت، لم نسمعهم قالوا: فعلته في هذا الباب.
وأما افعوعل فقد تعدى. قال حميدٌ الهلالي:
فلما أتى عامان بعد انفصاله ... عن الضرع واحلولى دماناً يرودها
وكذلك افعول، قالوا: اعلوطته. وكذلك فعللته، صعررته؛ لأنهم أرادوا بناء دحرجته. وقال:
سودٌ كحب الفلفل المصعرر
وكذلك فوعلته مفوعلةً، نحو مكوكبة، لأنهم أرادوا بناء بنات الأربعة، فجعلوا من هذه التي هي ذات زوائد أبنية الأربعة، وهي أقل مما يتعدى من ذوات الزوائد، كما أن ما لا يتعدى من فعلت وفعلت أقل.
وإنما كان هذا أكثر لأنهم يدخلون المفعول في الفعل ويشغلونه به، كما يفعلون ذلك بالفاعل، فكما لم يكن للفعل بدٌّ من فاعل يعمل فيه، كذلك أرادوا أن يكثر المفعول الذي يعمل فيه.
وقالوا: اعروريت الفلو، واعروريت منى أمراً قبيحاً، كما قالوا: احلولى ذلك. فذلك في موضع المفعول.
باب مصادر ما لحقته الزوائد


من الفعل من بنات الثلاثة
فالمصدر على أفعلت إفعالاً، أبداً. وذلك قولك: أعطيت إعطاءً، وأخرجت إخراجاً.
وأما افتعلت فمصدره عليه افتعالاً، وألفه موصولةٌ كما كانت موصولةً في الفعل، وكذلك ما كان على مثاله. ولزوم الوصل ههنا كلزوم القطع في أعطيت. وذلك قولك: احتبست احتباساً، وانطلقت انطلاقاً، لأنه على مثاله ووزنه، واحمررت احمراراً.
فأما استفعلت فالمصدر عليه الاستفعال. وكذلك ما كان على زنته ومثاله، يخرج على هذا الوزن وهذا المثال، كما خرج ما كان على مثال افتعلت. وذلك قولك: استخرجت استخراجاً، واستصعبت استصعاباً، واشهاببت اشهيباباً، واقعنست اقعنساساً، واجلوذت اجلواذاً.
وأما فعلت فالمصدر منه على التفعيل، جعلوا التاء التي في أوله بدلاً من العين الزائدة في فعلت، وجعلت الياء بمنزلة ألف الإفعال، فغيروا أوله كما غيروا آخره. وذلك قولك: كسرته تكسيراً، وعذبته تعذيباً. وقد قال ناسٌ: كلمته كلاماً، وحملته حمالاً، أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسروا أوله وألحقوا الألف قبل آخر حرفٍ فيه، ولم يريدوا أن يبدلوا حرفاً مكان حرف، ولم يحذفوا، كما أن مصدر أفعلت واستفعلت جاء فيه جميع ما جاء في استفعل وأفعل من الحروف، ولم يحذف ولم يبدل منه شيءٌ. وقد قال الله عز وجل: " وكذبوا بآياتنا كذاباً " .
وأما مصدر تفعلت فإنه التفعل، جاءوا فيه بجميع ما جاء في تفعل، وضموا العين لأنه ليس في الكلام اسم على تفعلٍ، ولم يلحقوا الياء فيلتبس بمصدر فعلت، ولا غير الياء لأنه أكثر من فعلت، فجعلوا الزيادة عوضاً من ذلك.
من ذلك قولك: تكلمت تكلماً، وتقولت تقولاً.
وأما الذين قالوا: كذاباً فإنهم قالوا: تحملت تحمالاً، أرادوا أن يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت، وأرادوا الكسر في الحرف الأول كما كسروا أول إفعالٍ واستفعال، ووفروا الحروف فيه كما وفروهما فيهما.
وأما فاعلت فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبداً: مفاعلةٌ، جعلوا الميم عوضاً من الألف التي بعد أول حرف منه، والهاء عوضٌ من الألف التي قبل آخر حرف؛ وذلك قولك: جالسته مجالسةً، وقاعدته مقاعدةً، وشاربته مشاربةً، وجاء كالمفعول لأن المصدر مفعول. وأما الذين قالوا هذا فقالوا: جاءت مخالفةً الأصل كفعلت، وجاءت كما يجيء المفعل مصدراً والمفعلة، إلا أنهم ألزموها الهاء لما فروا من الألف التي في قيتالٍ، وهو الأصل.
وأما الذين قالوا: تحملت تحمالاً فإنهم يقولون: قاتلت قيتالاً، فيوفرن الحروف ويجيئون به على مثال إفعالٍ وعلى مثال قولهم كلمته كلاماً.
وقد قالوا: ماريته مراءً، وقاتلته قتالاً.
وجاء فعالٌ على فاعلت كثيراً، كأنهم حذفوا الياء التي جاء بها أولئك في قيتالٍ ونحوها. وأما المفاعلة فهي التي تلزم ولا تنكسر كلزوم الاستفعال استفعلت.
وأما تفاعلت فالمصدر التفاعل، كما أن التفعل مصدر تفعلت؛ لأن الزنة وعدة الحروف واحدة، وتفاعلت من فاعلت بمنزلة تفعلت من فعلت؛ وضموا العين لئلا يشبه الجمع، ولم يفتحوا لأنه ليس في الكلام تفاعلٌ في الأسماء.
باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل
لأن المعنى واحد
وذلك قولك: اجتوروا تجاوراً تجاوروا اجتواراً، لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد. ومثل ذلك: انكسر كسراً وكسر انكساراً لأن معنى كسر وانكسر واحد. وقال الله تبارك وتعالى: " والله أنبتكم من الأرض نباتاً " ، لأنه إذا قال: أنبته فكأنه قال: قد نبت، وقال عز وجل: " وتبتل إليه تبتيلاً " ، لأنه إذا قال تبتل فكأنه قال: بتل. وزعموا أن في قراءة ابن مسعود: " وأنزل الملائكة تنزيلاً " ، لأن معنى أنزل ونزل واحد. وقال القطامي:
وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا
لأن تتبعت واتبعت في المعنى واحد، وقال رؤبة:
وقد تطويت انطواء الحضب
لأن معنى تطويت وانطويت واحد، ومثل هذه الأشياء: يدعه تركاً؛ لأن معنى يدع ويترك واحدٌ.
باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا
لما ذهب
وذلك قولك: أقمته إقامةً، واستعنته استعانة؛ وأريته إراءة. وإن شئت لم تعوض وتركت الحروف على الأصل. قال الله عز وجل: " لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " .
وقالوا: اخترت اختياراً، فلم يلحقوه الهاء لأنهم أتموه.


وقالوا: أريته إراءً، مثل أقمته إقاماً؛ لأن من كلام العرب أن يحذفوا ولا يعوضوا.
وأما عزيت تعزيةً ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه، لأنهم لا يجيئون بالياء في شيءٍ من بنات الياء والواو مما هما فيه في موضع اللام صحيحتين.
وقد يجيء في الأول نحو الإحواذ والاستحواذ ونحوه. ولا يجوز الحذف أيضاً في تجزئةٍ وتهنئةٍ، وتقديرهما تجزعةٌ وتهنعةٌ، لأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو، كما ألحقوا أرأيت بأقمت حين قالوا أريت.
باب ما تكثر فيه المصدر من فعلت
فتلحق الزوائد وتبنيه بناءً آخر
كما أنك قلت في فعلت فعلت حين كثرت الفعل.
وذلك قولك في الهذر: التهذار، وفي اللعب: التلعاب، وفي الصفق: التصفاق، وفي الرد: الترداد، وفي الجولان: التجوال، والتقتال والتسيار.
وليس شيء من هذا مصدر فعلت، ولكن لما أردت التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فعلت على فعلت.
وأما التبيان فليس على شيء من الفعل لحقته الزيادة، ولكنه بني هذا البناء فلحقته الزيادة كما لحقت الرئمان وهو من الثلاثة، وليس من باب التقتال، ولو كان أصلها من ذلك فتحوا التاء، فإنما هي من بينت، كالغارة من أغرت، والنبات من أنبت.
ونظيرها التلقاء، وإنما يريدون اللقيان. وقال الراعي:
أملت خيرك هل تأتي مواعده ... فاليوم قصر عن تلقائك الأمل
باب مصادر بنات الأربعة
فاللازم لها الذي لا ينكسر عليه أن يجيء على مثال فعللةٍ. وكذلك كل شيء ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة، وذلك نحو: دحرجته دحرجةً، وزلزلته زلزلةً، وحوقلته حوقلةً، وزحولته زحولةً.
وإنما ألحقوا الهاء عوضاً من الألف التي تكون قبل آخر حرف، وذلك ألف زلزالٍ. وقالوا زلزلته زلزالاً، وقلقلته قلقالاً، وسرهفته سرهافاً، كأنهم أرادوا مثال الإعطاء والكذاب، لأن مثال دحرجت وزنتها على أفعلت وفعلت.
وقد قالوا الزلزال والقلقال، ففتحوا كما فتحوا أول التفعيل، فكأنهم حذفوا الهاء وزادوا الألف في الفعللة. والفعللة ههنا بمنزلة المفاعلة في فاعلت، والفعلال بمنزلة الفيعال في فاعلت، وتمكنهما ههنا كتمكن ذينك هناك.
وأما ما لحقته الزيادة من بنات الأربعة وجاء على مثال استفعلت. وما لحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة، فإن مصدره يجيء على مثال استفعلت. وذلك احرنجمت احرنجاماً، واطمأننت اطمئناناً. والطمأنينة والقشعريرة ليس واحدٌ منهما بمصدر على اطمأننت واقشعررت، كما أن النبات ليس بمصدر على أنبت، فمنزلة اقشعررت من القشعريرة واطمأننت من الطمأنينة، بمنزلة أنبت من النبات.
باب نظائر ضربته ضربة
ورميته رمية من هذا الباب
فنظير فعلت فعلةً من هذه الأبواب أن تقول: أعطيت إعطاءةً، وأخرجت إخراجةً. فإنما تجيء بالواحدة على المصدر اللازم للفعل.
ومثل ذلك افتعلت افتعالةً وما كان على مثالها، وذلك قولك: احترزت اخترازةً واحدةً، وانطلقت انطلاقةً واحدةً، واستخرجت استخراجةً واحدة.
وما جاء على مثاله وزنته بمنزلته، وذلك قولك: اقعنسس اقعنساسةً، واغدودن اغديدانةً. وكذلك جميع هذا.
وفعلت بهذه المنزلة، تقول: عذبته تعذيبةً، وروحته ترويحةً.
والتفعل كذلك، وذلك قولهم: تقلبت تقلبةً واحدةً.
وكذلك التفاعل، تقول: تغافل تغافلةً واحدة.
وأما فاعلت فإنك إن أردت الواحدة قلت: قاتلته مقاتلةً، وراميته مراماةً؛ تجيء بها على المصدر اللازم الأغلب. فالمقاتلة ونحوها بمنزلة الإقالة والاستغاثة؛ لأنك لو أردت الفعلة في هذا لم تجاوز لفظ المصدر، لأنك تريد فعلةً واحدةً فلابد من علامة التأنيث.
ولو أردت الواحدة من اجتورت فقلت تجاورةٌ جاز، لأن المعنى واحد، فكما جاز تجاوراً كذلك يجوز هذا. وكذلك يجوز جميع هذا الباب.
ومثل ذلك يدعه تركةً واحدةً.
باب نظير ما ذكرنا من بنات الأربعة
وما ألحق ببنائها من بنات الثلاثة
فتقول: دحرجته دحرجةً واحدة، وزلزلته زلزلةً واحدة، تجيء بالواحدة على المصدر الأغلب الأكثر.
وأما ما لحقته الزوائد فجاء على مثال استفعلت فإن الواحدة تجيء على مثال استفعالةٍ، وذلك قولك: احرنجمت احرنجامةً، واقشعررت اقشعرارة.
باب اشتقاقك الأسماء
لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها


أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعلٌ، وذلك قولك: هذا محبسنا، ومضربنا، ومجلسنا، كأنهم بنوه على بناء يفعل، فكسروا العين كما كسروها في يفعل.
فإذا أردت المصدر بنيته على مفعلٍ، وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضرباً؛ أي لضرباً. قال الله عز وجل: " أين المفر " ، يريد: أين الفرار. فإذا أراد المكان قال: المفر، كما قالوا: المبيت حين أرادوا المكان لأنها من بات يبيت. وقال الله عز وجل: " وجعلنا النهار معاشاً " ، أي جعلناه عيشاً.
وقد يجيء المفعل يراد به الحين. فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعلٍ، تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان. وذلك قولك: أتت الناقة على مضربها، وأتت على منتجها، إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضرب.
وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه، إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك، وذلك قولك: المرجع، قال الله عز وجل: " إلى ربكم مرجعكم " ، أي رجوعكم. وقال: " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض " ، أي في الحيض.
وقالوا: المعجز يريدون العجز. وقالوا: المعجز على القياس، وربما ألحقوا هاء التأنيث فقالوا: المعجزة والمعجزة، كما قالوا: المعيشة.
وكذلك أيضاً يدخلون الهاء في المواضع. قالوا: المزلة أي موضع زلل. وقالوا: المعذرة والمعتبة، فألحقوا الهاء وفتحوا على القياس.
وقالوا: المصيف، كما قالوا: أتت الناقة على مضربها، أي على زمان ضرابها، وقالوا: المشتاة فأنثوا وفتحوا، لأنه من يفعل.
وقالوا: المعصية والمعرفة كقيلهم: المعجزة.
وربما استغنوا بمفعلةٍ عن غيرها، وذلك قولهم: المشيئة والمحمية. وقالوا: المزلة.
وقال الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلةٍ ... لا يستطيع بها القراد مقيلا
يريد: قيلولةً.
وأما ما كان يفعل منه مفتوحاً فإن اسم المكان يكون مفتوحا، كما كان الفعل مفتوحا. وذلك قولك: شرب يشرب. وتقول للمكان مشربٌ. ولبس يلبس، والمكان الملبس. وإذا أردت المصدر فتحته أيضاً كما فتحته في يفعل، فإذا جاء مفتوحاً في المكسور فهو في المفتوح أجدر أن يفتح.
وقد كسر المصدر كما كسر في الأول، قالوا: علاه المكبر.
ويقولون المذهب للمكان. وتقول: أردت مذهباً أي ذهاباً فتفتح، لأنك تقول: يذهب، فتفتح.
ويقولون: محمدةٌ، فأنثوا كما أنثوا الأول وكسروا كما كسروا المكبر.
وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا، ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعلٌ، فلما لم يكن إلى ذلك سبيل وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفهما. وذلك قولك: قتل يقتل وهذا المقتل. وقالوا: يقوم وهذا المقام. وقالوا: أكره مقال الناس وملامهم. وقالوا: الملامة والمقالة فأنثوا. وقالوا: المرد والمكر، يريدون الرد والكرور. وقالوا: المدعاة والمأدبة، إنما يريدون الدعاء إلى الطعام.
وقد كسروا المصدر في هذا كما كسروا في يفعل، قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس، أي عند طلوع الشمس. وهذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز فيفتحون.
وقد كسروا الأماكن في هذا أيضاً، كأنهم أدخلوا الكسر أيضاً كما أدخلوا الفتح. وذلك: المنبت، والمطلع لمكان الطلوع. وقالوا: البصرة مسقط رأسي، للموضع. والسقوط المسقط.
وأما المسجد فإنه اسم للبيت، ولست تريد به موضع السجود وموضع جبهتك، لو أردت ذلك لقلت مسجدٌ.
ونظير ذلك: المكحلة، والمحلب، والميسم، لم ترد موضع الفعل، ولكنه اسمٌ لوعاء الكحل. وكذلك المدق صار اسماً له كالجلمود. وكذلك المقبرة، والمشرقة، وإنما أراد اسم المكان. ولو أراد موضع الفعل لقال مقبرٌ، ولكنه اسم بمنزلة المسجد.
ومثل ذلك: المشربة، وإنما هو اسمٌ لها كالغرفة. وكذلك المدهن.
والمظلمة بهذه المنزلة، إنما هو اسم ما أخذ منك، ولم ترد مصدراً ولا موضع فعل.
وقالوا: مضربة السيف، جعلوه اسماً للحديدة، وبعض العرب يقول: مضربةٌ، كما يقول: مقبرة ومشربة، فالكسر في مضربةٍ كالضم في مقبرةٍ. والمنخر بمنزلة المدهن كسروا الحرف كما ضم ثمة.
وقالوا: المسربة، فهو الشعر الممدود في الصدر وفي السرة، بمنزلة المشرقة، لم ترد مصدراً ولا موضعاً لفعل، وإنما هو اسم مخط الشعر الممدود في الصدر.
وكذلك: المأثرة، والمكرمة، والمأدبة. وقد قال قوم معذرةٌ كالمأدبة، ومثله: " فنظرةٌ إلى ميسرةٍ " .


ويجيء المفعل اسماً كما جاء في المسجد والمنكب، وذلك: المطبخ، والمربد. وكل هذه الأبنية تقع اسماً للتي ذكرنا من هذه الفصول لا لمصدرٍ ولا لموضع العمل.
باب ما كان من هذا النحو
من بنات الياء والواو التي الياء فيهن لام
فالموضع والمصدر فيه سواءٌ، وذلك لأنه معتل، وكان الألف والفتح أخف عليهم من الكسرة مع الياء، ففروا إلى مفعلٍ إذ كان مما يبنى عليه المكان والمصدر.
وقد كسروا في نحو معصيةٍ ومحميةٍ، وهو على غير قياس.
ولا يجي مكسوراً أبداً بغير الهاء، لأن الإعراب يقع على الياء ويلحقها الاعتلال، فصار هذا بمنزلة الشقاء والشقاوة، وتثبت الواو مع الهاء وتبدل مع ذهابها.
وأما بنات الواو فيلزمها الفتح لأنها يفعل، ولأن فيها ما في بنات الياء من العلة.
هذا باب
ما كان من هذا النحو من بنات الواو
التي الواو فيهن فاءٌ فكل شيءٍ كان من هذا فعل فإن المصدر منه من بنات الواو والمكان يبنى على مفعلٍ، وذلك قولك للمكان: الموعد، والموضع، والمورد. وفي المصدر الموجدة والموعدة. وقد بين أمر فعل هناك، وذلك من قبل أن فعل من هذا الباب لا يجيء إلا على يفعل، ولا يصرف عنه إلى يفعل لعلة قد ذكرناها، فلما كان لا يصرف عن يفعل وكان معتلاً ألزموا مفعلاً منه ما ألزموا يفعل، وكرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما ليس بمعتلٍّ ويكون مرةً يفعل ومرةً يفعل، فلما كان معتلاً لازما لوجه واحد ألزموا المفعل منه وجها واحداً.
وقال أكثر العرب في وجل يوجل، ووحل يوحل: موحلٌ وموحلٌ؛ وذلك أن يوجل ويوحل وأشباههما في هذا الباب من فعل يفعل قد يعتل، فتقلب الواو ياءً مرةً وألفا مرة، وتعتل لها الياء التي قبلها حتى تكسر؛ فلما كانت كذلك شبهوها بالأول لأنها في حال اعتلال، ولأن الواو منها في موضع الواو من الأول. وهم مما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع حالاته.
وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل يوجل ونحوه: موجلٌ وموحلٌ، وكأنهم الذين قالوا يوجل، فسلموه، فلم سلم وكان يفعل كيركب ونحوه شبهوه به. وقالوا: مودةٌ لأن الواو تسلم ولا تقلب.
وموحد فتحوه، إذ كان اسما موضوعا، ليس بمصدر ولا مكان، إنما هو معدول عن واحد، كما أن عمر معدول عن عامر، فشبهوه بهذه الأسماء، وذلك نحو موهب. وكموهبٍ: موألة اسم رجل، ومورق وهو اسم.
وأما بنات الياء التي الياء فيهن فاءٌ فإنها بمنزلة غير المعتل، لأنها تتم ولا تعتل، وذلك أن الياء مع الياء أخف عليهم، ألا تراهم يقولون ميسرةٌ كما يقولون المعجزة، وقال بعضهم: ميسرةٌ.
هذا باب
ما يكون مفعلةٌ لازمة لها الهاء والفتحة
وذلك إذا أردت أن تكثر الشيء بالمكان، وذلك قولك: أرضٌ مسبعةٌ، ومأسدةٌ، ومذأبةٌ. وليس في كل شيء يقال إلا أن تقيس شيئاً وتعلم أن العرب لم تكلم به.
ولم يجيئوا بنظير هذا فيما جاوز ثلاثة أحرف، من نحو الضفدع والثعلب، كراهية أن يثقل عليهم، ولأنهم قد يستغنون بأن يقولوا: كثيرة الثعالب ونحو ذلك، وإنما اختصوا بها بنات الثلاثة لخفتها.
ولو قلت من بنات الأربعة على قولك ماسدةٌ لقلت: مثعلبةٌ، لأن ما جاوز الثلاثة يكون نظير المفعل منه بمنزلة المفعول. وقالوا: أرضٌ مثعلبةٌ ومعقربةٌ. ومن قال ثعالةٌ قال مثعلةٌ.
ومحياةٌ ومفعاةٌ: فيها أفاعٍ وحياتٌ. ومقثاةٌ: فيها القثاء.
باب ما عالجت به
أما المقص فالذي يقص به. والمقص: المكان والمصدر.
وكل شيءٌ يعالج به فهو مكسور الأول كانت فيه هاء التأنيث أو لم تكن، وذلك قولك: محلبٌ ومنجلٌ، ومكسحةٌ، ومسلة، والمصفى، والمخرز، والمخيط.
وقد يجيء على مفعالٍ نحو: مقراضٍ، ومفتاحٍ، ومصباحٍ.
وقالوا: المفتح كما قالوا: المخرز، وقالوا: المسرجة كما قالوا: المكسحة.
هذا باب
نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة
بزيادة أو بغير زيادة


فالمكان والمصدر يبنى من جميع هذا بناء المفعول، وكان بناء المفعول أولى به لأن المصدر مفعولٌ والمكان مفعولٌ فيه، فيضمون أوله كما يضمون المفعول، لأنه قد خرج من بنات الثلاثة فيفعل بأوله ما يفعل بأول مفعوله، كما أن أول ما ذكرت لك من بنات الثلاثة كأول مفعوله مفتوحٌ، وإنما منعك أن تجعل قبل آخر حرف من مفعوله واواً كواو مضروبٍ، أن ذلك ليس من كلامهم ولا مما بنوا عليه، يقولون للمكان: هذا مخرجنا ومدخلنا، ومصبحنا وممسانا، وكذلك إذا أردت المصدر. قال أمية بن أبي الصلت:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا
ويقولون للمكان: هذا متحاملنا، ويقولون: ما فيه متحامل، أي ما فيه تحاملٌ. ويقولون: مقاتلنا، وكذلك تقول إذا أردت المقاتلة، قال مالك بن أبي كعب، أبو كعب بن مالك الأنصاري:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب
وقال زيد الخيل:
اقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً ... وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس
وقال في المكان: هذا موقانا. وقال رؤبة:
إن الموقى مثل ما وقيت
يريد التوقية. وكذلك هذه الأشياء.
وأما قوله: دعه إلى ميسوره ودع معسوره، فإنما يجيء هذا على المفعول كأنه قال: دعه إلى أمر يوسر فيه أو يعسر فيه.
وكذلك المرفوع والموضوع، كأنه يقول: له ما يرفعه وله ما يضعه.
وكذلك المعقول، كأنه قال: عقل له شيءٌ، أي حبس له لبه وشدد.
ويستغنى بهذا عن المفعل الذي يكون مصدراً، لأن في هذا دليلا عليه.
باب ما لا يجوز فيه ما أفعله
وذلك ما كان أفعل وكان لوناً أو خلقةً. ألا ترى أنك لا تقول: ما أحمره ولا ما أبيضه. ولا تقول في الأعرج: ما أعرجه، ولا في الأعشى: ما أعشاه. إنما تقول: ما أشد حمرته، وما أشد عشاه.
وما لم يكن فيه ما أفعله لم يكن فيه أفعل به رجلا، ولا هو أفعل منه، لأنك تريد أن ترفعه من غايةٍ دونه، كما أنك إذا قلت ما أفعله فأنت تريد أن ترفعه عن الغاية الدنيا. والمعنى في أفعل به وما أفعله واحد، وكذلك أفعل منه.
وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخلٌ في الفعل. ألا ترى قلته في الأسماء وكثرته في الصفة لمضارعتها الفعل. فلما كان مضارعاً للفعل موافقاً له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله أبدا.
وزعم الخليل أنهم إنما منعهم من أن يقولوا في هذه ما أفعله لأن هذا صار عندهم بمنزلة اليد والرجل وما ليس فيه فعلٌ من هذا النحو. ألا ترى أنك لا تقول: ما أيداه ولا ما أرجله، إنما تقول: ما أشد يده وما أشد رجله ونحو ذلك.
ولا تكون هذه الأشياء في مفعالٍ ولا فعولٍ، كما تقول رجلٌ ضروبٌ ورجلٌ محسانٌ، لأن هذا في معنى ما أحسنه، إنما تريد أن تبالغ ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه ضاربٌ وحسنٌ.
وأما قولهم في الأحمق: ما أحمقه، وفي الأرعن: ما أرعنه، وفي الأنوك: ما أنوكه، وفي الألد: ما ألده، فإنما هذا عندهم من العلم ونقصان العقل والفطنة، فصارت ما ألده بمنزلة ما أمرسه وما أعلمه، وصارت ما أحمقه بمنزلة ما أبلده وما أشجعه وما أجنه؛ لأن هذا ليس بلونٍ ولا خلقةٍ في جسده، وإنما هو كقولك: ما ألسنه وما أذكره، وما أعرفه وأنظره، تريد نظر التفكر، وما أشنعه وهو أشنع، لأنه عندهم من القبح، وليس بلون ولا خلقةٍ من الجسد ولا نقصانٍ فيه، فألحقوه بباب القبح كما ألحقوا ألد وأحمق بما ذكرت لك؛ لأن أصل بناء أحمق ونحوه أن يكون على غير بناء أفعل، نحو بليدٍ وعليمٍ، وجاهلٍ وعاقلٍ، وفهمٍ وحصيفٍ. وكذلك الأهوج، تقول: ما أهوجه كقولك: ما أجنه.
باب يستغنى فيه عن ما أفعله
بما أفعل فعله وعن أفعل منه بقولهم: هو أفعل منه فعلاً، كما استغني بتركت عن ودعت وكما استغني بنسوةٍ عن أن يجمعوا المرأة على لفظها وذلك في الجواب. ألا ترى أنك لا تقول: ما أجوبه، إنما تقول: ما أجود جوابه. ولا تقول هو أجوب منه، ولكن هو أجود منه جواباً، ونحو ذلك. وكذلك لا تقول: أجوب به، وإنما تقول: أجود بجوابه. ولا يقولون في قال يقيل ما أقيله، استغنوا بما أكثر قائلته. وما أنومه في ساعة كذا وكذا، كما قالوا تركت ولم يقولوا ودعت.
باب ما أفعله على معنيين


تقول: ما أبغضني له، وما أمقتني له، وما أشهاني لذلك. إنما تريد أنك ماقتٌ، وأنك مبغضٌ، وأنك مشتهٍ. فإن عنيت قلت: ما أفعله، إنما تعني به هذا المعنى.
وتقول: ما أمقته وما أبغضه إلي، إنما تريد أنه مقيتٌ، وأن مبغضٌ إليك، كما أنك تقول: ما أقبحه، وإنما تريد أنه قبيح في عينك، وما أقذره، إنما تريد أنه قذرٌ عندك.
وتقول: ما أشهاها، أي هي شهيةٌ عندي، كما تقول: ما أحظاها، أي حظيت عندي. فكأن ما أمقته وما أشهاها على فعل وإن لم يستعمل، كما تقول: ما أبغضه إلي وقد بغض. فجيء على فعل وفعل وإن لم يستعمل، كأشياء فيما مضى، وأشياء ستراها إن شاء الله.
باب ما تقول العرب فيه ما أفعله
وليس له فعل وإنما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس
قالوا: أحنك الشاتين وأحنك البعيرين، كما قالوا: آكل الشاتين، كأنهم قالوا: حنك ونحو ذلك. فإنما جاءوا بأفعل على نحو هذا وإن لم يتكلموا به.
وقالوا: آبل الناس كلهم، كما قالوا: أرعى الناس كلهم، وكأنهم قد قالوا: أبل يأبل. وقالوا: رجلٌ آبل وإن لم يتكلموا بالفعل. وقولهم: آبل الناس بمنزلة آبل منه، لأن ما جاز فيه أفعل الناس جاز فيه هذا، وما لم يجز فيه ذلك لم يجز فيه هذا.
وهذه الأسماء التي ليس فيها فعل ليس القياس فيها أن يقال أفعل منه ونحو ذلك. وقد قالوا فلانٌ آبل منه، كما قالوا: أحنك الشاتين.
باب ما يكون يفعل ومن فعل فيه مفتوحا
وذلك إذا كانت الهمزة، أو الهاء، أو العين، أو الحاء، أو الغين، أو الخاء، لاماً أو عينا. وذلك قولك قرأ يقرأ، وبذأ يبذأ وخبأ يخبأ، وجبه يجبه، وقلع يقلع، ونفع ينفع، وفرغ يفرغ، وسبع يسبع، وضبع يضبع، وصنع يصنع، وذبح يذبح، ومنح يمنح، وسلخ يسلخ، ونسخ ينسخ.
هذا ما كانت هذه الحروف فيه لامات.
وأما ما كانت فيه عيناتٍ فهو كقولك: سأل يسأل، وثأر يثأر، وذأل يذأل، وذهب يذهب - والذألان: المر الخفيف - وقهر يقهر، ومهر يمهر، وبعث يبعث، وفعل يفعل، ونحل ينحل، ونحر ينحر، وشحج يشحج، ومغث يمغث، وفغر يفغر، وشغر يشغر، وذخر يذخر، وفخر يفخر.
وإنما فتحوا هذه الحروف لأنها سفلت في الحلق، فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف، فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيزها وهو الألف، وإنما الحركات من الألف والياء والواو.
وكذلك حركوهن إذ كن عيناتٍ، ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو والياء، لأنهما من الحروف التي ارتفعت، والحروف المرتفعة حيزٌ على حدةٍ، فإنما تتناول للمرتفع حركةً من مرتفع، وكره أن يتناول للذي قد سفل حركةٌ من هذا الحيز.
وقد جاءوا بأشياء من هذا الباب على الأصل، قالوا: برأ يبرؤ كما قالوا: قتل يقتل، وهنأ يهنىء، كما قالوا: ضرب يضرب. وهذا في الهمزة أقل؛ لأن الهمزة أقصى الحروف وأشدها سفولاً، وكذلك الهاء، لأنه ليس في الستة الأحرف أقرب إلى الهمزة منها، وإنما الألف بينهما.
وقالوا: نزع ينزع، ورجع يرجع، كما قالوا: ضرب يضرب. وقالوا: نضح ينضح، ونبح ينبح، ونطح ينطح، وقالوا: منح يمنح، وقالوا: جنح يجنح كما قالوا: ضمر يضمر، وصار الأصل في العين أقل لأن العين أقرب إلى الهمزة من الحاء.
وقالوا: صلح يصلح، وقالوا: فرغ يفرغ، وصبغ يصبغ، ومضغ يمضغ، كما قالوا: قعد يقعد. وقالوا: نفخ ينفخ، وطبخ يطبخ، ومرخ يمرخ، والأصل في هذين الحرفين أجدر أن يكون، يعني الخاء والغين، لأنهما أشد الستة ارتفاعاً.
ومما جاء على الأصل مما فيه هذه الحروف عيناتٌ، قولهم: زأر يزئر، ونأم ينئم من الصوت، كما قالوا: هتف يهتف. وقالوا: نهق ينهق، ونهت ينهت، مثل هتف يهتف.
وقالوا: نعر ينعر، ورعدت السماء ترعد، كما قالوا: هتف يهتف، وقعد يقعد. وقالوا: شحج يشحج، ونحت ينحت، مثل ضرب يضرب. وقالوا: شحب يشحب مثل قعد يقعد. وقالوا: نغرت القدر تنغر، كما قالوا: طفر يطفر. وقالوا: لغب يلغب كما قالوا: خمد يخمد، ومثل يلغب من بنات العين شعر يشعر. وقالوا: مخض بمخض، ونخل ينخل، مثل قتل يقتل. وقالوا: نخر ينخر، كما قالوا: جلس يجلس: وقالوا: استبرأ يستبرىء، وأبرأ يبرىء، وانتزع ينتزع.


وهذا الضرب، إذا كان فيه شيءٌ من هذه الحروف لم يفتح ما قبلها، ولا تفتح هي أنفسها إن كانت قبل آخر حرفٍ، وذاك لأن هذا الضرب الكسر له لازمٌ في يفعل، لا يعدل عنه ولا يصرف عنه إلى غيره، وكذلك جرى في كلامهم. وليس فعل كذلك، وذلك لأن فعل يخرج يفعل منه إلى الكسر والضم، وهذا لا يخرج إلا إلى الكسر، فهو لا يتغير، كما أن فعل منه على طريقة واحدة، وصار هذا في فعل لأن ما كان على ثلاثة أحرف قد يبنى على فعل وفعل وفعل، وهذه الأبنية كل بناء منها إذا قلت فيه فعل لزم بناءً واحداً في كلام العرب كلها. وتقلو: صبح يصبح؛ لأن يفعل من فعلت لازمٌ له الضم لا يصرف إلى غيره فلذلك لم يفتح هذا. ألا تراهم قالوا في جميع هذا هكذا، قالوا: قبح يقبح، وضخم يضخم، وقالوا: ملؤ يملؤ، وقمؤ يقمؤ، وضعف يضعف، وقالوا: رعف يرعف، وسعل يسعل كما قالوا: شعر يشعر. وقالوا: ملؤ فلم يفتحوها لأنهم لم يريدوا أن يخرجوا فعل من هذا الباب، وأرادوا أن تكون الأبنية الثلاثة فعل وفعل وفعل في هذا الباب، فلو فتحوا لا لتبس فخرج فعل من هذا الباب.
وإنما فتحوا يفعل من فعل لأنه مختلفٌ، وإذا قلت فعل ثم قلت يفعل علمت أن أصله الكسر أو الضم إذا قلت فعل، ولا تجد في حيز ملؤ هذا. ولا يفتح فعل لأنه بناء لا يتغير، وليس كيفعل من فعل لأنه يجيء مختلفاً، فصار بمنزلة يقرىء ويستبرىء.
وإنما كان فعل كذلك لأنه أكثر في الكلام، فصار فيه ضربان، ألا ترى أن فعل فيما تعدى أكثر من فعل، وهي فيما لا يتعدى أكثر، نحو قعد وجلس.
باب ما هذه الحروف فيه فاءات
تقول: أمر يأمر، وأبق يأبق، وأكل يأكل، وأفل يأفل؛ لأنها ساكنةٌ، وليس ما بعدها بمنزلة ما قبل اللامات، لأن هذا إنما هو نحو الإدغام، والإدغام إنما يدخل فيه الأول في الآخر والآخر على حاله، ويقلب الأول فيدخل في الآخر حتى يصير هو والآخر من موضع واحد، نحو قد تركتك، ويكون الآخر على حاله فإنما شبه هذا بهذا الضرب من الإدغام، فأتبعوا الأول الآخر كما اتبعوه في الإدغام، فعلى هذا أجري هذا.
ومع هذا أن الذي قبل اللام فتحته اللام في قرأ يقرأ حيث قرب جواره منها، لأن الهمز وأخواته لو كن عينات فتحن، فلما وقع موضعهن، الحرف الذي كن يفتحن به لو قرب فتح. وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفاً لو كان في موضع الهمز لم يحرك أبداً، ولزمه السكون. فحالهما في الفاء واحدة، كما أن حال هذين في العين واحدة.
وقالوا: أبى يأبى، فشبهوه بيقرأ. وفي يأبى وجهٌ آخر: أن يكون فيه مثل حسب يحسب، فتحا كما كسرا.
وقالوا: جبى يجبى، وقلى يقلى، فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه، وأتبعوه الأول كما قالوا: وعده يريدون وعدته، أتبعوا الأول، يعني في يأبى، لأن الفاء همزة. وكما قالوا: مضجعٌ. ولا نعلم إلا هذا الحرف، وأما غير هذا فجاء على القياس، مثل عمر يعمر ويعمرن ويهرب، ويحزر.
وقالوا: عضضت تعض، فإنما يحتج بوعده، يريدون وعدته فأتبعوه الأول، كقولهم أبى يأبى، ففتحوا ما بعد الهمزة للهمزة وهي ساكنة.
وأما جبى يجبى وقلى يقلى فغير معروفين إلا من وجيهٍ ضعيف، فلذلك أمسك عن الاحتجاج لهما. وكذلك عضضت تعض غير معروف.
باب ما كان من الياء والواو
قالوا: شأى يشأى، وسعى يسعى، ومحا يمحى، وصغا يصغى، ونحا ينحى، فعلوا به ما فعلوا بنظائره من غير المعتل.
وقالوا: بهو يبهو، لأن نظير هذا أبداً من غير المعتل لا يكون إلا يفعل. ونظائر الأول مختلفات في يفعل. وقد قالوا: يمحو ويصغو، ويزهوهم الآل أي يرفعهم، ويزهو، وينحو، ويرغو، كما فعلوا بغير المعتل. وقالوا: يدعو.
وأما الحروف التي من بنات الثلاث نحو جاء يجيء، وباع يبيع، وتاه يتيه، فإنما جاء على الأصل حيث أسكنوا ولم يحتاجوا إلى التحريك.
وكذلك المضاعف نحو دع يدع، وشح يشح، وسحت السماء تسح، لأن هذه الحروف التي هي عينات أكثر ما تكون سواكن، ولا تحرك إلا في موضع الجزم من لغة أهل الحجاز، وفي موضع تكون لام فعلت تسكن فيه بغير الجزم، ننحو رددن ويرددن، وهذا أيضاً تدغمه بكر بن وائلٍ، فلما كان السكون فيه أكثر جعلت بمنزلة ما لا يكون فيه إلا ساكناً، وأجريت على التي يلزمها السكون.


وزعم يونس أنهم يقولون: كع يكع، ويكع أجود، لما كانت قد تحرك في بعض المواضع جعلت بمنزلة يدع ونحوها في هذه اللغة، وخالفت باب جئت كما خالفتها في أنها قد تحرك.
باب الحروف الستة
إذا كان واحد منها عيناً وكانت الفاء قبلها مفتوحة وكان فعلا إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات: مطردٌ فيه فعلٌ، وفعل، وفعلٌ، وفعلٌ. إذا كان فعلاً أو اسماً أو صفةً فهو سواء.
وفي فعيلٍ لغتان: فعيلٌ وفعيلٌ إذا كان الثاني من الحروف الستة. مطردٌ ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعلٍ، إذا كان كذلك كسرت الفاء في لغة تميم. وذلك قولك: لئيمٌ وشهيدٌ، وسعيدٌ ونحيفٌ، ورغيفٌ، وبخيلٌ وبئيسٌ، وشهدٌ، ولعبٌ، وضحكٌ، ونغلٌ، ووخمٌ. وكذلك فعلٌ إذا كان صفة أو فعلا أو اسماً. وذلك قولك: رجلٌ لعبٌ ورجلٌ محكٌ، وهذا ماضغٌ لهمٌ، وهذا رجلٌ وعكٌ، ورجلٌ جئزٌ - يقال جئز الرجل غص - وهذا عيرٌ نعرٌ، وفخذٌ.
وإنما كان هذا في هذه الحروف لأن هذه الحروف قد فعلت في يفعل ما ذكرت لك، حيث كانت لاماتٍ، من فتح العين، ولم تفتح هي أنفسها هنا لأنه ليس في الكلام فعيلٌ، وكراهية أن يلتبس فعلٌ بفعلٍ فيخرج من هذه الحروف فعلٌ، فلزمها الكسر ههنا وكان أقرب الأشياء إلى الفتح، وكانت من الحروف التي تقع الفتحة قبلها لما ذكرت لك، فكسرت ما قبلها حيث لزمها الكسر، وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف، فأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد. كما أنهم إذا أدغموا فإنما أرادوا أن يرفعوا ألسنتهم من موضع واحد.
وإنما جاز هذا في هذه الحروف حيث كانت تفعل في يفعل ما ذكرت لك فصار لها في ذلك قوةٌ ليست لغيرها.
وأما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس، وقالوا رؤفٌ ورءوفٌ، فلا يضم لبعد الواو من الألف. فالواو لا تغلب على الألف إذ لم تقرب كقرب الياء منها. كما أنك تقول: ممثلك، فتجعل النون ميما، ولا تقول همثلك فتدعم، لأن النون لها شبهٌ بالميم ليس للام. وسترى ذلك إن شاء الله في باب الإدغام.
وسمعت بعض العرب يقول: بيس، فلا يحقق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل، كما قالوا شهد فخففوا وتركوا الشين على الأصل.
وأما الذين قالوا مغيرةٌ ومعينٌ فليس على هذا، ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة، كما قالوا: منتنٌ وأنبؤك وأجوءك، يريد: أجيئك وأنبئك.
وقالوا في حرف شاذٍ إحب ونحب ويحب، شبهوه بقولهم منتنٌ، وإنما جاءت على فعل وإن لم يقولوا حببت.
وقالوا: يحب كما قالوا: يئبى، فلما جاء شاذاً على بابه على يفعل خولف به كما قالوا: يا ألله، وقالوا: ليس ولم يقولوا لاس، فكذلك يحب، ولم يجىء على أفعلت، فجاء على ما لم يستعمل كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل. وفعلوا هذا بهذا لكثرته في كلامهم.
فأما أجىء ونحوها فعلى القياس، وعلى ما كانت تكون عليه لو أتموا، لأن هذه الألف، يعني ألف أفعل، لا يتحرك ما بعدها في الأصل، فترك على ذلك.
باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة
للأسماء كما كسرت ثاني الحرف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز، وذلك قولهم: أنت تعلم ذاك، وأنا إعلم، وهي تعلم، ونحن نعلم ذاك. وكذلك كل شيء فيه فعل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين، والمضاعف. وذلك قولك: شقيت فأنت تشقى، وخشيت فأنا إخشى، وخلنا فنحن نخال، وعضضتن فأنتن تعضضن وأنت تعضين.
وإنما كسروا هذه الأوائل لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فعل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحاً في فعل، وكان البناء عندهم على هذا أن يجروا أوائلها على ثواني فعل منها.
وقالوا: ضربت تضرب، وأضرب، ففتحوا أول هذا كما فتحوا الراء في ضرب. وإنما منعهم أن يسكروا الثاني كما كسروا في فعل أنه لا يتحرك، فجعل ذلك في الأول.
وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت، وذلك أنهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنىً فيحتمل ذلك، كما يكرهون الياءات والواوات مع الياء وأشباه ذلك.
ولا يكسر في هذا الباب شيءٌ كان ثانيه مفتوحا، نحو ضرب وذهب وأشباههما.


وقالوا: أبى فأنت تئبى، وهو يئبى. وذلك أنه من الحروف التي يستعمل يفعل فيها مفتوحا وأخواتها، وليس القياس أن تفتح، وإنما هو حرفٌ شاذ، فلما جاء مجيء ما فعل منه مكسور فعلوا به ما فعلوا بذلك، وكسروا في الياء فقالو يئبى، وخالفوا به في هذا باب فعل كما خالفوا به بابه حين فتحوا، وشبهوه بيبجل حين أدخلت في باب فعل وكان إلى جنب الياء حرف الاعتلال. وهم ما يغيرون الأكثر في كلامهم ويجسرون عليه، إذ صار عندهم مخالفاً.
وقالوا: مره، وقال بعضهم: أومره، حين خالفت في موضع وكثر في كلامهم خالفوا به في موضع آخر.
وجميع ما ذكرت مفتوح في لغة أهل الحجاز، وهو الأصل.
وأما يسع ويطأ فإنما فتحوا لأنه فعل يفعل مثل حسب يحسب، ففتحوا الهمزة والعين كما فتحوا للهمزة والعين حين قالوا، يقرأ، ويفزع. فلما جاء على مثال ما فعل منه مفتوح لم يكسروا كما كسروا يأبى حيث جاء على مثال ما فعل منه مكسور.
ويدلك على أن الأصل في فعلت أن يفتح يفعل منه على لغة أهل الحجاز سلامتها في الياء، وتركهم الضم في يفعل، ولا يضم لضمة فعل فإنما هو عارضٌ.
وأما وجل يوجل ونحوه فإن أهل الحجاز يقولون يوجل، فيجرونه مجرى علمت. وغيرهم من العرب سوى أهل الحجاز يقولون في توجل: هي تيجل، وأنا إيجل، ونحن نيجل. وإذا قلت يفعل فبعض العرب يقولون ييجل كراهية الواو مع الياء، شبهوا ذلك بأيام ونحوها. وقال بعضهم: ياجل فأبدلوا مكانها ألفاً كراهية الواو مع الياء، كما يبدلوننها من الهمزة الساكنة. وقال بعضهم: ييجل، كأنه لما كره الياء مع الواو كسر الياء ليقلب الواو ياءً، لأنه قد علم أن الواو الساكنة إذا كانت قبلها كسرة صارت ياءً، ولم تكن عنده الواو التي تقلب مع الياء حيث كانت الياء التي قبلها متحركة، فأرادوا أن يقلبوها إلى هذا الحد، وكره أن يقلبها على ذلك الوجه الآخر.
واعلم أن كل شيء كانت ألفه موصولة مما جازو ثلاثة أحرف في فعل فإنك تكسر أوائل الأفعال المضارعة للأسماء. وذلك لأنهم أرادوا أن يكسروا أوائلها كما كسروا أوائل فعل، فلما أرادوا الأفعال المضارعة على هذا المعنى كسروا أوائلها كأنهم شبهوا هذا بذلك. وإنما منعهم أن يكسروا الثواني في باب فعل أنها لم تكن تحرك فوضعوا ذلك في الأوائل. ولم يكونوا ليكسروا الثالث فيلتبس يفعل بيفعل وذلك: قولك استغفر فأنت تستغفر، واحرنجم فأنت تحرنجم، واغدودن فأنت تغدودن، واقعنس فأنا إقعنسس.
وكذلك كل شيء من تفعلت أو تفاعلت أو تفعللت، يجري هذا المجرى، لأنه كان عندهم في الأصل مما ينبغي أن تكون أوله ألفٌ موصولة، لأن معناه معنى الانفعال، وهو بمنزلة انفتح وانطلق، ولكنهم لم يستعملوه استخفافاً في هذا القبيل. وقد يفعلون هذا في أشياء كثيرة، وقد كتبناها وستراها إن شاء الله.
والدليل على ذلك أنهم يفتحون الياءات في يفعل، ومثل ذلك قولهم: تقى الله رجلٌ يم يتقي الله، أجروه على الأصل. وإن كانوا لم يستعملوا الألف حذفوها والحرف الذي بعدها.
وجميع هذا يفتحه أهل الحجاز، وبنو تميم لا يكسرونه في الياء إذا قالوا يفعل.
وأما فعلٌ فإنه لا يضم منه ما كسر من فعلٍ لأن الضم أثقل عندهم، فكرهوا الضمتين، ولم يخافوا التباس معنيين، فعمدوا إلى الأخف، ولم يريدوا تفريقاً بين معنيين كما أردت ذلك في فعل - يعني في الإتباع - فيحتمل هذا، فصار الفتح مع الكسر عندهم محتملا، وكرهوا الضم مع الضم.
هذا باب ما يسكن استخفافاً
وهو في الأصل متحرك
وذلك قولهم في فخذٍ: فخذٌ، وفي كبدٍ: كبدٌ، وفي عضدٍ: عضدٌ، وفي الرجل: رجلٌ، وفي كرم الرجل: كرم، وفي علم: علم، وهي لغة بكر بن وائل، وأناسٍ كثير من بني تميم.
وقالوا في مثلٍ: لم يحرم من فصد له. وقال أبو النجم:
لو عصر منه البان والمسك انعصر
يريد: عصر.
وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسرو، والمفتوح أخف عليهم، فكرهوا أن ينتقلوا من الأخف إلى الأثقل، وكرهوا في عصر الكسرة بعد الضمة، كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع. ومع هذا أنه بناءٌ ليس من كلامهم إلا في هذا الموضع من الفعل، فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال.


وإذا تتابعت الضمتان فإن هؤلاء يخففون أيضاً، كرهوا ذلك كما يكرهون الواوين، وإنما الضمتان من الواوين، فكما تكره الواوان كذلك تكره الضمتان لأن الضمة من الواو. وذلك قولك: الرسل، والطنب، والعنق تريد الرسل، والطنب، والعنق.
وكذلك الكسرتان تكرهان عند هؤلاء كما تكره الياءان في مواضع، وإنما الكسرة من الياء، فكرهوا الكسرتين كما تكره الياءان. وذلك في قولك في إبلٍ: إبلٌ.
وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه، لأن الفتح أخف عليهم من الضم والكسر، كما أن الألف أخف من الواو والياء. وسترى ذلك إن شاء الله. وذلك نحو: جملٍ وحملٍ ونحو ذلك.
ومما أشبه الأول فيما ليس على ثلاثة أحرف قولهم: أراك منتفخاً، تسكن الفاء تريد: منتفخاً، فما بعد النون بمنزلة كبدٍ.
ومن ذلك قولهم: انطلق بفتح القاف، لئلا يلتقي ساكنان كما فعلوا ذلك بأين وأشباهها، حدثنا بذلك الخليل عن العرب، وأنشدنا بيتاً، وهو لرجل من أزد السراة:
عجبت لمولودٍ وليس له أبٌ ... وذي ولدٍ لم يلده أبوان
وسمعناه من العرب كما أنشده الخليل. ففتحوا الدال كي لا يلتقي ساكنان، وحيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال.
باب ما أسكن من هذا الباب
الذي ذكرنا وترك أول الحرف على أصله لو حرك
لأن الأصل عندهم أن يكون الثاني متحركا، وغير الثاني أول الحرف. وذلك قولك: شهد ولعب، تسكن العين كما أسكنتها في علم، وتدع الأول مكسوراً لأنه عندهم بمنزلة ما حركوا، فصار كأول إبل.
سمعناهم ينشدون هذا البيت للأخطل هكذا:
إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله وجدوا له
ومثل ذلك: نعم وبئس، إنما هما فعل وهو أصلهما.
ومثل ذلك: فبها ونعمت، إنما أصلها: فبها ونعمت.
وبلغنا أن بعض العرب يقول: نعم الرجل.
ومثل ذلك غزى الرجل، لا تحول الياء واواً، لأنها إنما خففت والأصل عندهم التحرك، وأن تجرى ياءً، كما أن الذي خفف الأصل عنده التحرك، وأن يجرى الأول في خلافه مكسوراً.
باب ما تمال فيه الألفات
فالألف تمال إذا كان بعدها حرفٌ مكسور. وذلك قولك: عابدٌ، وعالمٌن ومساجد، ومفاتيح، وعذافرٌ، وهابيل.
وإنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها كما قربوا في الإدغام الصاد من الزاي حين قالوا صدر، فجعلوها بين الزاي والصاد، فقربها من الزاي والصاد التماس الخفة لأن الصاد قريبةٌ من الدال، فقربها من أشبه الحروف من موضعها بالدال. وبيان ذلك في الإدغام. فكما يريد في الإدغام أن يرفع لسانه من موضع واحد، كذلك يقرب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك.
فالألف قد تشبه الياء، فأرادوا أن يقربوها منها.
وإذا كان بين أول حرفٍ من الكلمة وبين الألف حرفٌ متحرك، والأول مكسور نحو عمادٍ أملت الألف، لأنه لا يتفاوت ما بينهما بحرف. ألا تراهم قالوا: صبقت، فجعلوها صاداً لمكان القاف، كما قالوا: صقت.
وكذلك إن كان بينه وبين الألف حرفان، الأول ساكنٌ، لأن الساكن ليس بحاجز قويٍّ، وإنما يرفع لسانه عن الحرف المتحرك رفعةً واحدة كما رفعه في الأول، فلم يتفاوت لهذا كما لم يتفاوت الحرفان حيث قلت: صويقٌ. وذلك قولهم: سربالٌ، وشملالٌ، وعمادٌ، وكلابٌ.
وجميع هذا لا يميله أهل الحجاز.
فإذا كان ما بعد الألف مضموماً أو مفتوحاً لم تكن فيه إمالةٌ، وذلك نحو آجرٍ، وتابلٍ، وخاتمٍ. لأن الفتح من الألف فهو ألزم لها من الكسرة ولا تتبع الواو، لأنها لا تشبهها. ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفاً.
وكذلك إذا كان الحرف الذي قبل الألف مفتوحاً أو مضموماً، نحو: ربابٍ، وجمادٍ، والبلبال، والجماع، والخطاف.
وتقول: الاسوداد، فيميل الألف ههنا من أمالها في الفعال، لأن وداداً بمنزلة كلابٍ.
ومما يميلون ألفه كل شيءٍ من بنات الياء والواو، كانت عينه مفتوحة.
أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه، لأنها في موضع ياء وبدلٌ منها، فنحوا نحوها كما أن بعضهم يقول: قد رد. وقال الفرزدق:
وما حل من جهلٍ حبى حلمائنا ... ولا قائل المعروف فينا يعنف
فيشم، كأنه ينحو نحو فعل. فكذا نحوا نحو الياء.


وأما بنات الواو فأمالوا ألفها لغلبة الياء على هذه اللام؛ لأن هذه اللام التي هي واوٌ إذا جاوزت ثلاثة أحرف قلبت ياءً، والياء لا تقلب على هذه الصفة واواً، فأميلت لتمكن الياء في بنات الواو. ألا تراهم يقولون معديّلإ ومسنيٌّ والقني، والعصي، ولا تفعل هذا الواو بالياء. فأمالوها لما ذكرت لك. والياء أخف عليهم من الواو فنحوا نحوها.
وقد يتركون الإمالة فيما كان على ثلاثة أحرف من بنات الواو، نحو قفاً، وعصاً، والقنا، والقطا، وأشباههن من الأسماء. وذلك أنهم أرادوا أن يبينوا أنها مكان الواو، ويفصلوا بينها وبين بنات الياء. وهذا قليل يحفظ. وقد قالوا: الكبا، والعشا، والمكا، وهو جحر الضب، كما فعلوا ذلك في الفعل.
والإمالة في الفعل لا تنكسر إذا قلت: غزا وصفا ودعا، وإنما كان في الفعل متلئباً، لأن الفعل لا يثبت على هذه الحال للمعنى. ألا ترى أنك تقول غزا، ثم تقول غزى، فتدخله الياء وتغلب عليه، وعدة الحروف على حالها. وتقول أغزوا، فإذا قلت أفعل قلت أغزى، قلبت وعدة الحروف على حالها. فآخر الحروف أضعف لتغيره والعدة على حالها وتخرج إلى الياء تقول: لأغزين، ولا يكون ذلك في الأسماء.
فإذا ضعفت الواو فإنها تصير إلى الياء، فصارت الألف أضعف في الفعل لما يلزمها من التغيير.
فإذا بلغت الأسماء أربعة أحرف أو جاوزت من بنات الواو فالإمالة مستتبة، لأنها قد خرجت إلى الياء.
وجميع هذا لا يميله ناسٌ كثير من بني تميم وغيرهم.
ومما يميلون ألفه كل اسمٍ كانت في آخره ألف زائدة للتأنيث أو لغير ذلك، لأنها بمنزلة ما هو من بنات الياء. ألا ترى أنك لو قلت في معزى وفي حبلى فعلت على عدة الحروف، لم يجىء واحدٌ من الحرفين إلا من بنات الياء. فكذلك كل شيءٍ كان مثلهما مما يصير في تثنيةٍ أو فعلٍ ياءً، فلما كانت في حروف لا تكون من بنات الواو أبداً صارت عندهم بمنزلة ألف رمى ونحوها.
وناس كثير لا يميلون الألف ويفتحونها، يقولون: حبلى ومعزى.
ومما يميلون ألفه كل شيءٍ كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عينٌ، إذا كان أول فعلت مكسورا نحوا نحو الكسر كما نحوا نحو الياء فيما كانت ألفه في موضع اليء، وهي لغة لبعض أهل الحجاز. فأما العامة فلا يميلون.
ولا يميلون ما كانت الواو فيه عيناً إلا ما كان منكسر الأول، وذلك خاف وطاب وهاب.
وبلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار بمكان كذا وكذا. وقرأها بعضهم: خاف.
ولا يميلون بنات الواو إذا كانت الواو عيناً إلا ما كان على فعلت مكسور الأول ليس غيره: ولا يميلون شيئاً من بنات المضموم الأول من فعلت لأنه لا كسرة ينحى نحوها، ولا تشبه بنات الواو التي الواو فيهن لام، لأن الواو فيهن قوية ههنا، ولا تضعف ضعفها ثمة. ألا تراها ثابتة في فعلت وأفعل وفاعلت ونحوه. فلما قويت ههنا تباعدت من الياء والإمالة، وذلك قولك: قام ودار، لا يميلونهما.
وقالوا: مات، وهم الذين يقولون: مت. ومن لغتهم صار وخاف.
ومما تمال ألفه قولهم: كيالٌ وبياعٌ. وسمعنا بعض من يوثق بعربيته يقول: كيالٌ كما ترى، فيميل. وإنما فعلوا هذا لأن قثبلها ياءً، فصارت بمنزلة الكسرة التي تكون قبلها، نحو سراج وجمالٍ. وكثيرٌ من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف.
ويقولون: شوك السيال والضياح، كما قلت كيالٌ وبياعٌ. وقالوا: شيبان وقيس عيلان وغيلان، فأمالوا للياء.
والذين لا يميلون في كيال لا يميلون ههنا.
ومما يميلون ألفه قولهم: مررت ببابه، وأخذت من ماله. هذا في موضع الجر وشبهوه بفاعلٍ نحو كاتبٍ وساجدٍ. والإمالة في هذا أضعف لأن الكسرة لا تلزم.
وسمعناهم يقولون: من أهل عاد. فأما في موضع الرفع والنصب فلا تكون كما لا تكون في آجرٍّ وتابلٍ. وقالوا: رأيت زيداً، فأمالوا كما فعلوا ذلك بغيلان. والإمالة في زيد أضعف، لأنه يدخله الرفع. ولا يقولون رأيت عبداً فيميلوا، لأنه ليست فيه ياء كما أنك لا تميل ألف كسلان لأنه ليست فيه ياء. وقالوا: درهمان.
وقالوا: رأيت قزحاً، وهو أبزار القدر. ورأيت علما، فيميلون جعلوا الكسرة كالياء. وقالوا: في النجادين، كما قالوا: مررت ببابه فأمالوا الألف.


وقالوا في الجر: مررت بعجلانك، فأمالوا كما قالوا: مررت ببابك، وقالوا: مررت بمالٍ كثيرٍ ومررت بالمال، كما تقول: هذا ماشٍ. وهذا داعٍ. فمنهم من يدع ذاك في الوقف على حاله، ومنهم من ينصب في الوقف، لأنه قد أسكن ولم يتكلم بالكسرة فيقول: بالمال وماش. وأما الآخرون فتركوه على حاله، كراهية أن يكون كما لزمه الوقف.
وقال ناس: رأيت عماداً فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة. وقال قوم: رأيت علماً، ونصبوا عماداً، لما لم يكن قبلها ياءٌ ولا كسرة جعلت بمنزلتها في عبدا.
وقال بعض الذين يقولون في السكت بمال: من عند الله، ولزيدٍ مال، شبهوه بألف عماد للكسرة قبلها. فهذا أقل من مررت بمالك، لأن الكسرة منفصلة. والذين قالوا من عند الله أكثر، لكثرة ذا الحرف في كلامهم. ولم يقولوا ذا مالٌ، يريدون ذا التي في هذا، لأن الألف إذا لم تكن طرفاً شبهت بألف فاعل.
وتقول عمادا، تميل الألف الثانية لإمالة الأولى.
باب من إمالة الألف
يميلها فيه ناس من العرب كثير وذلك قولك: يريد أن يضربها، ويريد أن ينزعها، لأن الهاء خفية والحرف الذي قبل الحرف الذي يليه مكسور، فكأنه قال: يريد أن يضربا، كما أنهم إذا قالوا ردها كأنهم قالوا ردا، فلذلك قال هذا من قال رد ورده، صار ما بعد الضاد في يضربا بمنزلة علما. وقالوا في هذه اللغة منها فأمالوا، وقالوا في مضربها، وبها، وبنا. وهذا أجدر أن يكون، لأنه ليس بينه وبين الكسرة إلا حرف واحد. فإذا كانت تمال مع الهاء وبينها وبين الكسرة حرف، فهي إذا لم يكن بين الهاء وبين الكسرة شيءٌ أجدر أن تمال. والهاء خفية، فكما تقلب الألف للكسرة ياءً كذلك أملتها حيث قربت منها هذا القرب.
وقالوا: بيني وبينها، فأمالوا في الياء كما أمالوا في الكسرة. وقالوا: يريد أن يكيلها ولم يكلها. وليس شيءٌ من هذا تمال ألفه في الرفع إذا قال هو يكيلها.
وذلك أنه وقع بين الألف وبين الكسرة الضمة، فصارت حاجزاً فمنعت الإمالة، لأن الباء في قولك يضربها فيها إمالةٌ، فلا تكون في المضموم إمالةٌ إذا ارتفعت الباء كما لا يكون في الواو الساكنة إمالةٌ. وإنما كان في الفتح لشبه الياء بالألف. ولا تكون إمالةٌ في لم يعلمها ولم يخفها، لأنه ليست ههنا ياء ولا كسرة تميل الألف.
وقالوا: فينا وعلينا فأمالوا للياء حيث قربت من الألف، ولهذا قالوا: بيني وبينها.
وقالوا: رأيت يداً فأمالوا للياء. وقالوا: رأيت يدها فأمالوا كما قالوا: يضربا ويضربها. وقال هؤلاء: رأيت دما ودمها، فلم يميلوا لأنه لا كسرة فيه ولا ياء. وقال هؤلاء: عندها، لأنه لو قال عندا أمال، فلما جاءت الهاء صارت بمنزلتها لو لم تجىء بها.
واعلم أن الذين قالوا رأيت عدا، الألف ألف نصبٍ، ويريد أن يضربها، يقولون: هو منا، وإنا إلى الله راجعون، وهم بنو تميم. وبقوله أيضاً قومٌ من قيس وأسدٍ ممن ترتضي عربيته فقال: هو منا وليس منهم وإنا لمختلفون، فجعلها بمنزلة رأيت عد، وقال هؤلاء: رأيت عنبا، وهو عندنا، فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان، ولم يكن الذي قبل الألف هاءً فتصير كأنها لم تذكر.
وقالوا: رأيت ثوبه بتكا فلم يميلوا.
وقالوا: في رجلٍ اسمه ذه: رأيت ذها، أملت الألف كأنك قلت: رأيت يدا في لغة من قال: يضربا ومر بنا، لقربها من الكسرة كقرب ألف يضربا.
واعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل، ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه، فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه، وكذلك من كان النصب من لغته لا يوافق غيره ممن ينصب، ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر. فإذا رأيت عربياً كذلك فلا ترينه خلط في لغته، ولكن هذا من أمرهم.
ومن قال رأيت يدا قال رأيت زيناًء فقوله ينا بمنزله يدا، وقال هؤلاء: كسرت يدنا، فصارت الياء ههنا بمنزلة الكسرة في قولك: رأيت عنباً.
واعلم أن من لا يميل الألفات فيما ذكرنا قبل هذا الباب لا يميلون شيئءاً منها في هذا الباب.
واعلم أن الألف إذا دخلتها الإمالة دخل الإمالة ما قبلها، وإذا كانت بعد الهاء فأملتها أملت ما قبل الهاء، لأنك كأنك لم تذكرالهاء، فكما تتبعها ما قبلها منصوبة، كذلك تتبعهما ما قبلها ممالةً.


واعلم أن بعض من يميل يقول: رأيت يداً ويدها، فلا يميل، تكون الفتحة أغلب، وصارت الياء بمنزلة دال دم لأنها لا تشبه المعتل منصوبةً، وقال هؤلاء: زينا. فهذا ما ذكرت لك من مخالفة بعضهم بعضاً.
وقال أكثر الفريقين إملهً: رمى، فلم يمل، كره أن ينحو نحو الياء إذ كان إنما فر منها، كما أن أكثرهم يقول رد في فعل، فلا ينحو نحو ال كسرة، لأنه فر مما تبين فيه الكسرة، ولا يقول ذلك في حبلى، لأنه لم يفر فيها من ياء، ولا في معزى.
واعلم أن ناساً ممن يميل في يضربها ومنا ومنها وبنا واشباه هذا مما فيه علامة الإضمار، إذا وصلوا نصبوها فقالوا: نريد أن يضربا زيداًن ويريد أن يضربها زيدٌ، ومنا زيدٌ، وذلك لأنهم في الوقف - إذا كانت الألف تمال في هذا النحو - أن يبينوا في الوقف حيث وصلوا إلى الإمالة، كما قالوا: أفعى في أفعى، جعلوها في الوقف ياء، فإذا أمالوا كان أبين لها، لأنه ينحو نحو الياء، فإذا وصل ترمك ذلك لأن الألف في الوصل أبين، كما قال أولئك في الوصل: أفعى زيدٍ، وقال هؤلاء: بيني وبينها، وبيني وبينها مالٌ.
وقد قال قوم فأمالوا أشياء ليست فيها علة مما ذكرنا فيما مضى، وذلك قليل: سمعنا بعضهم يقول: طلبنا وطلبنا زيدٌ، كأنه شبه هذه الألف بألف حبلى حيث كانت آخر الكلام ولم تكن بدلاً من ياء. وقال: رأيت عبدا ورأيت عنبا. وسمعنا هؤلاء قالوا: تباعد عنا، فأجروه على القياس وقول العامة.
وقالوا: معزانا في قول من قال عمادا، فأمالهما جميعاً وذا قياس. ومن قال عمادا قال معزانا، وهما مسلمان. وذا قياس قول غيرهم من العرب؛ لأن قوله لمان بمنزلة عمادٍ، والنون بعده مكسور، فهذا أجدر.
فجملة هذا أن كل ما كانت له الكسرة ألزم كان أقوى في الإمالة.
باب ما أميل على غير قياس
وإنما هو شاذ وذلك الحجاج إذا كان اسما لرجل، وذلك لأنته كثر في كلامهم فحملوه على الأكثر، لأن الإمالة أكثر في كلامهم. وأكثر العرب ينصبه ولا يميل ألف حجاج إذا كان صفة، يجرونه على القياس.
وأما الناس فيميله من لا يقول هذا مالٌ بمنزلة الحجا، وهم أكثر العرب، لأنها كألف فاعلٍ إذ كانت ثانية، فلم تمل في غير الجر كراهية أن تكون كباب رميت وغزوت، لأن الواو والياء في قلت وبعت أقرب إلى غير المعتل وأقوى.
وقال ناس يوثق بعربيتهم: هذا بابٌ، وهذا مالٌن وهذا عابٌ، لما كانت بدلاً من الياء كما كانت في رميت شبهت بها، وشبهوها في بابٍ ومالٍ بالألف التي تكون بدلاً من واو غزوت، فتبعت الواو الياء في العين كما تبعتها في اللام، لأن الياء قد تغلب على الواو هنا. وفي مواضع ستراها إن شاء الله.
والذين لا يميلون في الرفع والنصب أكثر العرب، وهو أعم في كلامهم.
ولا يميلون في الفعل نحو قال، لأنهم يفرقون بين مافعلت منه مكسور وبين ما فعلت منه مضمومٌ. وهذا ليس في الأسماء.
باب ما يمتنع من الإمالة
من الألفات التي أملتها فيما مضى
فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء والغين، والقاف، والخاء، إذا كان حرفٌ منها قبل الألف والألف تليه. وذلك قولك: قاعدٌ، وغائب، وخامدٌ، وصاعدٌ، وطائفٌ، وضامنٌ، وظالم.
وإنما منعت هذه الحروف الإمالة لأنها حروفٌ مستعليةٌ إلى الحنك الأعلى، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى، فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد ونحوها. فلما كانت الحروف مستعليةً وكانت الألف تستعلى، وقربت من الألف، كان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم، كما أن الحرفين إذا تقارب موضعهما كان رفع اللسان من موضعٍ واحد أخف عليهم فيدغمونه.
ولا نعلم أحداً يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته. وكذلك إذا كان الحرف من هذه الحروف بعد ألف تليها، وذلك قولك: ناقدٌ وعاطسٌ وعاصمٌ، وعاضدٌن وعاظلٌ وناخلٌ، وواغلٌ.
ونحوٌ من هذا قولهم: صقت، لما كان بعدها القاف نظروا إلى أشبه الحروف من موضعها بالقاف فأبدلوه مكانها.
وكذلك إن كانت بعد الألف بحرف، وذلك قولك: نافخٌ، ونابغ، ونافقٌ، وشاحطٌ، وعالطٌ وناهضٌ، وناشطٌ، ولم يمنعه الحرف الذي بينهما من هذا، كما لم يمنع السين من الصاد في صبقت ونحوه.


واعلم أن هذه الألفات لا يميلها أحدٌ إلا من لا يؤخذ بلغته، لأنها إذا كانت مما ينصب في غير هذه الحروف لزمها النصب، فلم يفارقها في هذه الحروف إذ كان يدخلها مع غير هذه الحروف.
وكذلك إن كان شيء منها بعد الألف بحرفين، وذلك قولك: مناشيط ومنافيخ، ومعاليق ومقاريض، ومواعيظ ومباليغ. ولم يمنع الحرفان النصب كما لم يمنع السين من الصاد في صويقٍ ونحوه. وقد قال قوم: المناشيط حين تراخت وهي قليلة.
فإذا كان حرفٌ من هذه الحروف قبل الألف بحرف وكان مكسوراً فإنه لا يمنع الألف من الإمالة. وليس بمنزلة ما يكون بعد الألف، لأنهم يضعون ألسنتهم في موضع المستعلية، ثم يصوبون ألسنتهم، فالانحدار أخف عليهم من الإصعاد. ألا تراهم قالوا: صبقت وصقت وصويقٌ. لما كان يثقل عليهم أن يكونوا في حال تسفلٍ ثم يصعدون ألسنتهم، أرادوا أن يكونوا فيح ال استعلاء وألا يعملوا في الإصعاد بعد التسفل، فأرادوا أن تقع ألسنتهم موقعاً واحدا. وقالوا: قسوت وقست، فلم يحولوا السين لأنهم انحدروا، فكان الانحدار أخف عليهم من الاستعلاء من أن يصعدوا من حال التسفل. وذلك قولهم: الضعاف، والصعاب، والطناب، والصفاف، والقباب، والقفاف، والخباث، والغلاب وهو في معنى المغالبة من قولك: غالبته غلاباً. وكذلك الظاء. ولا يكون ذلك في قائم وقوائم. لأنه جاء الحرف المستعلى مفتوحاً. فلما كانت الفتحة تمنع الألف الإمالة في عذاب وتابلٍ، كان الحرف المستعلى مع الفتحة أغلب، إذ كانت الفتحة تمنع الإمالة فلما اجتمعا قويا على الكسرة.
وإذا كان أول الحرف مكسوراً وبين الكسرة والألف حرفان أحدهما ساكن، والساكن أحد هذه الحروف، فإن الإمالة تدخل الألف، لأنك كنت ستميل لو لم يدخل الساكن للكسرة، فلما كان قبل الألف بحرفٍ مع حرف تمال معه الألف، صار كأنه هو المكسور، وصار بمنزلة القاف في قفاف. وذلك قولك: ناقةٌ مقلاتٌ، والمصباح، والمطعان. وكذلك سائر هذه الحروف.
وبعض من يقول قفافٌ ويميل ألف مفعالٍ وليس فيها أشيءٌ من هذه الحروف، ينصب الألف في مصباحٍ ونحوه، لأن حرف الاستعلاء جاء ساكناً غير مكسور وبعده الفتح، فلما جاء مسكناً تليه الفتحة صار بمنزلته لو كان متحركاً بعده الألف، وصار بمنزلة القاف في قوائم. وكلاهما عربيٌّ له مذهبٌ.
وتقول: رأيت قزحاً وأتيت ضمناً فتميل، وهما ههنا بمنزلتهما في صفافٍ وقفافٍ. وتقول: رأيت عرقاً ورأيت ملغا لأنهما بمنزلتهما في غانم، والقاف بمنزلتها في قائم.
وسمعناهم يقولون: أراد أن يضربها زيدٌ، فأمالوا. ويقولون: أراد أن يضربها قبل، فنصبوا للقاف وأخواتها.
فأما ناب ومال وباع فإنه من يميل يلزمها الإمالة على كل حال، لأنه إنما ينحو نحو الياء التي الألف في موضعها. وكذلك خاف، لأنه يروم الكسرة التي في خفت كما نحا نحو الياء. وكذلك ألف حبلى، لأنها في بنات الياء. وقد بين ذلك. ألا تراهم يقولون: طاب، وخاف، ومعطى، وسقى فلا تمنعهم هذه الحروف من الإمالة.
وذلك باب غزا، لأن الألف ههنا كأنها مبدلة من ياء. ألا ترى أنهم يقولون: صغا وضغا.
ومما لا تمال ألفه فاعلٌ من المضاعف ومفاعلٌ وأشباههما، لأن الحرف قبل الألف مفتوح، والحرف الذي بعد الألف ساكن لا كسرة فيه، فليس هنا ما يميله. وذلك قولك: هذا جادٌّ ومادٌّ، وجواد: جمع جادةٍ، ومررت برجل جادٍّ، فلا يميل يكره أن ينحو نحو الكسرة فلا يميل، لأنه فر مما يحقق فيه الكسرة، ولا يميل للجر، لأنه إنما كان يميل في هذا للكسرة التي بعد الألف، فلما فقدها لم يمل. وقد أمال قوم في الجر شبهوها بمالك إذا جعلت الكاف اسم المضاف إليه.
وقد أمال قومٌ على كل حال كما قالوا: هذا ماش، ليبينوا الكسرة في الأصل. وقال بعضهم: مررت بمال قاسم، ومررت بمال ملقٍ. ومررت بمال ينقل، ففتح هذا كله. وقالوا: مررت بمال زيدٍ، فإنما فتح الأول للقاف، شبه ذلك بعاقدٍ وناعقٍ ومناشيط. وقال بعضهم: بمال قاسم، ففرق بين المنفصل والمتصل، ولم يقو على النصب إذ كان منفصلا. وقد فصلوا بين المنفصل وغيره في أشياء ستبين لك إن شاء الله.


وسمعناهم يقولون: يريد أن يضربها زيدٌ، ومنا زيدٌ، فلما جاءوا بالقاف في هذا النحو نصبوا فقالوا: أراد أن يضربها قاسمٌ، ومنا نقل، وأراد أن يعملها ملقٌ، وأراد أن يضربها سملقٌ، وأراد أن يضربها ينقل، وأراد أن يضربنا بسوطٍ، نصبوا لهذه المستعلية وغلبت كما غلبت في مناشيط ونحوها، وصارت الهاء والألف كالفاء والألف في فاعلٍ ومفاعيل، وضارعت الألف في فاعلٍ ومفاعيل، ولم يمنع النصب ما بين الألف وهذه لحروف، كما لم يمنع في السماليق قلب السين صاداً، وصارت المستعلية في هذه الحروف أقوى منها في مال قاسمٍ، لأن القاف هنا ليست من الحرف، وإنما شبهت ألف مالٍ بألف فاعلٍ. ومع هذا أنها في كلامهم ينصبها أكثرهم في الصلة، أجروها على ما وصفت لك. فتقول: منا زيدٌ، ويضربها زيدٌ، إذ لم تشبه الألفات الأخر. ولو فعل بها ما فعل بالمال لم يستنكر في قول من قال: بمال قاسم.
وقالوا: هذا عماد قاسمٍ، وهذا عالم قاسم، ونعمى قاسم، فلم يكن عندهم بمنزلة المال، ومتاعٍ وعجلان؛ وذلك أن ال مال آخره يتغير، وإنما يمال في الجر في لغة من أمال، فإن تغير آخره عن الجر نصبت ألفه. والذي أمال له الألف في عمادٍ وعابدٍ ونحوهما مما لا يتغير فإمالة هذا أبداً لازمةٌ، فلما قويت هذه القوة لم يقو عليها المنفصل.
وقالوا: لم يضربها الذي تعلم، فلم يميلوا لأن الألف قد ذهبت ولم يجعلوها بمنزلة ألف حبلى ومرمى ونحوهما.
وقالوا: أراد أن يعلما وأن يضبطا، فتح للطاء، وأراد أن يضبطها.
وقالوا: أراد أن يعقلا، لأن القاف مكسورة، فهي بمنزلة قفافٍ.
وقالوا: رأيت ضيقا ومضيقا، كما قالوا: علقا، ورأيت علماً كثيراً، فلم يميلوا، لأنها نون وليست كالألف في معنى ومعزى.
وقد أمال قومٌ في هذا ما ينبغي أن يمال في القياس، وهو قليل، كما قالوا: طلبنا وعنبا. وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا. فلما قالوا طلبنا وعنتا، وعنبا، فشبهوها بألف حبلى، جرأهم ذلك على هذا حيث كانت فيها علةٌ تميل القاف، وهي الكسرة التي في أوله، وكان هذا أجدر أن يكون عندهم.
وسمعناهم يقولون: رأيت سبقا، حيث فتحوا. وإنما طلبنا وعرقا كالشواذ لقلتها.
واعلم أن بعض من يقول عابدٌ من العرب فيميل يقول: مررت بمالك فينصب، لأن الكسرة ليست في موضع تلزم، وآخر الحرف قد يتغير، فلم يقو عندهم، كما قال بعضهم: بمال قاسم ولم يقل عماد قاسم.
ومما لا يميلون ألفه: حتى وأما، وإلا، فرقوا بينها وبين ألفات الأسماء نحو حبلى وعطشى.
وقال الخليل: لو سميت رجلاً بها وامرأةً جازت فيها الإمالة.
ولكنهم يميلون في أنى لأن أتى تكون مثل أين، وأين كخلفك، وإنما هو اسمٌ صار ظرفا فقرب من عطشى.
وقالوا: لا، فلم يميلوا، لما لم يكن اسماً، فرقوا بينها وبين ذا.
وقالوا: ما، فلم يميلوا لأنها لم تمكن تمكن ذا، ولأنها لا تتم اسماً إلا بصلة مع أنها لم تمكن تمكن المبهمة، فرقوا بين المبهمين إذ كان ذا حالهما.
وقالوا: با وتا، في حروف المعجم، لأنها أسماء ما يلفظ به، وليس فيها ما في قد ولا، وإنما جاءت كسائر الأسماء لا لمعنىً آخر.
وقالوا: يا زيد، لمكان الياء.
ومن قال هذا مالٌ: ورأيت بابا فإنه لا يقول على حال: ساقٌ ولا قارٌ ولا غابٌ: - وغابٌ: الأجمة - فهي كألف فاعلٍ عند عامتهم، لأن المعتل وسطاً أقوى، فلم يبلغ من أمرها ههنا أن تمال مع مستعلٍ، كما أنهم لم يقولوا: بال من بلت حيث لم تكن الإمالة قويةً في المال ولا مستحسنةً عند العامة.
باب الراء
والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة، والوقف يزيدها إيضاحاً فلما كانت الراء كذلك قالوا: هذا راشدٌ، وهذا فراشٌ، فلم يميلوا لأنهم كأنهم قد تكلموا براءين مفتوحتين، فلما كانت كذلك قويت على نصب الألفات، وصارت بمنزلة القاف، حيث كانت بمنزلة حرفين مفتوحين، فلما كان الفتح كأنه مضاعف وإنما هو من الألف، كان العمل من وجه واحد أخف عليهم.
وإذا كانت الراء بعد ألفٍ تمال لو كان بعدها غير الراء، لم تمل في الرفع والنصب، وذلك قولك: هذا حمارٌ، كأنك قلت هذا فعالل. وكذلك في النصب، كأنك قلت: فعاللا، فغلبت ههنا فنصبت كما فعلت ذلك قبل الألف.


وأما في الجر فتميل الألف، كان أول الحرف مكسوراً أو مفتوحاً أو مضموماً، لأنها كأنها حرفان مكسوران، فتميل ههنا كما غلبت حيث كانت مفتوحة، فنصبت الألف. وذلك قولك: من حمارك، ومن عواره، ومن المعار، ومن الدوار، كأنك قلت: فعالل، وفعالل، وفعالل.
ومما تغلب فيه الراء قولك: قاربٌ وغارمٌ، وهذا طاردٌ، وكذلك جميع المستعلية إذا كانت الراء مكسورة بعد الألف التي تليها، وذلك لأن الراء لما كانت تقوى على كسر الألف في فعال في الجر وفعال، لما ذكرنا من التضعيف، قويت على هذه الألفات، إذ كنت إنما تضع لسانك في موضع استعلاء ثم تنحدر، وصارت المستعلية ههنا بمنزلتها في قفاف.
وتقول: هذه ناقةٌ فارقٌ وأينقٌ مفاريق، فتنصب كما فعلت ذلك حيث قلت: ناعقٌ ومنافق ومناشيط.
وقالوا: من قرارك، فغلبت كما غلبت القاف وأخواتها، فلا تكون أقوى من القاف، لأنها وإن كانت كأنها حرفان مفتوحان فإنما هي حرفٌ واحد، بزنته، كما أن الألف في غارٍ والياء في قيلٍ بمنزلة غيرهما في الرد إذا صغرت ردتا إلى الواو، وإن كان فيهما من اللين ما ليس في غيرهما. فإنما شبهت الراء بالقاف، وليس في الراء استعلاءٌ، فجعلت مفتوحةً تفتح نحو المستعلية، فلما قويت على القاف كانت على الراء أقوى.
واعلم أن الذين يقولون مساجد وعابد ينصبون جميع ما أملت في الراء.
واعلم أن قوما من العرب يقولون: الكافرون ورأيت الكافرين، والكافر، وهي المنابر، لما بعدت وصار بينها وبين الألف حرفٌ لم تقو قوة المستعلية، لأنها من موضع اللام وقريبةٌ من الياء. ألا ترى أن الألثغ يجعلها ياءً. فما كانت كذلك عملت الكسرة عملها إذ لم يكن بعدها راءٌ.
وأما قوم آخرون فنصبوا لألف في الرفع والنصب، وجعلوها بمنزلتها، إذ لم يحل بينها وبين الألف كسرٌ، وجعلوا ذلك لا يمنع النصب كما لم يمنع في القاف وأخواتها، وأمالوا في الجر كما أمالوا حيث لم يكن بينها وبين الألف شيء، وكان ذلك عندهم أولى، حيث كان قبلها حرفٌ تمال له لو لم يكن بعده راءٌ.
وأما بعض من يقول: مررت بالحمار، فإنه يقول: مررت بالكافر، فينصب الألف، وذلك لأنك قد تترك الإمالة في الرفع والنصب كما تتركها في القاف، فلما صارت في هذا كالقاف تركها في الجر على حالها حيث كانت تنصب في الأكثر، يعني في النصب والرفع، وكان من كلامهم أن ينصبوا نحو عابدٍ، وجعل الحرف الذي قبل الراء يبعده من أن يمال، كما جعله قومٌ حيث قالوا هو كافرٌ يبعده من أن ينصب، فلما بعد وكان النصب عندهم أكثر تركوه على حاله، إذ كان من كلامهم أن يقولوا عابدٌ، والأصل في فاعلٍ أن تنصب الألف، ولكنها تمال لما ذكرت لك من العلة. ألا تراها لا تمال في تابل. فلما كان ذلك الأصل تركوها على حالها في الرفع والنصب وهذه اللغة أقل في قول من قال عابدٌ وعالمٌ.
واعلم أن الذين يقولون: هذا قاربٌ، يقولون: مررت بقادرٍ، ينصبون الألف، ولم يجعلوها حيث بعدت تقوى، كما أنها في لغة الذين قالوا مررت بكافرٍ لم تقو على الإمالة حيث بعدت، لما ذكرنا من العلة.
وقد قال قومٌ ترتضى عربيتهم: مررت بقادرٍ قبل، للراء حيث كانت مكسورة. وذلك أنه يقول قاربٌ كما يقول جارمٌ، فاستوت القاف وغيرها، فلما قلا مررت بقادر أراد أن يجعلها كقوله مررت بكافرٍ، فيسويهما ههنا كما يسويهما هناك.
وسمعنا من نثق به من العرب يقول، لهدبة بن خشرم:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادرٍ ... بمنهمرٍ جون الرباب سكوب
ويقول: هو قادرٌ.
واعلم أن من يقول: مررت بكافرٍ أكثر ممن يقول: مررت بقادر، لأنها من حروف الاستعلاء، والراء قد أخبرتك بأمرها.
واعلم أن من العرب من يقول: مررت بحمار قاسم، فينصبون للقاف كما نصبوا حين قالوا مررت بمال قاسم، إلا أن الإمالة في الحمار وأشباهه أكثر، لأن الألف كأنها بينها وبين القاف حرفان مكسوران، فمن ثم صارت الإمالة فيها أكثر منها في المال. ولكنهم لو قالوا جارم قاسم لم يكن بمنزلة حمار قاسم، لأن الذي يميل ألف جارمٍ لا يتغير، فبين حمار قاسم وجارم قاسم. كما بين مال قاسم وعابد قاسم.
ومن قال: مررت بحمار قاسم قال: مررت بسفار قبل، لأن الراء ههنا يدركها التغيير. إما في الإضافة وإما في اسم مذكرو هو حرف الإعراب.


وتقول: مررت بفارٍّ قبل في لغة من قال مررت بالحمار قبل وقال مررت بكافرٍ قبل، من قبل أنه ليس بين المجرور وبين الألف في فارٍّ إلا حرف واحد ساكن لا يكون إلا من موضع الآخر، وإنما يرفع لسانه عنهما، فكأنه ليس بعد الألف إلا راءٌ مكسورة، فلما كان من كلامهم مررت بكافرٍ كان اللازم لهذا عندهم الإمالة.
وتقول: هذه صعاررٌ، وإذا اضطر الشاعر قال: الموارر. وهذا بمنزلة مررت بفارٍّ، لأنه إذا كان من كلامهم هي المنابر كان اللازم لهذا الإمالة، إذ كانت الراء بعد الألف مكسورة. وقال تعالى جده: " كانت قوارير. قوارير من فضةٍ " .
ومن قالهذا جادٌّ لم يقل هذا فارٌّ، لقوة الراء هنا كما ذكرنا.
وتقول: هذه دنانير كما قلت: كافرٌ، فهذا أجدر لأن الراء أبعد. وقد قال: بعضهم مناشيط، فذا أجدر. فإذا كنت في الجر فقصتها قصة كافر.
واعلم أن الذين يقولون: هذا داع في السكوت فلا يميلون لأنهم لم يلفظوا بالكسرة كسرة العين، يقولون: مررت بحمار، لأن الراء كأنها عندهم مضاعفة، فكأنه جر راءً قبل راء. وذلك قولهم مررت بالحمار، وأستجير بالله من النار. وقالوا: في مهارى تميل الهاء وما قبلها. وقال: سمعت العرب يقولون: ضربت ضربه، وأخذت أخذه، وشبه الهاء بالألف فأمال ما قبلها، كما يميل ما قبل الألف. ومن قال أراد أن يضربها قاسمٌ، قال: أراد أن يضربها راشدٌ. ومن قال بمال قاسم قال: بمال راشدٍ والراء أضعف في ذلك من القاف، لما ذكرت لك.
وتقول: رأيت عفرا كما تقول رأيت علقا، ورأيت عيرا كما قلت ضيقا وهذا عمران كما تقول حمقان.
واعلم أن قوماً يقولون: رأيت عفرا فيميلون للكسرة، لأن الألف في آخر الحرف، فلما كانت الراء ليست كالمستعلية وكان قبلها كسرة، وكانت الألف في آخر الحرف، شبهوها بألف حبلى، وكان هذا ألزم حيث قال بعضهم: رأيت عرقا، وقال: أراد أن يعقرها، وأراد أن يعقرا، ورأيتك عسرا، جعلوا هذه الأشياء بمنزلة ما ليس فيه راء.
وقالوا: رأيت عيرا، فإذا كانت الكسرة تميل فالياء أجدر أن تميل.
وقالوا: النغران حيث كسرت أول الحرف، وكانت الألف بعد ما هو من نفس الحرف، فشبه بما يبنى على الكلمة نحو ألف حبلى.
وقالوا عمران، ولم يقولوا برقان جمع برقٍ، ولا حمقانٌ، لأنها من الحروف المستعلية.
ومن قال هذا عمران فأمال، قال في رجل يسمى عقران: هذا عقران كما قالوا جلبابٌ، فلم يمنع ما بينهما الإمالة كما لم يمنع الصاد في صماليق.
وقالوا: ذا فراشٌ وهذا جرابٌ، كانت الكسرة أولاً والألف زائدة، شبهت بنغرانٍ. والنصب فيه كله أحسن، لأنها ليست كألف حبلى.
باب ما يمال من الحروف
التي ليس بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها مكسورة
وذلك قولك: من الضرر، ومن البعر، ومن الكبر، ومن الصغر، ومن الفقر، لما كانت الراء كأنها حرفان مكسوران وكانت تشبه الياء أمالوا المفتوح كما أمالوا الألف، لأن الفتحة من الألف، وشبه الفتحة بالكسرة كشبه الألف بالياء، فصارت الحروف ها هنا بمنزلتها إذ كانت قبل الألف وبعد الألف الراء، وإن كان الذي قبل الألف من المستعلية نحو ضاربٍ وقارب.
وتقول: من عمرو، فتميل العين لأن الميم ساكنة. وتقول: من المحاذر، فتميل الذال، ولا تقوى على إمالة الألف، لأن بعد الألف فتحاً وقبلها، فصارت الإمالة لا تعمل بالألف شيئاً، كما أنك تقول حاضرٌ فلا تميل، لأنها من الحروف المستعلية. فكما لم تمل الألف للكسرة كذلك لم تملها لإمالة الذال.
وتقول: هذا ابن مذعورٍ، كأنك تروم الكسرة، لأن الراء كأنها حرفان مكسوران، فلا تميل الواو لأنهها لا تشبه الياء، ولو أملتها أملت ما قبلها، ولكنك تروم الكسرة كما تقول رد.
ومثل هذا قولهم: عجبت من السمر، وشربت من المنقر. والمنقر. الركية الكثيرة الماء.
وقالوا: رأيت خبط الريف، كما قالوا من المطر.
وقالوا: رأيت خبط فرند، كما قال من الكافرين. ويقال هذا خبط رياحٍ، كما قال من المنقر. وقال مررت بعيرٍ ومررت بخيرٍ، فلم يشمم لأنها تخفى مع الياء كما أن الكسرة في الياء أخفى. وكذلك مررت ببعيرٍ، لأن العين مكسورة. ولكنهم يقولون: هذا ابن ثورٍ.
وتقول: هذا قفا رياحٍ، كما تقول رأيت خبط رياحٍ، فتميل طاء خبطٍ للراء المنفصلة المكسورة وكذلك ألف قفا في هذا القول.


وأما من قال: مررت بمال قاسمٍ فلم ينصب لأنها منفصلة قال: رأيت خبط رياحٍ وقفا رياحٍ، فلم يمل.
سمعنا جميع ما ذكرنا لك من الإمالة والنصب في هذه الأبواب من العرب.
ومن قال: من عمرٍو ومن النغر فأمال، لم يمل من الشرق، لأن بعد الراء حرفاً مستعلياً، فلا يكون ذا كما لم يكن: هذا مارقٌ.
باب ما يلحق الكلمة إذا اختلت
حتى تصير حرفا فلا يستطاع أن يتكلم بها في الوقف
فيعتمد بذلك اللجق في الوقف وذلك قولك: عه وشه. وكذلك جميع ما كان من باب وعى يعي. فإذا وصلت قلت: ع حديثاً، وش ثوباً، حذفت لأنك وصلت إلى التكلم به، فاستغنيت عن الهاء. فاللاحق في هذا الباب الهاء.
باب ما يتقدم أول الحروف
وهي زائدة قدمت لإسكان أول الحروف
فلم تصل إلى أن تبتدىء بساكن، فقدمت الزيادة متحركة لتصل إلى التكلم والزيادة ههنا الألف الموصولة. وأكثر ما تكون في الأفعال.
فتكون في الأمر من باب فعل يفعل ما لم يتحرك ما بعدها. وذلك قولك: اضرب، اقتل، اسمع، اذهب، لأنهم جعلوا هذا في موضع يسكن أوله فيما بنوا من الكلام.
وتكون في انفعلت وافعللت وافتعلت. وهذه الثلاثة على زنةٍ واحدةٍ ومثالٍ واحد، والألف تلزمهن في فعل وفعلت والأمر، لأنهم جعلوه يسكن أوله ههنا فيما بنوا من الكلام. وذلك انطلق، واحتبس، واحمررت، وهذا النحو.
وتكون في استفعلت، وافعنللت، وافعاللت، وافعولت، وافعولت، هذه الخمسة على مثالٍ واحد، وحال الألف فيهن كحالها في افعتعلت، وقصتهن في ذلك كقصتهن في افتعلت. وذلك نحو استخرجت، واقعنست، واشهاببت، والجوذت، واعشوشبت. وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلت، نحو احرنجمت واقشعررت. فحالهن كحال استفعلت.
وأما ألف أفعلت فلم تلحق، لأنهم أسكنوا الفاء، ولكنها بني بها الكلمة وصارت فيها بمنزلة ألف فاعلت في فاعلت، فلما كانت كذلك صارت بمنزلة ما ألحق ببنات الأربعة، ألا ترى أنهم يقولون يخرج وأنا أخرج، فيضمون كما يضمون في بنات الأربعة، لأن الألف لم تلحق لساكنٍ أحدثوه.
وأما كل شيء كانت ألفه موصولة فإن نفعل منه وأفعل وتفعل مفتوحة الأوائل، لأنها ليست تلزم أول الكلمة، يعني ألف الوصل، وإنما هي ههنا كالهاء في عه. فهي في هذا الطرف كالهاء في هذاك الطرف، فلما لم تقرب من بنات الأربعة نحو دحرجت وصلصلت، جعلت أوائل ما ذكرنا مفتوحاً كأوائل ما كان من فعلت الذي هو على ثلاثة أحرف، نحو ذهب وضرب وقتل وعلم، وصارت احرنجمت واقشعررت كاستفعلت، لأنها لم تكن هذه الألفات فيها إلا لما حدث من السكون، ولم تلحق لتخرج بناء الأربعة إلى بناء من الفعل أكثر من الأربعة، كما أن أفعل خرجت من الثلاثة إلى بناء من الفعل على الأربعة، لأنه لا يكون الفعل من نحو سفرجلٍ، لا تجد في الكلام مثل سفرجلت. فلما لم يكن ذلك صرفت إلى باب استفعلت، فأجريت مجرى ما أصله الثلاثة. يعني احرنجم.
واعلم أن هذه الألفات إذا كان قبلها كلامٌ حذفت، لأن الكلام قد جاء قبله ما يستغنى به عن الألف،، كما حذفت الهاء حين قلت: ع يا فتى، فجاء بعدها كلام. وذلك قولك: يا زيد اضرب عمراً، ويا زيد اقتل واستخرج، وإن ذلك احرنجم، وكذلك جميع ما كانت ألفه موصولة.
واعلم أن الألف الموصولة فيما ذكرنا في الابتداء مكسورةٌ أبداً، إلا أن يكون الحرف الثالث مضموماً فتضمها، وذلك قولك: اقتل، استضعف، احتقر، احرنجم. وذلك أنك قربت الألف من المضموم إذ لم يكن بينهما إلا ساكن فكرهوا كسرةً بعدها ضمةٌ، وأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد، كما فعلوا ذلك في: مذ اليوم يا فتى. وهو في هذا أجدر، لأنه ليس في الكلام حرفٌ أوله مكسور والثاني مضموم. وفعل هذا به كما فعل بالمدغم إذا أردت أن ترفع لسانك من موضع واحد. وكذلك أرادوا أن يكون العمل من وجه واحد، ودعاهم ذلك إلى أن قالوا: أنا أجوءك وأنبؤك، وهو منحدرٌ من الجبل. أنبأنا بذلك الخليل.
وقالوا أيضاً: لإمك. وقالوا:
اضرب الساقين إمك هابل
فكسرهما جميعاً كما ضم في ذلك. ومثل ذلك - البيت للنعمان بن بشير الأنصاري:
ويلمها في هواء الجو طالبة ... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب


وتكون موصلة في الحرف الذي تعرف به الأسماء. والحرف الذي تعرف به الأسماء هو الحرف الذي في قولك: القوم والرجل والناس، وإنما هما حرفٌ بمنزلة قولك قد وسوف. وقد بينا ذلك فيما ينصر وما لا ينصرف ألا ترى أن الرجل إذا نسي فتذكر ولم يرد أن يقطع يقول: ألي، كما يقول قدي، ثم يقول: كان وكان. ولا يكون ذلك في ابنٍ ولا امرىءٍ، لأن الميم ليست منفصلة ولا الباء.
وقال غيلان:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل
كما تقول: إنه قدي ثم تقول: قد كان كذا وكذا، فتثني قد. ولكنه لم يكسر اللام في قوله بذل ويجيء بالياء، لأن البناء قد تم.
وزعم الخليل أنها مفصولة كقد وسوف، ولكنها جاءت لمعنىً كما يجيئان للمعاني، فلما لم تكن الألف في فعل والا اسمٍ كانت في الابتداء مفتوحة، فرق بينها وبين ما في الأسماء والأفعال. وصارت في ألف الاستفهام إذا كانت قبلها لا تحذف، شبهت بألف أحمر لأنها زائدة. وهي مفتوحة مثلها، لأنها لما كانت في الابتداء مفتوحة كرهوا أن يحذفوها فيكون لفظ الاستفهام والخبر واحداً، فأرادوا أن يفصلوا ويبينوا.
ومثلها من ألفات الوصل الألف التي في أيم وأيمن، لما كانت في اسم لا يتمكن تمكن الأسماء التي فيها ألف الوصل نحو ابنٍ واسم وامرىءٍ، وإنما هي في اسم لا يستعمل إلا في موضع واحد، شبهتها هنا بالتي في أل فيما ليس باسم، إذ كانت فيما لا يتمكن تمكن ما ذكرنا، وضارع ما ليس باسم ولا فعلٍ.
والدليل على أنها موصولة قولهم: ليمن الله، وليم الله، قال الشاعر:
وقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم، وفريقٌ ليمن الله ما ندري
وقد كنا بينا ذلك في باب القسم. فأرادوا أن تكون هذه الياء مسكنةً فيما بنوا من الكلام. كما فعلوا ذلك فيما ذكرنا من الأفعال، وفي أسماء سنبينها لك إن شاء الله. فقصة أيم قصة الألف واللام. فهذا قول الخليل.
وقال يونس: قال بعضهم: إيم الله فكسر، ثم قال ليم الله، فجعلها كألف ابنٍ.
؟؟باب كينونتها في الأسماء
وإنما تكون في أسماء معلومة أسكنوا أوائلها فيما بنوا من الكلام، وليست لها أسماءٌ تتلئب فيها كالأفعال، هكذا أجروا ذا في كلامهم.
وتلك الأسماء: ابنٌ، وألحقوه الهاء للتأنيث فقالوا: ابنةٌ.
واثنان، وأحلقوه الهاء للتأنيث فقالوا: اثنتان، كقولك: ابنتان.
وامرؤٌ، وأحلقوه الهاء للتأنيث فقالوا: امرأة.
وابنمٌ، واسمٌ، واستٌ.
فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء وإن كان الثالث مضموماً نحو: ابنمٌ وامرؤٌ، لأنها ليست ضمةً تثبت في هذا البناء على كل حال، إنما تضم في حال الرفع. فلما كان كذلك فرقوا بينها وبين الأفعال نحو اقتل، استضعف لأن الضمة فيهن ثابتة، فتركوا الألف في ابنمٍ وامرىءٍ على حالها والأصل الكسر، لأنها مكسورة أبداً في الأسماء والأفعال إلا في الفعل المضموم الثالث، كما قالوا: أنبؤك، والأصل كسر الباء، فصارت الضمة في امرؤٌ إذ كانت لم تكن ثابتة، كالرفعة في نون ابنٌ، لأنها ضمة إنما تكون في حال الرفع.
واعلم أن هذه الألفات ألفات الوصل تحذف جميعاً إذا كان قبلها كلام، إلا ما ذكرنا من الألف واللام في الاستفهام، وفي أيمن في باب القسم، لعلةٍ قد ذكرناها، فعل ذلك بها في باب القسم حيث كانت مفتوحة قبل الاستفهام، فخافوا أن تلتبس الألف بألف الاستفهام وتذهب في غير ذلك إذا كان قبلها كلام، إلا أن تقطع كلامك وتستأنف، كما قالت الشعراء في الأنصاف، لأنها مواضع فصول، فإنما ابتدءوا بعد قطع. قال الشاعر:
ولا يبادر في الشتاء وليدنا ... ألقدر ينزلها بغير جعال
وقال لبيد:
أو مذهبٌ جددٌ على ألواحه ... ألناطق المزبور والمختوم


واعلم أن كل شيءٍ كان أول الكلمة وكان متحركاً سوى ألف الوصل فإنه إذا كان قبله كلامٌ لم يحذف ولم يتغير، إلا ما كان من هو وهي، فإن الهاء تسكن إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام، وذلك قولك: وهو ذاهبٌ، ولهو خيرٌ منك، فهو قائمٌ. وكذلك هي، لما كثرتا في الكلام وكانت هذه الحروف لا يلفظ بها إلا مع ما بعدها صارت بمنزلة ما هو من نفس الحرف، فأسكنوا كما قالوا في فخذٍ: فخذٌ، ورضى: رضى، وفي حذر: حذرٌ، وسرو: سرو، فعلوا ذلك حيث كثرت في كلامهم وصارت تستعمل كثيراً، فأسكنت في هذه الحروف استخفافاً. وكثير من العرب يدعون الهاء في هذه الحروف على حالها.
وفعلوا بلام الأمر مع الفاء والواو مثل ذلك، لأنها كثرت في كلامهم وصارت بمنزلة الهاء في أنها لا يلفظ بها إلا مع ما بعدها، وذلك قولك: فلينظر وليضرب. ومن ترك الهاء على حالها في هي وهو ترك الكسرة في اللام على حالها.
؟؟باب تحرك أواخر الكلم الساكنة
إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين
وإنما حذفوا ألف الوصل ها هنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن، فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى، حيث لم يكن ليلتقي ساكنان. وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة. فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً، وذلك قولك: اضرب ابنك، وأكرم الرجل، واذهب اذهب، و " قل هو الله أحدٌ. الله " لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن، فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك.
ومن ذلك: إن الله عافاني فعلت، وعن الرجل، وقط الرجل، ولو استطعنا.
ونظير الكسر ها هنا قولهم: حذار، وبداد، ونظار، ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم، فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام، لئلا يلتقي ساكنان. ونحوه: جير يا فتى، وغاق غاق، كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: " قل انظروا ماذا في السموات والأرض " ، فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء. وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف، فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات، يعني ألفات الوصل.
وقد كسر قومٌ فقالوا: " قل انظروا " وأجروه على الباب الأول، ولم يجعلوها كالألف، ولكنهم جعلوها كآخر جير.
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة. فمن ذلك قوله عز وجل: " وقالت اخرج عليهن " " وعذابٌ. اركض برجلك " . ومنه: " أو انقص منه قليلاً " . وهذا كله عربي قد قرىء.
ومن قال: قل انظروا، كسر جميع هذا.
والفتح في حرفين: أحدهما قوله عز وجل: " ألم. الله " ، لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا، وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء.
ونظير ذلك قولهم: من الله، ومن الرسول، ومن المؤمنين لما كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا، وشبهوها بأين وكيف.
وزعموا أن ناساً من العرب يقولون: من الله، فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما " ألم " فلا يكسر، لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره، ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين. ونحو ذلك لم يلده. واعلمن ذلك، لأن للهجاء حالاً قد تبين.
وقد اختلفت العرب في من إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللام، فكسره قوم على القياس، وهي أكثر في كلامهم، وهي الجيدة. ولم يكسروا في ألف اللام لأنها مع ألف اللام أكثر، لأن الألف واللام كثيرةٌ في الكلام تدخل في كل اسم، ففتحوا استخفافاً، فصار من الله بمنزلة الشاذ. وذلك قولك: من ابنك ومن امرىءٍ. وقد فتح قومٌ فصحاء فقالوا: من ابنك، فأجروها مجرى من المسلمين.
؟؟باب ما يضم من السواكن
إذا حذفت بعد ألف الوصل
وذلك الحرف الواو التي هي علامة الإضمار، إذا كان ما قبلها مفتوحاً، وذلك قوله عز وجل: " ولا تنسوا الفضل بينكم " ، ورموا ابنك، واخشوا الله. فزعم الخليل أنهم جعلوا حركة الواو منها ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف، نحو واو لو و أو.


وقد قال قوم: " ولا تنسوا الفضل بينكم " ، جعلوها بمنزلة ما كسروا من السواكن، وهي قليلة: وقد قال قوم: لو استطعنا شبهوها بواو اخشوا الرجل ونحوها حيث كانت ساكنة مفتوحاً ما قبلها. وهي في القلة بمنزلة: " ولا تنسوا الفضل بينكم " .
وأما الياء التي هي علامة الإضمار وقبلها حرفٌ مفتوح، فهي مكسورةٌ في ألف الوصل. وذلك: أخشى الرجل، للمرأة، لأنهم لما جعلوا حركة الواو من الواو جعلوا حركة الياء من الياء، فصارت تجرى ههنا كما تجرى الواو ثم. وإن أجريتها مجرى " ولا تنسوا الفضل بينكم " كسرت، فهي على كل حال مكسورة.
ومثل هذه الواو واو مصطفون، لأنها واوٌ زائدة لحقت للجمع كما لحقت واو اخشوا لعلامة الجمع، وحذفت من الاسم ما حذفت واو اخشوا، فهذه في الاسم كتلك في الفعل. والياء في مصطفين مثلها في اخشى، وذلك مصطفو الله ومن مصطفى الله.
؟؟باب ما يحذف من السواكن
إذا وقع بعدها ساكن
وذلك ثلاثة أحرف: الألف، والياء التي قبلها حرفٌ مكسورٌ، والواو التي قبلها حرفٌ مضموم.
فأما حذف الألف فقولك: رمى الرجل وأنت تريد رمى، ولم يخف. وإنما كرهوا تحريكها لأنها إذا حركت صارت ياءً أو واواً، فكرهوا أن تصير إلى ما يستثقلون فحذفوا الألف حيث لم يخافوا التباساً.
ومثل ذلك: هذه حبلى الرجل، ومعزى القوم، وأنت تريد المعزى والحبلى، كرهوا أن يصيروا إلى ما هو أثقل من الألف، فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً.
ومثل ذلك قولهم: رمت. وقالوا: رميا، فجاءوا بالياء، وقالوا: غزوا فجاءوا بالواو، لئلا يلتبس الاثنان بالواحد. وذفريان لأنهم لو حذفوا لالتبس بما ليس في آخره ألف التأنيث من الأسماء. وأنت إذا قلت: هذه حبلى الرجل ومن حبلى الرجل، علم أن في آخرها ألفاً.
فإن قلت: قد تقول رأيت حبلى الرجل، فيوافق اللفظ لفظ ما ليست في آخره ألف التأنيث؟ فإن هذا لا يلزمه في كل موضع. وأنت لو قلت حبلان لم تجد موضعاً إلا والألف منه ساقطة، ولفظ الاسم حينئذ ولفظ ما ليست فيه الألف سواء.
وأما حذف الياء التي قبلها كسرة فقولك: هو يرمي الرجل، ويقضي الحق، وأنت تريد يقضي ويرمي، كرهوا الكسر كما كرهوا الجر في قاضٍ، والضم فيه كما كرهوا الرفع فيه، ولم يكونوا ليفتحوا فيلتبس بالنصب، لأن سبيل هذا أن يكسر، فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً.
وأما حذف الواو التي قبلها حرف مضموم فقولك: يغزو القوم، ويدعو الناس. وكرهوا الكسر كما كرهوا الضم هناك، وكرهوا الضم هنا كما كرهوا الكسر في يرمي. وأما اخشوا القوم ورموا الرجل واخشى الرجل، فإنهم لو حذفوا لالتبس الواحد بالجميع، والأنثى بالذكر. وليس هنا موضع التباس. ومع هذا أن قبل هذه الواو أخف الحركات. وكذلك ياء اخشى، وما قبل الياء منها في يقضي ونحوه، وما قبل الواو منها في يدعو ونحوه. فاجتمع أنه أثقل وأنه لا يخاف الالتباس، فحذف. فأجريت هذه السواكن التي حركوا ما قبلها منها مجرىً واحداً.
ومثل ذلك: لم يبع ولم يقل، ولو لم يكن ذلك فيها من الاستثقال لأجريت مجرى لم يخف؛ لأنه ليس لاستثقالٍ لما بعدها حذفت، وذلك ياء يهاب وواو يخاف. وقد بين ذلك.
؟؟باب ما لا يرد من هذه الأحرف
الثلاثة لتحرك ما بعدها
؟وسأخبرك لم ذلك إن شاء الله؟ وهو قولك: لم يخف الرجل، ولم يبع الرجل، ولم يقل القوم، ورمت المرأة، ورمتا، لأنهم إنما حركوا هذا الساكن لساكنٍ وقع بعده، وليست بحركة تلزم. ألا ترى أنك لو قلت: لم يخف زيدٌ، ولم يبع عمرٌو أسكنت. وكذلك لو قلت رمت، فلم تجىء بالألف لحذفته. فلما كانت هذه السواكن لا تحرك حذفت الألف حيث أسكنت والياء والواو، ولم يرجعوا هذه الأحرف الثلاثة حيث تحركت لالتقاء الساكنين، لأنك إذا لم تذكر بعدها ساكناً سكنت. وكذلك إذا قلت لم تخلف اباك في لغة أهل الحجاز، وأنت تريد: لم تخف أباك، ولم يبع أبوك، ولم يقل أبوك، لأنك إنما حركت حيث لم تجد بداً من أن تحذف الألف وتلقي حركتها على الساكن الذي قبلها، ولم تكن تقدر على التخفيف إلا كذا، كما لم تجد بداً في التقاء الساكنين من التحريك. فإذا لم تذكر بعد الساكن همزةً تخفف كانت ساكنةً على حالها كسكونها إذا لم يذكر بعدها ساكن.


وأما قولهم: لم يخافا، ولم يقولا، ولم يبيعا، فإن هذه الحركات لوازم على كل حال، وإنما حذفت النون للجزم كما حذفت الحركة للجزم من فعل الواحد، ولم تدخل الألف ههنا على ساكن، ولو كان كذلك قال: لم يخفا كما قال: رمتا، فلم تلحق التثنية شيئاً مجزوماً وكما أن الألف لحقت في رمتا شيئاً مجزوماً.
؟؟باب ما تلحقه الهاء في الوقف
لتحرك آخر الحرف
وذلك قولك في بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لامٌ في حال الجزم: ارمه، ولم يغزه، واخشه، ولم يقضه، ولم يرضه. وذلك لأنهم كرهوا إذ هاب اللامات والإسكان جميعاً، فلما كان ذلك إخلالاً بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك.
فهذا تبيان أنه قد حذف آخر هذه الحروف.
وكذلك كل فعل كان آخره ياءً أو واواً وإن كانت الياء زائدة، لأنها تجري مجرى ما هو من نفس الحرف.
فإذا كان بعد ذلك كلامٌ تركت الهاء، لأنك إذا لم تقف تحركت، وإنما كان السكون للوقف. فإذا لم تقف استغنيت عنها وتركتها.
وقد يقول بعض العرب: ارم في الوقف، واغز، واخش. حدثنا بذلك عيسى بن عمر، ويونس. وهذه اللغة أقل اللغتين، جعلوا آخر الكلمة حيث وصلوا إلى التكلم بها، بمنزلة الأواخر التي تحرك مما لم يحذف منه شيءٌ، لأن من كلامهم أن يشبهوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع ما هو فيه.
وأما لاتقه منوقيت، وإن تع أعه من وعيت، فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في اخش، لأنه مجحفٌ بها، لأنها ذهبت منها الفاء واللام، فكرهوا أن يسكنوا في الوقف فيقولوا: إن تع أع، فيسكنوا العين مع ذهاب حرفين من نفس الحرف. وإنما ذهب من نفس الحرف الأول حرفٌ واحد وفيه ألف الوصل، فهو على ثلاثة أحرف، وهذا على حرفين، وقد ذهب من نفسه حرفان.
وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: ادعه من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة، لأنه لا يلتقي ساكنان، كما قالوا: رد يا فتى.
وهذه لغةٌ رديئة، وإنما هو غلطٌ، كما قال زهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا
؟؟باب ما تلحقه الهاء لتبين الحركة
من غير ما ذكرنا من بنات الياء والواو
التي حذف أواخرها؟ ولكنها تبين حركة أواخر الحروف التي لم يذهب بعدها شيء فمن ذلك النونات التي ليست بحروف إعراب، ولكنها نون الاثنين والجمع. وكان هذا أجدر أن تبين حركته حيث كان من كلامهم أن يبينوا حركة ما كان قبله متحركاً مما لم يحذف من آخر شيءٌ، لأن ما قبله مسكن، فكرهوا أن يسكن ما قبله، وذلك إخلالٌ به، وذلك: هما ضاربانه، وهم مسلمونه، وهم قائلونه. ومثل ذلك: هنه، وضربتنه، وذهبتنه. فعلوا ذلك لما ذكرت لك. ومع ذلك أيضاً أن النون خفية، فذلك أيضاً مما يؤكد التحريك، إذ كان يحرك ما هو أبين منها. وسترى ذلك، وما حرك وما قبله متحرك إن شاء الله.
ومثل ذلك: أينه، تريد أين، لأنها نون قبلها ساكن، وليست بنونٍ تغير للإعراب ولكنها مفتوحة على كل حال، فأجريت ذلك المجرى.
ومثل ذلك قولهم: ثمه، لأن في هذا الحرف ما في أين، أن ما قبله ساكن، وهي أشبه الحروف بها في الصوت، فلذلك كانت مثلها في الخفاء.
ونبين ذلك في الإدغام. ومثل ذلك قولهم: هلمه، يريد هلم. قال الراجز:
يا أيها الناس ألا هلمه
وإنما يريد: هلم.
وغير هؤلاء من العرب، وهم كثير، لا يلحقون الهاء في الوقف، ولا يبينون الحركة، لأنهم لم يحذفوا شيئاً يلزم هذا الاسم في كلامهم في هذا الموضع، كما فعلوا ذلك في بنات الياء والواو.
وجميع هذا إذا كان بعده كلامٌ ذهبت منه الهاء، لأنه قد استغني عنها. وإنما احتاج إليها في الوقف لأنه لا يستطيع أن يحرك ما يسكت عنده.
ومثل ما ذكرت لك قول العرب: إنه، وهم يريدون إن، ومعناها أجل. وقال:
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
ومثل نون الجميع قولهم: اعلمنه، لأنها نون زائدة وليست بحرف إعراب وقبلها حرف ساكن، فصار هذا الحرف بمنزلة هن.
وقالوا في الوقف: كيفه، وليته، ولعله، في كيف، وليت، ولعل، لما لم يكن حرفاً يتصرف للإعراب وكان ما قبلها ساكناً، جعلوها بمنزلة ما ذكرنا.


وزعم الخليل أنهم يقولون: انطلقته، يريدون انطلقت، لأنها ليست بتاء إعراب وما قبلها ساكن.
ومما أجري مجرى مسلمونه علامة المضمر التي هي ياء وقبلها ألف أو ياء، لأنها جمعت أنها خفية وأن قبلها ساكناً، فأجريت مجرى مسلمانه ومسلمونه، ونعلينه. وذلك قولك: غلامايه، وغلاميه، وعصايه، وبشرايه، ويا قاضيه.
؟؟باب ما يبينون حركته وما قبله متحرك
فمن ذلك الياء التي تكون علامة المضمر المجرور أو تكون علامة المضمر المنصوب. وذلك قولك: هذا غلاميه، وجاء من بعديه، وإنه ضربنيه، كرهوا أن يسكنوها إذ لم تكن حرف الإعراب، وكانت خفية فبينوها.
وأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء، لأن ذلك أمرها في الوصل، فلم يحذف منها في الوقف شيءٌ.
وقالوا: هيه، وهم يريدون هي، شبهوها بياء بعدي. وقالوا هوه،، لما كانت الواو لا تصرف للإعراب كرهوا أن يلزموها الإسكان في الوقف، فجعلوها بمنزلة الياء، كما جعلوا كيفه بمنزلة مسلمونه.
ومثل ذلك قولهم: خذه بحكمكه. وجميع هذا في الوصل بمنزلة الأول. ومن لم يلحق هناك الهاء في الوقف لم يلحقها هنا.
وقد استعملوا في شيء من هذا الألف في الوقف كما استعملوا الهاء، لأن الهاء أقرب المخارج إلى الألف، وهي شبيهة بها.
فمن ذلك قول العرب: حيهلا، فإذا وصلوا قالوا: حيهل بعمر. وإن شئت قلت: حيهل، كما تقول: بحكمك.
ومن ذلك قولهم: أنا، فإذا وصل قال: أن أقول ذاك. ولا يكون في الوقف في أنا إلا الألف، لم تجعل بمنزلة هو، لأن هو آخرها حرف مدٍّ، والنون خفية، فجمعت أنها على أقل عدد ما يتكلم به مفرداً، وأن آخرها خفيٌّ ليس بحرف إعراب، فحملهم ذلك على هذا.
ونظيرة أنا مع هذا الهاء التي تلزم طلحة في أكثر كلامهم في النداء، إذا وقفت، فكما لزمت تلك لزمت هذه الألف.
وأما أحمر ونحوه، إذا قلت رأيت أحمر، لم تلحق الهاء، لأن هذا الآخر حرف إعراب يدخله الرفع والنصب، وهو اسمٌ يدخله الألف واللام، فيجر آخره، ففرقوا بينه وبين ما ليس كذلك، وكرهوا الهاء في هذا الاسم في كل موضع وأدخلوها في التي لا تزول حركتها، وصار دخول كل الحركات فيه وأن نظيره فيما ينصرف منونٌ، عوضاً من الهاء حيث قويت هذه القوة.
وكذلك الأفعال، نحو ظن وضرب، لما كانت اللام قد تصرف حتى يدخلها الرفع والنصب والجزم، شبهت بأحمر.
وأما قولهم: علامه، وفيمه، ولمه، وبمه، وحتامه؟ فالهاء في هذه الحروف أحود إذا وقفت، لأنك حذفت الألف من ما، فصار آخره كآخر ارمه واغزه.
وقد قال قوم: فيم، وعلام، وبم، ولم؟ كما قالوا: اخش. وليس هذه مثل إن، لأنه لم يحذف منها شيءٌ من آخرها.
وأما قولهم: مجيء م جئت، ومثل م أنت، فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء ولم يكن فيه إلا ثبات الهاء، لأن مجيء ومثل، يستعملان في الكلام مفردين، لأنهما اسمان. وأما الحروف الأول فإنها لا يتكلم بها مفردةً من ما، لأنها ليست بأسماء، فصار الأول بمنزلة حرفٍ واحد لذلك. ومع هذا أنه أكثر في كلامهم، فصار هذا بمنزلة حرف واحد نحو اخش. والأول من مجيء م جئت، ومثل م أنت، ليس كذلك. ألا تراهم يقولون: مثل ما أنت ومجيء ما جئت؟ لأن الأول اسم. وإنما حذفوا لأنهم شبهوها بالحروف الأول فلما كانت الألف قد تلزم في هذا الموضع كانت الهاء في الحرف لازمة في الوقف، ليفرقوا بينها وبين الأول.
وقد لحقت هذه الهاءات بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية، فأرادوا البيان، وذلك قولهم: هؤلاه وههناه. ولا يقولونه في أفعى وأعمى ونحوهما من الأسماء المتمكنة، كراهية أن تلتبس بهاء الإضافة. ومع هذا أن هذه الألفات حروف إعراب. ألا ترى أنه لو كان في موضعها غير الألف دخله الرفع والنصب والجر، كما يدخل راء أحمر. ولو كان في موضع ألف هؤلا حرفٌ متحرك سواها كانت لها حركة واحدة كحركة أنا وهو. فلما كان كذلك أجروا الألف مجرى ما يتحرك في موضعها.
واعلم أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الممدود؛ لأنه خفيٌّ فأرادوا البيان كما أرادوا أن يحركوا. وناسٌ من العرب كثير لا يلحقون الهاء كما لم يلحقوا هو وهن ونحوهما.


وقد يلحقون في الوقف هذه الهاء الألف التي في النداء؛ والألف والياء والواو في الندبة؛ لأنه موضع تصويت وتبيين، فأرادوا أن يمدوا فألزموها الهاء في الوقف لذلك، وتركوها في الوصل؛ لأنه يستغنى عنها كما يستغنى عنها في المتحرك في الوصل، لأنه يجيء ما يقوم مقامها. وذلك قولك: يا غلامان، ووازيداه، وواغلامهوه، وواذهاب غلامهيه.
؟؟باب الوقف ؟في أواخر الكلم
المتحركة في الوصل
أما كل اسم منون فإنه يلحقه في حال النصب في الوقف الألف، كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف منه أو زيادةٍ فيه لم تجىء علامةً للمنصرف، فأرادوا أن يفرقوا بين التنوين والنون. ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث، فعلامة التأنيث إذا وصلته التاء، وإذا وقفت ألحقت الهاء، أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف، نحو تاء القت، وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سنبتة، وتاء عفريت، لأنهم أرادوا أن يلحقوهما ببناء قحطبة وقنديل.
وكذلك التاء في بنتٍ وأختٍ، لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عمرٍ وعدلٍ، وفرقوا بينها وبين تاء المنطلقات لأنها كأنها منفصلة من الأول، كما أن موت منفصلٌ من حضر في حضرموت.
وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة، لأن تاء طلحة كأنها منفصلة.
وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون في الوقف: طلحت، كما قالوا في تاء الجميع قولاً واحداً في الوقف والوصل.
وإنما ابتدأت في ذكر هذا لأبين لك المنصرف. فأما في حال الجر والرفع فإنهم يحذفون الياء والواو، لأن الياء والواو أثقل عليهم من الألف، فإذا كان قبل الياء كسرةٌ وقبل الواو ضمةٌ كان أثقل.
وقد يحذفون في الوقف الياء التي قبلها كسرة وهي من نفس الحرف، نحو القاض. فإذا كانت الياء هكذا فالواو بعد الضمة أثقل عليهم من الكسرة، لأن الياء أخف عليهم من الواو. فلما كان من كلامهم أن يحذفوها وهي من نفس الحرف كانت ههنا يلزمها الحذف إذ لم تكن من نفس الحرف، ولا بمنزلة ما هو من نفس الحرف، نحو ياء محبنطٍ ومجعبٍ.
فأما الألف فليست كذلك، لأنها أخف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها في مثنى ونحوه ولا يحذفونها في وقف. ويقولون في فخذٍ: فخذٌ، وفي رسلٍ: رسلٌ، ولا يخففون الجمل لأن الفتحة أخف عليهم من الضمة والكسرة، كما أن الألف أخف عليهم من الياء والواو. وسترى بيان ذلك إن شاء الله.
وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون هذا: زيدو، وهذا عمرو، ومررت بزيدي، وبعمري؛ جعلوه قياساً واحداً؛ فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف.
؟؟باب الوقف في آخر الكلم
؟المتحركة في الوصل التي لا تلحقها زيادةٌ في الوقف
فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: بالإشمام، وبغير الإشمام كما تقف عند المجزوم والساكن، وبأن تروم التحريك، وبالتضعيف.
فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال.
وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبداً إلا عند حرف ساكن، فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال؛ لأنه وافقه في هذا الموضع.
وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكانٌ على كل حال، وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال. وذلك أراد الذين أشموا؛ إلا أن هؤلاء أشد توكيداً.
وأما الذين ضاعفوا فهم أشد توكيداً؛ أرادوا أن يجيئوا بحرفٍ لا يكون الذي بعده إلا متحركاً لأنه لا يلتقي ساكنان. فهؤلاء أشد مبالغةً وأجمع؛ لأنه لو لم تشم كنت قد أعلمت أنها متحركة في غير الوقف.
ولهذا علاماتٌ. فللإشمام نقطةٌ، وللذي أجري مجرى الجزم والإسكان الخاء، ولروم الحركة خطٌّ بين يدي الحرف، وللتضعيف الشين.
فالإشمام قولك: هذا خالد؛ وهذا فرج؛ وهو يجعل.
وأما الذي أجري مجرى الإسكان والجزم فقولك: مخلد، وخالد، وهو يجعل.
وأما الذين راموا الحركة فهم الذين قالوا: هذا عمر؛ وهذا أحمد؛ كأنه يريد رفع لسانه. حدثنا بذلك عن العرب الخليل وأبو الخطاب. وحدثنا الخليل عن العرب أيضاً بغير الإشمام وإجراء الساكن.


وأما التضعيف فقولك: هذا خالد، وهو يجعل، وهذا فرج. حدثنا بذلك الخليل عن العرب. ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي سبسباً يريد: السبسب، وعيهل يريد: العيهل، لأن التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف أتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك. كما يلحقون الواو والياء في القوافي فيما لا يدخله ياءٌ ولا واوٌ في الكلام، وأجروا الألف مجراهما لأنها شيركتهما في القوافي، ويمد بها في غير موضع التنوين، ويلحقونها في التنوين فألحقوها بهما فيما ينون في الكلام، وجعلوا سبسب كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب إذا وقفت. قال رجلٌ من بني أسدٍ:
ببازلٍ وجناء أو عيهل
وقال رؤبة:
لقد خشيت أن أرى جدبا ... في عامنا ذا بعد ما أخصبا
أراد: جدباً. وقال رؤبة:
بدءٌ يحب الخلق الأضخما
فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضاعفوا.
فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرفٍ ساكناً لم يضعفوا، نحو عمرٍو وزيدٍ وأشباه ذلك، لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكناً لأنه ساكن. وقد يسكن ما بعد ما هو بمنزلة لام خالد وراء فرج، فلما كان مثل ذلك يسكن ما بعده ضاعفوه وبالغوا، لئلا يكون بمنزلة ما يلزمه السكون. ولم يفعلوا ذلك بعمرٍو وزيدٍ، لأنهم قد علموا أنه لا تسكن أواخر هذا الضرب من كلامهم وقبله ساكن، ولكنهم يشمون ويرومون الحركة لئلا يكون بمنزلة الساكن الذي يلزمه السكون. وقد يدعون الإشمام وروم الحركة أيضاً كما فعلوا بخالد ونحوه.
وأما ما كان في موضع نصب أو جرٍّ فإنك تروم فيه الحركة، وتضاعف، وتفعل فيه ما تفعل بالمجزوم على كل حال، وهو أكثر في كلامهم. وأما الإشمام فليس إليه سبيل، وإنما كان ذا في الرفع لأن الضمة من الواو، فأنت تقدر أن تضع لسانك في أي موضع من الحروف شئت ثم تضم شفتيك، لأن ضمك شفتيك كتحريكك بعض جسدك، وإشمامك في الرفع للرؤية وليس بصوتٍ للأذن. ألا ترى أنك لو قلت هذا معن فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم، فأنت قد تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ثم تضم شفتيك، ولا تقدر على أن تفعل ذلك ثم تحرك موضع الألف والياء.
فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام. وهو قول العرب ويونس والخليل.
فأما فعلك بهما كفعلك بالمجزوم على كل حال فقولك: مررت بخالدٍ، ورأيت الحارث.
وأما روم الحركة فقولك: رأيت الحارث ومررت بخالد. وإجراؤه كإجراء المجزوم أكثر، كما أن الإشمام وإجراء الساكن في الرفع أكثر، لأنهم لايسكنون إلا عند ساكنٍ، فلا يريدون أن يحدثوا فيه شيئاً سوى ما يكون في الساكن.
وأما التضعيف فهو قولك: مررت بخالدٍ، ورأيت أحمد.
وحدثني من أثق به أنه سمع عربياً يقول: أعطني أبيضه، يريد: أبيض، وألحق الهاء كما ألحقها في: هنه وهو يريد: هن.
؟؟باب الساكن الذي يكون قبل آخر الحروف
؟؟فيحرك، لكراهيتهم التقاء الساكنين
وذلك قول بعض العرب: هذا بكر، ومن بك. ولم يقولوا: رأيت البكر؛ لأنه في موضع التنوين، وقد يلحق ما يبين حركته. والمجرور والمرفوع لا يلحقهما ذلك في كلامهم. ومن ثم قال الراجز - بعض السعديين:
أنا ابن ماوية إذ جد النقر
أراد: النقر، إذا نقر بالخيل. ولا يقال في الكلام إلا النقر، في الرفع وغيره.
وقالوا: هذا عدل وفسل؛ فأتبعوها الكسرة الأولى؛ ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول؛ لأنه ليس من كلامهم فعل؛ فشبهوها بمنتنٍ؛ أتبعوها الأول.
وقالوا: في البسر، ولم يكسروا في الجر، لأنه ليس في الأسماء فعل، فأتبعوها الأول؛ وهم الذين يخففون في الصلة البسر.
وقالوا: رأيت العكم، فلم يفتحوا الكاف كما لم يفتحوا كاف البكر، وجعلوا الضمة إذ كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت بعدها، وهو قولك: رأيت الجحر. وإنما فعلوا ذلك في هذا لأنهم لما جعلوا ما قبل الساكن في الرفع والجر مثله بعده، صار في النصب كأنه بعد الساكن.
ولا يكون هذا في زيد وعون ونحوهما، لأنهما حرفا مدٍّ، فهما يحتملان ذلك كما احتملا أشياء في القوافي لم يحتملها غيرهما، وكذلك الألف. ومع هذا كراهية الضم والكسر في الياء والواو؛ وأنك لو أردت ذلك في الألف قلبت الحرف.


واعلم أن من الحروف حروفاً مشربة ضعطت من مواضعها فإذا وقفت خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن موضعه، وهي حروف القلقلة، وستبين أيضاً في الإدغام إن شاء الله. وذلك القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء. والدليل على ذلك أنك تقول: الحذق فلا تستطيع أن تقف إلا مع الصويت، لشدة ضغط الحرف. وبعض العرب أشد صوتاً، كأنهم الذين يرومون الحركة.
ومن المشربة حروفٌ إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة ولم تضغط ضغط الأولى، وهي الزاي، والظاء، والذال، والضاد؛ لأن هذه الحروف إذا خرجت بصوت الصدر انسل آخره وقد فتر من بين الثنايا لأنه يجد منفذاً، فتسمع نحو النفخة. وبعض العرب أشد صوتاً، وهم كأنهم الذين يرومون الحركة. والضاد تجد المنفذ من بين الأضراس، وستبين هذه الحروف أيضاً في باب الإدغام إن شاء الله. وذلك قولك: هذا نشز، وهذا خفض.
وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عندها مع نفخٍ، لأنهن يخرجن مع التنفس لا صوت الصدر؛ وإنما تنسل معه. وبعض العرب أشد نفخاً؛ كأنهم الذين يرومون الحركة فلابد من النفخ؛ لأن النفس تسمعه كالنفخ.
ومنها حروفٌ مشربة لا تسمع بعدها في الوقف شيئاً مما ذكرنا؛ لأنها لم تضغط ضغط القاف ولا تجد منفذاً كما وجد في الحروف الأربعة. وذلك اللام والنون؛ لأنهما ارتفعتا عن الثنايا فلم تجدا منفذاً. وكذلك الميم؛ لأنك تضم شفتيك ولا تجافيهما كما جافيت لسانك في الأربعة حيث وجدن المنفذ. وكذلك العين والغين والهمزة، لأنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يكن كما لا يكون من مواضع اللام والميم وما ذكرت لك من نحوهما. ولو وضعت لسانك في مواضع الأربعة لاستطعت النفخ فكان آخر الصوت حين يفتر نفخاً. والراء نحو الضاد.
واعلم أن هذه الحروف التي يسمع معها الصوت والنفخة في الوقف، لا يكونان فيهن في الوصل إذا سكن؛ لأنك لا تنتظر أن ينبو لسانك؛ ولا يفتر الصوت حتى تبتدىء صوتاً. وكذلك المهموس، لأنك لا تدع صوت الفم يطول حتى تبتدىء صوتاً.
وذلك قولك: أيقظ عميراً، وأخرج حاتماًن وأحرز مالاً، وأفرش خالداً، وحرك عامراًز وإذا وقفت في المهموس والأربعة قلت: أفرش، وأحبس؛ فمددت وسمعت النفخ، فتفطن. وكذلك: الفظ وخ، فنفخت فتفطن؛ فإنك ستجده كذلك إن شاء الله.
ولا يكون شيء من هذه الأشياء في الوصل؛ نحو أذهب زيداً؛ وخذهما واحرسهما؛ كما لا يكون في المضاعف في الحرف الأول إذا قلت: أحدٌ؛ ودق؛ ورش.
؟؟باب الوقف في الواو والياء والألف
وهذه الحروف غير مهموسات، وهي حروف لينٍ ومدٍّ، ومخارجها متسعة لهواء الصوت؛ وليس شيء من الحروف أوسع مخارج منها؛ ولا أمد للصوت؛ فإذا وقفت عندها لم تضمها بشفةٍ ولا لسانٍ ولا حلقٍ كضم غيرها؛ فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة. وإذا تفطنت وجدت مس ذلك. وذلك قولك: ظلموا ورموا، وعمى وحبلى.
وزعم الخليل أنهم لذلك قالوا: ظلموا ورموا؛ فكتبوا بعد الواو ألفاً.
وزعم الخليل أن بعضهم يقول: رأيت رجلاً فيهمز؛ وهذه حبلأ؛ وتقديرهما: رجلع وحبلع؛ فهمز لقرب الألف من الهمزة حيث علم أنه سيصير إلى موضع الهمزة، فأراد أن يجعلها همزة واحدة، وكان أخف عليهم.
وسمعناهم يقولون: هو يضر بهأ؛ فيهمز كل ألف في الوقف كما يستخفون في الإدغام؛ فإذا وصلت لم يكن هذا؛ لأن أخذك في ابتداء صوت آخر يمنع الصوت أن يبلغ تلك الغاية في السمع.
؟؟باب الوقف في الهمز
أما كل همزة قبلها حرفٌ ساكن فإنه يلزمها في الرفع والجر والنصب ما يلزم الفرع من هذه المواضع التي ذكرت لك، من الإشمام، وروم الحركة، ومن إجراء الساكن. وذلك قولهم: هو الخبء، والخبء، والخبء.
واعلم أن ناساً من العرب كثيراً ما يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة حركة الهمزة، سمعنا ذلك من تميم وأسدٍ، يريدون بذلك بيان الهمزة، وهو أبين لها إذا وليت صوتاً، والساكن لا ترفع لسانك عنه بصوت لو رفعت بصوتٍ حركته، فلما كانت الهمزة أبعد الحروف وأخفاها في الوقف حركوا ما قبلها ليكون أبين لها. وذلك قولهم: هو الوثؤ، ومن الوثىء، ورأيت الوثأ. وهو البطؤ، ومن البطىء، ورأيت البطأ. وهو الردؤ وتقديرها الردع، ومن الردىء، ورأيت الردأ. يعني بالردء الصاحب.


وأما ناسٌ من بني تميم فيقولون هو الردىء، كرهوا الضمة بعد الكسرة، لأنه ليس في الكلام فعل، فتنكبوا هذا اللفظ لاستنكار هذا في كلامهم. وقالوا: رأيت الردىء، ففعلوا هذا في النصب كما فعلوا في الرفع، أرادوا أن يسووا بينهما. وقالوا: من البطؤ لأنه ليس في الأسماء فعل. وقالوا: رأيت البطؤ، أرادوا أن يسووا بينهما. ولا أراهم إذ قالوا: من الردىء وهو البطؤ إلا يتبعونه الأول، وأرادوا أن يسووا بينهن إذ أجرين مجرىً واحداً، وأتبعوه الأول كما قالوا: رد وفر.
ومن العرب من يقول: هو الوثو فيجعلها واواً حرصاً على البيان. ويقول من الوثىء فيجعلها ياءً، ورأيت الوثا. يسكن الثاء في الرفع والجر؛ وهو في النصب مثل القفا.
وأما من لم يقل من البطىء ولا هو الردؤ، فإنه ينبغي لمن اتقى ما اتقوا أن يلزم الواو والياء.
وإذا كان الحرف قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النطع من الإشمام، وإجراء المجزوم، وروم الحركة. وكذلك تلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها الذي ذكرت لك؛ وذلك قولك هو الخطأ؛ وهو الخطأ؛ وهو الخطأ. ولم نسمعهم ضاعفوا؛ لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الحروف في الكلام؛ فكأنهم تنكبوا التضعيف في الهمز لكراهية ذلك. فالهمزة بمنزله ما ذكرنا من غير المعتل؛ إلا في القلب والتضعيف.
ومن العرب من يقول: هذا هو الكلو، حرصاً على البيان؛ كما قالوا: الوثو. ويقول: من الكلى يجعلها ياء كما قالوا من الوثى: ويقول: رأيت الكلا ورأيت الحبا، يجعلها ألفاً كما جعلها في الرفع واواً وفي الجر ياءً. وكما قالوا الوثا وحركت الثاء، لأن الألف لابد لها من حرف قبلها مفتوح.
وهذا وقف الذين يحققون الهمزة. فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فقولهم: هذا الخبا في كل حال؛ لأنها همزة ساكنة قبلها فتحة؛ فإنما هي كألف راسٍ إذا خففت. ولا تشم لأنها ألف كألف مثنى. ولو كان ما قبلها مضموماً لزمها الواو، نحو أكمو. ولو كان مكسوراً لزمت الياء نحو أهنى، وتقديرها أهنع، فإنما هذا بمنزلة جونةٍ وذيبٍ. ولا إشمام في هذه الواو لأنها كواو يغزو.
وإذا كانت الهمزة قبلها ساكنٌ فخففت فالحذف لازم. ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف غير المعتلة من الإشمام؛ وإجراء الجزم؛ وروم الحركة؛ والتضعيف. وذلك قولهم: هذا الوث، ومن الوث ورأيت الوث والخب ورأيت الخب؛ وهو الخب ونحو ذلك.
؟؟باب الساكن الذي تحركه في الوقف
؟؟إذا كان بعده هاء المذكر الذي هو علامة الإضمار ؟؟ليكون أبين لها كما أردت ذلك في الهمزة
وذلك قولك: ضربته، واضربه، وقده، ومنه، وعنه. سمعت ذلك من العرب، ألقوا عليه حركة الهاء حيث حركوا لتبيانها. قال الشاعر، وهو زيادٌ الأعجم:
عجبت والدهر كثيرٌ عجبه ... من عنزيٍّ سبى لم أضربه
وقال أبو النجم:
فقربن هذا وهذا أزحله
وسمعنا بعض بني تميم من بني عديٍّ يقولون: قد ضربته وأخذته، كسروا حيث أرادوا أن يحركوها لبيان الذي بعدها لا لإعراب يحدثه شيءٌ قبلها، كما حركوا بالكسر، إذا وقع بعدها ساكنٌ يسكن في الوصل، فإذا وصلت أسكنت جميع هذا؛ لأنك تحرك الهاء فتبين وتتبعها واواً؛ كما أنك تسكن في الهمزة إذا وصلت فقلت: هذا وثءٌ كما ترى؛ لأنها تبين. وكذلك قد ضربته فلانة؛ وعنه أخذت؛ فتسكن كما تسكن إذا قلت: عنها أخذت. وفعلوا هذا بالهاء لأنها في الخفاء نحو الهمزة.
؟؟باب الحرف الذي تبدل مكانه في الوقف
حرفا أبين منه يشبهه لأنه خفيٌّ وكان الذي يشبهه أولى
كما أنك إذا قلت: مصطفين، جئت بأشبه الحروف بالصاد من موضع التاء، لا من موضع آخر وذلك قول بعض العرب في أفعى: هذه أفعى؛ وفي حبلى: هذه حبلى؛ وفي مثنى: هذا مثنى. فإذا وصت صيرتها ألفاً. وكذلك كل ألفٍ في آخر الاسم. حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغةٌ لفزارة وناسٍ من قيس؛ وهي قليلة. فأما الأكثر الأعرف فأن تدع الألف وفي الوقف على حالها ولا تبدلها ياءً. وإذا وصلت استوت اللغتان؛ لأنه إذا كان بعدها كلام كان أبين لها منها إذا سكت عندها؛ فإذا استعملت الصوت كان أبين.
وأما طيىءٌ فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف؛ لأنها خفية لا تحرك، قريبةٌ من الهمزة.


حدثنا بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب؛ وزعموا أن بعض طيىءٍ يقول: أفعو، لأنها أبين من الياء، ولم يجيئوا بغيرها لأنها تشبه الألف في سعة المخرج والمد؛ ولأن الألف تبدل مكانها كما تبدل مكان الياء، وتبدلان مكان الألف أيضاً؛ وهن أخواتٌ.
ونحو ما ذكرنا قول بني تميم في الوقف: هذه؛ فإذا وصلوا قالوا: هذي فلانة؛ لأن الياء خفية فإذا سكت عندها كان أخفى. والكسرة مع الياء أخفى، فإذا خفيت الكسرة ازدادت الياء خفاءً كما ازدادت الكسرة؛ فأبدلوا مكانها حرفاً من موضع أكثر الحروف بها مشابهةً وتكون الكسرة معه أبين.
وأما أهل الحجاز وغيرهم من قيس فألزموها الهاء في الوقف وغيره كما ألزمت طيىءٌ الياء. وهذه الهاء لا تطرد في كل ياءٍ هكذا؛ وإنما هذا شاذٌّ، ولكنه نظير للمطرد الأول.
وأما ناس من بني سعدٍ فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفية، فأبدلوا من موضعها أبين الحروف، وذلك قولهم: هذا تميمج، يريدون: تميميٌّ، وهذا علج، يريدون: عليٌّ. وسمعت بعضهم يقول: عربانج، يريد: عربانيٌّ. وحدثني من سمعهم يقولون:
خالي عويفٌ وأبو علج ... المطعمان الشحم بالعشج
وبالغداة فلق البرنج
يريد: بالعشي، والبرني. فزعم أنهم أنشدوه هكذا.
؟؟باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف
؟؟وهي الياءات
وذلك قولك: هذا قاض، وهذا غاز، وهذا عم، تريد العمى. أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل، ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل. فهذا الكلام الجيد الأكثر.
وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذا رامي وغازي وعمي، أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين، لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال. فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف. وذلك قولك: هذا القاضي، وهذا العمي، لأنها ثابتة في الوصل.
ومن العرب من يحذف هذا في الوقف، شبهوه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام. وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات، فقد اجتمع الأمران. ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام، لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام، وهو التنوين، لأنه لا يلتقي ساكنان. وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة، ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام، إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام، كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام، إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل. وأما في حال النصب فليس إلا البيان، لأنها ثابتة في الوصل فيما ليست فيه ألفٌ ولامٌ. ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل، وذلك قولك: رأيت القاضي. وقال الله عز وجل: " كلا إذا بلغت التراقي " . وتقول: رأيت جواري؛ لأنها ثابتة في الوصل متحركة.
وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال: أختار يا قاضي، لأنه ليس بمنون، كما أختار هذا القاضي.
وأما يونس فقال: يا قاض. وقول يونس أقوى، لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر، لأن النداء موضع حذفٍ، يحذفون التنوين ويقولون: يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل.
وقالا في مرٍ، إذا وقفا: هذا مري، كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء، فصار عوضاً. يريد مفعلٌ من رأيت.
وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ، لأنها لا تذهب في الوصل في حال، وذلك: لا أقضي، وهو يقضي، ويغزو ويرمي. إلا أنهم قالوا: لا أدر، في الوقف، لأنه كثر في كلامهم، فهو شاذٌّ. كما قالوا لم يك، شبهت النون بالياء حيث سكنت. ولا يقولون لم يك الرجل، لأنها في موضع تحركٍ، فلم يشبه بلا أدر، فلا تحذف الياء إلا في: لا أدر، وما أدر.
وجميع ما لا يحذف في الكلا وما يختار فيه أن لا يحذف، يحذف في الفواصل والقوافي.
فالفواصل قول الله عز وجل: " والليل إذا يسر " " وما كنا نبغ " ، و " يوم التناد " ، و " الكبير المتعال " .
والأسماء أجدر أن تحذف؛ إذ كان الحذف فيها في غير الفواصل والقوافي.
وأما القوافي فنحو قوله - وهو زهير:
وأراك تفرى ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفر


وإثبات الياءات والواوات أقيس الكلامين. وهذا جائز عربيٌّ كثير.
؟؟هذا باب
ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف
؟التي لاتذهب في الوصل ولا يلحقها تنوين
وتركها في الوقف أقيس وأكثر، لأنها في هذه الحال ولأنها ياءٌ لا يلحقها التنوين على كل حال، فشبهوها بياء قاضي، لأنها ياءٌ بعد كسرة ساكنة في اسم.
وذلك قولك: هذا غلام وأنت تريد: هذا غلامي. وقد أسقان، وأسقن وأنت تريد: أسقاني وأسقني، لأن ني اسمٌ. وقد قرأ أبو عمرٍو: " فيقول ربي أكرمن " ، و " ربي أهانن " على الوقف. وقال النابغة:
إذا حاولت في أسدٍ فجوراً ... فإني لست منك ولست من
يريد: مني. وقال النابغة:
وهم وردوا الجفار على تميمٍ ... وهم أصحاب يوم عكاظ إن
يريد: إني. سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم.
وترك الحذف أقيس. وقال الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين
ومن شانىءٍ كاسفٍ وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن
وأما ياء هذا قاضي، وهذان غلاماي، ورأيت غلامي فلا تحذف؛ لأنها لا تشبه ياء هذا القاضي، لأن ما قبلها ساكن، ولأنها متحركة كياء القاضي في النصب، فهي لا تشبه يا هذا القاضي. ولا تحذف في النداء إذا وصلت كما قلت: يا غلام أقبل؛ لأن ما قبلها ساكن؛ فلا يكون للإضافة علم؛ لأنك لا تكسر الساكن.
ومن قال: هذا غلامي فاعلم وإني ذاهب، لم يحذف في الوقف؛ لأنها كياء القاضي في النصب؛ ولكنهم مما يلحقون الهاء في الوقف فيبينون الحركة. ولكنها تحذف في النداء؛ لأنك إذا وصلت في النداء حذفتها.
وأما الألفات التي تذهب في الوصل فإنها لا تحذف في الوقف، لأن الفتحة والألف أخف عليهم. ألا تراهم يفرون إلى الألف من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحدة منهما مفتوحة، وفروا إليها في قولهم: قد رضا، ونها. وقال الشاعر، زيد الخيل:
أفي كل عامٍ مأتمٌ تبعثونه ... على محمرٍ ثوبتموه وما رضا
وقال ظليلٌ الغنموي:
إن الغوي إذا نها لم يعتب
ويقولون في فخذٍ: فخذٌ، وفي عضدٍ: عضدٌ، ولا يقولون في جملٍ جملٌ ولا يخففون، لأن الفتح أخف عليهم والألف، فمن ثم لم تحذف الألف، إلا أن يضطر شاعرٌ فيشبهها بالياء، لأنها أختها، وهي قد تذهب مع التنوين. قال الشاعر حيث اضطر، وهو لبيد:
وقبيلٌ من لكيرٍ شاهدٌ ... رهط مرجومٍ ورهط ابن المعل
يريد: المعلى.
؟؟باب ثبات الياء والواو في الهاء
؟؟التي هي علامة الإضمار، وحذفهما
فأما الثبات فقولك: ضربهو زيدٌ، وعليها مالٌ، ولديهو رجلٌ. جاءت الهاء مع ما بعدها ههنا في المذكر كما جاءت وبعدها الألف في المؤنث، وذلك قولك: ضربها زيدٌ، وعليها مالٌ.
فإذا كان قبل الهاء حرف لينٍ فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن، لأن الهاء من مخرج الألف، والألف تشبه الياء والواو، تشبههما في المد، وهي أختهما، فلما اجتمعت حروفٌ متشابهةٌ حذفوا. وهو أحسن وأكثر. وذلك قولك: عليه يا فتى، ولديه فلان، ورأيت أباه قبل، وهذا أبوه كما ترى. وأحسن القراءتين: " ونزلناه تنزيلاً " ، و " إن تحمل عليه يلهث " ، و " شروه بثمنٍ بخسٍ " ، و " خذوه فغلوه " . والإتمام عربيٌّ.
ولا تحذف الألف في المؤنث فيلتبس المؤنث بالمذكر.
فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لينٍ أثبتوا الواو والياء في الوصل. وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكناً، لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرفٌ خفي نحو الألف، فكما كرهوا التقاء الساكنين في أين ونحوهما كرهوا أن لا يكون بينهما حرفٌ قويٌّ، وذلك قول بعضهم: منه يا فتى، وأصابته جائحة. والإتمام أجود؛ لأن هذا الساكن ليس بحرف لينٍ، والهاء حرفٌ متحرك.
فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركاً فالإثبات ليس إلا، كما تثبت الألف في التأنيث، لأنه لم تأت علة مما ذكرنا، فجرى على الأصل؛ إلا أن يضطر شاعر فيحذف كما يحذف ألف معلى، وكما حذف فقال:
وطرت بمنصلي في يعملاتٍ ... دوامي الأيد يخبطن السريحا


وهذه أجدر أن تحذف في الشعر لأنها قد تحذف في مواضع من الكلام، وهي المواضع التي ذكرت لك في حروف اللين نحو: عليه وإليه، والساكن نحو منه. ولو أثبتوا لكان أصلاً وكلاماً حسناً من كلامهم. فإذا حذفوها على هذه الحال كانت في الشعر في تلك المواضع أجدر أن تحذف؛ إذ حذفت مما لا يحذف منه في الكلام على حال.
ولم يفعلوا هذا بذه هي ومن هي ونحوهما؛ وفرق بينهما، لأن هاء الإضمار أكثر استعمالاً في الكلام؛ والهاء التي هي هاء الإضمار الياء التي بعدها أيضاً مع هذا أضعف، لأنها ليست بحرف من نفس الكلمة ولا بمنزلته، وليست الياء في هي وحدها باسمٍ كياء غلامي.
واعلم أنك لا تستبين الواو التي بعد الهاء ولا الياء في الوقف؛ ولكنهما محذوفتان، لأنهم لما كان من كلامهم أن يحذفوا في الوقف ما لا يذهب في الوصل على حالٍ، نحو ياء غلامي وضربني، إلا أن يحذف شيءٌ ليس من أصل كلامهم كالتقاء الساكنين - ألزموا الحذف هذا الحرف الذي قد يحذف في الوصل. ولو ترك كان حسناً وكان على أصل كلامهم، فلم يكن فيه في الوقف إلا الحذف حيث كان في الوصل أضعف.
وإذا كانت الواو والياء بعد الميم التي هي علامة الإضمار كنت بالخيار: إن شئت حذفت، وإن شئت أثبت. فإن حذفت أسكنت الميم.
فالإثبات: عليكمو، وأنتمو ذاهبون، ولديهمى مالٌ، فأثبتوا كما تثبت الألف في التثنية إذا قلت: عليكما، وأنتما، ولديهما.
وأما الحذف والإسكان فقولهم: عليكم مالٌ، وأنتم ذاهبون، ولديهم مالٌ؛ لما كثر استعمالهم هذا في الكلام واجتمعت الضمتان مع الواو، والكسرتان مع الياء، والكسرات مع الياء، نحو بهمى داءٌ، والواو مع الضمتين والواو نحو أبوهمو ذاهبٌ، والضمات مع الواو، نحو: " رسلهمو بالبينات " ؛ حذفوا كما حذفوا من الهاء في الباب الأول حيث اجتمع فيه ما ذكرت لك، إذ صارت الهاء بين حرفي لينٍ، وفيها مع أنها بين حرفي لينٍ أنها خفية بين ساكنين، ففيها أيضاً مثل ما في أصابته. وأسكنوا الميم لأنهم لما حذفو الياء والواو كرهوا أن يدعوا بعد الميم شيئاً منهما، إذ كانتا تحذفان استثقالاً فصارت الضمة بعدها نحو الواو، ولو فعلوا ذلك لاجتمعت في كلامهم أربع متحركات ليس معهن ساكن نحو: رسلكمو. وهم يكرهون هذا. ألا ترى أنه ليس في كلامهم اسمٌ على أربعة أحرفٌ متحركٌ كله. وسترى بيان ذلك في غير هذا الموضع إن شاء الله.
فأما الهاء فحركت في الباب الأول لأنه لا يلتقي ساكنان. وإذا وقفت لم يكن إلا الحذف ولزومه، إذ كنت تحذف في الوصل كما فعلت في الأول.
وإذا قلت: أريد أن أعطيه حقه فنصبت الياء فليس إلا البيان والإثبات، لأنها لما تحركت خرجت من أن تكون حرف لينٍ، وصارت مثل غير المعتل نحو باء ضربه، وبعد شبهها من الألف، لأن الألف لا تكون أبداً إلا ساكنة، وليست حالها كحال الهاء، لأن الهاء من مخرج الألف، وهي في الخفاء نحو الألف ولا تسكنها.
وإن قلت: مررت بابنه، فلا تسكن الهاء كما أسكنت الميم.
وفرق ما بينهما أن الميم إذا خرجت على الأصل لم تقع أبداً إلا وقبلها حرفٌ مضموم، فإن كسرت كان ما قبلها أبداً مكسوراً. والهاء لا يلزمها هذا، تقع وما قبلها أخف الحركات نحو: رأيت جمله، وتقع وقبلها ساكن نحو: اضربه. فالهاء تصرف، والميم يلزمها أبداً ما يستثقلون. ألا تراهم قالوا في كبدٍ: كبدٌ، وفي عضدٍ: عضدٌ، ولا يقولون ذلك في جملٍ، ولا يحذفون الساكن في سفرجلٍ، لأنه ليس فيه شيءٌ من هذا.
واعلم أن من أسكن هذه الميمات في الوصل لا يكسرها إذا كانت بعدها ألف وصل، ولكن يضمها، لأنها في الأصل متحركة بعدها واو، كما أنها في الاثنين متحركة بعدها ألفٌ نحو غلامكما. وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافاً، لا على أن هذا مجراه في الكلام وحده وإن كان ذلك أصله، كما تقول رادٌّ وأصله راددٌ. ولو كان كذلك لم يقل من لا يحصى من العرب: كنتمو فاعلين، فيثبتون الواو. فلما اضطروا إلى التحريك جاءوا بالحركة التي في أصل الكلام وكانت أولى من غيرها حيث اضطررت إلى التحريك كما قلت في مذ اليوم فضممت ولم تكسر، لأن أصلها أن تكون النون معها وتضم. هكذا جرت في الكلام.


وحذف قومٌ استخفافاً فلما اضطروا إلى التحريك جاءوا بالأصل، وذلك نحو: كنتم اليوم، وفعلتم الخير، وعليهم المال. ومن قال عليهم، فالأصل عنده في الوصل عليهمى، جاء بالكسرة كما جاء ههنا بالضمة. وإن شئت قلت: لما كانت هذه الميم في علامة الإضمار جعلوا حركتها من الواو التي بعدها في الأصل، كما قالوا اخشوا القوم، حيث كانت علامة إضمار.
والتفسير الأول أجود، الذي فسر تفسير مذ اليوم. ألا ترى أنه لا يقول كنتم اليوم من يقول اخشوا الرجل. ولكن من فسر التفسير الآخر يقول: يشبه الشيء بالشيء في موضع واحد وإن لم يوافقه في جميع المواضع.
ومن كان الأصل عنده عليهمى كسر، كما قال للمرأة: أخشى القوم.
؟؟باب ما تكسر فيه الهاء
التي هي علامة الإضمار
اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو؛ لأنها في الكلام كله هكذا؛ إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك. وليس يمنعهم ما أذكر لك أيضاً من أن يخرجوها على الأصل.
فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياءٌ أو كسرة؛ لأنها خفية كما أن الياء خفية؛ وهي من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة؛ وهي من موضع الألف وهي أشبه الحروف بالياء. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافاً كذلك كسروا هذه الهاء، وقلبوا الواو ياءً، لأنه لا تثبت واوٌ ساكنة وقبلها كسرة. فالكسرة ههنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو: كلابٍ وعابدٍ. وذلك قولك: مررت بهى قبل، ولديهى مال، ومررت بدارهى قبل.
وأهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مالٌ، ويقولون: " فخسفنا بهو. وبدارهو الأرض " .
فإن لحقت الهاء الميم في علامة الجمع كسرتها كراهية الضمة بعد الكسرة. ألا ترى، أنهما لا يلزمان حرفاً أبداً. فإذا كسرت الميم قلبت الواو ياءً كما فعلت ذلك في الهاء.
ومن قال: وبدارهو الأرض قال: عليهمموا مال وبهمو ذلك. وقال بعضهم: عليهمو، أتبع الياء ما أشبهها كما أمال الألف لما ذكرت لك وترك ما لا يشبه الياء ولا الألف على الأصل وهو الميم، كما أنك تقول في باب الإدغام مصدرٍ، فتقربها من أشبه الحروف ومن موضعها بالدال وهي الزاي، ولا تفعل ذلك بالصاد مع الراء والقاف ونحوهما، لأن موضعهما لم يقرب من الصاد كقرب الدال.
وزعم هارون أنها قراءة الأعرج. وقراءة أهل مكة اليوم: " حتى يصدر الرعاء " بين الصاد والزاي.
واعلم أن قوماً من ربيعة يقولون: منهم، أتبعوها الكسرة ولم يكن المسكن حاجزاً حصيناً عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل، لأنك قد تجري على الأصل ولا حاجز بينهما، فإذا تراخت وكان بينهما حاجزٌ لم تلتق المتشابهة. ألا ترى أنك إذا حركت الصاد فقلت صدق كان من يحقق الصاد أكثر، لأن بينهما حركة. وإذا قال مصادر فجعل بينهما حرفاً ازداد التحقيق كثرة. فكذلك هذا.
وأما أهل اللغة الرديئة فجعلوها بمنزلة منتنٍ، لما رأوها وتتبعها وليس بينهما حاجز جعلوا الحاجز بمنزلة نون منتنٍ. وإنما أجري هذا مجرى الإدغام.
وقال ناسٌ من بكر بن وائل: من أحلامكم، وبكم، شبهها بالهاء لأنها علم إضمارٍ وقد وقعت بعد الكسرة، فأتبع الكسرة الكسرة حيث كانت حرف إضمار، وكان أخف عليهم من أن يضم بعد أن يكسر. وهي رديئة جداً. سمعنا أهل هذه اللغة يقولون: قال الحطيئة:
وإن قال مولاهم على جل حادثٍ ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردوا
وإذا حركت فقلت: رأيت قاضيه قبل لم تكسر، لأنها إذا تحركت لم تكن حرف لينٍ، فبعد شبهها من الألف، لأن الألف لا تحرك أبداً. وليست كالهاء، لأن الهاء من مخرج الألف، فهي وإن تحركت في الخفاء نحوٌ من الألف والياء الساكنة. ألا تراها جعلت في القوافي متحركة بمنزلة الياء والواو الساكنتين، فصارت كالألف، وذلك قولك: خليلها. فاللام حرف الروي، وهي بمنزلة خليلو.
وإنما ذكرت هذا لئلا تقول: قد حركت الهاء فلم جعلتها بمنزلة الألف. فهي متحركة كالألف.


وأما هاء هذه فإنهم أجروها مجرى الهاء التي هي علامة الإضمار إضمار المذكر، لأنها علامةٌ للتأنيث كما أن هذه علامةٌ للمذكر، فهي مثلها في أنها علامة، وأنها ليست من الكلمة التي قبلها. وذلك قولك: هذهي سبيلي. فإذا وقفت لم يكن إلا الحذف، كما تفعل ذلك في به وعليه. إلا أن من العرب من يسكن هذه الهاء في الوصل؛ يشبهها بميم عليهم وعليكم؛ لأن هذه الهاء لا تحول عن هذه الكسرة إلى فتحٍ؛ ولا تصرف كا تصرف الهاء، فلما لزمت الكسرة قبلها حيث أبدلت من الياء شبهوها بالميم التي تلزم الكسرة والضمة. وكثر هذا الحرف أيضاً في الكلام كما كثرت الميم في الإضمار. سمعت من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذه أمة الله. فيسكن.
؟؟باب الكاف التي هي علامة المضمر
اعلم أنها في التأنيث مكسورة وفي المذكر مفتوحة. وذلك قولك: رأيتك للمرأة، ورأيتك للرجل.
والتاء التي هي علامة الإضمار كذلك، تقول: ذهبت للمؤنث؛ وذهبت للمذكر.
فأما ناسٌ كثير من تميم وناسٌ من أسدٍ فإنهم يجعلون مكان الكاف للمؤنث الشين. وذلك أنهم أرادوا البيان في الوقف؛ لأنها ساكنة في الوقف فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث؛ وأرادوا التحقيق والتوكيد في الفصل؛ لأنهم إذا فصلوا بين المذكر والمؤنث بحرف كان أقوى من أن يفصلوا بحركة؛ فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث بهذا الحرف؛ كما فصلوا بين المذكر والمؤنث بالنون حين قالوا: ذهبوا وذهبن، وأنتم وأنتن. وجعلوا مكانها أقرب ما يشبهها من الحروف إليها؛ لأنها مهموسة كما أن الكاف مهموسة، ولم يجعلوا مكانها مهموساً من الحلق لأنها ليست من حروف الحلق. وذلك قولك: إنش ذاهبةٌ، ومالش ذاهبةً، تريد: إنك، ومالك.
واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف السين ليبينوا كسرة التأنيث. وإنما ألحقوا السين لأنها قد تكون من حروف الزيادة في استفعل. وذلك أعطيتكن، وأكرمكس. فإذا وصلوا لم يجيئوا بها، لأن الكسرة تبين.
وقومٌ يلحقون الشين ليبينوا بها الكسرة في الوقف كما أبدلوها مكانها للبيان. وذلك قولهم: أعطيتكش، وأكرمكش، فإذا وصلوا تركوها.
وإنما يلحقون السين والشين في التأنيث، لأنهم جعلوا تركهما بيان التذكير.
واعلم أن ناساً من العرب يلحقون الكاف التي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفاً في التذكير، وياءً في التأنيث، لأنه أشد توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث كما فعلوا ذلك حيث أبدلوا مكانها الشين في التأنيث. وأرادوا في الوقف بيان الهاء إذا أضمرت المذكر، لأن الهاء خفية، فإذا ألحق الألف بين أن الهاء قد لحقت. وإنما فعلوا هذا بها مع الهاء لأنها مهموسة، كما أن الهاء قد لحقت. وإنما فعلوا هذا بها مع الهاء لأنها مهموسة، كما أن الهاء مهموسة، وهي علامة إضمار كما أن الهاء علامة إضمار، فلما كانت الهاء يلحقها حرف مدٍّ ألحقوا الكاف معها حرف مدٍّ وجعلوهما إذا التقيا سواءً. وذلك قولك: أعطيكها وأعطيكيه للمؤنث، وتقول في التذكير: أعطيكاه وأعطيكاها.
وحدثني الخليل أن ناساً يقولون: ضربتيه فيلحقون الياء. وهذه قليلة.
وأجود اللغتين وأكثرهما أن لا تلحق حرف المد في الكاف. وإنما لزم ذلك الهاء في التذكير كما لحقت الألف الهاء في التأنيث، والكاف والتاء لم يفعفل بهما ذلك. وإنما فعلوا ذلك بالهاء لخفتها وخفائها لأنها نحو الألف.
؟؟باب ما يلحق التاء والكاف
اللتين للإضمار إذا جاوزت الواحد
فإذا عنيت مذكرين أو مؤنثين ألحقت ميماً، تزيد حرفاً كما زدت في العدد، وتلحق الميم في التثنية الألف وجماعة المذكرين الواو. ولم يفرقوا بالحركة. وبالغوا في هذا فلم يزيدوا لما جاوزوا اثنين شيئاً، لأن الاثنين جمعٌ كما أن ما جاوزهما جمعٌ. ألا ترى أنك تقول: ذهبنا، فيستوي الاثنان والثلاثة. وتقول: نحن، فيهما. وتقول: قطعت رءوسهما.
وذلك قولك: ذهبتما، وأعطيتكما، وأعطيتكمو خيراً، وذهبتمو أجمعون.


وتلزم التاء والكاف الضمة وتدع الحركتين اللتين كانتا للتذكير والتأنيث في الواحد، لأن العلامة فيما بعدها والفرق، فألزموها حركةً لا تزول وكرهوا أن يحركوا واحدة منهما بشيء كان علامةً للواحد حيث انتقلوا عنها، وصارت الأعلام فيما بعدها. ولم يسكنوا التاء لأن ما قبلها أبداً ساكن، ولا الكاف لأنها تقع بعد الساكن كثيراً، ولأن الحركة لها لازمةٌ مفردةً، فجعلوها كأختها التاء.
قلت: ما بالك تقول: ذهبن وأذهبن، ولا تضاعف النون، فإذا قلت: أنتن وضربكن ضاعفت؟ قال: أراهم ضاعفوا النون ههنا كما ألحقوا الألف والواو مع الميم. وقالوا: ذهبن، لأنك لو ذكرت لم تزد إلا حرفاً واحداً على فعل، فلذلك لم يضاعف. ومع هذا أيضاً أنهم كرهوا أن يتوالى في كلامهم في كلمة واحدة أربع متحركات، أو خمسٌ ليس فيهن ساكن، نحو ضربكن ويدكن وهي في غير هذا ما قبلها ساكنٌ كالتاء. فعلى هذا جرت هذه الأشياء في كلامهم.
؟؟باب الإشباع في الجر والرفع
؟وغير الإشباع، والحركة كما هي
فأما الذين يشبعون فيمططون، وعلامتها واوٌ وياءٌ، وهذا تحكمه لك المشافهة. وذلك قولك: يضربها، ومن مأمنك.
وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاساً، وذلك قولك: يضربها، ومن مأمنك، يسرعون اللفظ. ومن ثم قال أبو عمرو: " إلى بارئكم " . ويدلك على أنها متحركة قولهم: من مأمنك، فيبينون النون، فلو كانت ساكنة لم تحقق النون.
ولا يكون هذا في النصب، لأن الفتح أخف عليهم، كما لم يحذفوا الألف حيث حذفوا الياءات، وزنة الحركة ثابتة، كما تثبت في الهمزة حيث صارت بين بين.
وقد يجوز أن يسكنوا الحرف المرفوع والمجرور في الشعر، شبهوا ذلك بكسرة فخذٍ حيث حذفوا فقالوا: فخذٌ، وبضمة عضدٍ حيث حذفوا فقالوا: عضد، لأن الرفعة ضمةٌ والجرة كسرةٌ قال الشاعر:
رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر
ومما يسكن في الشعر وهو بمنزلة الجرة إلا أن من قال فخذ لم يسكن ذلك، قال الراجز:
إذا اعوججن قلت صاحب قومٍ ... بالدو أمثال السفين العوم
فسألت من ينشد هذا البيت من العرب، فزعم أنه يريد صاحبي.
وقد يسكن بعضهم في الشعر ويشم؛ وذلك قول الشاعر، امرىء القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقبٍ ... إثماً من الله ولا واغلٍ
وجعلت النقطة علامة الإشمام.
ولم يجي هذا في النصب، لأن الذين يقولون: كبدٌ وفخذٌ لا يقولون في جملٍ: جملٌ.
؟؟باب وجوه القوافي في الإنشاد
أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون، لأنهم أرادوا مد الصوت، وذلك قولهم - وهو لامرىء القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلي
وقال في النصب - ليزيد بن الطثرية:
فبتنا تحيد الوحش عنا كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
وقال في الرفع - للأعشى:
هريرة ودعها وإن لام لائمو
هذا ما ينون فيه؛ وما لا ينون فيه قولهم - لجرير:
أقلى اللوم عاذل والعتابا
وقال في الرفع - لجرير:
متى كان الخيام بذي طلوحٍ ... سقيت الغيث أيتها الخيامو
وقال في الجر - لجرير أيضاً:
أيهات منزلنا بنعف سويقةٍ ... كانت مباركةً من الأيامى
وإنما ألحقوا هذه المدة في حروف الروي لأن الشعر وضع للغناء والترنم، فأحلقوا كل حرف الذي حركته منه.
فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء.
وأما ناسٌ كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وما لم ينون، لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نوناً ولفظوا بتمام البناء وما هو منه، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد، سمعناهم يقولون:
يا أبتا علك أو عساكن
وللعجاج:
يا صاح ما هاج الدموع الذرفن
وقال العجاج:
من طللٍ كالأتحمى أنهجن
وكذلك الجر والرفع. والمكسور والمفتوح والمضموم في جميع هذا كالمجرور والمنصوب والمرفوع.
وأما الثالث فأن يجروا القوافي مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعرٍ، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا، وتركو المدة لعلمهم أنها في أصل البناء، سمعناهم يقولون - لجرير:


أقلي اللوم عاذل والعتاب
وللأخطل:
واسأل بمصقلة البكري ما فعل
وكان هذا أخف عليهم. ويقولون:
قد رابني حفصٌ فحرك حفصا
يثبتون الألف لأنها كذلك في الكلام.
واعلم أن الياءات والواوات اللواتي هن لامات إذا كان ما قبلها حرف الروي فعل بها ما فعل بالياء والواو اللتين ألحقتا للمد في القوافي، لأنها تكون في المد بمنزلة الملحقة، ويكون ما قبلها روياً كما كان ما قبلت تلك روياً، فلما ساوتها في هذه المنزلة ألحقت بها في هذه المنزلة الأخرى. وذلك قولهم - لزهير:
وبعض القوم يخلق ثم لا يفر
وكذلك: يغزو، لو كانت في قافيةٍ كنت جاذفها إن شئت.
وهذه اللامات لا تحذف في الكلام، وما حذف منهن في الكلام فهو ههنا أجدر أن يحذف، إذ كنت تحذف هنا ما لا يحذف في الكلام.
وأما يخشى ويرضى ونحوهما فإنه لا يحذف منهن الألف، لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي تكون في الوقف بدلاً من التنوين، فكما تبين تلك الألف في القوافي فلا تحذف، كذلك لا تحذف هذه الألف. فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمد إلا في القوافي لحذفت ألف يخشى كما حذفت ياء يقضي، حيث شبهتها بالياء التي في الأيامى فإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي لم تكن التي هي لامٌ أسوأ حالاً منها. ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول:
لم يعلم لنا الناس مصرع
فتحذف الألف، لأن هذا لا يكون في الكلام، فهو في القوافي لا يكون.
فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافي. وإن شئت حذفته، فإنما ألحقتا بما لا يخرج في الكلام وألحقت تلك بما يثبت على كل حال. ألا ترى أنك تقول:
داينت أروي والديون تقضى ... فمطلت بعضاً وأدت بعضا
فكما لا تحذف ألف بعضا كذلك لا تحذف ألف تقضى.
وزعم الخليل أن ياء يقضي وواو يغزو إذا كانت واحدةٌ منها حرف الروي لم تحذف، لأنها ليست بوصل حينئذ، وهي حرف روريٍّ كما أن القاف في:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
حرف الروي.
وكما لا تحذف هذه القاف لا تحذف واحدةٌ منهما. وقد دعاهم حذف ياء يقضي إلى أن حذف ناسٌ كثير من قيس وأسد الياء والواو اللتين هما علامة المضمر. ولم تكثر واحدةٌ منها في الحذف ككثرة ياء يقضي، لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء، وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما، فهما بمنزلة الهاء في:
يا عجباً للدهر شتى طرائقه
سمعت ممن يروي هذا الشعر من العرب ينشده:
لا يبعد الله أصحاباً تركتهم ... لم أدر بعد غداة البين ما صنع
يريد: صنعوا. وقال:
لو ساوفتنا بسوفٍ من تحيتها ... سوف العيوف لراح الركب قد قنع
يريد: قنعوا. وقال:
طافت بأعلاقه خودٌ يمانيةٌ ... تدعو العرانين من بكرٍ وما جمع
يريد: جمعوا. وقال ابن مقبلٍ:
جزيت ابن أروى بالمدينة قرضه ... وقلت لشفاع المدينة أوجف
يريد: أوجفوا. وقال عنترة:
يا دار عبلة بالجواء تكلم
يريد: تكلمي. وقال الخرز بن لوذان:
كذب العتيق وماء شنٍّ باردٌ ... إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهب
يريد: فاذهبي.
وأما الهاء فلا تحذف من قولك: شتى طرائقه لأن الهاء ليست من حروف اللين والمد، فإنما جعلوا الياء، وهي اسمٌ، مثلها زائدةً نحو الياء الزائدة في نحو:
الحمد لله الوهوب المجزلي
فهي بمنزلتها إذا كانت مدا وكانت لا تثبت في الكلام. والهاء لا يمد بها ولا يفعل بها شيءٌ من ذلك. وأنشدنا الخليل:
خليلي طيرا بالتفرق أوقعا
فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من تقضى. وقال:
وأعلم علم الحق أن قد غويتم ... بني أسدٍ فاستأخروا أو تقدم
فحذف واو تقدموا، كما حذف واو صنعوا.


واعلم أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي، ولو لم يفعلوا ذلك لضاق عليهم، ولكنهم توسعوا بذلك، فإذا وقع واحدٌ منهما في القافية حرك، وليس إلحاقهم إياه الحركة بأشد من إلحاق حرف المد ما ليس هو فيه، ولا يلزمه في الكلام. ولو لم يقفوا إلا بكل حرف فيه حرف مدٍّ لضاق عليهم، ولكنهم توسعوا بذلك، فإذا حركوا واحداً منهما صار بمنزلة ما لم تزل فيه الحركة، فإذا كان كذلك أحلقوه حرف المد، فجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها، كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها في التقاء الساكنين كسروا، فكذلك جعلوها في المجرورة حيث احتاجوا إليها، كما أن أصلها في التقاء الساكنين الكسر، نحو: انزل اليوم. وقال امرؤ القيس:
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وقال طرفة:
متى تأتنا نصبحك كأساً رويةً ... وإن كنت عنها غانياً فاغن وازدد
ولو كانت في قوافٍ مرفوعةٍ أو منصوبةٍ كان إقواءً.
وقال الراجز، وهو أبو النجم:
إذا استحثوها بحوبٍ أوحلى
وحل مسكنة في الكلام.
ويقول الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه: قالا: فيمد قال؛ ويقولوا، فيمد يقول، ومن العامي فيمد العام؛ سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكر به ولم يقطع كلامه. فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا. سمعناهم يقولون: إنه قدي في قد، ويقولون: ألي في الألف واللام، يتذكر الحارث ونحوه.
وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: هذا سيفني، يريد سيفٌ، ولكنه تذكر بعد كلاماً ولم يرد أن يقطع اللفظ، لأن التنوين حرف ساكن، فيكسر كما تكسر دال قد.
؟؟باب عدة ما يكون عليه الكلم
وأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحدٌ. وسأكتب لك ما جاء على حرف بمعناه إن شاء الله.
أما ما يكون قبل الحرف الذي يجاء به له، فالواو التي في قولك: مررت بعمرٍو وزيدٍ. وإنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما. وليس فيه دليلٌ على أن أحدهما قبل الآخر.
والفاء، وهي تضم الشيء إلى الشيء كما فعلت الواو، غير أنها تجعل ذلك متسقاً بعضه في إثر بعض؛ وذلك قولك: مررت بعمرٍ فزيدٍ فخالدٍ، وسقط المطر بمكان كذا وكذا فمكان كذا وكذا. وإنما يقرو أحدهما بعد الآخر.
وكاف الجر التي تجيء للتشبيه، وذلك قولك: أنت كزيدٍ.
ولام الإضافة، ومعناها الملك واستحقاق الشيء. ألا ترى أنك تقول: الغلام لك، والعبد لك، فيكون في معنى هو عبدك. وهو أخٌ له، فيصير نحو هو أخوك، فيكون مستحقاً لهذا كما يكون مستحقاً لما يملك. فمعنى هذه اللام معنى إضافة الاسم. وقد بين ذلك أيضاً في باب النفي.
وباء الجر إنما هي للإلزاق والاختلاط، وذلك قولك: خرجت بزيدٍ، ودخلت به، وضربته بالسوط: ألزقت ضربك إياه بالسوط. فما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله.
والواو التي تكون للقسم بمنزلة الباء، وذلك قولك: والله لا أفعل.
والتاء التي في القسم بمنزلتها، وهي: تالله لا أفعل.
والسين التي في قولك: سيفعل، وزعم الخليل أنها جواب لن يفعل.
والألف في الاستفهام.
ولام اليمين التي في لأفعلن.
وأما ما جاء منه بعد الحرف الذي جيء به له فعلامة الإضمار، وهي الكاف التي في رأيتك وغلامك، والتاء التي في فعلت وذهبت، والهاء التي في عليه ونحوها. وقد تكون الكاف غير اسم ولكنها تجيء للمخاطبة، وذلك نحو كاف ذاك. فالكاف في هذا بمنزلة التاء في قولك: فعلت فلانة ونحو ذلك.
والتاء تكون بمنزلتها، وهي التي في أنت.
واعلم أن ما جاء في الكلام على حرفٍ قليلٌ، ولم يشذ علينا منه شيء إلا ما لا بال له إن كان شذ. وذلك لأنه عندهم إجحاف أن يذهب من أقل الكلام عدداً حرفان. وسنبين ذلك إن شاء الله.
واعلم أنه لا يكون اسمٌ مظهرٌ على حرف أبداً، لأن المظهر يسكت عنده وليس قبله شيءٌ ولا يلحق به شيءٌ، ولا يوصل إلى ذلك بحرف، ولم يكونوا ليجحفوا بالاسم فيجعلوه بمنزلة ما ليس باسم ولا فعلٍ وإنما يجيء لمعنى.
والاسم أبداً له من القوة ما ليس لغيره. ألا ترى أنك لو جعلت في و لو ونحوها اسماً ثقلت. وإنما فعلوا ذلك بعلامة الإضمار حيث كانت لا تصرف ولا تذكر إلا فيما قبلها، فأشبهت الواو ونحوها، ولم يكونوا ليخلوا بالمظهر وهو الأول القوي إذ كان قليلاً في سوى الاسم المظهر.


ولا يكون شيءٌ من الفعل على حرف واحد لأن منه ما يضارع الاسم وهو يتصرف ويبنى أبينةً، وهو الذي يلي الاسم، فلما قرب هذا القرب لم يجحف به، إلا أن تدرك الفعل علةٌ مطردةٌ في كلامهم في موضع واحد فيصير على حرف، فإذا جاوزت ذلك الموضع رددت ما حذفت. ولم يلزمها أن تكون على حرف واحد إلا في ذلك الموضع. وذلك قولك: ع كلاماً، وعه وشه، وقه من الوقاء.
ثم الذي يلي ما يكون على حرف ما يكون على حرفين، وقد تكون عليها الأسماء المظهرة المتمكنة والأفعال المتصرفة. وذلك قليل؛ لأنه إخلال عندهم بهن، لأنه حذفٌ من أقل الحروف عدداً.
فمن الأسماء التي وصفت لك: يدٌ، ودمٌ، وحرٌ، وستٌ، وسهٌ يعني الاست، وددٌ وهو اللهو، وعند بعضهم هو الحسن. فإذا ألحقتها الهاء كثرت، لأنها تقوى وتصير عدتها ثلاثة أحرف.
وأما ما جاء من الأفعال فخذ، وكل، ومر. وبعض العرب يقول: أو كل فيتم، كما أن بعضهم يقول في غدٍ: غدوٌ.
فهذا ما جاء من الأفعال والأسماء على حرفين، وإن كان شذ شيءٌ فقليلٌ. ولا يكون من الأفعال شيءٌ على حرفين إلا ما ذكرت لك، إلا أن تلحق الفعل علة مطردة في كلامهم فتصيره على حرفين في موضع واحد، ثم إذا جاوزت ذلك الموضع رددت إليه ما حذفت منه، وذلك قولك: قل، وإن تق أقه.
وما لحقته الهاء من الحرفين أقل مما فيه الهاء من الثلاثة، لأن ما كان على حرفين ليس بشيء مع ما هو على ثلاثة، وذلك نحو: قلةٍ، وثبةٍ، ولثةٍ وشيةٍ، وشفةٍ، ورئةٍ، وسنةٍ، وزنةٍ، وعدةٍ، وأشباه ذلك.
ولا يكون شيء على حرفين صفةً حيث قل في الاسم، وهو الأول الأمكن. وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعلٍ، ولكنه كالفاء والواو، وهو على حرفين أكثر لأنه أقوى، وهو في هذا أجدر أن يكون إذ كان يكون على حرف. وسنكتب ذلك بمعناه إن شاء الله.
فمن ذلك: أم وأو، وقد بين معناهما في بابهما.
وهل وهي للاستفهام. ولم، وهي نفيٌ لقوله فعل. ولن وهي نفيٌ لقوله: سيفعل. وإن، وهي للجزاء، وتكون لغواً في قولك: ما إن يفعل.
وما إن طبنا جبنٌ
وأما إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما في قولك: إنما الثقيلة، تجعلها من حروف الابتداء، وتمنعها أن تكون من حروف ليس وبمنزاتها.
وأما ما فهي نفيٌ لقوله: هو يفعل إذا كان في حال الفعل، فتقول: ما يفعل. وتكون بمنزلة ليس في المعنى، تقول: عبد الله منطلقٌ، فتقول: ما عبد الله منطلقٌ أو منطلقاً، فتنفي بهذا اللفظ كما تقول: ليس عبد الله منطلقاً. وتكون توكيداً لغواً، وذلك قولك: متى ما تأتني آتك، وقولك: غضبت من غير ما جرمٍ. وقال الله عز وجل: " فبما نقضهم ميثاقهم " وهي لغوٌ في أنها لم تحدث إذ جاءت شيئاً لم يكن قبل أن تجىء من العمل، وهي توكيدٌ للكلام.
وقد تغير الحرف حتى يصير يعمل لمجيئها غير عمله الذي كان قبل أن تجىء، وذلك نحو قوله: إنما، وكأنما، ولعلما. جعلتهن بمنزلة حروف الابتداء.
ومن ذلك: حيثما، صارت لمجيئها بمنزلة أين.
وتكون إن كما، في معنى ليس.
وأما لا فتكون كما في التوكيد واللغو. قال الله عز وجل: " لئلا يعلم أهل الكتاب " . أي لأن يعلم. وتكون لا نفياً لقوله يفعل ولم يقع الفعل، فتقول: لا يفعل. وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعل ما، وذلك قولك: لولا، صارت لو في معنىً آخر كما صارت حين قلت لوما تغيرت كما تغيرت حيث بما، وإن بما.
ومن ذلك أيضاً: هلا فعلت، فتصير هل مع لا في معنى آخر. وتكون لا ضداً لنعم وبلى. وقد بين أحوالها أيضاً في باب النفي.
وأما أن فتكون بمنزلة لام القسم في قوله: أما والله لو فعلت لفعلت. وقد بينا ذلك في موضعه. وتكون توكيداً أيضاً في قولك: لما أن فعل، كما كانت توكيداً في القسم وكما كانت إن مع ما.
وقد تلغى إن مع ما إذا كانت اسماً وكانت حيناً. وقال الشاعر:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيراً لا يزال يزيد
وأما كي فجوابٌ لقوله كيمه، كما يقول لمه؟ فقتول: ليفعل كذا وكذا. وقد بين أمرها في بابها.
وأما بل فلترك شيء من الكلام وأخذٍ في غيره. قال الشاعر حيث ترك أول الحديث، وهو أبو ذؤيبٍ:
بل هل أريك حمول الحي غاديةً ... كالنخل زينها ينعٌ وإفضاح
أينع: أدرك. وأفضح: حين تدخله الحمرة والصفرة، يعني البسر. وقال لبيد:


بل من يرى البرق بت أرقبه ... يزجي حبيباً إذا خبا ثقبا
وأما قد فجواب لقوله لما يفعل، فتقول: قد فعل.
وزعم الخليل أن هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر.
وما في لما مغيرة لها عن حال لم، كما غيرت لو إذا قلت: لو ما ونحوها. ألا ترى أنك تقول: لما، ولا تتبعها شيئاً، ولا تقول ذلك في لم.
وتكون قد بمنزلة ربما. وقال الشاعر الهذلي:
قد أترك القرن مصفراً أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد
كأنه قال: ربما.
وأما لو فلما كان سيقع لوقوع غيره.
وأما يا فتنبيه. ألا تراها في النداء وفي الأمر كأنك تنبه المأمور. قال الشاعر، وهو الشماخ:
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال ... وقبل منايا قد حضرن وآجال
وأما من فتكون لابتداء الغاية في الأماكن، وذلك قولك: من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا. وتقول إذا كتبت كتاباً: من فلان إلى فلان. فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها.
وتكون أيضاً للتبعيض تقول: هذا من الثوب، وهذا منهم، كأنك قلت: بعضه.
وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيماً ولكنها توكيد بمنزلة ما، إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة، وذلك قولك: ما أتاني من رجلٍ، وما رأيت من أحدٍ. ولو أخرجت من كان الكلام حسناً، ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيضٍ، فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس. وكذلك: ويحه من رجلٍ، إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال. وكذلك: لي ملؤه من عسلٍ، وكذلك: هو أفضل من زيدٍ، إنما أراد أن يفضله على بعضٍ ولا يعم. وجعل زيداً الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك: شرٌّ من زيدٍ، وكذلك إذا قال: أخزى الله الكاذب مني ومنك. إلا أن هذا وأفضل منك لا يستغنى عن من فيهما، لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها.
وقد تكون باء الإضافة بمنزلتها في التوكيد، وذلك قولك: ما زيد بمنطلقٍ، ولست بذاهبٍ، أراد أن يكون مؤكداً حيث نفى الانطلاق والذهاب وكذلك: كفى بالشيب لو ألقى الباء استقام الكلام. وقال الشاعر، من عبد بني الحسحاس:
كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهيا
وتقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء والمنتهى.
وأل تعرف الاسم في قولك: القوم، والرجل.
وأما مذ فتكون ابتداء غاية الأيام والأحيان كما كانت من فيما ذكرت لك، ولا تدخل واحدةٌ منهما على صاحبتها. وذلك قولك: ما لقيت مذ يوم الجمعة إلى اليوم، ومذ غدوة إلى الساعة، وما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه؛ فجعلت اليوم أول غايتك فأجريت في بابها كما جرت من حيث قلت: من مكان كذا إلى مكان كذا.
وتقول: ما رأيته مذ يومين، فجعلتها غايةً كما قلت: أخذته من ذلك المكان، فجعلته غاية ولم ترد منتهىً.
وأما في فهي للوعاء، تقول: هو في الجراب، وفي الكيس، وهو في بطن أمه، وكذلك: هو في الغل، لأنه جعله إذ أدخله فيه كالوعاء له. وكذلك: هو في القبة، وفي الدار. وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا، وإنما تكون كالمثل يجاء به يقارب الشيء وليس مثله.
وأما عن فلما عدا الشيء، وذلك قولك: أطعمه عن جوعٍ، جعل الجوع منصرفاً تاركاً له قد جاوزه. وقال: قد سقاه عن العيمة. العيمة: شهوة اللبن. قال أبو عمرو: سمعت أبا زيد يقول: رميت عن القوس. وناسٌ يقولون: رميت عليها. وأنشد:
أرمي عليها وهي فرعٌ أجمع ... وهي ثلاث أذرعٍ وإصبع
وكاه عن العري، جعلهما قد تراخيا عنه. ورميت عن القوس، لأنه بها قذف سهمه عنها وعداها. وتقول: جلس عن يمينه، فجعله متراخياً عن بدنه وجعله في المكان الذي بحيال يمينه. وتقول: أضربت عنه، وأعرضت عنه، وانصرف عنه، إنما تريد أنه تراخى عنه وجاوزه إلى غيره. وتقول: أخذت عنه حديثاً، أي عدا منه إلي حديث.
وقد تقع من موقعها أيضاً، تقول: أطعمه من جوعٍ، وكساه من عريٍ، وسقاه من العيمة.
وما جاء من الأسماء غير المتمكنة على حرفين أكثر مما جاء من المتمكنة على حرفين نحو يدٍ ودمٍ، لأنها حيث لم تمكن ضارعت هذه الحروف، لأنه لم يفعل بها ما فعل بتلك الأسماء المتمكنة، ولم تصرف تصرفها.
وما جاء على حرفين مما وضع مواضع الفعل أكثر مما جاء من الفعل المتصرف؛ لأنها حيث لم تصرف ضارعت هذه الحروف لأنها ليست بفعل يتصرف. وسأبين لك من ذلك إن شاء الله.


فمن الأسماء: ذا وذه، ومعناهما أنك بحضرتهما. وهما اسمان مبهمان وقد بينا في غير هذا الموضع.
وأنا، وهي علامة المضمر. وكذلك: هو، وهي.
وكم، وهي للمسألة عن العدد.
ومن، وهي للمسألة عن الأناسي، ويكون بها الجزاء للأناسي، ويكون بمنزلة الذي للأناسي. وقد بين جميع ذلك في موضعه.
وما مثلها، إلا أن ما مبهمة تقع على كل شيء.
وأن بمنزلة الذي، تكون مع الصلة بمنزلة الذي مع صلتها اسماً، فيصير يريد أن يفعل بمنزلة يريد الفعل، كما أن الذي ضرب بمنزلة الضارب. وقد بينت في بابها.
و قط، معناها الاكتفاء.
و مع، وهي للصحبة.
و مذ فيمن رفع بمنزلة إذ وحيث، ومعناها إذا رفعت قد بين فيما مضى بقول الخليل.
وأما عن فاسمٌ إذا قلت: من عن يمينك، لأن من لا تعمل إلا في الأسماء.
و علٍ معناها الإتيان من فوقٍ. وقال امرء القيس:
كجلود صخرٍ حطه السيل من عل
وقال جرير:
حتى اختطفتك يا فرزدق من عل
و إذ، وهي لما مضى من الدهر، وهي ظرفٌ بمنزلة مع.
وأما ما هو في موضع الفعل فقولك: مه، وصه، وحل للناقة، وسا للحمار. وما مثل ذلك في الكلام على نحوه في الأسماء، إلا أنا تركنا ذكره لأنه إنما هو أمرٌ ونهي، يعني هلم وإيهٍ. ولا يختلف اختلاف الأسماء في المعاني.
واعلم أن بعض العرب يقول: م الله لأفعلن، يريد: أيم الله، فحذف حتى صيرها على حرف، حيث لم يكن متمكناً يتكلم به وحده، فجاء على حرف حيث ضارع ما جاء على حرف، كما كثرت الأسماء في الحرفين حيث ضارعت ما قبلها من غير الأسماء.
وأما ما جاء على ثلاثة أحرف فهو أكثر الكلام في كل شيء من الأسماء والأفعال وغيرهما، مزيداً فيه وغير مزيدٍ فيه، وذلك لأنه كأنه هو الأول، فمن ثم تمكن في الكلام. ثم ما كان على أربعة أحرف بعده، ثم بنات الخمسة؛ وهي أقل لا تكون في الفعل البتة ولا يكسر بتمامه للجمع؛ لأنها الغاية في الكثرة فاستثقل ذلك فيها. فالخمسة أقصى الغاية في الكثرة.
فالكلام على ثلاثة أحرف، وأربعة أحرف، وخمسة لا زيادة فيها ولا نقصان. والخمسة أقل الثلاثة في الكلام.
فالثلاثة أكثر ما تبلغ بالزيادة سبعة أحرف؛ وهي أقصى الغاية والمجهود؛ وذلك نحو: اشهيبابٍ، فهو يجري على ما بين الثلاثة والسبعة.
والأربعة تبلغ هذا؛ نحو احرنجامٍ. ولا تبلغ السبعة إلا في هذين المصدرين.
وأما بنات الخمسة فتبلغ بالزيادة ستة نحو عنصر فوطٍ؛ ولا تبلغ سبعة كما بلغتها الثلاثة والأربعة؛ لأنها لا تكون في الفعل فيكون لها مصدرٌ نحو هذا.
فعلى هذا عدة حروف الكلم، فما قصر عن الثلاثة فمحذوف؛ وما جاوز الخمسة فمزيدٌ فيه.
وسأكتب لك من معاني ما عدة حروفه ثلاثةٌ فصاعداً نحو ما كتبت لك من معاني الحرف والحرفين، إن شاء الله.
أما على فاستعلاء الشيء؛ تقول: هذا على ظهر الجبل، وهي على رأسه. ويكون أن يطوى أيضاً مستعلياً كقولك: مر الماء عليه؛ وأمررت يدي عليه. وأما مررت على فلانٍ فجرى هذا كالمثل. وعلينا أميرٌ كذلك. وعليه مالٌ أيضاً؛ وهذا لأنه شيءٌ اعتلاه ويكون: مررت عليه، أن يريد مروره على مكانه؛ ولكنه اتسع. وتقول: عليه مالٌ؛ وهذا كالمثل؛ كما يثبت الشيء على المكان كذلك يثبت هذا عليه؛ فقد يتسع هذا في الكلام ويجيء كالمثل.
وهو اسمٌ لا يكون إلا ظرفاً. ويدلك على أنه اسم قول بعض العرب: نهض من عليه. قال الشاعر:
غدت من عليه بعد ما تم خمسها ... تصل وعن قيضٍ ببيداء مجهل
وأما إلى فمنتهىً لابتداء الغاية، تقول: من كذا إلى كذا. وكذلك حتى، وقد بين أمرها في بابها، ولها في الفعل نحوٌ ليس لإلى. ويقول الرجل: إنما أنا إليك، أي إنما أنت غايتي، ولا تكون حتى ههنا: فهذا أمر إلى وأصله وإن اتسعت. وهي أعم في الكلام من حتى، تقول: قمت إليه، فجعلته منتهاك من مكانك، ولا تقول: حتاه.
وأما حسب فمعناه كمعنى قط.
وأما غير وسوى فبدلٌ. وكلٌّ عمٌّ، وبعضٌ اختصاصٌ، ومثلٌ تسويةٌ.
وأما بله زيدٍ فيقول: دع زيداً. وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيدٍ.
و عند لحضور الشيء ودنوه.
وأما قبل، فهو لما ولي الشيء. يقول: ذهب قبل السوق، أي نحو السوق. ولي قبلك مال، أي فيما يليك. ولكنه اتسع حتى أجري مجرى على إذا قلت: لي عليك.


وأما نولٌ فتقول: نولك أن تفعل كذا وكذا، أي ينبغي لك فعل كذا وكذا. وأصله من التناول كأنه يقول: تناولك كذا وكذا. وإذا قال لا نولك فكأنه يقول: أقصر، ولكنه صار فيه معنى ينبغي لك.
وأما إذا فلما يستقبل من الدهر، وفيها مجازاةٌ، وهي ظرف، وتكون للشيء توافقه في حالٍ أنت فيها، وذلك قولك: مررت فإذا زيدٌ قائمٌ. وتكون إذ مثلها أيضاً، ولا يليها إلا الفعل الواجب، وذلك قولك: بينما أنا كذلك إذ جاء زيد، وقصدت قصده إذ انتفخ علي فلانٌ. فهذا لما توافقه وتهجم عليه من حالٍ أنت فيها.
وأما: لكن خفيفةً وثقيلةً فتوجب بها بعد نفي.
وأما سوف فتنفيسٌ فيما لم يكن بعد. ألا تراه يقول: سوفته.
وأما قبل فللأول، وبعد للآخر، وهما اسمان يكونان ظرفين.
وكيف: على أي حالٍ؟ وأين: أي مكان؟ ومتى: أي حين.
وأما حيث فمكانٌ، بمنزلة قولك: هو في المكان الذي فيه زيد.
وهذه الأسماء تكون ظروفاً.
وأما خلف فمؤخر الشيء. و أمام: مقدمه. وقدام بمنزلة أمام. وفوق: أعلى الشيء. وقالوا: فوقك في العلم والعقل، على نحو المثل. وهذه الأسماء تكون ظروفاً.
وليس: نفيٌ. وأيٌّ: مسألةٌ ليبين لك بعض الشيء وهي تجري مجرى ما في كل شيء.
ومن: مثل أيٍّ أيضاً، إلا أنه للناس.
وإن توكيدٌ لقوله: زيدٌ منطلقٌ. وإذا خففت فهي كذلك توكد ما يتكلم به وليثبت الكلام، غير أن لام التوكيد تلزمها عوضاً مما ذهب منها.
وليت: تمنٍّ. ولعل وعسى: طمعٌ وإشفاقٌ.
وأما لدن فالموضع الذي هو أول الغاية، وهو اسمٌ يكون ظرفاً. يدلك على أنه اسمٌ قولهم: من لدن. وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين. قال الراجز - غيلان:
يستوعب البوعين من جريره ... من لد لحييه إلى منحوره
ولدى بمنزلة عند.
وأما دون فتقصيرٌ عن الغاية، وهو يكون ظرفاً.
واعلم أن ما يكون ظرفاً بعضه أشد تمكناً في الأسماء من بعض، ومنه ما لا يكون إلاظرفاً. وقد بين ذلك في موضعه.
وأما قبالة فمواجهة. وأما بلى فتوجب به بعد النفي؛ وأما نعم فعدةٌ وتصديقٌ، تقول: قد كان كذا وكذا، فيقول: نعم؛ وليسا اسمين. وقبالة اسم يكون ظرفاً. فإذا استفهمت فقلت أتفعل؟ أجبت بنعم، فإذا قلت: ألست تفعل؟ قال: بلى، يجريان مجراهما قبل أن تجيء الألف.
وأما بجل فبمنزلة حسب. وأما إذن فجوابٌ وجزاءٌ.
وأما لما: فهي للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره، وإنما تجيء بمنزلة لو لما ذكرنا، فإنما هما لابتداءٍ وجوابٍ.
وكذلك: لوما، ولولا، فهما لابتداءٍ وجوابٍ. فالأول سبب ما وقع وما لم يقع.
وأما أما ففيها معنى الجزاء. كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلقٌ. ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبداً.
وأما ألا فتنبيه، تقول: ألا إنه ذاهبٌ. ألا: بلى.
وأما كلا فردعٌ وزجرٌ. وأنى تكون في معنى كيف وأين.
وإنما كتبنا من الثلاثة وما جاوزها غير المتمكن الكثير الاستعمال من الأسماء وغيرها الذي تكلم به العامة لأنه أشد تفسيراً. وكذلك الواضح عند كل أحد هو أشد تفسيراً، لأنه يوضح به الأشياء، فكأنه تفسير التفسير. ألا ترى أن لو أن إنساناً قال: ما معنى أيان فقلت متى، كنت قد أوضحت. وإذا قال ما معنى متى قلت في أي زمان، فسألك عن الواضح، شق عليك أن تجيء بما توضح به الواضح.
وإنما كتبنا من الثلاثة على نحو الحرف والحرفين، وفيه الإشكال والنظر.
باب علم حروف الزوائد
وهي عشرة أحرف:
فالهمزة تزاد إذا كانت أول حرفٍ في الاسم رابعةً فصاعداً والفعل، نحو أفكلٍ وأذهب. وفي الوصل، في ابنٍ واضرب.
والألف وهي تزاد ثانيةً في فاعلٍ ونحوه. وثالثةً في عمادٍ ونحوه. ورابعةً في عطشى ومعزى ونحوهما. وخامسةً في حلبلابٍ، وجحجبى، وحبنطى ونحو ذلك، وستراه مبيناً في كتاب الفعل إن شاء الله.
وأما الهاء فتزاد لتبين بها الحركة، وقد بينا ذلك. وبعد ألف المد في الندبة والنداء نحو: واغلاماه، ويا غلاماه. وقد بين أمرها.


والياء وهي تكون زائدة إذا كانت أول الحرف رابعةً فصاعداً، كالهمزة في الاسم والفعل، نحو: يرمعٍ ويربوعٍ ويضرب. وتكون زائدة ثانيةً وثالثةً في مواضع الألف. وسنبين ذلك إن شاء الله. ورابعةً في نحو حذريةٍ وقنديلٍ. وخامسةً نحو سلحفيةٍ. وتلحق مضاعفةً كل اسم إذا أضيف نحو هي، كما تلحق كل اسم إذا جمعت بالتاء، الألف قبل التاء وتلحق إذا ثنيت قبل النون. وإن أغفلنا موضعاً للزوائد فستبين في الفعل إن شاء الله.
وأما النون فتزاد في فعلان خامسةً ونحوه. وسادسةً في زعفرانٍ ونحوه. ورابعةً في رعشنٍ والعرضنة ونحوهما، وفيما يتصرف من الأسماء، وفي الفعل الذي تدخله النون الخفيفة والثقيلة، وفي تفعلين، وفي فعل النساء إذا جمعت نحو فعلن ويفعلن. وفي تثنية الأسماء وجمعها. وفي نفعل تكون أولاً، وثانيةً في عنسلٍ، وثالثةً في قلنسوةٍ.
وأما التاء فتؤنث بها الجماعة نحو: منطلقات، وتؤنث بها الواحدة نحو: هذه طلحةٌ ورحمةٌ وبنتٌ وأختٌ. وتلحق رابعةً نحو: سنبتةٍ. وخامسةً نحو: عفريتٍ. وسادسةً نحو: عنكبوتٍ. ورابعةًَ أولاً فصاعداً في تفعل أنت وتفعل هي. وفي الاسم كتجفافٍ وتنضبٍ وترتبٍ.
وأما السين فتزاد في استفعل.
وأما الميم فستزاد أولاً في مفعولٍ، ومفعالٍ، ومفعلٍ، ومفعلٍ، ومفعلٍ.
وأما الواو فتزاد ثانيةً في حوقل وصومعةٍ ونحوهما. وثالثةً في قعودٍ وعجوزٍ وقسورٍ ونحوها. كما تلحق الياء في فعيل نحو: سعيدٍ وعثيرٍ. ورابعةً في بهلولٍ وقرنوةٍ. وخامسةً في قلنسوةٍ وقمحدوةٍ ونحوهما وعضرفروطٍ. كما لحقت الياء في خندريس.
وتلحق الهمزة أولاً إذا سكن أول الحرف في ابنٍ وامرىءٍ واضرب ونحوهن. وهي التي تسمى ألف الوصل.
واللام تزاد في عبدلٍ، وذلك، ونحوه.
باب حروف البدل
في غير أن تدغم حرفاً في حرف وترفع لسانك من موضع واحد وهي ثمانية أحرف من الحروف الأولى، وثلاثةٌ من غيرها.
فالهمزة تبدل من الياء والواو إذا كانتا لامين في قضاءٍ وشقاءٍ ونحوهما، وإذا كانت الواو عيناً في أدؤر وأنؤر والنؤور ونحو ذلك، وإذا كانت فاءً نحو: أجوهٍ، وإسادةٍ، وأعد.
والألف تكون بدلاً من الياء، والواو إذا كانتا لامين في رمى وغزا ونحوهما. وإذا كانتا عينين في قال وباع، والعاب والماء ونحوهن. وإذا كانت الواو فاءً في ياجل ونحوه. والتنوين في النصب تكون بدلاً منه في الوقف والنون الخفيفة إذا كان ما قبلها مفتوحاً؛ نحو: رأيت زيداً، واضربا.
وأما الهاء فتكون بدلاً من التاء التي يؤنث بها الاسم في الوقف؛ كقولك: هذه طلحه. وقد أبدلت من الهمزة في هرقت، وهمرت، وهرحت الفرس، تريد أرحت. وأبدلت من الياء في هذه. وذلك في كلامهم قليل. ويقال: إياك وهياك. كما أن تبيين الحركة بالألف قليل؛ إنما جاء في: أنا وحيهلا.
وأما الياء فتبدل مكان الواو فاءً وعيناً؛ نحو قيل وميزان؛ ومكان الواو والألف في النصب والجر في مسلمين ومسلمين. ومن الواو والألف إذا حقرت أو جمعت في بهاليل وقراطيس. وبهيليلٍ وقريطيسٍ ونحوهما من الكلام. وتبدل إذا كانت الواو عيناً نحو: ليةٍ.
وتبدل في الوقف من الألف في لغة من يقول: أفعى وحبلى. وتبدل من الهمزة، وقد بينا ذلك في باب الهمزة. ومن الواو وهي عينٌ في سيدٍ ونحوه.
وما أغفل من هذا الباب فسيبين في باب الفعل، وقد بين.
وقد تبدل من مكان الحرف المدغم نحو قيراط. ألا تراهم قالوا: قريريطٌ ودينارٍ، ألا تراهم قالوا دنينيرٌ.
وتبدل من الواو إذا كانت فاءً في يبجل ونحوه.
وتبدل من الواو لاماً في قصيا ودنيا ونحوهما.
وتبدل مكان الواو في غازٍ ونحوه، وسنبين ذلك إن شاء الله.
وتبدل مكانها في شقيت وغبيت ونحوهما.
وأما التاء فتبدل مكان الواو فاءً في اتعد، واتهم، واتلج وتراث، وتجاه ونحو ذلك. ومن الياء في افتعلت من يئست ونحوها. وقد أبدلت من الدال والسين في ستٍّ؛ وهذا قليل. ومن الياء إذا كانت لاماً في أسنتوا. وذلك قليل.
وأما الدال فتبدل من التاء في افتعل إذا كانت بعد الزاي في ازدجر ونحوها.


والطاء منها في افتعل إذا كانت بعد الضاد في افتعل، نحو اضطهد. وكذلك إذا كانت بعد الصاد في مثل اصطبر. وبعد الظاء في هذا. وقد أبدلت الطاء من التاء في فعلت إذا كانت بعد هذه الحروف؛ وهي لغة لتميمٍ؛ قالوا: فحصط برجلك وحصط؛ يزيدون حصت وفحصت والطاء كالصاد فيما ذكرنا.
وقالوا: فزد؛ يريدون. فزت كما قالوا: فحصط.
والذال إذا كانت بعدها التاء في هذا الباب بمنزلة الزاي.
ولم نذكر ما يدخل في الحرف لأنه بمنزلة ما يدخل في الحرف وهو من موضعه، يعنى مثل قدت حيث تدغم الدال في التاء، لأنها بمنزلة تاء أدخلت على تاء.
والميم تكون بدلاً من النون في عنبرٍ وشنباء ونحوهما، إذا سكنت وبعدها باءٌ. وقد أبدلت من الواو في فم وذلك قليل، كما أن بدل الهمزة من الهاء بعد الألف في ماء ونحوه قليل، أبدلوا الميم منها إذ كانت من حروف الزيادة، كما أبدلوا التاء من الواو وأبدلوا الهمزة منها، لأنها تشبه الياء. وأبدلوا الجيم من الياء المشددة في الوقف نحو علجٍ وعوفجٍ؛ يريدون: عليٌّ وعوفيٌّ.
والنون تكون بدلاً من الهمزة في فعلان فعلى، وقد بين ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف؛ كما أن الهمزة بدلٌ من ألف حمرى. وقد أبدلوا اللام من النون، وذلك قليل جداً؛ قالوا: أصيلالٌ، وإنما هو أصيلانٌ.
وأما الواو فتبدل مكان الياء إذا كانت فاءً في موقنٍ وموسرٍ ونحوهما. وتبدل مكان الياء في عمٍ إذا أضفت، نحو عمويٍّ؛ وفي رحى: رحويٍّ. وتبدل مكان الهمزة؛ وقد بينا ذلك في باب الهمز.
وتبدل مكان الياء إذا كانت لاماً في شروى وتقوى ونحوهما. وإذا كانت عيناً في كوسى وطوبى ونحوهما. وتبدل مكان الألف في الوقف وذلك قول بعضهم: أفعو وحبلو؛ كما جعل بعضهم مكانها الياء. وبعض العرب يجعل الواو والياء ثابتتين في الوصل والوقف.
وتكون بدلاً من الألف في ضورب وتضورب ونحوهما. ومن الألف الثانية الزائدة إذا قلت: ضويربٌ ودوينقٌ في ضاربٍ ودانقٍ؛ وضوارب ودوانق إذا جمعت ضاربةً ودانقاً.
وتكون بدلاً من ألف التأنيث الممدودة إذا أضفت أو ثنيت؛ وذلك قولك: حمراوان وحمراويٌّ.
وتبدل مكان الياء في فتوٍّ وفتوةٍ؛ تريد جمع الفتيان، وذلك قليل. كما أبدلوا الياء مكان الواو في عتيٍّ وعصيٍّ ونحوهما.
وتبدل مكان الهمزة المبدلة من الياء والواو في التثنية والإضافة. وقد بين ذلك في التثنية، وهو كساوان وعطاويٌّ.
وزعم الخليل أن الفتحة والكسرة والضمة زوائد، وهن يلحقن الحرف ليوصل إلى التكلم به. والبناء هو الساكن الذي لا زيادة فيه. فالفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والضمة من الواو. فكل واحدة شيءٌ مما ذكرت لك.
باب ما بنت العرب من الأسماء
والصفات والأفعال غير المعتلة والمعتلة
وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجي في كلامهم إلا نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون التصريف والفعل أما ما كان على ثلاثة أحرف من غير الأفعال فإنه يكون فعلاً، ويكون في الأسماء والصفات. فالأسماء مثل: صفرٍ، وفهدٍ، وكلبٍ. والصفة نحو: صعبٍ، وضخمٍ، وخدلٍ.
ويكون فعلاً في الأسماء والصفة. فالأسماء نحو: العكم والجذع والعذق. والصفات نحو: نقضٍ، وجلفٍ، ونضوٍ، وهرطٍ، وصنعٍ.
ويكون فعلاً في الأسماء والصفة. فالأسماء نحو: البرد، والقرط، والحرض. وأما الصفات فنحو: العير، يقال ناقة عبر أسفارٍ. ويقال رجلٌ جدٌّ، أي ذو جدٍّ. والمر والحلو.
ويكون فعلاً في الاسم والصفة. فالاسم نحو: جبلٍ، وجملٍ، وحملٍ. والصفة نحو: حدثٍ، وبطلٍ، وحسنٍ، وعزبٍ، ووقلٍ.
ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: كتف، وكبد، وفخذ. والصفات نحو: حذرٍ، ووجعٍ، وحصرٍ.
ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: رجلٍ، وسبعٍ، وعضدٍ، وضبعٍ. والصفة نحو: حدثٍ، وحذر، وخلطٍ، وندسٍ.
ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: صردٍ، ونغر، وربعٍ. والصفة نحو: حطم، ولبدٍ. قال الله عز وجل: " أهلكت مالاً لبداً " . ورجلٌ ختعٌ، وسكعٌ.
ويكون فعلاً فيهما. فالاسم: الطنب، والعنق، والعضد، والجمد.
والصفة: الجنب، والاجد، ونضدٌ، ونكرٌ. قال سبحانه: " إلى شيء نكرٍ " . والأنف، والسجح. قال:
مشيةً سجحاً


ويكون فعلاً فيهما. فالأسماء نحو: الضلع، والعوض، والصغر، والعنب. ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف من المعتل يوصف به الجماع، وذلك قولهم: قومٌ عدى. ولم يكسر على عدى واحدٌ، ولكنه بمنزلة السفر والركب.
ويكون فعلا في الاسم نحو: إبلٍ. وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره.
واعلم أنه ليس في الأسماء والصفات فعل ولا يكون إلا في الفعل، وليس في الكلام فعل.
باب ما لحقته الزوائد
من بنات الثلاثة من غير الفعل
فالهمزة تلحق أولاً فيكون الحرف على أفعلٍ ويكون للاسم والصفة. فالاسم نحو: أفكلٍ، وأيدعٍ، وأجدلٍ. والصفة نحو: أبيض، وأسود، وأحمر.
ويكون على إفعل نحو: إثمدٍ، وإصبعٍ، وإجردٍ. ولا نعلمه جاء صفة.
ويكون على إفعلٍ نحو: إصبعٍ، وإبرم، وإبين، وإشفى، وإنفحة. ولا نعلمه جاء صفة.
ويكون على أفعلٍ وهو قليل، نحو: أصبعٍ. ولا نعلمه جاء صفة.
ويكون أفعلاً؛ وهو قليل نحو: أبلم، وأصبعٍ. ولا نعلمه جاء صفة. ولا يكون في الأسماء والصفات أفعلٌ إلا أن يكسر عليه الاسم للجمع نحو أكلبٍ، وأعبدٍ. وليس في شيء من الأسماء والصفات أفعلٌ، وليس في الكلام إفعل.
ويكون على إفعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الإعطاء، والإسلام، والإعصار، وإسنامٍ وهو شجر، والإمخاض. وأما الصفة فنحو: الإسكاف. وهو في الصفة قليل، ولا نعلمه جاء غير هذا.
ويكون على أفعالٍ نحو الأسحار. ولا نعلمه جاء اسماً ولا صفةً غير هذا.
ويكون على إفعيل في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: إخريطٍ، وإسليح، وإكليل. والصفة نحو: إصليتٍ، وإجفيل، وإخليج. والإخليج: الناقة المختلجة من أمها.
ويكون على أفعول فيهما. فالأسماء نحو: أسلوبٍ، والأخدود، وأركوبٍ. والصفة نحو: أملودٍ، وأسكوبٍ، وأثعوبٍ. وقال الشاعر:
برق يضيء أمام البيت أسكوب
وأفنونٍ.
ويكون على أفاعلٍ فيهما. فالأسماء نحو: أدابر، وأجارد، وأحامر. وهو في الصفة قليل، قالوا: رجل أباترٌ، وهو القاطع لرحمه. ولا نعلمه جاء وصفاً إلا هذا.
ويكون على إفعولٍ فيهما. فالأسماء قالوا: الإدرون يريدون الدرن. وأما ما جاء صفة فالإسحوف، قالوا: إنها لإسحوف الأحاليل. والإزمول، وإنما يريدون الذي يزمل. قال الشاعر، وهو ابن مقبل، يصف وعلاً:
عوداً أحم القرا إزمولةً وقلاً ... يأتي تراث أبيه يتبع القذفا
وإنما لحقت الهاء كما تقول نسابةٌ للنساب. وليست الهاء من البناء في شيء إنما تلحق بعد البناء. وقد بينا ذلك فيما مضى.
وليس في الكلام أفعيل، ولا أفعول، ولا أفعال، ولا أفعيل، ولا أفعال إلا أن تكسر عليه اسماً للجمع. ولا أفاعل ولا أفاعليل إلا للجمع، نحو أجادل وأقاطيع.
ويكون على أفنعل في الاسم والصفة، وهو قليل. فالاسم نحو: ألنججٍ، وأبنيمٍ. والصفة نحو: ألنددٍ، وهو من اللدد. وقال الشاعر، الطرماح:
خصمٌ أبر على الخصوم ألندد
وهذا في الاسم والصفة قليل، ولا نعلم إلا هذين.
ويكون على إفعيلى نحو: إهجيرى، وإجريا، وهما اسمان ولا نعلم غيرهما.
ويكون على أفعلى، وهو قليل، ولا نعلم إلا أجفلى.
ويكون على أفعلةٍ وهو قليل، نحو: أسكفةٍ، وأترجٍ، وأسطمةٍ، وهي أسماءٌ.
ويكون على إفعل فيهما. قالوا: إرزبٌّ، وإزفلةٌ، وهو اسم. وإرزبٌّ صفة.
ويكون على إفعلى، قالوا: إيحلى، وهو اسم.
ويكون على إنفعلٍ، قالوا: إنقحلٌ في الوصف لا غير.
ويكون على أفعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم: أفعوانٌ، والأرجوان والأقحوان. والصفة نحو: الأسحلان، والألعبان.
ويكون على إفعلانٍ في الاسم والصفة، وهو قليل. فما جاء في الاسم فنحو: الإسحمان: جبل بعينه، والإمدان. وأما الصفة فقولهم: ليلةٌ إضحيانة. وهو قليل لا نعلم إلا هذا.
ويكون على أفعلانٍ وهو قليل، لا نعلمه جاء إلا أنبجانٌ، وهو صفة، يقال عجينٌ أنبجانٌ. وأرونانٌ، وهو وصف، قال النابغة الجعدي:
فظل لنسوة النعمان منا ... على سفوان يومٌ أرونان
ويكون على إفعلاء، ولا نعلمه جاء إلا في الإربعاء، وهو اسم.
وكذلك أفعلاء، ولا نعلمه جاء إلا في الأربعاء.
وأما الأفعلاء مكسراً عليه الواحد للجمع فكثيرٌ نحو: أنصباء، وأصدقاء وأصفياء. ولا نعلم في الكلام إفعلان، ولا أفعلان، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.


وتلحق الهمزة غير أول، وذلك قليل فيكون الحرف على فعلى، وذلك نحو: ضهيا صفة، وضهيا اسم. وعلى فعائلٍ نحو: حطائطٍ، وجرائضٍ. وفعأل وفأعلٍ، قالوا: شمألٌ وشأمل، وهو اسم.
وأما الألف فتلحق ثانيةً، ويكون الحرف على فاعل في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: كاهلٍ، وغاربٍ، وساعدٍ. والصفة نحو: ضاربٍ، وقاتلٍ، وجالسٍ. ويكون فاعلاً نحو: طابقٍ، وخاتمٍ، ولا نعلمه صفة. وليس في كلام العرب فاعلٌ.
وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعالٍ في الاسم والصفة، فالاسم نحو: قذالٍ، وغزالٍ، وزمانٍ. والصفة نحو: جمادٍ وجبانٍ، وصناعٍ.
ويكون على فعالٍ فيهما. فالأسماء نحو: حمارٍ، وإكاف، وركابٍ، والصفة: كنازٌ، وضناكٌ، ودلاثٌ.
ويكون على فعال فيهما. فالأسماء نحو: غرابٍ، وغلامٍ، وقرادٍ، وفؤادٍ. والصفة نحو: شجاعٍ، وطوالٍ، وخفاف.
وقد بين ما لحقته ثالثة فيما أوله الهمزة مزيدةً. فهذا لحاقها بلا زيادة غيرها ثانيةً وثالثة.
وتلحق رابعة مع غيرها من الزوائد وثالثة، وثانية، كما لحقت الهمزة مع غيرها من الزوائد.
فأما ما لحقته من ذلك ثانية فيكون على فاعولٍ في الاسم والصفة. فأما الصفة فنحو: حاطوم، يقال ماء حاطومٌ، وسيلٌ جاروف، وماءٌ فاتورٌ. والأسماء: عاقولٌ، وناموسٌ، وعاطوسٌ، وطاووسٌ.
ويكون على فاعالٍ في الأسماء وهو قليل نحو: ساباطٍ، وخاتامٍ وداناقٍ، للدانق. والخاتم، ولا نعلمه جاء صفة.
ويكون على فاعلاء في الأسماء نحو: القاصعاء، والنافقاء، والسابياء. ولا نعلمه جاء صفة.
ويكون على فاعولاء في الأسماء. وذلك: عاشوراء. وهو قليل، ولا نعلمه جاء وصفاً. وليس في الكلام فاعيلٌ، ولا فاعيلٌ، ولا فاعولٌ، ولا فاعلاء، ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره.
وأما ما لحقته من ذلك ثالثة فيكون على مفاعل في الصفة نحو: مقاتل، ومسافر، ومجاهدٍ. ولا نعلمه جاء اسماً.
وقد يختصون الصفة بالبناء دون الاسم، والاسم دون الصفة، ويكون البناء في أحدهما أكثر منه في الآخر، يعني في مثل: إمخاضٍ وإسلامٍ، وهو في المصادر أكثر. وإنما جاء صفة في موضع واحد، قالوا: إسكاف. وأفعلٌ نحو: أحمر وأصفر، هو في الصفة أكثر منه في الاسم. وقالوا: أفكلٌ وأيدعٌ. فكل واحد منهما يعوض إذا اختص أو كثر فيه البناء لما قل فيه من غير ذلك من الأبنية، ولما صرف عنه من الأبنية. وقد كتب بعض ما اختص به أحدهما دون الآخر. وسنكتب البقية إن شاء الله.
ويكون على مفاعل ومفاعيل في الاسم والصفة ولا يكون هذا وما جاء على مثاله إلا مكسراً عليه الواحد للجمع. فما كان منه في الاسم فنحو: مساجد، ومنابر، ومقابر، ومفاتيح، ومخاريق. وأما الصفة فنحو: مداعس، ومطافل، ومكاسب، ومقاول، ومكاسيب، ومكاريم، ومناسيب.
ويكون على فواعل في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حوائط، وحواجز وجوائز، وتوابل. والصفة نحو: حواسر، وضوارب، وقواتل وتكون الأسماء على فواعيل نحو: خواتيم، وسوابيط، وقوارير. ولا نعلمه جاء في الصفة كما لا يجيء واحده في الصفة.
ويكون على فعاعيل فيهما. فالأسماء نحو: السلاليم، والبلاليط، والبلاليق. والصفة نحو: العواوير، والجبابير.
ويكون على فعاعل نحو: السلالم، والذرارح، والزرارق. ولا يستنكر أن يكون هذا في الصفة، لأن في الصفة مثل زرقٍ وحولٍ، فكما قالوا عواوير فجعلوه كالكلاب حين قالوا كلاليب، كذلك يجعل هذا.
ويكون على فعالى مبدلةً الياء فيهما. فالأسماء نحو: صحارى، وذفارى، وزرافى يريدون الزرافات. وأما الصفة فكسالى، وحبالى، وسكارى. ويكون غير مبدلةٍ الياء فيهما. فالاسم نحو: صحارٍ، وذفار وفيافٍ. والصفات نحو: عذار، وسعالٍ، وعفار.
ويكون على فعالى لهما. فالاسم نحو: بخاتي، وقماري، ودباسي. والصفة نحو: الحوالي، والدراري.
ويكون على فعاليل لهما. فالاسم نحو: الظنابيب، والفساطيط، والجلابيب. والصفة نحو: الشماليل، والرعاديد، والبهاليل.
ويكون على فعالل لهما. فالاسم نحو: القرادد. والصفة نحو: الرعابب، والقعادد.
ويكون على فعالين في الاسم نحو سراحين، وضباعين، وفرازين، وقرابين. ولا نعلمه جاء في الصفة.
ويكون على فعالن نحو: رعاشن، وعلاجن، وضيافن. هذا في الصفة وقد جاء في الأسماء؛ قالوا: فراسن.
ويكون على فعاول فيهما. فالاسم نحو: جداول، وجراول. والصفة نحو: القساور، والحشاور.


ويكون على فعايل غير مهموز. فالاسم نحو: العثاير، والحثايل؛ إذا جمعت الحثيل والعثير. ولا نعلمه جاء في الصفة كما لم يجيء واحده.
ويكون على فعائل فيهما. فالأسماء نحو: غرائر، ورسائل. والصفة نحو: ظرائف، وصحائح وصبائح.
ويكون على فياعل فيهما. فالاسم نحو: غيلم وغيالم، وغيطلٍ وغياطل، والدياسق. والصفة نحو: عيلم وعيالم، والصيافل، والجياحل.
ويكون على فياعيل فيهما. فالأسماء نحو: الدياميس، والدياميم. والصفة نحو: الضياريف، والبياطير.
ويكون على تفاعيل. فالأسماء نحو: التجافيف، والتماثيل. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على تفاعل. فالاسم نحو: التتافل، والتناضب. ولا نعلمه جاء في الوصف.
ويكون على يفاعيل. فالاسم نحو: يرابيع، ويعاقيب، ويعاسيب.
والصفة نحو: اليحاميم، واليخاضير. وصفوا باليخضور كما وصفوا باليحموم. قال الراجز:
عيدان شطي دجلة اليخضور
ويكون على يفاعل، نحو: اليحامد واليرامع. وهذا قليل ف يالكلام، ولم يجىء صفة.
ويكون على فعاويل وصفاً نحو: القراويح، والجلاويخ، وهي العظام من الأودية. ولا نعلمه جاء اسماً.
ويكون على فعاييل نحو: كراييس. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعاليت في الكلام، وهو قليل نحو: عفاريت، وهو وصف.
ويكون على فناعل فيهما. فالأسماء نحو: جنادب، وخنافس وعناظب، وعناكب. والصفة: عنابس، وعناسل.
فجميع ما ذكرت لك من هذا المثال الذي لحقته الألف ثالثةً لا يكون إلا للجمع، ولا تلحقه ثالثة في هذا المثال إلا بثبات زيادة قد كانت في الواحد قبل أن يكسر، أو زيادتين كانتا في الاسم قبل أن يكسر، إذا كانت إحداهما رابعة حرف لين. فإن لم تكن إحداهما رابعة حرف لين لم تثبت إلا زيادة واحدة إلا أن يلحق إذا جمع حرف اللين؛ فإنهم قد يلحقون حرف اللين إذا جمعوا وإن لم يكن ثابتاً رابعاً في الواحد.
وقد بينا ما جاء من هذا المثال والهمزة في أوله مزيدةٌ في باب ما الهمزة في أوله زائدة. وليس شيءٌ عدته أربعة أو خمسة يكسر بعدته يخرج من مثال مفاعل ومفاعيل. فمن ثم جعلنا حبالى الألف فيه مبدلةً من الياء كبدلها من ياء مدارى.
وقد قال بعض العرب: بخاتي كما قالوا: مهاري، حذفوا كما حذفوا أثافي، ثم أبدلوا كما أبدلوا صحاري.
ويكون فعالى في الاسم نحو: حبارى، وسمانى، ولبادى. ولا يكون وصفاً إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: عجالى، وسكارى، وكسالى.
ويكون على فعاعيلٍ، وهو قليلٌ في الكلام، قالوا: ماءٌ سخاخينٌ صفة. ولا نعلم في الكلام غيره.
ويكون على فعالاء نحو: ثلاثاء، وبراكاء، وعجاساء، أي تقاعس. وقد جاء وصفاً قالوا: رجلٌ عياياء طباقاء.
ويكون على فعالانٍ، نحو: سلامانٍ، وحماطان. وهو قليلٌ، ولم يجىء صفة.
ويكون على فواعلٍ فيهما. فالاسم: صواعقٌ، وعوارضٌ. وأما الصفة فدواسرٌ، أي شديد. قال:
والرأس من ثغامة الدواسر
ويكون على فعالةٍ نحو: الزعارة، والحمارة، والعبالة. ولم يجىء صفة.
ويكون على فعاليةٍ فيهما، فالاسم نحو: الهبارية، والصراحية. والصفة نحو: العفارية، والقراسية. والهاء لازمة لفعالية.
ويكون على فعاليةٍ فيهما، فالاسم نحو: الكراهية، والرفاهية، والصفة نحو: العباقية وحزابيةٍ. والهاء لازمة لفعالية.
وليس في الكلام شيءٌ على فعالى ولا فعالى إلا للجمع، ولا شيءٌ من هذا لم نذكره. يعني أن فعالى ليس في الكلام البتة.
وتلحق رابعةً لا زيادة في الحرف غيرها لغير التأنيث، فيكون على فعلى نحو: علقى، وتترى، وأرطى. ولا نعلمه جاء وصفاً إلا بالهاء، قالوا: ناقةٌ حلباةٌ ركباةٌ.
ويكون على فعلى نحو: ذفرى ومعزى، ولا نعلمه جاء وصفاً.
ولا يكون فعلى والألف لغير التأنيث، إلا أن بعضهم قال: بهماةٌ واحدةٌ وليس هذا بالمعروف، كما قالوا: فعلاةٌ بالهاء صفةً، نحو: امرأةٍ سعلاةٍ ورجلٍ عزهاةٍ.
وتلحق الألف رابعةً للتأنيث فيكون على فعلى فيهما. فالاسم: سلمى، وعلقى، ورضوى. والصفة: عبرى، وعطشى.
ويكون على فعلى في الأسماء نحو: ذفرى وذكرى. ولم يجىء صفة إلا بالهاء.
ويكون على فعلى فيهما. فالاسم نحو: البهمى، والحمى، والرؤيا. والصفة نحو: حبلى، وأنثى.
ويكون على فعلى فيهما. فالاسم: قلهى وهي أرض، وأجلى، ودقرى، ونملى. والصفة: جمزى، وبشكى، ومرطى.


ويكون على فعلى وهو قليل في الكلام، نحو: شعبى، والأربى والأدمى أسماء.
وقد بين ما جاءت فيه للتأنيث فيما الهمزة في أوله مزيدةٌ وفيما لحقته الألف ثانية أو ثالثة مزيدةً، فيما ذكرت لك من أبنيتهن أيضاً.
وبعض العرب يقول: صورى وقلهى وضفوى، فيجعلها ياءً، كأنهم وافقو الذين يقولون أفعى، وهم ناس من قيسٍ وأهل الحجاز.
ولا نعلم في الكلام فعلى، ولا فعلى، ولا فعلى.
وتلحق رابعة وفي الحروف زائدةٌ غيرها، وتكون الحروف على فعلالٍ في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: جلبابٍ، وقرطاطٍ، وسندادٍ. والصفة نحو: شملالٍ، وطملالٍ، وصفتاتٍ.
ويكون على فعلالٍ اسماً نحو: قرطاطٍ، وفسطاطٍ، وهو قليلٌ في الكلام، ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على مفعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: منقارٍ، ومصباح، ومحرابٍ. والصفة نحو: مفسادٍ ومضحاكٍ، ومصلاحٍ.
ويكون على تفعالٍ في الاسم نحو: تجفافٍ، وتمثالٍ وتلقاءٍ، وتبيانٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
وليس في الكلام مفعالٌ ولا فعلالٌ ولا تفعالٌ إلا مصدراً، كما أن أفعالاً لا يكون إلا جماعاً. وذلك نحو: الترداد، والتقتال.
وقد بين ما جاءت فيه رابعة فيما الهمزة في أوله مزيدةٌ أيضاً فيما ذكر من أبنيتها، وفيما لحقته الألف ثانية.
ويكون على فعالٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الكلاء، والقذاف والجبان. والصفة نحو: شرابٍ، ولباسٍ، وركابٍ.
ويكون على فعالٍ فيهما. فالاسم: خطافٌ، وكلابٌ، ونسافٌ. والصفة نحو: حسانٍ، وعوارٍ، وكرامٍ.
ويكون على فعالٍ اسماً نحو: الحناء، والقثاء، والكذاب. ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث.
ويكون على فعلاء اسماً نحو: علباء، وخرشاء، وحرباء. ولا نعلمه جاء وصفاً لمذكر ولا لمؤنث.
ولا يكون على فعلاء في الكلام إلا وآخره علامة التأنيث. وقد يكون على فعلاء في الكلام وهو قليل، نحو قوباء وهو اسم.
ويكون على فعلاء في الاسم والصفة. فالاسم: نحو طرفاء، وحلفاء، وقصباء. والصفة نحو: خضراء، وسوداء، وصفراء، وحمراء.
ويكون على فعالى في الأسماء نحو: خضارى، وشقارى، وحوارى. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلاء فيهما. فالاسم نحو: القوباء، والرخصاء، والخيلاء.
والصفة نحو: العشراء، والنفساء. وهو كثير إذا كسر عليه الواحد في الجمع نحو: الخلفاء، والحلفاء، والحنفاء.
ويكون على فعلاء في الاسم. وهو قليل في الكلام نحو: الخيلاء والسيراء. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلاء في الاسم، وهو قليل نحو: قرماء وجنفاء. و قال السليك:
على قرماء عاليةً شواه ... كأن بياض غرته خمار
وقال:
رحلت إليك من جنفاء حتى ... أنحت فناء بيتك بالمطالي
ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فوعالٍ، وهو قليل في الكلام، وهو طومارٌ، وسولافٌ اسم أرض. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلانٍ فيهما. فالأسماء نحو: السعدان والضمران، والصفة نحو: الريان، والعطشان، والشبعان.
ويكون على فعلانٍ فيهما. فالأسماء نحو: الكروان، والورشان والعلجان. والصفة نحو: الصميان، والقطوان، والزفيان.
ويكون على فعلانٍ فيهما. فالاسم نحو: عثمان، ودكانٍ، وذبيان. وهو كثير في أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو: جربانٍ، وقضبانٍ، والصفة نحو: عريانٍ، وخمصانٍ.
ويكون على فعلان اسماً نحو: ضبعانٍ، وسرحانٍ، وإنسان. وهو كثير فيما يكسر عليه الواحد للجمع، نحو: غلمانٍ، وصبيانٍ.
ويكون على فعلانٍ في الأسماء. وهو قليل، نحو: الظربان، والقطران، والشقران، ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلانٍ، وهو قليل، قالوا: السبعان، وهو اسم بلد قال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحي بالسبعان ... أمل عليها بالبلى الملوان
ولا نعلم في الكلام فعلان ولا فعلان، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكنه قد جاء فعلانٌ وهو قليل، قالوا: السلطان، وهو اسم.
ويكون على فعوالٍ في الصفة نحو: جلواخٍ، وقرواحٍ، ودرواسٍ. ويكون اسماً نحو: عصوادٍ، وقرواشٍ.
ويكون على فعيالٍ في الاسم نحو: جريال، وكرياسٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فيعالٍ فيهما. فالأسماء نحو: الخيتام، والديماس، والشيطان. والصفة نحو: البيطار، والغيداق، والقيام.


ويكون على فعوالٍ، وهو قليل، قالوا: عصوادٌ، وهو اسم. ومثله عنوانٌ، وعتوارةٌ. ولا نعلم في الكلام فعوالاً ولا فعيالاً ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكن يفعال نحو ديماسٍ، وديوانٍ. ولا نعلمه صفة.
ويكون على فوعالٍ، وهو قليل. قالوا: تواربٌ، وهو اسم للتراب، وفنعالٌ نحو قنعاسٍ نعتٌ، وفعنالٍ نحو فرناسٍ نعتٌ.
وتلحق خامسة مع زيادة غيرها لغير التأنيث، ولا تلحق خامسة في بنات الثلاثة إلا مع غيرها من الزوائد، لأن بنات الثلاثة لا تصير عدة الحروف أربعة إلا بزيادة، لأنك تريد أن تجاوز الأصل، فيكون الحرف على فعنلى في الاسم والصفة. فالاسم نحو: القرنبى، والعلندى. والوصف: الحبنطى، والسبندى، والسرندى.
ويكون على فعلنى وهو قليل، قالوا: عفرىً، وهو وصف. وقد قال بعضهم: جملٌ علدني، فجعلها فعلنى. وقالوا: علادى نحو حبارى، فجعله فعالى، وهو قليل. ولا نعلم في الكلام فعنلىً ولا فعنلىً ولا نحو هذا مما لم نذكره، ولكن فنعلاء قليل، قالوا: عنصلاء، وهو اسم. وفنعلاء قليل، قالوا: حنفساء، وعنصلاء، وحنظباء، وهي أسماء.
ويكون على فوعلاء، وهو قليل، قالوا: حوصلاء، وهو اسم.
وتلحق خامسة للتأنيث فيكون الحرف على فعلى. فالاسم نحو: الزمكى والجرشى، والعبدى. والوصف نحو: الكمرى. قال الراجز:
قد أرسلتفي عيرها الكمرى
وقالوا: إنه حنفي العنق.
ويكون على فعلنى، وهو قليل. قالوا: العرضنى، وهو اسم.
ويكون على فعلى، وهو قليل. قالوا: عرضى، وهو اسم وعلى فعلى وهو قليل، قالوا: دفقى، وهو اسم.
ويكون على فعنلى وهو قليل. قالوا جلندى، وهو اسم.
ويكون على فيعلى، وهو قليل، قالوا: الخيزلى، وهو اسم.
ويكون على فوعلى، وهو اسم، قالوا: الخوزلى. وعلى فعنلى قالوا: بلنصى اسم طائر.
ولا نعلم في الكلام فعلى ولا فعلى، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكن على فعلى، قالوا: حذرى، ونذرى، وهو اسم. وقد بينا ما لحقته الألف رابعةً ببنائه مما جاء فيهما، وفيما الهمزة أوله مزيدةٌ، وفيما لحقته الألف ثالثة.
ويكون على فيعلان في الاسم والصفة، فالاسم نحو: الضيمران، والأيهقان، والريبذان، وحيسمان، والخيزران، والهيردان. والصفة نحو قولهم: كيذبانٌ، وهيثمانٌ.
ويكون على فيعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم: قيقبانٌ، وسيسبانٌ. والصفة: الهيبان، والتيجان. ولا نعلم في الكلام فيعلان في غير المعتل. وقد بين مجيئها خامسةً فيما الهمزة أوله مزيدةٌ ببنائه.
ويكون على فعليانٍ فيهما. فالاسم نحو: الصليان، والبليان. والصفة نحو: العنظيان، والخريان.
ويكون على فعلوانٍ في الاسم نحو: العنظوان، والعنفوان. ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الكلام فعلوان.
ويكون على فعلانٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: الحومان. والصفة نحو: عمدانٍ، والجلبان.
ويكون على فعلانٍ في الاسم نحو: فركانٍ، وعرفانٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على مفعلان، نحو: مكرمان، وملأمان، وملكعاز، معارف، ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلياء في الاسم والصفة، وهو قليل. فالاسم نحو: كبرياء وسيمياء. والصفة نحو: جربياء.
ويكون على فعولاء في الاسم، وهو قليل، نحو: دبوقاء، وبروكاء، وجلولاء. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعولى. قالوا: عشورى، وهو اسم. ولا نعلم في الكلام فعلياً ولا فعلولى؛ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره؛ ولا فعيلى.
ويكون على فعلعالٍ فيهما. فالاسم نحو: الحلبلاب. والصفة نحو: السرطراط.
ويكون على فعنلالٍ، وهو قليل. قالوا: الفرنداد، وهو اسم.
وقد بينا ما لحقته خامسةً لغير التأنيث فيما مضى بتمثيل بنائه.
ويكون على فعيلاء وهو قليل. قالوا: عجيساء، وهو اسم، وقريثاء وهو اسم.
ويكون على فعلانٍ، وهو قليلٌ جداً. قالوا: قمحانٌ، وهو اسم. ولم يجىء صفة.
وجاء على فعلى، وهو قليل. قالوا: السمهى، وهو اسم، والبدري وهو اسم، ولا نعلمه وصفاً.
ويكون على فوعلانٍ وهو قليل، قالوا: حوتنان، وحوفزانٌ، وهو اسم. ولم يجىء صفة.
ويكون على مفعلاء، قالوا: مرعزاء، وهو قليل.
ويكون على فعلانٍ، قالوا: تئفانٌ وهو اسم، ولم يجىء صفة.


تلحق سادسة للتأنيث فيكون الحرف على فعيلى في المصادر من الأسماء نحو: هجيرى، وقتيتى وهي النميمة، وحثيثى من الاحتثاث. ولا نعلمه جاء وصفاً ولا اسماً في غير المصدر.
ويكون على مفعولاء في الاسم والصفة. فالاسم نحو: معيوراء. والصفة نحو: المعلوجاء، والمشيوخاء.
ويكون على فعيلى في الاسم نحو: لغيزى، وبقيرى، وخليطى. ولا نعلمه جاء وصفاً.
وقد بينا ما لحقته سادسة للتأنيث ببنائه فيما مضى من الفصول، ولغير التأنيث.
وأقصى ما تلحق للتأنيث سابعة في معيوراء وعاشوراء. وأقصى ما تلحق لغير التأنيث سادسةً نحو الألف السادسة في معيوراء واشهيبابٍ. وسنذكر الاشهيباب ونحوه في موضعه إن شاء الله.
ويكون على يفعلى، وهو قليل. قالوا: يهيرى، وهو الباطل، وهو اسم.
ويكون على فعليا، وهو قليل. قالوا: المرحيا، وهو اسم، وبرديا وهو اسم، وقلهيا وهو اسم أيضاً.
ويكون على فعلوتى، وهو قليل؛ قالوا: رغبوتى ورهبوتى وهما اسمان.
ويكون على مفعلى وهو قليل، قالوا: مكورى وهو صفة.
ويكون على مفعلى نحو: مرعزى، وهو اسم.
وأما الياء فتلحق أولاً فيكون الحرف على يفعلٍ في الأسماء نحو اليرمع، واليعمل، واليلمق ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الأسماء والصفة على يفعلٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على يفعولٍ في الاسم والصفة. فالأسماء نحو: يربوع، ويعقوب، ويعسوب. والصفة نحو: اليحموم، واليخضور، واليرقوع.
ويكون على يفعيلٍ في الأسماء نحو: يقطينٍ، ويعضيدٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
وليس في الكلام يفعالٌ ولا يفعولٌ. فأما قول العرب في اليسروع يسروعٌ، فإنما ضموا الياء لضمة الراء، كما قيل أستضعف لضمة التاء، وأشباه ذلك من هذا النحو. ومن ذلك قول ناسٍ كثير في يعفر: يعفر. ويقوى هذا أنه ليس في الكلام يفعل ولا يفعول.
ويكون على يفنعلٍ، وهو قليل، قالوا: يلنددٌ، وهو صفة، ويلنججٌ وهو اسم. وقد بين ما لحقته أولاً ببنائه.
وتلحق ثانية فيكون الحرف على فيعلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: زينبٍ، وخيعلٍ، وغيلمٍ، وجيألٍ. والصفة نحو: الضيغم، والصيرف، والخيفق. والخيفق: السريعة، من خفقان الريح. والجيأل: الضبع. وعيلم. ولا نعلم في الكلام فيعل ولا فيعل في غير المعتل. وقد بينا لحاقها ثانية فيما لحقته الألف رابعة وخامسة وغيره، فيما مضى بتمثيل بنائه.
ويكون على فيعولٍ في الاسم والصفة، فالاسم نحو: قيصومٍ، والخيشوم والحيزوم. والصفة نحو: عيثومٍ، وقيومٍ، وديمومٍ. قال الشاعر:
قد عرصت دويةٌ ديموم
وقال علقمة بن عبدة:
يهدي بها أكلف الخدين مختبرٌ ... من الجمال كثير اللحم عيثوم
ويكون على فيعلٍ في الصفة، قالوا: حيفسٌ، وصيهمٌ ولا نعلمه جاء اسماً.
وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعيل في الاسم والصفة. فالاسم: بعيرٌ، وقضيبٌ. والصفة: سعيدٌ، وشديدٌ، وظريفٌ، وعريفٌ.
ويكون على فعيلٍ، فالاسم نحو عثيرٍ، وحمير، وحثيلٍ، وقد جاء صفةً قالوا: رجلٌ طريمٌ، أي طويل، ولا نعلم في الكلام فعيل اسماً ولا صفة، ولا فعيل، ولا فعيل، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على فعيللٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حفيللٍ. والصفة نحو: خفيددٍ، وهو قليل.
ويكون على فعيلٍ في الوصف، وذلك نحو: هبيخ، والهبيغ. ولا نعلمه جاء اسماً، ولا نعلم في الكلام فعيل ولا فعيلل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على فعيعل، نحو: خفيفدٍ، وهو صفة.
ويكون على فعيول فيهما وهو قليل. فالاسم نحو: كديون، وذهيوطٍ. والصفة نحو: عذيوط.
وقد بينا لحاقها ثالثة فيما مضى من الفصول بتمثيل بناء ما هي فيه.
ويكون على فعيلٍ نحو عليبٍ، وهو اسم واد.
وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعليةٍ. فالأسماء نحو: حذريةٍ وهبريةٍ. والصفة نحو: الزبنية والعفرية، والهاء لازمة لفعلية فيهما كما لزمت فعالية.
وليس في الكلام فعلى، ولا فعلى، ولا فعلى إلا بالهاء.
ويكون على فعيلٍ فيهما. فالاسم نحو: السكين والبطيخ. والصفة نحو: الشريب والفسيق. ولا يكون في الكلام فعيلٌ. ويكون على فعيل وهو قليل في الكلام، قالوا المريق حدثنا أبو الخطاب عن العرب.
وقالوا: كوكبٌ دريءٌ، وهو صفة.


ويكون على فعيلٍ فيهما. فالاسم: العليق، والقبيط، والدميص. والصفة: الزميل، والسكيت، والسريط. وليس في الكلام فعيل.
ويكون على مفعيل. فالاسم نحو: منديل، ومشريقٍ. والصفة: منطيقٌ ومسكينٌ، ومحضيرٍ. ولا نعلم في الكلام مفعيل، ولا مفعيلٌ، ولا مفعيل.
ويكون على فعليلٍ فيهما. فالاسم: حلتيت، وخنزيرٌ، وخنذيذٌ. والصفة: صهميمٌ، وصنديدٌ، وشمليلٌ. وليس في الكلام فعليلٌ ولا فعليلٌ.
ويكون على فعليتٍ نحو: عفريت وهو صفة وعزويت وهو اسم. وليس في الكلام فعليت، ولا فعليت، ولا فعليل، ولا شيء من هذا النحو لم نذكره.
وقد بينا ما لحقته رابعة فيما مضى من الفصول بتمثيل بنائه.
ويكون على فعلينٍ، وهو قليل، قالوا: غسلينٌ، وهو اسم.
ويكون على فعليلٍ نحو: حمصيص. وقد جاء صفةً: صمكيكٌ.
وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعلنية، نحو: بلهنية، وهو اسم. والهاء لازمة كلزومها فعليةً.
ويكون على فعنليةٍ وهو قليل، قالوا: قلنسيةٌ، وهو اسم، والهاء لا تفارقه.
ويكون على فعفعيل، قالوا: مرمريسٌ. وقد بينا لحاقها خامصة فيما مضى بتمثيل بناء ما لحقته.
ويكون على فنعليل، وهو قليل، قالوا: خنفقيقٌ، وهو صفة، وخنشليل.
وأما النون فتلحق ثانية فيكون الحرف على فنعل في الأسماء، وذلك: قنبرٌ وعنطب، وعنصل. ولا نعلمه صفة.
ويكون على فنعلٍ وهو قليل، قالوا: جندبٌ، وهو اسم.
ويكون على فنعلٍ، قالوا: عنسل، وعنبس، وهما صفة.
ويكون على فنعلوٍ في الصفة، قالوا: حنظأوٌ، وكندأوٌ، وسندأوٌ، وقندأوٌ. والكندأو: الجمل الغليظ الشديد. ولا نعلمه جاء اسماً وتلحق رابعة فيكون على فعلن في الصفة، قالوا: رعشنٌ، وضيفنٌ، وعلجنٌ. ولا نعلمه جاء اسماً.
ويكون على فعلنٍ وهو قليل، قالوا: فرسنٌ. وليس في الكلام فعلنٌ، ولا فعلنٌ، ولا شيء من هذا النحو لم نذكره.
وقد بينا ما لحقته رابعة فيما مضى من الفصول بتمثيل بنائه.
وتلحق ثالثة فيكون الحرف على فعنعلٍ في الاسم، نحو: عقنقل وعصنصرٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعنللٍ في الصفة نحو: ضفنددٍ وعفنججٍ. ولا نعلم فعنللٍ اسماً.
ويكون على فعنلٍ، وهو قليل. قالوا: عرندٌ للشديد، وهو صفة.
ويكون على فعنلةٍ، قالوا: جرنبةٌ، وهو اسم.
وأما التاء فتلحق أولاً فيكون الحرف على تفعلٍ في الأسماء، نحو: تنضبٍ وتتفلٍ، والتضرة والتسرة.
ويكون على تفعلٍ في الأسماء، نحو: تدرإ، وترتبٍ، وتتفل، وقال بعضهم: أمرٌ ترتبٌ فجعله وصفاً. وتحلبةٌ صفة.
ويكون على تفعلٍ، وهو قليل، قالوا تتفلٌ، وهو اسم. وقالوا: التقدمة، اسم. وقالوا: التحلبة وهي صفة.
ويكون على تفعلٍ، وهو قليل، قالوا: تحلىءٌ وهو اسم. وقالوا: التقدمة اسم، وقالوا: التحلبة وهي صفة.
ويكون على تفعلةٍ، وهو قليل، قالوا: تتفلةٌ.
ويكون على تفعلوتٍ، وهو قليل، قالوا: ترنموتٌ، وهو اسم.
ويكون على تفعيلٍ في الأسماء، نحو التمتين والتنبيت، ولا نعلمه جاء وصفاً ولكنه يكون صفةً على تفعيلةٍ، وهو قليلٌ في الكلام، قالوا ترعيةٌ، وقد كسر بعضهم التاء كما ضموا الياء في يسروعٍ. وهو وصف لا يجيء بغير الهاء.
ويكون على تفعولٍ في الاسم نحو: تعضوضٍ، والتخموت والتذنوب. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على تفعلةٍ نحو: تدورة، وتنهيةٍ، وتوديةٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على تفعولٍ وهو قليل، قالوا: تؤثورٌ، وهو اسم.
ويكون على تفعلةٍ، وهو قليل قالوا: تحلبةٌ وهي الغزيرة التي تحلب ولم تلد، وهي صفة.
ويكون على تفعلة، قالوا تحلبةٌ، وهي صفة.
ويكون على التفعل وهو قليل، قالوا: التهبط، وهو اسم.
ويكون على التفعل، وهو قليل، قالوا: تبشرٌ، وهو اسم. وقالوا التفعل في الأسماء غير المصادر وهو قليل قالوا: التنوط؛ وهو اسم وتلحق رابعة فيكون على فعلتة؛ قالوا: سنبتة، وهو اسم.
وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعلوتٍ في الأسماء؛ قالوا: رغبوتٌ، ورهبوتٌ، وجبروتٌ، وملكوتٌ. وقد جاء وصفاً؛ قالوا: رجلٌ خلبوتٌ، وناقةٌ تربوتٌ، وهي الخيار الفارهة.
وقد بين لحاقها للتأنيث؛ وقد بين ما لحقته أولاً خامسةً فيما مضى؛ وسادسةً في ترنموتٍ وهو ترنم القوس. ولا نعلم في الكلام تفعل ولا تفعل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
وأما الميم فتلحق أولاً فيكون الحرف على مفعولٍ، نحو: مضروبٍ. ولا نعلمه جاء اسماً.


ويكون على مفعلٍ في الأسماء والصفات. فالأسماء نحو: المحلب، والمقتل. والصفة: نحو المشتى، والمولى، والمقنع.
ويكون على مفعلٍ فيهما، فالأسماء نحو: المنبر، ومرفق، والصفة نحو: مدعسٍ، ومطعن.
ويكون على مفعلٍ في الأسماء نحو: المجلس والمسجد. وهو في الصفة قليلٌ، قالوا: منكبٌ.
ويكون على مفعلٍ، نحو: مصحفٍ، ومخدعٍ، وموسىً. ولم يكثر هذا في كلامهم اسماً، وهو في الوصف كثير. والصفة قولهم: مكرمٌ، ومدخلٌ، ومعطىً.
ويكون على مفعلٍ نحو: منخلٍ، ومسعطٍ، ومدقٍّ، ومنصلٍ. ولا نعلمه صفة.
ويكون على مفعل بالهاء في الأسماء نحو: مزرعةٍ، والمشرقة، ومقبرةٍ. ولا نعلمه صفة. وليس في الكلام مفعل بغير الهاء، ولكن مفعل قالوا: منخرٌ وهو اسم. فأما منتنٌ ومغيرةٌ فإنما هما من أغار وأنتن، ولكن كسروا كما قالوا: أجوءك ولإمك. وليس في الكلام مفعل ولا شيء من هذا النحو لم نذكره.
وقد بينا ما لحقته الميم أولاً فيما مضى من الفصلو بتمثيل بنائه.
وقد جاء في الكلام مفعولٌ وهو غريب شاذٌ، كأنهم جعلوا الميم بمنزلة الهمزة إذا كانت أولاً فقالوا مفعولٌ كما قالوا أفعولٌ، فكأنهم جمعوا بينهما في هذا كما جاء مفعالٌ على مثال إفعالٍ، ومفعيلٌ على مثال إفعيلٍ. ولم نجعله بمنزلة يسروعٍ لأنه لم يلزمه إلا الضم ولم يتغير تغيره، وذلك قولهم: معلوقٌ للمعلاق.
ويكون على مفعلٍّ وهو قليل، قالوا مرعزٌّ.
وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعلم، قالوا: زرقمٌ وستهمٌ، للأزرق والأستة، وهو صفة.
ويكون على فعلمٍ، نحو: دلقم ودقعمٍ، للدلقاء والدقعاء، ودردمٍ للدرداء، وهي صفات.
ويكون على فعاملٍ وهو قليل، قالوا: الدلامص.
وأما الواو فتلحق ثانية فيكون الحرف على فوعلٍ فيهما، فالاسم نحو: كوكبٍ، وعوسجٍ. والصفة نحو: حوملٍ، وهوزبٍ. وليس في الكلام فوعل ولا فوعل، ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره. وقد بينا ما لحقته ثانية فيما مضى بتمثيل بنائه.
ويكون على فوعللٍ وهو قليل؛ قالوا: كوأللٌ، وهو صفة.
وتلحق ثالثة فيكون الاسم على فعولٍ نحو: عتودٍ، وخروفٍ. والصفة نحو: صدوق.
ويكون على فعلوٍ فالاسم نحو: جدولٍ، وجرولٍ. والصفة: جهورٌ، وحشورٌ.
ويكون على فعولٍ. فالاسم نحو: خروعٍ وعلودٍ، ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعولٍّ. فالصفة: عثولٌّ وعلودٌّ والقشوف، وقد جاء اسماً نحو: العسود.
ويكون على فعولٍ نحو: عطودٍ، وكروسٍ، صفتان. ولا نعلم في الكلام فعول ولا فعولٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره لك.
ويكون على فعولٍ، وهو قليلٌ في الكلام إلا أن يكون مصدراً أو يكسر عليه الواحد للجمع، قالوا: أتى وهو اسم، والسدوس وهو اسم.
وقد بينا لحاقها ثالثة بتمثيل بنائه.
ويكون على فعوعلٍ في الصفة نحو، عثوثلٍ، وقطوطى، وغدودن. ولا نعلمه جاء اسماً.
ويكون على فعوللٍ، وهو قليل، قالوا: حبونن: اسم، وجعلها بعضهم حبونن فعولل، وهو مثله في القلة والزنة.
وتلحق رابعة فيكون الحرف على فعلوة في الأسماء، نحو: ترقوةٍ وعرقوةٍ، وقرنوةٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلوةٍ في الاسم، نحو: الحنذوة، والعنصوة.
ويكون على فعلوة نحو: حنذوةٍ، وهو اسم وهو قليل، والهاء لا تفارقه كما أن الهاء لا تفارق حذريةً وأخواتها.
ويكون على فعولٍ: فالاسم: عجولٌ، وسنور، والقلوب. والصفة: خنوص، وسروط.
ويكون فعولٍ فيهما. فالاسم: سفودٌ، وكلوبٌ. والصفة: سبوحٌ، وقدوسٌ.
ويكون على فعول. قالوا: سبوحٌ وقدوسٌ، وهما صفة.
وقد بينا لحافها رابعة فيما مضى بتمثيل بنائه.
وليس في الكلام فعول ولا شيءٌ من النحو لم نذكره.
ويكون على فعولٍ فيها فالاسم نحو: طخرور، والهذلول، والشؤبوب والصفة نحو: بهلولٍ، وحلكوك، وحلبوبٍ.
ويكون على فعلولٍ فيهما فالاسم نحو: البلصوص والبعكوك. والصفة نحو: الحلكوك. وليس في الكلام فعلولٌ ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره.
وتلحق خامسة فيكون الحرف على فعنلوةٍ. قالوا: قلنسوةٌ، وهو اسم. والهاء لازمة كلزومها واو ترقوةٍ.
وقد بينا ما لحقته خامسةً فيما مضى بتمثيل بنائه.
هذا باب
الزيادة من غير موضع حروف الزوائد
اعلم أن الزيادة من موضعها لا يكون معها إلا مثلها. فإذا كانت الزيادة من موضعها ألزم التضعيف. فهكذا وجه الزيادة من موضعها.


فإذا زدت من موضع العين كان الحرف على فعلٍ في الاسم والصفة. فالإسم نحو: السلم، والحمر، والعلف. والصفة نحو: الزمج، والزمل، والجبأ.
ويكون على فعل فيهما. فالاسم نحو: القنب، والقلف، والإمر. والصفة نحو: الذنب، والإمعة، واليهخ. وبعض العرب يقول: دنبة.
ويكون على فعل فالاسم نحو، حمصٍ وجلقٍ، وحلزٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً. ولا نعلم في الكلام في الأسماء فعلٌ ولا فعلٌ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. وليس في الكلام فعل.
وقد جاء فعل وهو قليل. قالوا: تبعٌ.
وقد بينا ما ضوعفت فيه العين فيما مضى من الفصول أيضاً بتمثيل بنائه.
فإذا زدت من موضع اللام فإن الحرف يكون على فعللٍ في الاسم وذلك نحو: قرددٍ ومهددٍ. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على فعلل في الاسم والصفة. فالاسم: سردد، ودعببٌ وشريبٌ. والصفة: قعددٌ، ودخللٌ.
ويكون على فعللٍ فيهما. فالاسم نحو: عنددٌ، وسرددٌ، وعنببٍ. والصفة: قعددٌ، ودخللٌ.
ويكون على فعللٍ وهو قليل، قالوا: رمادٌ رمددٌ، وهو صفة.
وإنما قلت هذه الأشياء في هذا الفصل كراهية التضعيف.
وليس في الكلام فعلل ولا شيء من هذا النحو لم نذكره ولا فعلل.
ويكون على فعلٍّ وهو قليل، قالوا: شربة، وهو اسم، والهبي وهو صفة، ومعدٌّ وهو اسم. ومثله: الجربة.
ويكون على فعل فيهما فالاسم. نحو: جدبٍّ ومجنٍِّ. والصفة نحو: خدبٍ وهجفٍ، وهقبٍ. ولا نعلم في الكلام فعلٌّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على فعلٍّ فيهما. فالاسم: جبنٌّ، والفلج، والدجن، ويقال: الناس فلجان أي صنفان من داخل ومن خارج، والقطن. والصفة: القمد، والصمل والعتل. ولا نعلم في الكلام فعلٌّ ولا فعلّ!ٌ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على فعل. فالأسماء نحو: الحبر والفلز. والصفة نحو: الطمر والهبر، والخبق.
وليس في الكلام فعلٌّ ولا شيء من هذا النحو لم نذكره لك.
وقد بينا ما ضوعفت فيه اللام فيما مضى بتمثيل بنائه.
ويكون على فعلٍّ وهو قليل. قالوا: تثفةٌ، وهو اسم.
ويكون على فعلةٍ وهو قليل قالوا: درجةٌ وهو اسم. وجاء على فعلةٍ وهو قليل. قالوا: تلنةٌ وهو اسم.
باب الزيادة من موضع العين واللام
إذا ضوعفتا فيكون الحرف على فعلعل فيهما. فالاسم نحجو: حبربرٍ وحورور، وتبربرٍ. والصفة نحو: صممحح، ودمكمكٍ، وبرهرهةٍ.
ويكون على فعلعل فالاسم نحو: ذرحرحٍ، وجلعلع، ولا نعلمه جاء وصفاً.
وليس في الكلام فعلعلٌ ولا فعلعلٌ، ولا شيءٌ من هذا النحو لم نذكره لك.
وقد بينا ما ضوعفت فيه العين واللام فيما لحقته الألف خامسة نحو حلبلابٍ بتمثيل بنائه.
ولا نعلم أنه جاء في الأسماء والصفات من بنات الثلاثة مزيدةً وغير مزيدة سوى ما ذكرنا.
باب لحاق الزيادة
بنات الثلاثة من الفعل فأما ما لا زيادة فيه فقد كتب فعل منه ويفعل منه، وقيس وبين.
فأما الهمزة فتلحق أولاً ويكون الحرف على أفعل، ويكون يفعل منه يفعل. وعلى هذا المثال يجيء كل أفعل. فهذا الذي على أربعة أبداً يجري على مثال يفعل في الأفعال كلها، مزيدةً وغير مزيدة. وذلك نحو: تخرج، وتخرج، وأخرج، ونخرج.
فأما فعل منه فأفعل، وذلك نحو: أخرج.
وأما يفعل وتفعل فيهما فبمنزلته من فعل، وذلك نحو يخرج وتخرج. وزعم الخليل أنه كان القياس أن تثبت الهمزة في يفعل ويفعل وأخواتهما كما ثبتت التاء في تفعلت وتفاعلت في كل حال، ولكنهم حذفوا الهمزة في باب أفعل من هذا الموضع فاطرد الحذف فيه؛ لأن الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك. وكثر هذا في كلامهم فحذفوه واجتمعوا على حذفه، كما اجتمعوا على حذف كل وترى.
وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذي من نفس الحرف، لأنه زيادةٌ لحقته زيادةٌ، فاجتمع فيه الزيادة وأنه يستثقل، وأن له عوضاً إذا ذهب. وقد جاء في الشعر حيث اضطر الشاعر، وقال الراجز، وهو خطامٌ المجاشعي:
وصالياتٍ ككما يؤثفين
وإنما هي من أثفيت. وقالت ليلى الأخيلية:
كرات غلامٍ من كساءٍ مؤرنب
ومؤرنب: متخذ من جلود الأرانب.
وأما الاسم فيكون على مثال أفعل إذا كان هو الفاعل، إلا أن موضع الألف ميمٌ. وإن كان مفعولاً فهو على مثال يفعل. فأما مثال مضروبٍ فإنه لا يكون إلا لما لا زيادة فيه من بنات الثلاثة.


ولا تلحق الهمزة زائدةً غير موصولة في شيء من الفعل إلا في أفعل.
وتلحق الألف ثانية فيكون الحرف على فاعل إذا قلت فعل، وعلى يفاعل في يفعل. فإذا قلت يفعل جاء على مثال يفاعل. وكذلك تفعل ونفعل وأفعل. وذلك قولك قاتل يقاتل ويقاتل، فأجري مجرى أفعل لو لم يحذف.
ويكون فعل على مثال أفعل؛ لأنك لا تريد بفعل شيئاً لم يكن في فعل ويكون الاسم منه في الفاعل والمفعول بمنزلة الاسم من أفعل لو تم، لأن عدته كعدته، وسكونه كسكونه، وتحركه كتحركه، إلا أنهما اختلفا في موضع الزيادة. وذلك قولك: قوتل ومقاتلٌ للفاعل، ومقاتلٌ للمفعول.
واعلم أنه ليس اسمٌ من الأفعال الت لحقتها الزوائد يكون أبداً إلا صفة، إلا ما كان من مفعلٍ فإنه جاء اسماً في مخدعٍ ونحوه.
وليس تلحق الألف ثانية في الأفعال إلا في فاعل. وتلحق العين الزيادة من موضعها فيكون الحرف علىفعل، فيجري في جميع الوجوه التي صرف فيها فاعل مجراه، إلا أن الثاني من فاعل ألفٌ والثاني من هذا في موضع العين، وذلك قولك: جرب يجرب. وإذا قلت يفعل قلت يجرب.
وكذلك تفعل ونفعل وأفعل. ويجئن كلهن على مثال يفعل كما يجيء تفعل ونفعل وأفعل في كل فعل على مثال يفعل، يعنى في ضمة الياء. فكما استقام ذلك في كل فعلٍ كذلك استقام هذا؛ لأن المعنى الذي في يفعل هو في الثلاثة، والمعنى الذي في يفعل هو الذي في الثلاثة، إلا أن الزوائد تختلف ليعلم ما تعني.
وهذه الثلاثة شبهت بالفعل من بنات الأربعة التي لا زيادة فيها نحو دحرج لأن عدتها كعدتها، ولأنها في السكون والحركة مثلها، فلذلك ضممت الزوائد في يفعل وأخوانه، وجئت بالاسم على مثال الاسم من دحرج، لما وافقه فيما ذكرت لك ألحقته به في الضم.
وتلحق التاء فاعل أولاً فيكون على تفاعل يتفاعل، ويكون يفعل منه على ذلك المثال، إلا أنك تضم الياء. ويكون فعل منه على تفوعل. وذلك قولك: تغافل يتغافل وتغوفل. فأما الاسم فعلى متفاعلٍ للفاعل، وعلى متفاعلٍ للمفعول.
وليس بين الفاعل والمفعول في جميع الأفعال التي لحقتها الزوائد إلا الكسرة التي قبل آخر حرف والفتحة، وليس اسم منها إلا والميم لاحقته أولاً مضمومة، فلما قلت مقاتلٌ ومقاتلٌ فجرى على مثال يقاتل ويقاتل، كذلك جاء على مثال يتغافل ويتغافل، إلا أنك ضممت الميم وفتحت العين في يتغافل، لأنهم لم يخافوا التباس يتغافل بها. فالأسماء من الأفعال المزيدة على يفعل ويفعل.
وتلحق التاء أولاً فعل فيجري في جميع ما صرفت فيه تفاعل مجراه، إلا أن ثالث ذلك ألف وثالث هذا من وضع العين، فاتفقا في لحاق التاء كما اتفقا قبل أن تلحق.
وليس تلحق أولاً والثالثة زائدة إلا في تفاعل وتفعل نحو: تكلم. ولم تضم زوائد تفعل وأخواتها في هذا لأنها تجيء على مثال تدحرج في العدة والحركة والسكون، وخرجت من مثال دحرج، وجرت مجرى انفعلت؛ لأن معناها ذلك المعنى، ودخلت التاء فيها كما دخلت النون في انفعلت.
باب ما تسكن أوائله من الأفعال المزيدة
أما النون فتلحق أولاً ساكنة فتلزمها ألف الوصل في الابتداء، فيكون الحرف على انفعل ينفعل، ويكون يفعل منه على ينفعل، وفعل على أنفعل، ويكون الفاعل منه على منفعلٍ ومفعوله على منفعلٍ، إلا أن الميم مضمومة. وقد أجملت هذا في قولي في الأسماء من الأفعال المزيدة تجيء على مثال يفعل فيها ويفعل.
ولا تلحق النون أولاً إلا في انفعل وتلحق التاء ثانية ويسكن أول الحرف فتلزمها ألف الوصل في الابتداء، وتكون على افتعل يفتعل في جميع ما صرفت فيه انفعل. ولا تلحق التاء ثانية والذي قبلها من نفس الحرف إلا في افتعل.
وتلحق السين أولاً والتاء بعدها ثم تسكن السين فتلزمها ألف الوصل في الابتداء، ويكون الحرف على استفعل يستفعل، ويكون يفعل منه على يستفعل.
وجميع هذه الأفعال المزيدة ليس بين يفعل منها ويفعل بعد ضمة أولها وفتحته إلا كسرة الحرف الذي قبل آخر حرف وفتحته، إلا ما كان على يتفاعل ويتفعل وما جاء من هذا المثال نحو يتدحرج وما ألحق به نحو يتحوقل فإنه لما كان مفتوحاً في يفعل ترك في يفعل، كما تفعل ذلك في غير المزيد، نحو قولك: يسمع ويسمع. وذلك قولك: استخرج ويستخرج ويستخرج.
وبكون فعل منه على استفعل.
وفعل من جميع هذه الأفعال التي لحقتها ألف الوصل على مثال فعل في الحركة والسكون إلا أن الثالث مضموم.


ولا تلحق السين أولاً في استفعل، ولا التاء ثانيةً وقبلها زائدةٌ إلا في هذا.
وتلحق الألف ثالثة وتلحق اللام الزيادة من موضعها ويسكن أول الحرف فيلزمها ألف الوصل في الابتداء ويكون الحرف على افعاللت، ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعلت، إلا أن الإدغام يدركه فيسكن أول اللامين. فأما تمامه فعلى استفعل، وإذا أردت فعل منه قلبت الألف واواً للضمة التي قبلها، كما فعل ذلك في فوعل. وذلك قولك: اشهاببت واشهوب في هذا المكان، فهو على مثال استفعل إلا أنه قد يغيره الإسكان عن مثال استخرج كما يتغير استفعل من المضاعف نحو استعد إذا أدركه السكون عن استخرج، ومثالهما في الأصل سواءٌ. ولا تضاعف اللام والألف ثالثة إلا في افعاللت.
وتلحق الزيادة من موضع اللام ويسكن أول الحرف فيلزمه ألف وصل في الابتداء، ويكون الحرف افعللت، فيجري مجرى افتعلت في جميع ما صرفت فيه افتعل، إلا أن الإدغام يدركه كما يدرك اشهاببت؛ وإلا فإن مثالهما في الأصل سواءٌ.
ولا تضاعف اللام وقبلها حرف متحرك إلا في هذا الموضع، وذلك: احمررت.
وتلحق الزيادة من موضع العين فيلزم التضعيف كما يلزم في اللام. وقد أعلمتك أن الزيادة من غير موضع حروف الزوائد لا تكون إلا معها، أي مع ما ضوعف. فهذا وجه موضع الزيادة من موضعها ليفصل بينها وبين حروف الزوائد.
ويفصل بين العينين بواوٍ ويسكن أول حرف فيلزمه ألف الوصل ويكون الحرف على افعوعلت، ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعلت، ولا يفصل بين العينين إلا في هذا الموضع، ولا يكون الفصل إلا بواو، وذلك، قولك: اغدودن ومغدودنٌ واحلولى يحلولى.
وتلحق الواو ثالثةً مضاعفة ويسكن أول حرف فتلحقه ألف الوصل في الابتداء، فيكون الحرف على افعولت، نحو: اعلوط واعلوطت، ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه.
وأما هرقت وهرحت فأبدلوا مكان الهمزة الهاء، كما تحذف استثقالاً لها، فلما جاء حرف أخف من الهمزة لم يحذف في شيء ولزم لزوم الألف في ضارب، وأجري مجرى ما ينبغي لألف أفعل أن تكون عليه في الأصل. وأما الذين قالوا: أهرقت فإنما جعلوها عوضاً من حذفهم العين وإسكانهم إياها كما جعلوا ياء أينقٍ وألف يمانٍ عوضاً.
وجعلوا الهاء العوض لأن الهاء تزاد.
ونظير هذا قولهم: أسطاع يسطيع، جعلوا العوض السين، لأنه فعلٌ، فلما كانت السين تزاد في الفعل زيدت في العوض لأنها من حروف الزوائد التي تزاد في الفعل، وجعلوا الهاء بمنزلتها لأنها تلحق الفعل في قولهم: ارمه وعه، ونحوهما.
باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة
وألحق ببنات الأربعة حتى صار يجري مجرى ما لا زيادة فيه
وصارت الزيادة بمنزلة ما هو من نفس الحرف
وذلك نحو: فعللت، ألحقوا الزيادة من موضع اللام وأجروها مجرى دحرجت. والدليل على ذلك أن المصدر كالمصدر من بنات الأربعة نحو: جلبت جلبيةً، وشمللت شمللة.
ومثل ذلك: فوعلت، نحو: حوقلت حوقلةً، وصومعت صومعةً.
ومثل ذلك: فيعلت، نحو: بيطرت بيطرةً، وهيمنمت هينمةً.
ومثل ذلك: فعولت نحو: جهورت، وهرولت هرولةً.
ومثل ذلك فعليته، نحو: سلقيته سلقاةً، وجعبيته جعباة، وقلسيته قلساةً.
ومثل ذلك: فعنلت، وهو في الكلام قليل، نحو قلنست قلنسةً. فهذه الأشياء بمنزلة دحرجت.
وقد تلحقها التاء في أوائلها كما لحقت في تدحرج، وذلك قولك: قلسيته فتقلسى، وجعبيته فتجعبى، وشيطنته فتشيطن تشيطناً، وترهوك ترهوكاً، كما قلت تدحرج تدحرجاً.
وقد جاء تمفعل وهو قليل، قالوا: تمسكن، وتمدرع.
وقد تلحق النون ثالثة من هذا ما كانت زيادته من موضع اللام وما كانت زيادة ياء آخرةً، ويسكن أول حرف فتلزمه ألف الوصل في الابتداء، ويكون الحرف على افعنللت وافعنليت، ويجري على مثال استفعلت في جميع ما صرفت فيه استفعل. فافعنلل نحو اقعنسس واعفنجج. وافعنليت نحو اسلنقيت واحرنبى. فكما لحقتا ببنات الأربعة وليس فيهما إلا زيادة واحدة كذلك زيد فيهما ما يزاد في بنات الأربعة، وذلك نحو: احرنجم واخرنطم.


ولم تزد هذه النون في هذه الأشياء إلا فيما كانت الزيادة فيه من موضع اللام، أو كانت الياء آخرةً زائدة؛ لأن النون ههنا تقع بين حرفين من نفس الحرف، كما تقع في احرنجم ونحوه، وإذا ألحقوها في البقية توالت زائدتان فخالفت احرنجم، ففرق بينهما لذلك.
فهذا جميع ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة، مزيدة أو غير مزيدة فقد بين أمثلة الأفعال كلها من بات الثلاثة مزيدةً أو غير مزيدة. فما جاوز هذه الأمثلة فليس من كلام العرب. ولبينت مصادرهن ومثلت، وبين ما يكون فيها وفي الأسماء والصفات، وما لا يكون إلا في كل واحد منهما دون صاحبه.
واعلم أن للهمزة والياء والتاء والنون خاصةً في الأفعال ليست الزوائد، وهن يلحقن أوائل في كل فعل مزيد وغير مزيد، إذا أن الفعل لم تضمه. وذلك قولك أفعل ويفعل ونفعل وتفعل. وقد بين شركة الزوائد وغير شركتها في الأسماء والأفعال من بنات الثلاثة فيما مضى، وسأكتب لك شيئاً حتى يتبين لك ما أعني، إن شاء الله.
تقول: فعلول نحو بهلولٍ، فالياء تشرك الواو في هذا الموضع والألف في حلتيتٍ وشملالٍ. ولا تلحق التاء رابعة ههنا ولا الميم. وتقول أفعلٌ نحو أفكلٍ. فالياء تلحق رابعةً والواو لا تلحق رابعةً أولاً أبداً. فهذا الذي عنيت في الشركة. فتفطن له فإنه يتبين في الفصول فيما أشرك بينه. فاعرفه في هذا الموضع بعدد الحروف، وما لم يشرك بينه فاعرفه بخروجه من ذلك الموضع. وإذا تعمدت ذلك في الفصول تبينت لك إن شاء الله.
باب تمثيل ما بنت العرب
من بنات الأربعة في الأسماء والصفات غير مزيدة
وما لحقها من بنات الثلاثة كما لحقها في الفعل
فالحرف من بنات الأربعة يكون على مثال فعللٍ، فيكون في الأسماء والصفات. فالأسماء نحو: جعفرٍ، وعنبر، وجندلٍ، والصفة: سلهبٌ، وخلجمٌ وشجعمٌ.
وما ألحقوا به من بنات الثلاثة، حوقلٌ، وزينبٌ، وجدولٌ، ومهدد، وعلقىً، ورعشنٌ، وسنبتةٌ، وعنسلٌ، وهذا النحو؛ لأنك لو صيرتهن فعلاً كن بمنزلة الأربعة. فهذا دليلٌ. ألا ترى أنك حيث قلت حوقلت وبيطرت وسلقيت، أجريتهن مجرى الأربعة.
ويكون على فعللٍ فيهما. فالأسماء نحو: الترنم، والبرثن، والحبرج. والصفة نحو: الجرشع، والصنتع، والكندر. وما لحقته من بنات الثلاثة نحو: دخلل وقعددٍ، لأنك لو جعلته فعلاً على ما فيه من الزيادة كان بمنزلة بنات الأربعة.
ويكون على مثال فعللٍ فيهما. فالأسماء: نحو الزبرج، والزئبر، والحفرد. والصفة: عنفصٌ، والدلقم، وخرملٌ، وزهلقٌ.
ويكون على فعللٍ فيهما، فالأسماء نحو: قلعمٍ، ودرهمٍ. والصفة: هجرعٌ، وهبلعٌ.
وما لحقته من بنات الثلاثة نحو العثير. والعلة فيه كالعلة فيما قبله.
ويكون على مثال فعلٍّ. فالأسماء نحو: الفطحل، والصقعل، والهدملة، والصفة: الهزبر، والسبطر، والقمطر.
وما لحقته من بنات الثلاثة و: الخدب: فليس في الكلام من بنات الأربعة على مثال فعللٍ ولا فعللٍ ولا شيءٍ من هذا النحو لم نذكره، ولا فعللٍ، إلا أن يكون محذوفاً من مثال فعاللٍ، لأنه ليس حرف في الكلام تتوالى فيه أربع متحرات؛ وذلك: علبطٌ، إنما حذفت الألف من علابطٍ. والدليل على ذلك أنه ليس شيء من هذا المثال إلا ومثال فعاللٍ جائزٌ فيه؛ تقول: عجالطٌ وعجلطٌ، وعكالطٌ، ودوادمٌ ودودمٌ.
وقالوا: عرتنٌ، وإنما حذفوا نون عرنتنٍ، كما حذفوا ألف علابطٍ. وكلتاهما يتكلم بها.
وقالوا: العرقصان، فإنما حذفوا من عرنقصانٍ، وكلتاهما يتكلم بها.
وقالوا: جندلٌ، فحذفوا ألف الجنادل، كما حذفوا ألف علابطٍ.
باب ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة
غير الفعل
اعلم أنه لا يلحقها شيءٌ من الزوائد أولاً إلا أسماء من أفعالهن، فإنها بمنزلة أفعلت تلحقها الميم أولاً.
وكل شيء من بنات الأربعة لحقته زيادة فكان على مثال الخمسة فهو ملحق بالخمسة نحو: سفرجلٍ، كما تلحق ببنات الأربعة بنات الثلاثة نحو حوقلٍ. فكذلك كل شيء من بنات الأربعة جاء على مثال سفرجل كما جعلت كل شيءٍ من بنات الثلاثة على مثال جعفرٍ ملحقاً بالأربعة، إلا ما جاء مما إن جعلته فعلاً خالف مصدره بنات الأربعة. ففاعلٌ نحو طابقٍ، وفعلٌ نحو سلم.


فأما بنات الأربعة فكل شيءٍ جاء منها على مثال سفرجلٍ فهو ملحق ببنات الخمسة؛ لأنك لو أكرهتها حتى تكون فعلاً لاتفق وإن كان لا يكون الفعل من بنات الخمسة، ولكنه تمثيل، كما مثلت في باب التحقير، إلا أن تلقحها ألف عذافرٍ وألف سرداحٍ، فإنما هذه كالياء بعد الكسرة، والواو بعد الضمة. وهما بمنزلة الألف، فكما لا تلحق بهن بنات الثلاثة ببنات الأربعة كذلك لا تلحق بهن بنات الأربعة ببنات الخمسة.
فالياء التي كالألف ياء قنديل، والواو واو وزنبور، كياء يبيع وواو يقول، لأنهما ساكنان وحركة ما قبلهما منهما. وهما في الثلاثة في سعيدٍ وعجوزٍ.
فالواو تلحق ثالثة فيكون الاسم على مثال فعوللٍ في الاسم والصفة فالأسماء نحو: حبوكرٍ، وفدوك، وصنوبر. والصفة نحو: السرومط، والعشوزن، والعرومط.
ونظيرها من بنات الثلاثة حبونن، كأنهم زادوا الواو على حبننٍ، كما زادوها على حبكر.
ولا نعلم في بنات الأربعة على مثلا فعوللٍ ولا فعوللٍ، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على مثال فعوللان، وهو قليل قالوا: عبوثرانٌ، وهو اسم.
ويكون على مثال: فعوللى. قالوا: حبوكرى، وهو اسم.
وتلحق رابعةً فيكون الحرف على مثال فعلول، وهو قليل في الكلام قالوا: كنهورٌ وهو صفة، وبلهورٌ وهو صفة.
ويكون على مثال فعلويل في الأسماء، وهو قليل؛ قالوا: قندويلٌ، وهندويلٌ. ولم يجىء صفة، ولا نعلم لهما نظيراً من بنات الثلاثة.
ويكون على مثال فعلولٍ في الاسم والصفة؛ فالاسم: عنقودٌ، وعصفورٌ، وزنبورٌ. والصفة: شنحوطٌ، وسرحوبٌ، وقرضوبٌ؛ ونظيرها من بنات الثلاثة: بهلولٌ. وهذا غير ملحق بباب سفرجل، لأنه ليس على مثال شيء من بنات الخمسة.
ويكون على مثال فعلول فيهما؛ فالاسم: قربوسٌ، وزرجونٌ، وقلمونٌ: والصفة نحو: قرقوسٍ، وحلكوكٌ، ألحق به من الثلاثة.
ويكون على مثال فعلولٍ في الاسم والصفة؛ فالاسم نحو: فردوس، وبرذونٍ، وحرذونٍ. والصفة نحو: علطوسٍن وقلطوسٍ: وما ألحق به من الثلاثة نحو عذيوط.
وكل شيء من بنات الأربعة على مثال فعلول فهو ملحق بجردحل من بنات الخمسة.
وتلحق خامسة فيكون الحرف على مثال فعلوةٍ في الأسماء، وذلك نحو: قمحدوةٍ، وهو قليلٌ في الكلام؛ ونظيره من بنات الثلاثة قلنسوةٌ، والهاء لازمةٌ لهذه الواو كما تلزم واو ترقوةٍ.
ويكون على مثال فيعلولٍ فيهما: فالأسماء نحو: خيتعمورٍ، والخيسفوج والصفة: عيسجورٌ، وعيضموزٌ، وعيطموسٌ.
ويكون على مثال فعللوتٍ في الاسم نحو: عنكبوتٍ وتخربوتٍ، لحقت الواو التاء كما لحقت في بنات الثلاثة في ملكوتٍ.
ويكون على مثال فعللولٍ، وهو قليل، قالوا: منجنونٌ، وهو اسم. وحندقوقٌ، وهو صفة.
ولا نعلم في بنات الأربعة فعليولاً ولا شيئاً من هذا النحو لم تذكره، ولكن فنعلولٌ وهو اسم، قالوا: منجنونٌ، وهو اسم.
وأما الياء فتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعيللٍ في الصفة نحو: سميدعٍ، والحفيبل، والعميثل. ولا نعلمه جاء إلا صفةً. وما ألحق به من بنات الثلاثة: الخفيدد، كأنهم أدخلوا الياء على خفددٍ، كما أدخلوا الياء على عمثلٍ، وهذا على مثال سفرجلٍ.
وقد فرغت من تفسير ما يلحق ببنات الخمسة مما لا يلحق.
ويكون على مثال فعيللانٍ، قالوا: عريقصانٌ، وعبيرانٌ. ولا نعلمه صفة، ولا نعلم في بنات الأربعة شيئاً على فعيللٍ، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
وقد تلحق رابعة فيكون الحرف على فعليلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: قنديلٍ، وبرطيل، وكنديرٍ. والصفة نحو شنظير، وحربيشٍ، وهمهيم. وما لحقته من بنات الثلاثة نحو: زحيل، وصهميمٍ، وخنذيذ وهو صفة.
ويكون على مثال فعليل، وهو قليل في الكلام. قالوا: غرنيق، وهو صفة. ولم يلحقه شيء من الثلاثة.
ولا نعلم في الكلام فعليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره وقد بين لحاقها ثانية فيما مضى بتمثيل بنائه، ولا نعلم شيئاً من هذه الزوائد لحقت بنات الأربعة أول سوى الميم التي في الأسماء من أفعالهن.
وتلحق خامسة فيكون الحرف على مثال فعلية، وذلك نحو: سلحفيةٍ، وسحفنيةٍ. وما لحقها من بنات الثلاثة: البلهنية وقلنسية. ولا نعلمه جاء وصفاً. والهاء لازمة كما لزمت واو قمحدوةٍ.
ويكون على مثال فنطيل في الاسم والصفة. فالاسم نحو: منجنيقٍ. والصفة نحو: عنتريس. وقد بينا لحاقها خامسة فيما مضى.


ويكون على مثال فعاليلٍن وهو قليل، قالوا: كنابيلٌ، وهو اسم ولا نعلم في الكلام فنعليل ولا فعاليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على مثال فعلليلٍ مضعفاً، قالوا: عرطليل، وهو صفة، وعفشليل وهو صفة. ومثله: جلفريزٌ، وغلفقيقٌ، وقفشليل، وقمطريرٌ، ولا نعلمه جاء اسماً.
وأما الألف فتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعالل في الاسم والصفة. فالاسم: برائل، والخجادب، وعتائد. والصفة: الفرافص، والعذافر. وما لحقه من الثلاثة نحو دواسرٍ. وقد بين لحاقها ثالثة نحو كنابيل.
ويكون على مثال فعاللى، وهو قليل: قالوا: جخادبى، وهو اسم. وقد مد بعضهم وهو قليل فقالوا: جخادباء.
ويكون على مثال فعالل وفعاليل فيهما؛ نحو: قراشب، وحبارج، وقناديد، وقناديل، وغرانيق.
وتلحق رابعة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعلال في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حملاق؛ وقنطار، وشنعاف. والصفة نحو: سرداحٍ، وشنعافٍ، وهلباج. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلال إلا المضاعف من بنات الأربعة الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين، وليس في حروفه زوائد، كما أنه ليس في مضاعف بنات الثلاثة نحو: رددت، زيادةٌ. ويكون في الاسم والصفة؛ فالاسم نحو الزلزال، والجثجاث، والجرجار، والرمرام، والدهداه. والصفة نح: الحثحاث، والحقحاق، والصلصال، والقسقاس.
ولم يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ ولكن ألحق بقنطارٍ، نحو: جلبابٍ، وجريال وجلواخٍ. ولا نعلم المضاعف جاء مكسور الأول إلا في المصدر نحو: الزلزال، والقلقال.
ويكون على فعلالاء وهو قليل، قالوا: برناساء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلالٍ نحو: قرطاسٍ، وقرناسٍ. ولا نعلمه جاء صفة. وما ألحق به من بنات الثلاثة الحبنطي ونحوه.
ويكون على مثال فعنلال، وهو قليل في الكلام نحو: الجحنبار وهو صفة، والجعنبار وهو صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة الفرنداد.
ويكون على مثال فعلالٍ في الاسم والصفة. فالاسم الجنبار والسنمار. والصفة: الطرماح والشقراق، والشنفار. وما زيد فيه الألف من بنات الثلاثة فألحق بهذا البناء نحو: جلبابٍ، لأن التضعيف قبل الألف وآخر الحروف، كما أن التضعيف في طرماحٍ كذلك، فألحقوا هذا بطرماحٍ إذ كان أصله الثلاثة وكان مضعفاً، كما ألحقوا الفرنداد. لأنك لو لم تلحق الألف كان مثالهما واحداً، وكان أصلهما من الثلاثة، كأنك قلت: جلببٌ وفرنددٌ. ويكون على مثال فعللاء في الأسماء نحو: برنساء، وعقرباء، وحرملاء. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على مثال فعللاء، وهو قليل، قالوا: القرفصاء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللاء وهو قليل، قالوا: طرمساء وجلحطاء وهما صفتان.
وما لحقه من الثلاثة: جربياء. ولا نعلم مثال فعللاء ولا فعللالٍ ولا فعليلال ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكنه قد جاء على مثال فعللاء، هندباء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللانٍ في الاسم والصفة، نحو: عقربانٍ، وقردمانٍ، وعرقصانٍ. والصفة نحو: العردمان، والدحسمان، ورقرقان.
ويكون على مثال فعللانٍ، وهو قليل في الكلام، قالوا: الحنذمان وهو اسم، وحدرجانٌ، وهو صفة.
ويكون على مثال فعللانٍ وهو قليل، قالوا: شعشعانٌ وهو صفة. والاسم: زعفرانٌ.
وتلحق خامسة للتأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى في الأسماء، وذلك نحو: جحجبى، وقرقرى، والقهقهرى، وفرتنى. ولا نعلمه جاء صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة: الخيزلى ونحوه.
ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهندىب، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهربذى، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلى وهو قليل. قالوا: السبطرى وهو اسم، والضبغطى، وهو اسم.
ويكون على فعلى وهو قليل، قالوا: الصنفى، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلى وهو قليل، قالوا: الصفقى وهو اسم، والدفقى وهو صفة.
وقد بينا ما لحقته الألف سادسة للتأنيث نحو: برنساء فيما مضى بتمثيل بنائه، وسابعة نحو برناساء. ولا نعلم في الكلام فعللاء ولافعللاء والألف للتأنيث أو لغير التأنيث، أو شيئاً من هذا النحو لم نذكره فيما لحقته الألف خامسة.
وأما النون فتلحق ثانيةً فيكون الحرف على مثال فنعلٍّ في الاسم والصفة وهو قليل. فاصفة: كنتألٌ، وقنفخرٌ. والاسم: خنثعبةٌ.
ويكون على مثال فنعللٍ وهو قليل، قالوا: كنهبلٌ، وهو اسم.


وتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعنللٍ في الصفة نحو: حزنبلٍ، وعبنقسٍ، وفلنقسٍ. وقد جاء في جحنفلٍ اسماً، ولا نعلمه جاء إلا وصفاً.
ويكون على مثال فعنللٍ في الاسم وهو قليل، قالوا: عرنتنٌ، وقرنفلٌ. وقد بينا ما لحقته ثالثة فيما مضى بتمثيل بنائه. ولا نعلم في الكلام فعنلل ولا فعنلل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
وما لحق من بنات الثلاثة بحزنبلٍ فنحو: عفنججٍ، وضفنددٍ. وحزنبلٌ هو الذي لحق من الأربعة ببنات الخمسة. وما لحق ببنات الخمسة مما فيه النون ثانية: قنفخرٌ، ألحق بجردحل.
بابٌ لحاق التضعيف فيه لازم
كما ذركت لك في بنات الثلاثة فإذا ألحقت من موضع الحرف الثاني كان على مثال فعلٍّ في الصفة؛ وذلك العلكد، والهلقس، والشنغم. ولا نعلمه جاء إلا صفة.
ويكون على مثال فعللٍ في الاسم والصفة وهو قليل. قالوا: الهمقع وهو اسم، والزملق وهو صفة، ودملصٌ وهو صفة.
ويكون على مثال فعلٍّ في الصفة نحو: الشمخر، والضمخر، والدبخس. ولا نعلمه جاء اسماً. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الهمرش.
وتلحق من موضع الثالث فيكون الحرف على مثال فعللٍ في الاسم والصفة. فالاسم: الشفلح، والهمرجة، والغطمش. والصفة: العدبس، والعملس، والعجنس.
ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الصفرق والزمرد وهما اسمان.
وقد بينا ما لحقه التضعيف من موضع الثالث فيما مضى بتمثيل بنائه نحو طرماح. وما لحقه من الثلاثة من نحو عدبسٍ: زونكٌ، وعطودٌ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويلحق من موضع الرابع فيكون الحرف على مثال فعللٍ وذلك: سبهللٌ، وقفعدد. ولا نعلمه إلا وصفاً.
ويكون على مثال فعلل في الاسم والصفة فالاسم نحو: عربد. والصفة نحو: قرشب، والهرشف، والقهقب.
ويكون على مثال فعللٍّ في الصفة نحو، قسعبٍّ وقسحبٍّ، وطرطبٍّ. ولا نعلمه جاء اسماً.
ولا يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ؛ ولكنهم قد ألحقوا بهرشفٍّ نحو علودٍّ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍّ ولا فعللٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
باب تمثيل الفعل من بنات الأربعة
مزيداً أو غير مزيد
فإذا كان غير مزيدٍ فإنه لا يكون إلا على مثال فعلل؛ ويكون يفعل منه على مثال يفعلل، ويفعل على مثال يفعلل؛ والاسم منه على مثال يفعلل ويفعلل إلا أن موضع الياء ميمٌ. وذلك نحو: دحرج يدحرج ومدحرجٌ ومدحرجٌ.
وتدخل التاء على دحرج وما كان مثله من بنات الأربعة فيجري مجرى تفاعل وتفعل، فألحق هذا ببنات الثلاثة كما لحق فعل ببنات الأربعة. وذلك نحو: تدحرج لأنه في معنى الانفعال فأجري مجراه، ففتحت زوائده الهمزة والياء والتاء والنون.
وتلحق النون ثالثة ويسكن أول الحرف فيلزمه ألف الوصل في الابتداء، ويجري مجرى استفعل، وعلى مثاله في جميع ما صرف فيه، وذلك نحو: احرنجم. فهذه النون بمنزلة النون في انطلق. واحرنجم في الأربعة نظير انطلق في الثلاثة فيجري مجراه، كما جرى تدحرج مجرى تفعل.
وتلحق آخره الزيادة من موضع غير حروف الزوائد، فيلزم التضعيف، ويسكن أول حرف منه فيلزم ألف الوصل في الابتداء، ويكون على استفعل في جميع ما صرف فيه، وذلك نحو: اقشعررت، واطمأننت. فأجروه واحرنجم على هذا، كما أجروا فعل وفاعل وأفعل على دحرج.
ونظيره من الثلاثة: احمررت، فجرى عليه كما جرى فاعل وفعل على دحرج. واحمررت بمنزلة الانفعال. ألا ترى أنه لا يعمل في مفعول.
فهذا جميع أفعال بنات الأربعة مزيدة وغير مزيدة. وقد بينا المصدر مع مصادر بنات الثلاثة.
ولا نعلم أنه جاء شيءٌ من الأسماء والوصف مزيداً وغير مزيد إلا وقد ذكرناه، وبين شركة الزوائد وغير الشركة في الفصل، كما بين في بنات الثلاثة.
باب تمثيل ما بنت العرب
من الأسماء والصفات من بنات الخمسة


وليس لبنات الخمسة فعلٌ، كما أنها لا تكسر للجمع، لأنها بلغت أكثر الغاية مما ليس فيه زيادةٌ، فاستثقلوا أن تلزمهم الزوائد فيها، لأنها إذا كانت فعلاً فلابد من لزوم الزيادات، فاستثقلوا ذلك أن يكون لازماً لهم، إذ كان عدده أكثر عدد ما لا زيادة فيه، ودعاهم ذلك إلى أن لم يكثر في كلامهم مزيداً ولا غير مزيد، كثرة ما قبله، لأنه أقصى العدد.
وقد ألحق به من الثلاثة كما ألحقوا بالأربعة وهو قليل؛ لأن الخمسة أقل من الأربعة.
والحرف من بنات الخمسة غير ميد يكون على مثال فعلل في الاسم والصفة. فالاسم: سفرجلٌ، وفرزدقٌ، وزبرجدٌ. وبنات الخمسة قليلة. والصفة نحو: شمردلٍ، وهمرجلٍ، وجنعدلٍ. وما لحق بهذا من بنات الثلاثة: عثوثلٌ. ولم يكن ملحقاً ببنات الأربعة لأنك لو حذفت الواو خالف الفعل فعل بنات الأربعة. وكذلك حبربرٌ وصمحمحٌ؛ لأنك لو حذفت الزيادة الأخيرة، وهي الراء لم يكن فعل ما بقي على مثال فعل الأربعة، لأنه ليس في الكلام مثل حبرب، ولو حذفت الباء لصار إلى حبر، فلم يصر على مثال الأربعة فإنما ألحقوا هذا ببنات الخمسة كما ألحقوا جدولاً ونحوه ببنات الأربعة. وقد بينت ما ألحق ببنات الأربعة، من بنات الثلاثة.
ثم ألحق ببنات الخمسة كما ألحق ببنات الأربعة، وذلك نحو: جحنفل، ألحق ببنات الخمسة، ثم ألحق به عفنججٌ كما ألحق جحنفل. فكل شيء من بنات الأربعة كان على مثال الخمسة فهو ملحق به.
وما كان من بنات الثلاثة إذا لم يكن فيه إلا زيادة واحدة يكون على مثال الأربعة؛ فإنه إذا كان بزيادة أخرى على مثال جحنفل ملحق بالخمسة كما ألحق بالخمسة الذي هو ملحق به؛ وذلك إذا طرحت إحدى الزيادتين اللتين بلغ بهما مثال جحنفل، فكان ما يبقى يكون بمنزلة بنات الأربعة في الاسم والفعل. وعقنقل بمنزلة عثوثل، النون فيه بمنزلة الواو في عثوثل. وصمحمحٌ ملحق بالخمسة مع الثلاثة؛ وألنددٌ.
ويكون على مثال فعللل في الصفة، قالوا: قهبلسٌ، وجحمرشٌ، وصهصلقٌ. ولا نعلمه جاء اسماً. وما لحقه من الأربعة: همرشٌ.
ويكون على فعللٍ في الاسم والصفة، وذلك نحو، قذ عملٍ وخبعثن. والاسم نحو: قذ عملةٍ.
ويكون على فعللٍّ. فالاسم نحو: قرطعبٍ وحنبتر. والصفة نحو: جردحلٍ، وحنزقر، وما لحقه من الثلاثة: إزمولٌ، لأن الواو قبلها فتحة وليست بمد فإنما هي هنا بمنزلة النون في ألندد. وكذلك إرزب، الرائد الباء كنون ألنددٍ.
وما لحق به من بنات الأربعة: فردوسٌ وقرشبٌ، كما لحق قفعددٌ بسفرجلٍ. وكذلك ما لحقته زيادةٌ وكان على مثال الخمسة، ولم تكن الزيادة حرف مد كألف بجادٍ. كما فعلت ذلك بعقنقلٍ وعثوثل.
باب ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة
فالياء تلحق خامسةً فيكون الحرف على مثال فعلليلٍ في الصفة والاسم. فالاسم: سلسبيلٌ، وخندريسٌ، وعندليبٌ. والصفة: دردبيسٌ، وعلطميسٌ، وحنبريت، وعرطبيسٌ.
ويكون على مثال فعليلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: خزعبيلٍ. والصفة نحو: قذعميل، وخبعبيل وبلعبيس، ودرخميلٍ.
وتلحق الواو خامسة فيكون الحرف على مثال فعللولٍ نحو: عضرفوطٍ وهو اسم، وقرطبوسٍ وهو اسم، ويستعور وهو اسم.
وتلحق الألف سادسة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: قبعثرى وهو صفة، وضبغطرى وهو صفة.
ويكون على مثال فعللول وهو قليل، وهو صفة، قالوا: قرطبوس. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا فعللٍ ولا فعللٍ، ولا فعليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ولم نعلم أنه جاء في الاسم والصفة شيءٌ لم نذكره من الخمسة.
باب ما أعرب من الأعجمية
اعلم أنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة، فربما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه.
فأما ما ألحقوه ببناء كلامهم فدرهمٌ، ألحقوه ببناء هجرع. وبهرجٌ ألحقوه بسلهبٍ. ودينارٌ ألحقوه بديماسٍ. وديباجٌ ألحقوه كذلك. وقالوا: إسحاق فألحقوه بإعصار، ويعقوب فألحقوه بيربوع، وجوربٌ فألحقوه بفوعلٍ.
وقالوا: آجورٌ فألحقوه بعاقول. وقالوا: شبارق فألحقوه بعذافرٍ. ورستاقٌ فألحقوه بقرطاس. لما أرادوا أن يعربوه ألحقوه ببناء كلامهم كما يلحقون الحروف بالحروف العربية.


وربما غيروا حاله عن حاله في الأعجمية مع إلحاقهم بالعربية غير الحروف العربية، فأبدلوا مكان الحرف الذي هو للعرب عربياً غيره، وغيروا الحركة وأبدلوا مكان الزيادة، ولا يبلغون به بناء كلامهم، لأنه أعجمي الأصل، فلا تبلغ قوته عندهم إلى أن يبلغ بناءهم. وإنما دعاهم إلى ذلك أن الأعجمية يغيرها دخولها العربية بإبدالها حروفها، فحملهم هذا التغيير على أن أبدلوا. وغيروا الحركة كما يغيرون في الإضافة إذا قالوا هنيٌّ نحو زبانيٍ وثقفيٍ. وربما حذفوا كما يحذفون في الإضافة، ويزيدون كما يزيدون فيما يبلغون به البناء وما لا يبلغون به بناءهم، وذلك نحو: آجرٍِّ، وإبريسم، وإسماعيل، وسراويل، وفيروز، والقهرمان.
قد فعلوا ذا بما ألحق ببنائهم وما لم يلحق من التغيير والإبدال، والزيادة والحذف، لما يلزمه من التغيير.
وربما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه من حروفهم، كان على بنائهم أو لم يكن، نحو: خراسان، وخرمٍ، والكركم.
وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائه في الفارسية نحو: فرند، وبقمٍ، وآجرٍ، وجربزٍ.
باب اطراد الإبدال في الفارسية
يبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم: الجيم، لقربها منها. ولم يكن من إبدالها بدٌّ؛ لأنها ليست من حروفهم. وذلك نحو: الجربز، والآجر، والجورب.
وربما أبدلوا القاف لأنها قريبةٌ أيضاً، قال بعضهم: قربزٌ، وقالوا: كربقٌ، وقربقٌ.
ويبدلون مكان آخر الحرف الذي لا يثبت في كلامهم، إذا وصلوا، الجيم وذلك نحو: كوسه، وموزه؛ لأن هذه الحروف تبدل وتحذف في كلام الفرس، همزةً مرةً وياءً مرةً أخرى. فلما كان هذا الآخر لا يشبه أواخر كلامهم صار بمنزلة حرفٍ ليس من حروفهم. وأبدلوا الجيم، لأن الجيم قريبة من الياء، وهي من حروف البدل. والهاء قد تشبه الياء، ولأن الياء أيضاً قد تقع آخرةً. فلما كان كذلك أبدلوها منها كما أبدلوها من الكاف. وجعلوا الجيم أولى لأنها قد أبدلت من الحرف الأعجمي الذي بين الكاف والجيم، فكانوا عليها أمضى.
وربما أدخلت القاف عليها كما أدخلت عليها في الأول، فأشرك بينهما، وقال بعضهم: كوسقٌ، وقالوا: كربقٌ، وقالوا: قربقٌ.
وقال الراجز:
يا ابن رقيعٍ هل لها من مغبق ... ما شربت بعد طوى القربق
من قطرةٍ غير النجاء الأدفق
وقالوا: كيلقةٌ.
ويبدلون من الحرف الذي بين الباء والفاء: الفاء نحو: الفرند، والفندق. وربما أبدلوا الباء لأنهما قريبتان جميعاً، قال بعضهم: البرند.
فالبلد مطردٌ في كل حرف ليس من حروفهم، يبدل منه ما قرب منه من حروف الأعجمية.
ومثل ذلك تغييرهم الحركة التي في زور، وآشوب: فيقولون: زورٌ وأشوبٌ، وهو التخليط؛ لأن هذا ليس من كلامهم.
وأما ما لا يطرد فيه البدل فالحرف الذي هو من حروف العرب، نحو: سين سراويل، وعين إسماعيل، أبدلوا للتغيير الذي قد لزم، فغيروه لما ذكرت من التشبيه بالإضافة، فأبدلوا من الشين نحوها في الهمس، والانسلال من بين الثنايا، وأبدلوا من الهمزة العين، لأنها أشبه الحروف بالهمزة.
وقالوا: قفشليلٌ فأتبعوا الآخر الأول لقربه في العدد لا في المخرج.
فهذه حال الأعجمية فعلى هذا فوجهها. إن شاء الله.
باب علل ما تجعله زائداً
من حروف الزوائد وما تجعله عن نفس الحرف
فمن حروف الزوائد ما تجعله إذا لحق رابعاً فصاعداً زائداً إبداوإن لم يشتق منه ما تذهب فيه الزيادة، لا تجعله من نفس الحرف إلا بثبتٍ، ومنها ما تجعله من نفس الحرف ولا تجعله زيادةً إلا بثبتٍ.
فالهمزة إذا لحقت أولاً رابعة فصاعداً فهي مزيدة أبداً عندهم. ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بأفكلٍ وأيدعٍ لم تصرفه. وأنت لا تشتق منهما ما تذهب فيه الألف. وإنما صارت هذه الألف عندهم بهذه المنزلة وإن لم يجدوا ما تذهب فيه مشتقاً، لكثرة تبينها زائدة في الأسماء والأفعال، والصفة التي يشتقون منها ما تذهب فيه الألف؛ فلما كثر ذلك في كلامهم أجروه على هذا.
ومما يقوى على أنها زائدة أنها لم تجىء أولاً في فعلٍ فيكون عندهم بمنزلة دحرج. فترك صرف العرب لها وكثرتها أولاً زائدة، والحال التي وصفت في الفعل يقوى أنها زائدة. فإن لم تقل ذلك دخل عليك أن تزعم أن ألحقت بمنزلة دحرجت.


فإن قيل: تذهب الألف في يفعل فلا تجعلها بمنزلة أفكلٍ قيل: ذهبت الهمزة كما ذهبت واو وعد في يفعل، فهذه أجدر أن تذهب إذ كانت زائدة، وصار المصدر كالزلزال، ولم يجدوا فيه كالزلزلة، للحذف الذي في يفعل، فأرادوا أن يعوضوا حرفاً يكون في نفسه بمنزلة الذي ذهب: فإذا صير إلى ذا صير إلى ما لم يقله أحد.
وأما أولقٌ فالألف من نفس الحرف، يدلك على ذلك قولهم: ألق الرجل وإنما أولق فوعلٌ، ولولا هذا الثبت لحمل على الأكثر.
وكذلك الأرطى؛ لأنك تقول: أديمٌ مأروطٌ. فلو كانت الألف زائدةً لقلت مرطيٌّ.
والإمر فعلٌ لأنه صفةٌ، فيه من الثبت مثل ما قبله.
والإمرة والإمعة، لأنه لا يكون إفعلٌ وصفا.
وأولقٌ من التألق، وهو كذنبٍ مثل هيخ.
ومنبج الميم بمنزلة الألف، لأنها إنما كثرت مزيدةً أولاً، فموضع زيادتها كموضع الألف، وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولاً في الاسم والصفة. فلما كانت تلحق كما تلحق، وتكثر ككثرتها ألحقت بها.
فأما المعزى فالميم من نفس الحرف، لأنك تقول معزٌ، ولو كانت زائدةً لقلت عزاءٌ، فهذا ثبتٌ كثبت أولقٍ.
ومعد مثله للتمعدد، لقلة تمفعلٍ.
وأما مسكينٌ فمن تسكن. وقالوا: تمسكن مثل تمدرع في المدرعة.
وأما منجنيقٌ فالميم منه من نفس الحرف؛ لأنك إن جعلت النون فيه من نفس الحرف فالزيادة لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الأسماء من أفعالها نحو مدحرج وإن كانت النون زائدة فلا تزاد الميم معها، لأنه لا يلتقي في الأسماء ولا في الصفات التي ليست على الأفعال المزيدة في أولها حرفان زائدان متواليان. ولو لم يكن في هذا إلا أن الهمزة التي هي نظيرتها لم تقع بعدها الزيادة لكانت حجة. فإنما منجنيقٌ بمنزلة عنتريسٍ، ومنجنونٌ بمنزلة عرطليل. فهذا ثبتٌ. ويقوي ذلك مجانيق ومناجين.
وكذلك ميم مأججٍ وميم مهدد، لأنهما لو كانتا زائدتين لأدغمت كمردٍ ومفرٍّ، فإنما هما بمنزلة قردد.
وأما مرعزاء فهي مفعلاء، وكسرة الميم ككسرة ميم منخرٍ ومنتنٍ. وليست كطرمساء. يدلك على ذلك قولهم: مرعزى كما قالوا: مكورى للعظيم الروثة، لأنها مكورةً. وقالوا: يهترى.
فليس شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث، وإنما كان هذا فيما كان أوله حرف الزوائد. فهذا دليل على أنها من بنات الثلاثة، وعلى أن الياء الأولى زائدة.
ولا نعلم في الأربعة على هذا المثال بغير ألف.
وقالوا: يهيرٌّ فحذفوا كما حذفوا مرعزى. وقال بعضهم مكورٌّ ومكورى: العظيم الروثة. وسمعت مكورى: المملوء فحشاً.
وأما الألف فلا تلحق رابعة فصاعداً إلا مزيدة، لأنها كثرت مزيدة كما كثرت الهمزة أولاً، فهي بمنزلتها أولاً: ثانيةٌ وثالثةٌ ورابعةٌ فصاعداً، إلا أن يجيء ثبتٌ. وهي أجدر أن تكون كذلك من الهمزة، لأنها تكثر ككثرتها أولاً، وأنه ليس في الكلام حرف إلا وبعضها فيه أو بعض الياء والواو. فأما الثبت الذي يجعلها بدلاً من حرف هو من نفس الحرف فكل شيء تبين لك أنه من الثلاثة من بنات الياء والواو.
وتكون رابعةً وأول الحرف الهمزة أو الميم، إلا أن يكون ثبتٌ أنهما من نفس الحرف. وذلك نحو: أفعى وموسى، فالألف فيهما بمنزلتها في مرمىً، فإذا لم يكن ثبتٌ فهي زائدةٌ أبداً، وإن لم نشتق من الحروف شيئاً تذهب فيه الألف، وإلا زعمت أن مثل ألف الزامج والعالم إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كجعفر، وأن السرداح بمنزلة الجردحل. وإنما فعل هذا لكثرة تبينها لك زائدةً في الكلام كتبين الهمزة أولاً وأكثر.
ويدخل عليك أن تزعم أن كنابيلا بمنزلة قذعميل، وأن مثل اللهاب إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كهدملةٍ. فإن قلت ذا قلت ما لا يقوله أحد. ألا ترى أنهم لا يصرفون: حنبطىً ولا نحوه في المعرفة أبداً وإن لم يشتقوا منه شيئاً تذهب فيه الألف، لأنها عندهم بمنزلة الهمزة.
فإن قلت في نحو حبنطىً: ألفه من نفس الحرف، لأنه لم يشتق منه شيء تذهب فيه الألف. قيل: وكذلك سرداحٌ بمنزلة جردحل، والباصر والزامج والرامك، كجعفر.


فأما ما جاء مشتقاً من نحو حبنطىً ليست فيه ألف حبنطىً فنحو معزىً ونحو ذفرى ولا تنوين فيها، وعلقىً وتترىً، وحلباةٍ، وسعلاةٍ، لأنك تقول: حلبت واستسعلت. وسائر موقعها زائدةً أكثر من ذا، فهي كالهمزة أولاً في أحمر وأربع ونحوهما. وكإصليتٍ وأرونانٍ، وإنما هو من الصلت والرون. وإمخاض وإحلاب. وألنددٍ وإنما هو من اللدد. وأسكوبٍ من السكب. فأشباه هذا ونحوه كأحمر وأربعٍ.
وأما قطوطىً فمبنية أنها فعوعلٌ، لأنك تقول: قطوانٌ فتشتق منه ما يذهب الواو ويثبت ما الألف بدلٌ منه.
وكذلك: ذلولىً؛ لأنك تقول: اذلوليت، وإنما هي افعوعلت.
وكذلك شجوجىً وإن لم يشتق منه؛ لأنه ليس في الكلام فعولىً، وفيه فعوعلٌ، فتحمله على القياس. فهذا ثبتٌ.
فعلى هذا الوجه تجعل الألف من نفس الحرف كما جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف، حيث قال، العجاج:
بشيةٍ كشية الممرجل
الممرجل: ضربٌ من ثياب الوشي.
فإن قيل: لا يدخل الزامج ونحو اللهابة؛ لأن الفعل منهما لا يكون فيهما إلا بذهاب الحرف الذي يزاد. فالألف عنده مما لم يشتق فتذهب منه بدل من ياء أو واوٍ،كألف حاحيت، وألف حاحى ونحوه.
وكذلك الياء وإن ألحق بها الحرف ببناء الأربعة، لأنها أخت الألف في كثرة اللحاق زائدةً. فكما جعلت ما لحق ببنات الأربعة وآخره ألفٌ زائد الآخر نحو علقىً وإن لم تشتق منه شيئاً تذهب فيه الألف، كذلك تفعل بالياء لأنها أختها.
فمما اشتق مما فيه الياء وألحق ببنات الأربعة فذهبت منه فنحو: ضيغمٍ، تقول: ضغمت. ونحو هينغٍ، تقول: هانغت. وميلعٍ إنما هي من ملعت. وحذيم إنما هي من حذمت. فكما اشتقوا حذام للمرأة اشتقوا حذيماً للرجل. والعثير إنما هو من عثرت.
ومن ذلك قولهم: تجعبيت، وجعبيته، وإنما هي من تجعب وجعبته. وسلقيته لأنك تقول سلقته. وقلسيته وتقلسى؛ لأنهم يقولون تقلس وتقلنس.
ومن ذلك قولهم في عيضموزٍ: عضاميز، وفي عيطموسٍ: عطاميس فلو كانت من نفس الحرف كضاد عضرفوطٍ لم تكسر على هذا الجمع.
ومن ذلك ياء عفريةٍ وزبنيةٍ، لأنك تقول: عفرٌ، وتقول: عفره وزبنه.
وأما ما لا يجيء على مثال الأربعة ولا الخمسة، فهو بمنزلة الذي يشتق منه ما ليس فيه زيادة، لأنك إذا قلت: حماطةٌ ويربوعٌ كان هذا المثال بمنزلة قولك: ربعت وحمطت، لأنه ليس في الكلام مثل سبطرٍ ولا مثل دملوجٍ. وهذا النحو أكثر في الكلام من أن أجمعه لك في هذا الموضع، ولكنه قد مضى في الأبنية.
فالياء كالألف في كثرة دخولها زائدة، وفي أن إحدى الحركات منها، فلما كانت كذلك ألحقت بها.
ومثل العيطموس في الحذف: سميدعٌ، قالوا: سمادع.
فأما يهيرٌّ فالزيادة فيه أولاً، لأنه ليس في الكلام فعيلٌّ. وقد ثقل في الكلام ما أوله زيادة. ولو كانت يهيرٌ مخففة الراء كانت الأولى هي الزيادة، لأن الياء إذا كانت أولاً فهي بمنزلة الهمزة. ألا ترى أن يرمعاً بمنزلة أفكلٍ لأنها تلحق أولاً كثيراً، فلما كان الحد لو قلت أهيرٌ كانت الألف هي الزائدة فكذلك الياء، كما كانت تكون زائدة لو قلت: إهيرٌ، لأن أصبعاً لو لم يشتق منها ما تذهب منه الألف كانت كأفكلٍ، فجعلت الياء بمنزلتها، لأنها كأنها همزة، واستوى إهبرٌ وأهيرٌ من قبل أن الهمزة إذا كانت أولاً فالمكسورة كالمفتوحة، وكذلك المضمومة. ألا ترى أنك تسوي بين أبلم وإثمدٍ وأفكلٍ.
وأما يأجج فالياء فيها من نفس الحرف، لولا ذلك لأدغموا كما يدغمون في مفعل ويفعل من رددت. فإنما الياء ههنا كميم مهدد.
وأما يستعور فالياء فيه بمنزلة عين عضرفوطٍ، لأن الحروف الزوائد لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الميم التي في الاسم الذي يكون على فعله، فصار كفعل بنات الثلاثة المزيد.
وكذلك ياء ضوضيت من الأصل؛ لأن هذا موضع تضعيف بمنزلة صلصلت، كما أن الذين قالوا غوغاءٌ فصرفوا جعلوها بمنزلة صلصالٍ.
وكذلك ياء دهديت فيما زعم الخليل؛ لأن الياء شبيهةٌ بالهاء في خفتها وخفائها. والدليل على ذلك قولهم: دهدهت، فصارت الياء كالهاء.
ومثله: عاعيت، وحاحيت، وهاهيت؛ لأنك تقول: الهاهاة والحاحاة والحيحاء، كالزلزلة والزلزال. وقد قالوا: معاعاة كقولهم: معترسةٌ.


وقوقيت بمنزلة ضوضيت وحاحيت، لأن الألف بمنزلة الواو في ضوضيت، وبمنزلة الياء في صيصية، فإذا ضوعف الحرفان في الأربعة فهو كالحرفين في الثلاثة، ولا تزيد إلا بثبت، فهما كياءي حييت.
وكذلك الواو إن ألحقت الحرف ببنات الأربعة والأربعة بالخمسة، كما كانت الألف كذلك والياء.
فما ألحق ببنات الخمسة بالألف فنحو حبركي؛ وبالياء فنحو سلحفيةٍ على مثال قذعملةٍ. وحبركي على مثال سفرجلٍ. وكذلك الواو كثرتها ككثرتهما، ولأن إحدى الحركات منها. فكثرة تبين هذه الحروف زائدةً في الأسماء والأفعال التي يشتقون منها ما تذهب فيه بمنزلة الهمزة أولاً، إلا أن يجيء ثبتٌ.
وصارت هذه الحروف أولى أن تكون زائدة من الهمزة؛ لأن مواضعها زائدةً أكثر في الكلام، ولأنه ليس في الدنيا حرفٌ يخلو من أن يكون إحداها فيه زائدةً أو بعضها.
فما اشتق مما فيه الواو وهو ملحق ببنات الأربعة فذهبت فيه الواو فنحو قولك في الشوحط: شحطت، وفي الصومعة: صمعت، والصومعة إنما هي من الأصمع. وقالوا: صومعت كما قالوا: قلسيت وبيطرت.
ومثل ذلك: جهورٌ وجهورت، وإنما هي من الجهارة. والجراول إنما هي من الجرل. والقسور إنما هي من الاقتسار. والصوقعة إنما هي من الأصقع وعنفوانٌ إنما هي من الاعتناف.
ومثل ذلك: القرواح، إنما هي من القراح. والدواسر، إنما هي من الدسر. فأما ورنتلٌ فالواو من نفس الحرف لأن الواو لا تزاد أولاً أبداً والوكواك كذلك، ولا تجعل الواو زائدة لأنها بمنزلة القلقال. والتاء كذلك، ولا تجعل الرابعة زائدة لأنها بمنزلة العقنقل.
وأما قرنوةٌ فهي بمنزلة ما اشتققت مما ذهبت فيه الواو نحو: خروعٍ فعولٍ، لأنه من التخرع والضعف؛ لأنه ليس في الكلام على مثال قحطبةٍ. فالواو والياء بمنزلة أختهما. فمن قال قرواحٌ لا تدخل؛ لأنها أكثر من مثل جردحل فما جاء على مثال الأربعة فيه الواو والياء والألف أكثر مما ألحق به من بنات الأربعة. ومن أدخل عليه سرداحاً قيل له اجعل عذافرةً كقذعملةٍ.
فما خلا هذه الحروف الثلاثة من الزوائد والهمزة والميم أولاً فإنه لا يزاد إلا بثبت.
فمما يبين لك أن التاء فيه زائدة التنضب؛ لأنه ليس في الكلام على مثال جعفرٍ، وكذلك التتفل والتتفل، لأنهم قد قالوا التتفل. وليس في الكلام على مثال جعفرٍ، فهذا بمنزلة ما اشتق منه ما لا تاء فيه.
وكذلك ترتبٌ وتدرأ لأنهن من رتب ودرأ. وكذلك: جبروتٌ وملكوتٌ، لأنهما من الملك والجبرية. وكذلك عفريتٌ لأنها من العفر، وكذلك: عزويتٌ؛ لأنه ليس في الكلام فعويلٌ. وكذلك الرغبوت والرهبوت، لأنه من الرغبة والرهبة. وكذلك التحلىء، والتحلئة، لأنهما من حلأت وحلئت. وكذلك التتفلة لأنها سميت بذلك لسرعتها، كما قيل ذلك للثعلب. قال الراجز:
يهوى بها مراً هوىً التتفله
وكذلك السنبتة من الدهر، لأنه يقال سنبةٌ من الدهر. وكذلك: التقدمية لأنها من التقدم. وكذلك التربوت لأنه من الذلول، يقال للذلول مدربٌ فأبدلوا التاء مكان الدال، كما قالوا الدولج في التولج فأبدلوا الدال مكان التاء، وكما قالوا ستةٌ فأبدلوا التاء مكان الدال ومكان السين، وكما قالوا: سنبنتىً وسبندىً، واتغروا وادغر، وأصله ائتغر، فاشتركا في هذا الموضع.
والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا عناكب. وقالوا العنكباء فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء. ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع، كما لا يحذفون طاء عضرفوطٍ. وكذلك تاء تخربوت لأنهم قالوا: تخارب.
وكذلك تاء أختٍ وبنتٍن وثنتين وكلتا، لأنهن لحقن للتأنيث وبنين بناء ما لا زيادة فيه من الثلاثة. كما بنيت سنبتةٌ بناء جندلة. واشتقاقهم منها ما لا زيادة فيه دليلٌ على الزيادة.
وكذلك تاءٌ هنتٍ في الوصل ومنتٍ، تريد: هنه ومنه. وكذلك التجفاف، والتمثال، والتلقاء؛ لأنك تشتق منهن ما تذهب فيه التاء.
وكذلك التنبيت والتمتين؛ لأنهما من المتن والنبات. ولو لم تجد ما تذهب فيه التاء لعلمت أنها زائدة، لأنه ليس في الكلام مثل قنديل.


ومثل ذلك: التنوط، لأنه ليس في الكلام في الاسم والصفة على مثال فعللٍ، وهو من ناط ينوط. وكذلك التهبط، لأنه من هبط. ولو لم تجد ناط وهبط لعرفت ذلك، لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك التبشر لأنه من بشرت. ولو لم تجد ذلك لعرفت أنه زائد، لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك: ترنموتٌ من الترنم. وإنما دعاهم إلى أن لا يجعلوا التاء زائدةً فيما جاءت فيه إلا بثبت، لأنها لم تكثر في الأسماء والصفة ككثرة الأحرف الثلاثة والهمزة والميم أولاً. وتعرف ذلك بأنك قد أحصيت كل ما جاءت فيه إلا القليل إن كان شذ. فلما قلت هذه الأشياء في هذه المواضع صارت بمنزلة الميم والهمزة رابعة. وإنما كثرتها في الأسماء للتأنيث إذا جمعت، أو الواحدة التي الهاء فيها بدل من التاء إذا وقفت.
ولا تكون في الفعل ملحقة ببنات الأربعة. فكثرتها في الأسماء فيما ذكرت لك، وفي الأفعال في افتعل واستفعل وتفاعل وتفوعل وتفعل وتفعول وتفعيل. وكثرت في تفعلٍ مصدراً، وفي تفعالٍ وفي التفعيل ولا تكون إلا مصدراً.
وليس كثرتها في الأفعال والمصدر أولاً نحو تردادٍ وثانية نحو استردادٍ، وفي الأسماء للتأنيث - تجعل سوى ما ذكرت لك من الأسماء والصفة زائدةً بغير ثبت، لأنها لم تكثر فيهما في هذه المواضع، فلو جعلت زائدة لجعلت تاء تبع وتنبالةٍ وسبروتٍ وبلتع ونحو ذلك زائدةً لكثرتها في هذه المواضع، ولجعلت السين زائدة إذا كانت في مثل سلجمٍ لأنها قد كثرت في استفعلت، ولجعلت الهمزة زائدةً في كل موضع إذ كثرت أولاً. ألا ترى أنك لم تجعل الواو في ورنتلٍ زائدة لأنها لا تزاد أولاً، ولا الياء في يستعورٍ لأنها لا تزاد أولاً في الأربعة. فإنما تنظر إلى الحرف كيف يزاد وفي أي المواضع يكثر.
فأما الأحرف الثلاثة فإنهن يكثرن في كل موضع، ولا يخلو منهن حرف أو من بعضهن، إلا أن الواو لا تلحق أولاً ولا الياء أولاً فيما ذكرت لك. ثم ليس شيءٌ من الزوائد يعدل كثرتهن في الكلام، هن لكل مدٍّ، ومنهن كل حركة، وهن في كل جميعٍ. وبالياء الإضافة والتصغير، وبالألف التأنيث. وكثرتهن في الكلام وتمكنهن فيه زوائد أفشى من أن يحصى ويدرك، فلما كن أخواتٍ وتقاربن هذا التقارب أجرين مجرىً واحداً.
وكذلك النون وكثرتها في الانصراف، وفي الفعل إذا أكدت بالخفيفة والثقيلة، وفي الجمع والتثنية. فهذه النونات لا يلزمن الحرف، إنما هن كتاء التأنيث وهاء التأنيث في الوقف. وتكثر في فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فذا ههنا بمنزلة ما جمع بالتاء. فهذه في الكثرة نظائر ما ذكرت لك من التاء. فالنون نحو التاء، ولها خاصتها في الفعل. ثم لا يكثر لزومها للواحد اسماً وصفة كلزوم ألف أحمر والميم أولاً. ويكثر فعلانٌ مصدراً، فإنما هي كالتاء في تفعيلٍ وتفعالٍ مصدراً.
وأما فعلان فعلى فالنون فيه بدلٌ كهمزة حمراء، وليست بأصلٍ نحو هاء التأنيث في الوقف، ولا تجعلها زائدة فيما خلا ذا إلا بثبت كما فعلت ذلك بالتاء. ولم تكثر في الاسم والصفة ككثرة الهمزة في أفعل وفي سائر الأبنية أولاً وفي الفعل. فهي والتاء لا تعدلان الهمزة أولاً ولا الميم أولاً، لأن الميم زائدة أولاً لازمة لكل اسم من الفعل المزيد، وأنها لازمة لكل فعل في مفعولٍ ومفعل ونحوهما، فهي كالهمزة في الكثرة أولاً.
ومما يقوى أن النون كالتاء فيما ذكرت لك أنك سميت رجلاً نهشلاً أو نهضلاً أو نهسراً صرفته، ولم تجعله زائداً كالألف في أفكلٍ، ولا كالياء يرمعٍ، لأنها لم تمكن في الأبنية والأفعال كالهمزة أولاً، ولا كالياء وأختيها في الكلام، لأنهن أمهات الزوائد. ولو جعلت نون نهشلٍ زائدة لجعلت نون جعثنٍ زائدة، ونون عنترٍ زائدة، وزرنبٍ. فهؤلاء من نفس الحرف كما أن تاء حبترٍ من نفس الحرف. فليس للتاء والنون تمكن الهمزة في الاسم والصفة والفعل أولاً، ولا تمكن الميم أولاً.


ومما جعلته زائداً بثبت: العنسل، لأنهم يريدون العسول. والعنبس، لأنهم يريدون العبوس. ونون عفرنى، لأنها من العفر، يقال للأسد عفرتي. ونون بلهنيةٍ، لأن الحرف من الثلاثة كما تقول عيشٌ أبله. ونون فرسنٍ لأنها من فرست. ونون خنققيقٍ، لأن الخنققيق الخفيفة من النساء الجريئة. وإنما جعلتها من خفق يخفق كما تخفق الريح، يقال داهيةٌ خنققيقٌ. فإما أن تكون من خفق إليهم أي أسرع إليهم، وإما أن تكون من الخفق، أي يعلوهم ويهلكهم.
ومن ذلك: البلنصي، لأنك تقول للواحد البلصوص.
ومثل ذلك نون عقنقلٍ وعصنصرٍ، لأنك تقول عقاقيل، وتقول للعصنصر: عصيصير. ولو لم يوجد هذان لكان زائداً، لأن النون إذا كانت في هذا الموضع كانت زائدة. وسنبين ذلك ووجهه إن شاء الله.
والنون من جندب وعنصلٍ وعنظبٍ زائدة لأنه لا يجيء على مثال فعللٍ شيءٌ إلا وحرف الزيادة لازم له، وأكثر ذلك النون ثابتة فيه.
وأما العرضنة والخلفنة فقد تبينتا لأنهما من الاعتراض والخلاف. وكذلك الرعشن، لأنه من الارتعاش. والضيفن، لأنه من الضيف.
والعلجن، لأنه من الغلط. والسرحان والضبعان، لأنك تقول السراح والضباع. وكذلك الإنسان.
فأما الدهقان والشيطان فلا تجعلها زائدتين فيهما، لأنهما ليس عليهما ثبت. ألا ترى أنك تقول: تشيطن وتدهقن، وتصرفهما.
فإنما كثرتها فيما ذكرت لك وفي فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فأما ما خلا ذلك في الأسماء والصفة فإنه قليل. وفي فعلانٍ، وأكثر ذلك في المصادر، فهي في المصدر والجمع كالتاء في الجمع والتفعيل. وفعلانٌ بمنزلة التفعال ثم تحتاج إلى الثبت كما تحتاج التاء.
وإذا جاءك نحو أثعبانٍ وقيقبانٍ فإنك لا تحتاج في هذا إلى الاشتقاق لأنه لم يجىء شيءٌ آخره من نفس الحرف على هذا المثال. فإذا رأيت الشيء فيه من حروف الزوائد شيء، ولم يكن على مثال ما آخره من نفس الحرف فاجعله زائداً، لأن ذلك بمنزلة اشتقاقك منه ما ليس فيه زائدة. فالنون فيما ذكرت لك نحو التاء. ولو شئت لجمع ما هي فيه زائدةٌ سوى ما استثنينا كما استثنيت في التاء، إلا القليل إن شذ.
وأما جندبٌ فالنون فيه زائدة، لأنك تقول جدب، فكان هذا بمنزلة اشتقاقك منه ما لا نون فيه وإنما جعلت جندباً وعنصلاً وخنفساً نوناتهن زوائد لأن هذا المثال يلزمه حرف الزيادة، فكما جعلت النونات فيما كان على مثال احرنجم زائدة لأنه لا يكون إلا بحرف الزيادة، كذلك جعلت النون في هذا زائدة.
ومما اشتق من هذا النحو مما ذهبت فيه النون: قنبرٌ، قالوا: قبرٌ. ولو لم يشتق منه ولا من ترتبٍ لكان علمك بلزوم حرف الزيادة هذا المثال بمنزلة الاشتقاق. وكذلك: سندأوٌ، وحنطأوٌ، للزوم النون هذا المثال والواو.
وإنما صارت الواو هنا بعد الهمزة لأنها تخفى في الوقف، فاختصت بها ليكون لزوم البيان عوضاً في هذا لما يدخلها من الخفاء. وكانت النون أولى بأن تزاد لمن الهمزة لأنها زائدة في وسط الكلام أكثر منها، وإنما لزمت الواو الهمزة لما ذكرت لك.
ونون عرندٍ زائدة، لأنهم يقولون عرد؛ ولأنه ليس في بنات الأربعة على هذا المثال.
وكذلك خنفساء وعنصلاء وحنظباء، وتفسيره كتفسير عنصلٍ.
وأما العنتريس فمن العترسة، وهي الشدة والغلبة. والذرنوح من ذراح، وهو فعنولٌ.
واعلم أن النون إذا كانت ثالثة ساكنة وكان الحرف على خمسة أحرف، كانت النون زائدة. وذلك نحو: جحنفلٍ، وشرنبث، وحبنطىً، وجلنظىً ودلنظىً، وسرندىً، وقلنسوةٍ، لأن هذه النون في موضع الزوائد، وذلك نحو: ألف عذافرٍ، وواو فدوكسٍ، وياء سميدع. ألا ترى أن بنات الخمسة قليلة، وما كان على خمسة أحرف وفيه النون الساكنة ثالثة يكثر ككثرة عذافرٍ وسرومطٍ وسميدع. فهذ يقوي أنه من بنات الأربعة.
وقد بين تعاورها والألف في الاسم في معنى واحد، وذلك: قولهم رجلٌ شرنبثٌ وشرابثٌ، وجرنفسٌ وجرافسٌ، وقالوا: عرنين وعرتن، فحذفوا النون كما حذفوا ألف علبطٍ. فهذا دليل، وهو قول الخليل.


فلما كانت هذه النون ساكنة في موضع الزوائد التي ذكرت وتكثر الأسماء بها ككثرتها بألف عذافر، جعلوها بمنزلتها. ألا ترى أنك لو حركتها لم تكثر الأسماء بها، لأنها ليست كالألف والياء الساكنة. وإنما جعلناها بمنزلتها حيث سكنت. ألا تراها متحركة تقل بها الأسماء، كما قلت بالواو في موضعها، ولا تجد الياء متحركةً في موضعها. فهذه الحال لا تجعل النون فيها زائدة إلاباشتقاقٍ من الحرف ما ليس فيه نون.
فما اشتق مما هي فيه فذهبت: القلنسوة، وقالوا تقلسيت، وقالوا: الجعنظار، وقالوا: الجعظرى والجعيظير. والسرندى وهو الجريء، وإنما هو من السرد، لأنه يمضي قدماً. والدلنظي، وهو الغليظ، كما قالوا: دلظة بمنكبه، وإنما هو غلظ الجانب: والجحنفل: العظيم، ويقال: جمعٌ جحفلٌ.
فأما إذا كانت ثانية ساكنة فإنها لاتزاد إلا بثبت. وذلك: حنزقرٌ، وحنبترٌ لقلة الأسماء من هذا النحو؛ لأنك لا تجد أمهات الزوائد في هذا الموضع.
وكذلك عندليبٌ؛ لأنه لم يكثر في الأسماء هذا المثال، ولأن أمهات الزوائد لا تقع ثانية في هذا المثال.
وإذا كان الحرف ثانياً متحركاً أو ثالثاً فلا يزاد إلا بثبت، كما لم يزد وهو ثانٍ ساكناً إلا بثبت. وذلك: جنعدلٌ، وشنافرٌ، وخدرنقٌ لقلتها في الكلام، ولقلة مواقع الزوائد في مواضعها.
واعلم أن ما ألحق ببنات الأربعة من لثلاثة فهو بمنزلة الأربعة في النون الساكنة الثالثة. وقد قالوا قلنسوة؛ فهذه النون بمنزلة ألف عفاريةٍ وهباريةٍ فكذلك كل شيءٍ كانت هذه النون فيه ثالثة مما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة. وعفاريةٌ تلحق بعذافرةٍ.
وأما كنهبل فالنون فيه زائدة؛ لأنه ليس في الكلام على مثال سفرجل. فهذا بمنزلة ما يشتق مما ليس فيه نون، فكنهبل بمنزلة عرنتن، بنوه بناءه حين زادوا والنون، ولو كانت من نفس الحرف لم يفعلوا ذلك والعرنتن قد تبينت بعرتنٍ والبناء. وقرنفلٌ مثله، لأنه ليس في الاكم مثل سفرجلٍ.
وأما عقنقلٌ فإن كان من الأربعة فهو كجحنفلٍ، وإن كان من الثلاثة فهو أبين في أن النون زائدة. وإنما عقنقلٌ من التعقيل.
وأما القنفخر فالنون فيه زائدة، لأنك تقول قفاخريٌّ في هذا المعنى.
فإن لم تستدل بهذا النحو من الاشتقاق إذا تقاربت المعاني دخل عليك أن تقول: أولق من لفظ آخر، وأن تقول: عفرنىً وبلهنيةٌ من لفظ آخر، وإن العرضنى من لفظ آخر.
وأما ضفنددٌ فبمنزلة دلنظىً، لأنه قد بلغ مثال سفرجلٍ والنون ثالثة ساكنة فكما صارت نون عقنقلٍ كياء خفيدد صارت هذه بمنزلة ياء خفيددٍ، وواو حبوتنٍ. فهذا سبيل بنات الأربعة وما لحق بها من الثلاثة. وليست بمنزلة قفعدد كما أن جحنفلاً ليس كهمرجلٍ، لأن الثالث من حروف الزيادة. فالواو المزيدة كألف سبندىً، والنون كنونها.
وأما كنتألٌ وخنثعبةٌ فبمنزلة كنهبل، لأنه ليس في الكلام على مثال جردحلٍ، وإنما جاء هذا المثال بحرف الزيادة، فهو بمنزلة كنهبلٍ وعنصلٍ.
فأما الميم فإذا جاءت ليست في أول الكلام فإنها لا تزاد إلا بثبت لقلتها، وهي غير أولى زائدةٌ.
وأما ما هي ثبتٌ فيه فدلامصٌ، لأنه من التدليص. وهذا كجرائضٍ. وقالوا: سئتهمٌ وزرقمٌ، يريدون الأزرق والأسته.
وكذلك الهمزة لا تزاد غير أولى إلا بثبت. فمما ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ، لأنك تقول ضهياء كما تقول عمياء. وجرائضٌ، لأنك تقول جرواضٌ. وحطائط هو الصغير لأن الصغير محطوط. والضهيأ: شجرٌ، وهي أيضاً: التي لا تحيض. وقالوا أيضاً: ضهياء مثل عمياء.
وكل حرفٍ من حروف الزوائد كان في حرفٍ فذهب في اشتقاقٍ في ذلك المعنى من ذاك اللفظ فاجعلها زائدة. وكذلك ما هو بمنزلة الاشتقاق. فإن لم تفعل هذا لم تجعل نون سرحان وهمزة جرايضٍ وميم ستهمٍ زائدة. فعلى هذا النحو ما تزيده بثبت. فإن لم تفعل ذلك صرت لا تزيد شيئاً منهن.
ومثل ذلك: شمألٌ وشأملٌ، تقول: شملت وشمالٌ.
باب ما الزيادة فيه من حروف الزيادة
ولزمه التضعيف
اعلم أن كل كلمة ضوعف فيها حرف مما كانت عدته أربعةً فصاعداً فإن أحدهما زائد، إلا أن يتبين لك أنها عين أو لام فيكون من باب مددت. وذلك نحو: قرددٍ، ومهدد، وقعددٍ، وسوددٍ، ورمددٍ، وجبنٍّ وخدبٍّ وسلمٍ، وخمرٍن ودنبٍ. وكذلك جميع ما كان من هذا النحو.


فإن قلت: لا أجعل إحداهما زائدة إلا باشتقاق منه ما لا تضعيف فيه، أو أن يكون على مثالٍ لا يكون عليه بنات الأربعة والخمسة - دخل عليك أن تقول: القلف بمنزلة الهجرع، وإن اللام بمنزلة الراء والجيم، وإن اللام في جلوزٍ بمنزلة الدال والراء في فردوسٍ، وإن الباء في الجباء بمنزلة الراء والطاء في قرطاس. فإذا قلت هذا فقد قلت ما لا يقوله أحد. فهذا المضاعف الزيادة منه فيما ذكرت لك كالألف رابعةً فيما مضى.
وقد تدخل بين الحرفين الزيادة وذلك نحو: شملالاٍ، وزحليلٍ، وبهلولٍ، وعثوثلٍ، وفرندادٍ، وعقنقل، وخفيفدٍ. فكما جعلت إحداهما زائدة وليس بينهما شيء، كذلك جعلت إحداهما زائدة وبينهما حرف.
وقد تبين لك أنهم يفعلون ذلك في شملال، لأنهم يقولون: طملٌّ وشملةٌ وفي شمليل وعقنقلٍ وعثوثل، لأنك تقول: عثولٌّ. فقد تبين لك بهذا أن التضعيف ههنا بمنزلته إذا لم يكن بينهما شيء كما صار ما لم يفصل بينه بكثرة ما اشتق منه مما ليس فيه تضعيف، بمنزلة ما فيه ألف رابعة. وكذلك المضاعف في عدبس وقفعددٍ، وجميع هذا النحو في التضعيف.
باب ما ضوعفت فيه العين واللام
كما ضوعفت العين وحدها واللام وحدها
وذلك نحو: ذرحرح، وحلبلابٍ، وصمحمحٍ، وبرهرهةٍ، وسرطراط. يدلك على ذلك قولهم: ذراحٌ، فكما ضاعفوا الراء كذلك ضاعفوا الراء والحاء. وقالوا الحلب، وإنما يعنون الحلبلاب. وكذلك على ذلك قولهم: صمامح وبراره. فلو كانت بمنزلة سفرجلٍ لم يكسروها للجمع، ولم يحذفوا منها، لأنهم يكرهون أن يحذفوا ما هو من نفس الحرف. ألا تراهم لم يفعلوا ذلك ببنات الخمسة وفروا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا. وقولهم سرطراطٌ دليلٌ، لأنه ليس في الكلام سفرجالٌ. وأدخلوا الألف ههنا كما أدخلوها في حلبلابٍ.
وكذلك: مرمريسٌ، ضاعفوا الفاء والعين كما ضاعفوا العين واللام، ألا ترى أن معناه معنى المراسة.
فإذا رأيت الحرفين ضوعفا فاجعل اثنين منهما زائدين كما تجعل أحد الاثنين فيما ذكرت لك زائداً. ولا تكلفن أن تطلب ما اشتق منه بلا تضعيف فيه كما لا تكلفه في الأول الذي ضوعف فيه الحرف.
باب تمييز بنات الأربعة والخمسة
من الثلاثة
فأما جعفرٌ فمن بنات الأربعة، لا زيادة فيه، لأنه ليس شيء من أمهات الزوائد فيه، ولا حروف الزوائد التي تجعلها زوائد بثبت، وإنما بنات الأربعة صنفٌ لا زيادة فيه، كما أن بنات الثلاثة صنفٌ لا زيادة فيه.
وأما سفرجلٌ فمن بنات الخمسة، وهو صنفٌ من الكلام، وهو الثالث، وقصته كقصة جعفرٍ. فالكلام لا زيادة فيه ولا حذف على هذه الأصناف الثلاثة.
فمن زعم أن الراء في جعفرٍ زائدة أو الفاء، فهو ينبغي له أن يقول: إنه فعلرٌ وفعفلٌن وينبغي له إن جعل الأولى زائدة أن يقول جفعلٌ، وإن جعل الثاني أو الثالث أن يقول فععلٌ وفعفلٌ. وينبغي له أن يقول في غلفقٍ فعلقٌ، وإن جعل الأولى زائدة أن يقول غفعل، لأنه يجعلهن كحروف الزوائد. فكما تقول أفعل وفوعل وفعولٌ وفعلنٌ، كذلك تقول هذا، لأنه لابد لك من أن تجعل إحداهما بمنزلة الألف والياء والواو. وينبغي له أن يجعل الأخيرين في فرزدقٍ زائدين، فيقول فعلدق. فإذا قال هذا النحو جعل الحروف غير الزوائد زوائد، وقال ما لا يقوله أحد. وينبغي له إن جعل الأولين زائدين أن يكون عنده فرفعل. وإن جعل الحرفين الزائدين الزاي والدال قال فعزدل. فهذا قبيح لا يقوله أحد.
ولا تقول فعللٌ ولا فعللٌ لأنك لم تضعف شيئاً، وإنما يجوز هذا أن تجعله مثالاً.
باب علم مواضع الزوائد
من مواضع الحروف غير الزوائد
سألت الخليل فقلت: سلمٌ أيتهما الزائدة؟ فقال: الأولى هي الزائدة، لأن الواو والياء والألف يقعن ثواني في فوعل وفاعل وفيعل.
وقال في فعلل وفعلٍّ ونحوهما: الأولى هي الزائدة؛ لأن الواو والياء والألف يقعن ثوالث نحو: جدولٍ، وعثيرٍ، وشمال.
وكذلك: عدبسٌ ونحوه، جعل الأولى بمنزلة واو فدوكسٍ وياء عميثلٍ. وكذلك: قفعددٌ، جعل الأولى بمنزلة واو كنهورٍ.


وأما غيره فجعل الزوائد هي الأواخر، وجعل الثالثة في سلم وأخواتها هي الزائدة، لأن الواو تقع ثالثة في جدولٍ والياء في عثيرٍ. وجعل الآخرة في مهدد ونحوه بمنزلة الألف في معزىً وتترىً، وجعل الآخرة في خدبٍّ بمنزلة النون في خلفنةٍ، وجعل الآخرة في عدبسٍ بمنزلة الواو في كنهور وبلهور.
وجعل الآخرة في قرشبٍ بمنزلة الواو في قندأوٍ، وجعل الخليل الأولى بمنزلة الواو في فردوسٍ. وكلا الوجهين صوابٌ ومذهب.
وجعل الأولى في علكدٍ بمنزلة النون في قنفخرٍ. وغيره جعل الآخرة بمنزلة واو علود.
وأما الهمقع والزملق فبمنزلة العدبس، إحدى الميمين زائدة في قول الخليل وغيره سواءٌ.
وأما الهمرش فإنما هي بمنزلة القهبلس، فالأولى نون، يعني إحدى الميمين، نون ملحقة بقهبلس، لأنك لا تجد في بنات الأربعة على مثال فعللٍ.
وأما الهمقع فلا تجعل الأولى نوناً لأنا لم نجد في بنات الخمسة على سفرجلٍ، فتقول: الأولى نون؛ لأنه ليس في بنات الخمسة على مثال فعلللٍ. فلما لم يكن ذلك في الخمسة جعلنا الأولى ميماً على حالها حتى يجيء ما يخرجها من ذلك ويبين أنها غير ميم. كما أنك لا تجعل الأولى في غطمشٍ نوناً غلا بثبت، فكذلك هذه، فهي عندنا بمنزلة دبخسٍ في بنات الأربعة.
يقول: لما لم يكن في بنات الخمسة على مثال سفرجلٍ لم تكن الأولى من الميمين اللتين في همقع نوناً فتكون ملحقة بهذا البناء، لأنه ليس في الكلام، ولكنا نقول: هي ميم مضعفة، لأن العين وحدها لا تلحق بناء ببناء. ولا ينكر تضعيف العين في بنات الثلاثة والأربعة والخمسة.
باب نظائر ما مضى من المعتل
وما اختص به من البناء دون ما مضى والهمزة والتضعيف
هذا باب
ما كانت الواو فيه أولاً وكانت فاء
وذلك نحو: وعد يعد، ووجل يوجل. وقد تبين وجه يفعل فيهما فيما مضى، وتركنا أشياء ههنا لأنه قد تبين اعتلاله فيما مضى وإعرابه.
اعلم أن هذه الواو إذا كانت مضمومة فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها، وإن شئت أبدلت الهمزة مكانها، وذلك نحو قولهم في ولد: ألد، وفي وجوهٍ: أجوهٌ.
وإنما كرهوا الواو حيث صارت فيها ضمةٌ كما يكرهون الواوين فيهمزون نحو قؤولٍ ومؤونة. وأما الذين لم يهمزوا فإنهم تركوا الحرف على أصله، كما يقولن قوولٌ فلا يهمزون، ومع ذلك أن هذه الواو ضعيفة تحذف وتبدل، فأرادوا أن يضعوا مكانها حرفاً أجلد منها. ولما كانوا يبدلونها وهي مفتوحة في مثل وناةٍ وأناةٍ، كانوا في هذا أجدر أن يبدلوا حيث دخله ما يستثقلون، فصار الإبدال فيه مطرداً حيث كان البدل يدخل فيما هو أخف منه.
وقالوا: وجم وأجم، ووناةٌ وأناةٌ. وقالوا أحدٌ وأصله وحدٌ، لأنه واحد، فأبدلوا الهمزة لضعف الواو عوضاً لما يدخلها من الحذف والبدل. وليس ذلك مطرداً في المفتوحة، ولكن ناساً كثيراً يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة، فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولاً، كرهوا الكسرة فيها، كما استثقل في ييجل وسيدٍ وأشباه ذلك.
فمن ذلك قولهم: إسادةٌ وإعاءٌ. وسمعناهم ينشدون، البيت لابن مقبل:
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء والنعم
وربما أبدلوا التاء مكان الواو في نحو ما ذكرت لك إذا كانت أولاً مضمومة، لأن التاء من حروف الزيادة والبدل، كما أن الهمزة كذلك.
وليس إبدال التاء في هذا بمطرد. فمن ذلك قولهم: تراثٌ، وإنما هي من ورث، كما أن أناةً من ونيت لأن المرأة تعل كسولاً. كما أن أحداًُ من واحدٍ، وأجم من وجم حيث قالوا: أجم كذلك، لأنهم قد أبدلوا الهمزة مكان الواو المفتوحة والمكسورة أولاً.
ومن ذلك التخمة لأنها من الوخامة. والتكأة لأنها من توكأت. والتكلان لأنها من توكلت. والتجاه لأنها من واجهت.
وقد دخلت على المفتوحة كما دخلت الهمزة عليها، وذلك قولهم: تيقورٌ. وزعم الخليل أنها من الوقار، كأنه حيث قال، العجاج:
فإن يكن أمسى البلى تيقوري
أراد: فإن يكن أمسى البلى وقاري. وهو فيعولٌ.
وإذا التقت الواوان أولاً أبدلت الأولى همزة، ولا يكون فيها إلا ذلك، لأنهم لما استثقلوا التي فيها الضمة فأبدلوا، وكان ذلك مطرداً إن شئت أبدلت وإن شئت لم تبدل، لم يجعلوا في الواوين إلا البدل، لأنهما أثقل من الواو والضمة. فكما اطرد البدل في المضوم كذلك لزم البدل في هذا.


وربما أبدلوا التاء إذا التقت الواوان، كما أبدلوا التاء فيما مضى. وليس ذلك بمطرد، ولم يكثر في هذا كما كثر في المضموم، لأن الواو مفتوحة، فشبهت بواو وحدٍ. فكما قلت في هذه الواو وكانت قد تبدل منها، كذلك قلت في هذه الواو. وذلك قولهم: تولجٌ. زعم الخليل أنها فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو، وجعل فوعلاً أولى بها من تفعلٍ، لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلاً اسماًن وفوعلٌ كثير.
ومنهم من يقول: دولج، يريد تولجٌ، وهو المكان الذي تلج فيه.
وسألت الخليل عن فعلٍ من وأيت فقال: وؤىٌ كما ترى. فسأته عنها فيمن خفف الهمز فقال: أويٌ كما ترى، فأبدل من الواو همزة فقال: لابد من الهمزة، لأنه لا يلتقي واوان في أول الحرف.
فأما قصة الياء والواو فستبين في موضعها إن شاء الله. وكذلك هي من وألت.
باب ما يلزمه بدل التاء
من هذه الواوات التي تكون في موضع الفاء وذلك في الافتعال وذلك قولك: متقدٌ، ومتعدٌ، واتعد، واتقد واتهموا، في الاتعاد والاتقاد، من قبل أن هذه الواو تضعف ههنا، فتبدل إذا كان قبلها كسرة، وتقع بعد مضموم وتقع بعد الياء. فلما كانت هذه الأشياء تكنفها مع الضعف الذي ذكرت لك، صارت بمنزلة الواو في أول الكلمة وبعدها واوٌ، في لزوم البدل لما اجتمع فيها، فأبدلوا حرفاً أجلد منها لا يزول. وهذا كان أخف عليهم.
وأما ناسٌ من العرب فإنهم جعلوها بمنزلة واو قال، فجعلوها تابعة حيث كانت ساكنة كسكونها وكانت معتلةً، فقالوا: إيتعد كما قالوا قيل، وقالوا: ياتعد كما قالوا قال. وقالوا: موتعدٌ كما قالوا قول.
وقد أبدلت في أفعلت، وذلك قليل غير مطرد، من قبل أن الواو فيها ليس يكون قبلها كسرة تحولها في جميع تصرفها، فهي أقوى من افتعل. فمن ذلك قولهم: أتخمه، وضربه حتى أتكأه، وأتلجه يريد أولجه، وأتهم لأنه من التوهم؛ ودعاهم إلى ذلك ما دعاهم إليه في تيقور، لأنها تلك الواو التي تضعف، فأبدلوا أجلد منها؛ ومع هذا أنها تقع في يفعل ويفعل بعد ضمة.
فأما التقية فبمنزلة التيقور؛ وهو أتقاهما في كذلك، والتقى كذلك.
باب ما تقلب فيه الواو ياء
وذلك إذا سكنت وقبلها كسرة فمن ذلك قولهم: الميزان، والميعاد؛ وإنما كرهوا ذلك كما كرهوا الواو مع الياء في ليةٍ وسيدٍ ونحوهما، وكما يكرهون الضمة بعد الكسرة حتى إنه ليس في الكلام أن يكسرا أول حرف ويضموا الثاني نحو فعل؛ ولا يكون ذلك لازماً في غير الأول أيضاً إلا أن يدركه الإعراب، نحو قولك: فخذٌ كما ترى وأشباهه.
وترك الواو في موزانٍ أثقل، من قبل أنه ساكن فليس يحجزه عن الكسر شيءٌ. ألا ترى أنك إذا قلت وتدٌ قوي البيان للحركة؛ فإذا أسكنت التاء لم يكن إلا الإدغام، لأنه ليس بينهما حاجزٌ؛ فالواو والياء بمنزلة الحروف التي تداني في المخارج، لكثرة استعمالهم إياهما، وأنهما لا تخلو الحروف منهما ومن الألف، أو بعضهن، فكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم، كما أن رفع اللسان من موضع واحد أخف عليهم في الإدغام؛ وكما أنهم إذا أدنوا الحرف من الحرف كان أخف عليهم، نحو قولهم: ازدان؛ واصطبر؛ فهذه قصة الواو والياء.
فإذا كانتا ساكنتين وقبلهما فتحةٌ مثل موعدٍ وموقفٍ، لم تقلب ألفاً لخفة الفتحة والألف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها.
وقد بين من ذلك أشياءٌ فيما مضى، وستبين فيما يستقبل إن شاء الله.
وتحذفان في مواضع وتثبت الألف. وإنما خفت الألف هذه الخفة لأنه ليس منها علاج على اللسان والشفة، ولا تحرك أبداً، فإنما هي بمنزلة النفس، فمن ثم لم تثقل ثقل الواو عليهم ولا الياء، لما ذكرت لك من خفة مؤنها.
وإذا قلت مودٌّ ثبتت الواو، لأنها تحركت فقويت، ولم تقو الكسرة قوة الياء في ميت ونحوها.
وتقول في فوعلٍ من وعدت: أوعدٌ، لأنهما واوان التقتا في أول الكلمة.
وتقول في فيعولٍ: ويعودٌ، لأنه لم يلتق واوان، ولم تغيرها الياء لأنها متحركة وإنما هي بمنزلة واو ويح وويل.
وتقول في أفعولٍ: أوعود، ويفعولٍ: يوعودٌ، ولا تغير الواو كما لا تغي يومٌ. وسنبين لم كان ذلك فيما يلتقي من الواوات والياءات إن شاء الله.


وتقول في تفعلةٍ من وعدت، ويفعلٍ إذا كانا اسمين ولم يكونا من الفعل: توعدةٌ ويوعدٌ، كما تقول في الموضع والموركة. فإنما الياء والتاء بمنزلة هذه الميم، ولم تذهب الواو كما ذهبت من الفعل، ولم تحذف من موعدٍ لأنه ليس فيه من العلة ما في يعد، ولأنها اسم. ويدلك على أن الواو تثبت قولهم: توديةٌ، وتوسعةٌ، وتوصيةٌ.
فأما فعلةٌ إذا كانت مصدراً فإنهم يحذفون الواو منها كما يحذفونها من فعلها، لأن الكسرة يستثقل في الواو، فاطرد ذلك في المصدر، وشبه بالفعل، إذ كان الفعل تذهب الواو منه، وإذ كانت المصادر تضارع الفعل كثيراً في قيلك: سقياً، وأشباه ذلك.
فإذا لم تكن الهاء فلا حذف، لأنه ليس عوض. وقد أتموا فقالوا: وجهةٌ، في جهة. وإنما فعلوا ذلك بها مكسورة كما يفعل بها في الفعل وبعدها الكسرة، فبذلك شبهت.
فأما في الأسماء فتثبت،قالوا: ولدةٌ، وقالوا: لدةٌ كما حذفوا عدةً.
وإنما جاز فيما كان من المصادر مكسور الواو إذا كان فعلةً لأنه بعدد يفعل ووزنه، فيلقون حركة الفاء على العين كما يفعلون ذلك في الهمزة إذا حذفت بعد ساكن.
فإن بنيت اسماً من وعد على فعلةٍ: قلت وعدةٌن وإن بنيت مصدراً قلت عدةٌ.
باب ما كانت الياء فيه أولاً وكانت فاءً
وذلك نحو قولهم: يسر ييسير، ويئس ييئس، ويعر ييعر، ويل ييل من الأيل في الأسنان وهو انثناء الأسنان إلى داخل الفم. وقد بينا يفعل منه وأشياء فيما مضى، فنترك ذكرها ههنا لأنها قد بينت.
واعلم أن هذه الياء إذا ضمت لم يفعل بها ما يفعل بالواو، لأنها كياء بعدها واوٌ، نحو: حيودٍ ويومٍ وأشباه ذلك، وذاك لأن الياء أخف من الواو عندهم. ألا تراها أغلب على الواو من الواو عليها، وهي أشبه بالألف، فكأنها واو قبلها ألف، نحو: عاود، وطاول، وذلك قولهم: يئس ويبس.
يدلك على أن الياء أخف عليهم من الواو أنهم يقولون: ييئس وييبس، فلا يحذفون موضع الفاء كما حذفوا يعد. وكذلك فواعل تقول: يوابس.
فإن أسكنتها وقبلها ضمةٌ قلبتها واواً كما قلبت الواو ياء في ميزان، وذلك نحو: موقنٍ وموسرٍ وموئسٍ وموبسٍن ويا زيد وإس، وقد قال بعضهم: يا زيد يئس، شبهها بقيل.
وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: يا صالحيتنا جعل الهمزة ياءً ثم لم يقلبها واواً.
ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغة ضعيفة، لأن قياس هذا أن تقول: يا غلا موجل.
والياء توافق الواو في افتعل في أنك تقلب الياء تاء في افتعل من اليبس، تقول: اتبس ومتبسٌ ويتبس، لأنها قد تقلب تاء، ولأنها قد تضعف ههنا فتقلب واواً لو جاءوا بها على الأصل في مفتعلٍ وافتعل وهي في موضع الواو، وهي أختها في الاعتلال، فأبدلوا مكانها حرفاً هو أجلد منها، حيث كانت فاء وكانت أختها فيما ذكرت لك، فشبهوها بها.
فأما أفعل فإنها تسلم، لأن الاو تسلم في أفعل وأشباهه، إلا أن يشد الحرف.
وقد قالوا: يا تئس ويا تبس، فجعلوها بمنزلتها إذ صارت بمنزلتها في التاء؛ فليست تطرد العلة إلا فيما ذكرت لك، إلا أن يشذ حرف، قالوا: يبس يابس، كما قالوا يئس يئس، فشبهوها بيعد.
باب ما الياء والواو فيه ثانية
وهما في موضع العين منه اعلم أن فعلت وفعلت وفعلت منهما معتلة كما تعتل ياء يرمي وواو يغزو. وإنما كان هذا الاعتلال في الياء والواو لكثرة ما ذكرت لك من استعمالهم إياهما وكثرة دخولهما في الكلام، وأنه ليس يعرى منهما ومن الألف أو من بعضهن. فلما اعتلت هذه الأحرف جعلت الحركة التي في العين مخولة على الفاء، وكرهوا أن يقروا حركة الأصل حيث اعتلت العين، كما أن يفعل من غزوت لا تكون حركة عينه إلا من الواو، وكما أن يفعل من رميت لا تكون حركة عينه إلا من الياء حيث اعتلت؛ فكذلك هذه الحروف حيث اعتلت جعلت حركتهن على ما قبلهن، كما جعلت من الواو والياء حركة ما قبلها، لئلا تكون في الاعتلال على حالها إذا لم تعتل. ألا ترى أنك تقول: خفت وهبت فعلت فألقوا حركتها على الياء وأذهبوا حركة الفاء، فجعلوا حركتها الحركة التي كانت في المعتل الذي بعدها، كما لزم ما ذكرت لك الحركة مما بعده لئلا يجري المعتل على حال الصحيح.


وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت، وإنما حولت إلى فعلت ليغيروا حركة الفاء عن حالها لو لم تعتل؛ فلو لم يحولوها وجعلوها تعتل من قولت لكانت الفاء إذا هي ألقي عليها حركة العين غير متغيرة عن حالها لو لم تعتل، فلذلك حولوها إلى فعلت فجعلت معتلة منها. وكانت فعلت أولى بفعلت من الواو من فعلت لأنهم حيث جعلوها معتلة محولة الحركة جعلوا ما حركته منه أولى به، كما أن يغزو حيث اعتل لزمه يفعل، وجعل حركة ما قبل الواو من الواو، فكذلك جعلت حركة هذا الحرف منه.
ويدلك على أن أصله فعلت إنه ليس في الكلام فعلته. ونظيره في الاعتلال من محول إليه: يعد ويزن. وقد بين ذلك.
فأما طلت فإنها فعلت، لأنك تقول طويل وطوال، كما قلت قبح وقبيح، ولا يكون طلته كما لا يكون فعلته في شيء، واعتلت كما اعتلت خفت وهبت.
وأما بعت فإنها معتلة من فعلت تفعل، ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال الفاء كحال قلت، وجعلوا فعلث أولى بها كما أن يفعل من رميت حيث كانت حركة العين محولة من يفعل ويفعل إلى أحدهما، كان الذي من الياء أولى بها.
وكذلك زدت كانت الكسرة أولى بها، كما كانت الضمة أولى بالواو في قلت.
وليس في بنات الياء فعلت كما أنه ليس في باب رميت فعلت، وذلك لأن الياء أخف عليهم من الواو وأكثر تحويلاً للواو من الواو لها، وكرهوا أن ينقلوا الخفيف إلى ما يستثقلون.
ودخلت فعلت على بنات الواو كما دخلت في باب غزوت في قوله شقيت وغبيت لأنها نقلت من الأثقل إلى الأخف، ولو قلت فعلت في الياء لكنت مخرجاً الأخف إلى الأثقل، ولو قلت في باب زدت فعلت فقلت: زدت تزود، كما أنك لو قلتها من رميت لكانت رمو يرمو، فتضم الزاي كما كسرت الخاء في خفت. وتقول: تزوج كما تقول: موقن لأنها ساكنة قبلها ضمة.
وقالوا: وجد يجد، ولم يقولوا في يفعل يوجد، وهو القياس، ليعلموا أن أصله يجد.
وقال بعضهم: طلته، مثل قلته، وهو فعلت منقولة إلى فعلت، فعدى علت، ولو كانت فعلت لم تتعد.
وإذا قلت يفعل من قلت قلت يقول، لأنه إذا قال فعل فقد لزمه يفعل.
وإذا قلت يفعل من بعت قلت يبيع، ألزموه يفعل حيث كان محولاً من فعلت، ليجري مجرى ما حول إلى فعلت، وصار يفعل لهذا لازماً، إذ كان في كلامهم فعل يفعل في غير المعتل، فكما وافقه في تغيير الفاء كذلك وافقه في يفعل.
وأما يفعل من خفت وهبت. فإنه يخاف ويهاب، لأن فعل يلزمه يفعل، وإنما خالفتا يزيد ويبيع لأنهما لم تعتلا محولتين، وإنما اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في الأصل، فكما اعتلتا في فعلت من البناء الذي هو لهما في الأصل كذلك اعتلتا في يفعل منه.
وإذا قلت فعل من هذه الأشياء كسرت الفاء وحولت عليها حركة العين كما فعلت ذلك في فعلت لتغير حركة الأصل لو لم تعتل، كما كسرت الفاء حيث كانت العين منكسرة للاعتلال. وذلك قولك: خيف، وبيع، وهب، وقيل. وبعض العرب يقول: خيف وبيع وقيل، فيشم إرادة أن يبين أنها فعل. وبعض من يضم يقول: بوع وقول وخوف وهوب، يتبع الياء ما قبلها كما قال موقن.
وهذه اللغات دواخل على قيل وبيع وخيف وهيب، والأصل الكسر كما يكسر في فعلت.
فإذا قلت فعل صارت العين تابعة، وذلك قولك: باع، وخاف، وهاب، وقال. ولو لم تجعل تابعةً لالتبس فعل من باع وخاف وهاب بفعل، فأتبعوهن قال، حيث أتبعوا العين الفاء في أخواتهن ليستوين، وكرهوا أن يساوي فعل في حالٍ، إذ كان بعضهم يقول: قد قول ذاك. فاجتمع فيها هذا وأنهم شبهوها بأخواتها حيث أتبعوا العين فيهن ما قبلهن. فكما اتفقن في التغيير كذلك اتفقن في الإلحاق.
وحدثنا أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: كيد زيد يفعل، وما زيل زيد يفعل ذاك، يريدون: زال وكاد، لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت حيث أسكنوا العين وحولوا الحركة على ما قبلها، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل كما قالوا: خاف، وقال، وباع، وهاب.
فهؤلاء الحركات مردودةٌ إلى الأصل وما بعدهن توابع لهن كما يتبعن إذا أسكن الكسرة والضمة في قولهم: قد قيل وقد قول.
فإذا قلت فعلت أو فعلن أو فعلنا من هذه الأشياء، ففيها لغات: أما من قال قد بيع وزين وهيب وخيف فإنه يقول: خفنا وبعنا، وخفن وبعن، وهبت، يدع الكسرة على حالها ويحذف الياء، لأنه التقى ساكنان.


وأما من ضم بإشمامٍ إذا قال فعل فإنه يقول: قد بعنا وقد رعن وقد زدت. وكذلك جميع هذا يميل الفاء ليعلم أن الياء قد حذفت فيضم، وأمال كما ضموا وبعدها الياء، لأنه أبين لفعل.
وأما الذين يقولون بوع وقول وخوف وهوب فإنهم يقولون بعنا وخفنا وهبنا وزدنا، لا يزيدون على الضم والحذف، كما لم يزد الذين قالوا رعن وبعن على الكسر والحذف.
وأما مت تموت فإنما اعتلت من فعل يفعل، ولم تحول كما يحول قلت وزدت. ونظيرها من الصحيح فضل يفضل.
وكذلك كدت تكاد اعتلت من فعل يفعل، وهي نظيرة مت في أنها شاذة. ولم يجيئا على ما كثر واطرد من فعل وفعل.
وأما ليس فإنها مسكنة من نحو قوله: صيد، كما قالوا علم ذاك في علم ذاك، فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم الإسكان، إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء، وإنما فعلوا ذلك بها حيث لم تكن فيها يفعل وفيما مضى من الفعل، نحو قولك: قد كان ثم ذهب، ولا يكون منها فاعلٌ ولا مصدر ولا اشتقاق، فلما لم تصرف تصرف إخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت، لأنها ضارعتها، ففعل بها ما فعل بما هو بمنزلة الفعل وليس منه.
وأما قولهم: عور يعور، وحول يحول، وصيد يصيد فإنما جاءوا بهن على الأصل لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل نحو: اعوررت، واحوللت، وابيضضت، واسوددت، فلما كن في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل لكون ما قبله تحركن. فلو لم تكن في هذا المعنى اعتلت، ولكنها بنيت على الأصل إذ كان الأمر على هذا.
ومثل ذلك قولهم: اجتوروا، واعتونوا، حيث كان معناه معنى ما الواو فيه متحركة ولا تعتل فيه، وذلك قولهم: تعاونوا، وتجاوروا.
وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب. وهي من الواو، ويدلك على ذلك، طوحت وتوهت، وهو أطوح منه وأتوه منه، فإنما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل. ومن فعل يفعل اعتلتا ومن قال طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمةً. وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين الحرفين، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل أدخلت الضمة على الياء والواو والكسرة عليهما في فعلت وفعلت ويفعل ويفعل، ففرا من أن يكثر هذا في كلامهم مع كثرة الياء والواو، فكان الحذف والإسكان أخف عليهم.
ومن العرب من يقول: ما أتيهه، وتيهت، وطيحت. وقال: آن يئين، فهو فعل يفعل من الأوان، وهو الحين.
باب ما لحقته الزوائد
من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة
فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف المعتل ساكناً في الأصل ولم يكن ألفاً ولا واواً ولا ياءً فإنك تسكن المعتل وتحول حركته على الساكن. وذلك مطرد في كلامهم.
وإنما دعاهم إلى ذلك أنهم أرادوا أن تعتل وما قبلها إذا لحق لحرف الزيادة، كما اعتل ولا زيادة فيه. ولم يجعلوه معتلاً من محول إليه كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. ولو كان يخرج إلى ما هو من كلامهم لاستغنى بذا لأن ما قبل المعتل قد تغير عن حله في الأصل كتغير قلت ونحوه، وذلك: أجاد، وأقال، وأبان، وأخاف، واستراث، واستعاذ.
ولا يعتل في فاعلت لأنهم لو أسكنوا حذفوا الألف والواو والياء في فاعلت، وصار الحرف على لفظ ما لا زيادة فيه من باب قلت وبعت، فكرهوا هذا الإجحاف بالحرف والالتباس.
وكذلك تفاعلت لأنك لو أسكنت الواو والياء حذفت الحرفين.
وكذلك فعلت وتفعلت، وذلك قولهم: قاولت وتقاولنا، وعوذت وتعوذت، وزيلت وزايلت، وبايعت وتبايعنا، وزينت وتزينت.
وفي تفاعلت وتفعلت مع ما ذكرت أنه لم يكن ليعتل كما لم يعتل فاعلت وقعلت لأن التاء زيدت عليهما.
وقد جاءت حروفٌ على الأصل غير معتلة مما أسكن ما قبله فيما ذكرت لك قبل هذا، شبهوه بفاعلت إذ كان ما قبله ساكناً، كما يسكن ما قبل واو فاعلت. وليس هذا بمطرد، كما أن بدل التاء في باب أولجت ليس بمطرد، وذلك نحو قولهم: أجودت، وأطولت، واستحوذ، واستروح، وأطيب، وأخيلت، وأغيلت، وأغيمت، واستغيل، فكل هذا فيه اللغة المطردة، إلا أنا لم نسمعهم قالوا إلا استروح إليه، وأغيلت، واستحوذ، بينوا في هذه الأحرف كما بينوا في فاعلت، فجعلوها بمنزلتها في أنها لا تتغير، كما جعلوها بمنزلتها حيث أحيوها فيما تعتل فيه نحو: اجتوروا، إذ توهموا تفاعلوا.


ولو قال لك قائل: ابن لي من الجوار افتعلوا لقلت فيها اجتاروا، إلا أن يقول ابنه على معنى تفاعلوا فتقول: اجتوروا، وكذلك اجتوزوا، ولا ينكر أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا؛ لأن الاعتلال هو الكثير المطرد.
وإذا كان الحرف قبل المعتل متحر كما في الأصل لم يغير، ولم يعتل الحرف من محول إليه، كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. وذلك نحو: اختار، واعتاد، وانقاس. جعلوها تابعة حيث اعتلت وأسكنت كما جعلوها في قال وباع، لأنهم لم يغيروا حركة الأصل كما لم يغيروها في قال وباع، وجعلوا هذه الأحرف معتلة كما اعتلت ولا زيادة فيها.
وإذا قلت أفتعل وأنفعل قلت: أختيروا وأنقيد، فتعتل من أفتعل، فتحول الكسرة على التاء كما قلت ذلك في قيل، فتجري تيروقيد مجرى قيل وبيع في كل شيء.
وأما قولهم: اجتوروا، واعتونوا، وازدوجوا، واعتوروا، فزعم الخليل أنها إنما تثبت لأن هذه الأحرف في معنى تفاعلوا. ألا ترى أنك تقول: تعاونوا، وتجاوروا، وتزاوجوا. فالمعنى في هذا وتفاعلوا سواء. فلما كان معناها معنى ما تلزمه الواو على الأصل أثبتوا الواو، كما قالوا عور إذ كان في معنى فعلٍ يصح على الأصل. وكذلك: احتوشوا واهتوشوا، وإن لم يقولوا تفاعلوا فيستعملوه، لأنه قد يشرك في هذا المعنى ما يصح، كما قالوا صيد لأنه قد يشركه ما يصح، والمعنى واحد. فهما يعتوران باب افعل في هذا النحو كسود واسوددت، وثولت واثوللت، وابيضضت.
فإذا لم تعتل الواو في هذا ولا الياء نحو عورت وصيدت فإن الواو والياء لا تعتلان إذا لحق الأفعال الزيادة وتصرفت، لأن الواو بمنزلة واو شويت، والياء بمنزلة ياء حييت، ألا ترى أنك تقول: ألا أعور الله عينه: إذا أردت أفعلت من عورت، وأصيد الله بعيره.
باب ما اعتل من أسماء الأفعال
المعتلة على اعتلالها
اعلم أن فاعلاً منها مهموز العين. وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتل فعل منه، ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف، وكرهوا الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره، فهمزوا هذه الواو والياء إذ كانتا معتلتين وكانتا بعد الألفات، كما أبدلوا الهمزة من ياء قضاءٍ وسقاء حيث كانتا معتلتين وكانتا بعد الألف. وذلك قولهم: خائفٌ وبائعٌ.
ويعتل مفعولٌ منهما كما اعتل فعل، لأن الاسم على فعل مفعولٌ، كما أن الاسم على فعل فاعلٌ. فتقول: مزورٌ ومصوغٌ، وإنما كان الأصل مزوورٌ، فأسكنوا الواو الأولى كما أسكنوا في يفعل وفعل، وحذفت واو مفعولٍ لأنه لا يلتقي ساكنان.
وتقول في الياء: مبيعٌ ومهيبٌ، أسكنت العين وأذهبت واو مفعولٍ، لأنه لا يلتقي ساكنان وجعلت الفاء تابعةً للياء حين أسكنتها كما جعلتها تابعة في بيضٍن وكان ذلك أخف عليهم من الواو والضمة فلم يجعلوها تابعةً للضمة، فصار هذا الوجه عندهم، إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياء ولا يتبعوها الضمة فراراً من الضمة، والواو إلى الياء لشبهها بالألف، وذلك قولهم: مشوبٌ ومشيبٌ، وغارٌ منول ومنيل، وملومٌ مليمٌ، وفي حور: حير.
وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوعٌ، فشبهوها بصيودٍ وغيوريٍ، حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فهمز.
ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لأن الواوات أثقل عليهن من الياءات، ومنها يقرون إلى الياء؛ فكرهوا اجتماعهما مع الضمة.
ويجري مفعلٌ مجرى يفعل فيهما، فتعتل كما اعتل فعلهما الذي على مثالهما وزيادته في موضع زيادتها، فيجري مجرى يفعل في الاعتلال، كما قالوا: مخافةٌ، فأجروها مجرى يخاف ويهاب، فكذلك اعتل هذا، لأنهم لم يجاوزوا ذلك المثال المعتل، إلا أنهم وضعوا ميماً مكان ياء، وذلك قولهم: مقامٌ ومقالٌ، ومثابةٌ ومنارةٌ، فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل، وكذلك المغاث والمعاش.
وكذلك مفعل تجري مجرى يفعل، وذلك قولك: المبيض والميسر.
وكذلك مفعلةٌ تجري مجرى يفعل، وذلك: المعونة والمشورة والمثوبة، يدلك على أنها ليست بمفعولة أن المصدر لا يكون مفعولة.


وأما مفعلة من بنات الياء فإنما تجيء على مثال مفعلةٍ، لأنك إذا أسكنت الياء جعلت الفاء تابعةً كما فعلت ذلك في مفعول، ولا تجعلها بمنزلة فعلت في الفعل، وإنما جعلناها في فعلت يفعل تابعةً لما قبلها في القياس، غير متبعتها الضمة كما أن فعلت تفعل في الواو، وإذا سكنت لم تتبعها الكسرة، وإنما هذا كقولهم: رمو الرجل في الفعل، فيتبعون الواو ما قبلها ولا يفعلون ذلك في فعل لو كان اسماً، فمعيشةٌ يصلح أن تكون مفعلةً ومفعلةً.
وأما مفعل منهما فهو على يفعل، وذلك قولهم: مقامٌ ومباعٌ، إذا أردت منهما مثل مخدع، وكمسعط يجري من الواو كأفعل من الأمر قبل أن يدركه الحذف، وهو قولك: مزورٌ ومقولٌ، يجري مجرى مفعلةٍ منها، إلا أنك تضم الأول، وذلك قولك: مبيعةٌ.
وقد قال قوم في مفعلةٍ فجاءوا بها على الأصل؛ وذلك قول بعضهم: إن الفكاهة لمقودةٌ إلى الأذى. وهذا ليس بمطرد، كما أن أجودت ليس بمطرد.
وقد جاء في الاسم مشتقاً للعلامة، لا لمعنى سوى ذا، على الأصل، وذلك نحو: مكوزةً ومزيد. وإنا جاء هذا كما جاء تهلل حيث كان اسماً، وكما قالوا حيوة وشبهوا هذا بمورقٍ وموهبٍ، حيث أجروه على الأصل إذ كان مشتقاً للعلامة. وليس هذا بمطرد في مزيد ومكوزة، كما أن تهلل وحيوة ليس بمطرد. وليس مزيدٌ ومكوزة بأشد من لزومهم استحوذ وأغيلت.
وقالوا: محببٌ، حيث كان اسماً ألزموه الأصل كمورق.
ويتم أفعل اسماً، وذلك قولك: هو أقول الناس وأبيع الناس، وأقول منك وأبيع منك. وإنما أتموا ليفصلوا بينه وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام، ويتم في قولك: ما أقوله وأبيعه لأن معناه معنى أفعل منك وأفعل الناس، لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائلٌ وبائع، كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس. وهو بعد نحو الاسم لا يتصرف تصرفه ولا يقوى قوته. فأرادوا أن يفرقوا بين هذا وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام، وكذلك أفعل به، لأن معناه معنى ما أفعله، وذلك قولك: أقول به وأبيع به.
ويتم في أفعلٍ، لأنهما اسمان، فرقوا بينهما وبين أفعل من الفعل، ولو أردت مثل أصبعٍ، من قلت وبعت لأتممت لتفرق بين الاسم والفعل.
فأما أفعلٌ فنحو: أدروٍ، وأسوقٍ، وأثوبٍ، وبعض العرب يهمز لوقوع الضمة في الواو، لأنها إذا انضمت خفيت الضمة فيها كما تخفى الكسرة في الياء.
وأما أفعلةٌ فنحو: أخونةٍ، وأسورةٍ وأجوزةٍ، وأحورةٍ، وأعينةٍ.
ولا تهمز أفعلٌ من بنات الياء، لأن الضمة فيها أخف عليهم، كما أن الياء وبعدها الواو أخف عليهم من الواو. وقد بين ذلك، وسيبين إن شاء الله، وذلك نحو: أعينٍ وأنيبٍ.
وأما نظير إصبعٍ منها فإقولٌ وإبيعٌ وإن أردت مثال إثمدٍ قلت إبيعٌ وإقولٌ، لئلا يكون كأفعلٍ منهما فعلاً وإفعل قبل أن يدركهما الحذف والسكون للجزم.
وإن أردت منهما مثال أبلم قلت أبيعٌ وأقولٌ، لئلا يكونا كأفعل منهما في الفعل قبل أن يحذف ساكناً عن الأصل. غير أنك إن شئت همزة أفعلاً من قلت كما همرت أدؤراً.
ولم نذكر أفعل لأنه ليس في الكلام أفعل اسماً ولا صفة، وكان الإتمام لازماً لهذا مع ما ذكرنا، إذ كان يتم في أجود ونحوه.
ويتم تفعلٌ اسماً وتفعلٌ منهما، ليفرق بينهما وبين تفعل وتفعل في الفعل، كما فعلت ذلك في أفعل وذلك قولك تقول وتبيع وتقول وتبيع.
وكذلك إذا أردت مثال تنضب تقول تقول وتبيع لتفرق بينهما وبين تفعل فعلاً، كما أنك إذا أردت مثال تتفلٍ وترتبٍ أتممت، وإذا أردت مثل تنهية، وتوصيةٍ تتم ذلك، كما أتممت أفعلةً، ليفرق بينه اسماً وفعلاً، وذلك قولك: تقولةٌ وتبيعةٌ، وإن شئت همزت تفعلٌ من قلت وأفعلٌ، كما همزة أفعلٌ وإنما قلت تقولةٌ وتبيعةٌ لتفرق بين هذا وبين تفعل، يدلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب في تفعلةٍ من دار يدور: تدورةٌ، قال الشاعر:
بتنا بتدورةٍ يضيء وجوهنا ... دسم السليط على فتيل ذبال
والتتوبة تريد التوبة.
وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء، أنها ليست في الأسماء والصفة إلا في يفعل، ولم تجر هذه الأسماء مجرى ما جاء على مثال الفعل وأوله ميم، لأن الأفعال لا تكون زيادتها التي في أوائلها ميماًن فمن ثم لم يحتاجوا إلى التفرقة.


وأما تفعلٌ مثل التتفل فإنه لا يكون فعلاًن فهو بمنزلة ما جاء على مثال الفعل، ولا يكون فعلاً مما أوله الميم. فإذا أردت تفعل منهما فإنك تقول تقولٌ وتبيعٌ كما فعلت ذلك في مفعل، لأنه على مثال الفعل ولا يكون فعلاً. وكذلك تفعل نحو التحلىء، يجري مجرى افعل كما أجري تفعل مجرى افعل، فأجري هذا مجرى ما أوله الميم. فالتفعل مثل التحلىء، ومثاله منهما تقيلٌ وتبيعٌ.
وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل ليس بينهما إلا إسكان متحرك وتحريك مسكن، ويفرق بينه وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما الحذف، لا على ما استعمل في الكلام، ولا على الأصل قبل الإسكان، ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام واقال، ليس فيهما إلا إسكان متحرك وتحريك ساكن.
بابٌ أتم فيه الاسم
لأنه ليس على مثال الفعل فيمثل به، ولكنه أتم لسكون ما قبله وما بعده كما يتم التضعيف إذا أسكن ما بعده نحو اردد وسترى ذلك في أشياء فيما بعد إن شاء الله وذلك فعلٌ وفعالٌ، نحو: حولٍ وعوارٍ. وكذلك فعالٌ، نحو قوالٍ، ومفعالٌ، نحو: مشوارٍ ومقوالٍ. وكذلك التفعال، نحو التقوال. وكذلك التفعال، نحو التقوال. وكذلك ففعولٌ، نحو قوولٍ وبيوعٍ. وفعولٌ، نحو شيوخٍ وحوولٍ وسووقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو نوارٍ وجوابٍ وهيامٍ. وكذلك فعيلٌ، نحو طويلٍ وقويمٍ وسويقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو: طوالٍ وهيامٍ، وفعالٌ نحو: خوانٍ وخيارٍ وعيانٍن ومفاعل نحو: مقاول ومعايش.
وبنات الياء في جميع هذا في الإتمام كبنات الواو، في ترك الهمز وفي الهمز.
وطاووسٌ نحو ما ذكرت لك، وناووسٌ، وسابورٌ، وكذلك أهوناء وأبنياء وأعيياء، وقد قالوا أعياء، وقد قال بعض العرب أبنياء فأسكن الياء وحرك الباء، كره الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في الواو في فعل من الواو فأسكنوا نحو نورٍ وقولٍ؛ فليس هذا بالمطرد فأما الإقامة والاستقامة فإنما اعتلتا كما اعتلت أفعالهما، لأن لزوم الاستفعال والإفعال لاستفعل وأفعل، كلزوم يستفعل ويفعل لهما، ولو كانتا تفارقان كما تفارق بنات الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها لتمت كما تتم فعولٌ منهما ونحوه.
وأما مفعولٌ فإنهم حذفوه فيهما وأسكنوه لأنه الاسم من فعل، وهو لازمٌ له كلزوم الإفعال والاستفعال لأفعالهما، فمن ثم أجري في الاعتلال مجرى فعله، لأنه الاسم من فعل ويفعل، كما أن الاسم من فعل ويفعل اعتل كما اعتل فعله.
فأما ما ذكرنا مما أتممناه للسكون فليس بالاسم من فعل ويفعل، ولا من فعل ويفعل، إنما الاسم من هذه الأشياء فاعلٌ ومفعولٌ. فإن قلت: قالوا طويلٌ؟ فإن طويلاً لم يجىء على يطول ولا على الفعل. ألا ترى أنك لو أردت الاسم على يفعل لقلت طائلٌ غداً، ولو كان جاء عليه لاعتل فإنما هو كفعيلٍ يعنى به مفعولٌ، وقد جاء مفعولٌ على الأصل، فهذا أجدر أن يلزمه الأصل، قالوا: مخيوطٌ.
ولا يستنكر أن تجيء الواو على الأصل. ولو جاءوا بالاسم على الفعل لقالوا طائلٌ كما قالوا قائمٌ. ولم يهمزوا مقاول ومعايش، لأنهما ليستا بالاسم على الفعل فتعتلا عليه، وإنما هو جمع مقالةٍ ومعيشةٍ، وأصلهما التحريك، فجمعتهما على الأصل كأنك جمعت معيشةً ومقولةً، ولم تجعله بمنزلة ما اعتل على فعله، ولكنه أجري مجرى مفعالٍ.
وسألته عن مفعلٍ لأي شيءٍ أتم ولم يجر مجرى افعل؟ فقال: لأن مفعلاً إنما هو من مفعال. ألا ترى أنهما في الصفة سواء، تقول: مطعنٌ ومفسادٌ، فتريد في المفساد من المعنى ما أردت في المطعن. وتقول: المخصف والمفتاح، فتريد في المخصف من المعنى ما أردت في المفتاح.
وقد يعتوران الشيء الواحد نحو مفتحٍ ومفتاح، ومسجٍ ومنساجٍ، ومقولٍ ومقوالٍ. فإنما أتممت فيما زعم الخليل أنها مقصورة من مفعالٍ أبداً، فمن ثم قالوا مقولٌ ومكيلٌ. فأما قولهم مصائب فإنه غلطٌ منهم، وذلك أنهم توهموا أن مصيبةً فعيلةٌ وإنما هي مفعلةٌ. وقد قالوا: مصاوب.


وسألته عن واو عجوزٍ وألف رسالةٍ وياء صحيفةٍ، لأي شيء همزن في الجمع، ولم يكن بمنزلة معاون ومعايش إذا قلت صحائف ورسائل وعجائز؟ فقال: لأني إذا جمعت معاون ونحوها، فإنما أجمع ما أصله الحركة، فهو بمنزلة ما حركت كجدول. وهذه الحروف لما لم يكن أصلها التحريك وكانت ميتةٍ لا تدخلها الحركة على حالٍ، وقد وقعت بعد ألف، لم تكن أقوى حالاً مما أصله متحرك. وقد تدخله الحركة في مواضع كثيرة وذلك نحو قولك: قال وباع، ويغزو ويرمي، فهمزت بعد الألف كما يهمز سقاءٌ وقضاءٌ، وكما يهمز قائلٌ وأصله التحريك، فهذه الأحرف الميتة التي ليس أصلها الحركة أجدر أن تغير إذا همزت ما أصله الحركة، فمن ثم خالفت ما حرك وما أصله الحركة في الجمع كجدولٍ ومقامٍ. فهذه الأسماء بمنزلة ما اعتل على فعله نحو يقول ويبيع، ويغزو ويرمي، إذا وقعت هذه السواكن بعد ألف.
وقالوا: مصيبةٌ ومصائب، فهمزوها وشبهوها حيث سكنت بصحيفةٍ وصحائف.
وأما فاعلٌ من عورت، فإذا قالوا فاعلٌ غداً قالوا: عاورٌ غداً. وكذلك صيدت؛ لأنها لما حيت في عورت أجريت مجرى واو شويت، وأجريت ياء صيدت مجرى ياء حييت، إلا أنه لا يدركها الإدغام. وذلك مثل قولك: صايدٌ غداً.
ولو كانت تقول اسماًن ثم أردت أن تكسر للجمع لقلت: تقاول، وكذلك تبيعٌ وتبايع، فلا تهمز، لأنك إذا جمعت حرفاً والمعتل فيه أصله التحريك فإنما هو كمعونةٍ ومعيشةٍ، ولم ترد اسماً على الفعل فتجريه مجرى الفعل، ولكنك جمعت اسماً.
ويتم فاعلٌ كما أتممت ما ليس باسم فعلٍ مما ذكرت لك، تقول قاولٌ وبايعٌ.
فإذا قلت فواعل من عورت وصيدت همزت، لأنك تقول في شويت شواياً، ولو قلت: شواوٍ كما ترى قلت عواور ولم تغير. فلما صارت منه على هذا المثال همزت نظيرها كما تهمز نظير مطايا من غير بنات الياء والواو، نحو صحائف. فلم تكن الواو لتترك في فواعل من عورت وقد فعل بنظيرها ما فعل بمطايا، فهمزت كما همزت صحائف. وفيها من الاستثقال نحو ما في شواوٍ، لالتقاء الواوين وليس بينهما حاجزٌ حصينٌ، فصارت بمنزلة الواوين يلتقيان، فقد اجتمع فيها الأمران.
وتجري فواعل من صيدت مجراها كما اتفقا في الهمز في حال الاعتلال، لأنها تهمز هنا كما تهمز معتلةً، ولأن نظيرها من حييت يجري مجرى شويت، فيوافقها كما اتفقا في الاعتلال في قلت وبعت.
هذا باب
ما جاء في أسماء هذا المعتل على ثلاثة
أحرف لا زيادة فيه
اعلم أن كل اسم منها كان على ما ذكرت لك، إن كان يكون مثاله وبناؤه فعلاً فهو بمنزلة فعله، يعتل كاعتلاله. فإذا أردت فعلٌ قلت: دارٌ ونابٌ وساقٌ، فيعتل كما يعتل في الفعل، لأنه ذلك البناء وذلك المثال، فوافقت الفعل كما توافق الفعل في باب يغزو ويرمي.
وربما جاء على الأصل كما يجيء فعلٌ من المضاعف على الأصل إذا كان اسماً، وذلك قولهم: القود، والحوكة، والخونة، والجورة. فأما الأكثر فالإسكان والاعتلال. وإنما هذا في هذا بمنزلة أجودت واستحوذت.
وكذلك فعلٌ وذلك: خفت ورجلٌ خافٌ، وملت ورجلٌ مالٌ، ويومٌ راحٌ. فزعم الخليل أن هذا فعلٌ حيث قلت فعلت كقولهم: فرق وهو رجلٌ فرقٌ، ونزق وهو رجلٌ نزقٌ. وقد جاء على الأصل كما جاء فعلٌ، قالوا: رجلٌ روعٌ ورجلٌ حولٌ.
وأما فعلٌ فلم يجيئوا به على الأصل كراهيةً للضمة في الواو، ولما عرفوا أنهم يصيرون إليه من الاعتلال من الإسكان أو الهمز، كما فعلوا ذلك يأدؤرٍ وخونٍ.
وأما فعلٌ منها فعلى الأصل ليس فيه إلا ذلك، لأنه لا يكون فعلاً معتلاً فيجري مجرى فعله وكان هذا اللازم له إذ كان البناء الذي يكون فيه معتلاً قد يجيء على الأصل على فعله، نحو قودٍ وروعٍ. فإنما شبه ما اعتل من الأسماء هنا به إذ كان فعلاً. فأما ما لم يكن معتلاً مثاله فهو على الأصل. وذلك قولهم: رجلٌ نومٌ، ورجلٌ سولةٌ، ولومةٌ، وعيبةٌ.
وكذلك فعلٌ، قالوا: حولٌ، وصيرٌ، وبيعٌ، وديمٌ.
وكذلك إن أردت نحو إبل قلت قولٌ، وبيعٌ.


فأما فعلٌ فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو، فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول، وذلك قولهم: عوانٌ وعونٌ؛ ونوارٌ ونورٌ، وقوولٌ وقومٌ قولٌ. وألزموا هذا الإسكان إذ كانوا يسكنون غير المعتل نحو رسلٍ وعضدٍ وأشباه ذلك. ولذلك آثروا الإسكان فيها على الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال. ولم يكن لأدؤرٍ وقؤولٍ مثالٌ من غير المعتل يسكن فيشبه به. ويجوز تثقيله في الشعر كما يضعفون فيه ما لا يضعف في الكلام. قال الشاعر، وهو عدي بن زيد:
وفي الأكف اللامعات سور
وأما فعلٌ من بنات الياء فبمنزلة غير المعتل، لأن الياء وبعدها الواو أخف عليهم، كما كانت الضمة أخف عليهم فيها، وذلك نحو غيورٍ وغيرٍ. فإذا قلت فعلٌ قلت غيرٌ ودجاجٌ بيضٌ. ومن قال رسلٌ فخفف قالبيضٌ وغيرٌ كما يقولها في فعلٍ من أبيض، لأنها تصير فعلاً.
باب تقلب الواو فيه ياءً
لا لياءٍ قبلها ساكنة، ولا لسكونها وبعدها ياء
وذلك قولك: حالت حيالاً. وإنما قلبوها حيث كانت معتلةً في الفعل، فأرادوا أن تعتل إذا كانت قبلها كسرة وبعدها حرف يشبه الياء، فلما كان ذلك فيها مع الاعتلال لم يقروها؛ وكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم، وجسروا على ذلك للاعتلال.
ومثل ذلك: سوطٌ وسياطٌ، وثوبٌ وثيابٌ، وروضةٌ ورياضٌ. لما كانت الواو ميتةً ساكنة شبهوها بواو يقول؛ لأنها ساكنة مثلها، ولأنها حرف الاعتلال. ألا ترى أن ذلك دعاهم إلى أنهم لا يستثقلونها في فعلاتٍ، إذ كان ما أصله التحريك يسكن، وصارت الكسرة بمنزلة ياء قبلها، وعملت فيه الألف لشبهها بالياء كما عملت ياء يوجل في ييجل.
وأما ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله الكسر، لأنهم قد يكرهون الواو بعد الكسرة حتى يقلبوها فيما قد ثبتت في واحده، فلما كان ذلك من كلامهم ألزموا البدل ما قلب في الواحد، وذلك قولهم: ديمةٌ وديمٌ، وقامةٌ وقيم، وتارةٌ وتير، ودارٌ وديارٌ. وهذا أجدر أن يكون إذ كانت بعدها ألف. فلما كانت الياء أخف عليهم والعمل من وجه واحد، جسروا عليه في الجمع إذ كان في الواحد محولاً، واستثقلت الواو بعد الكسرة كما تستثقل بعد الياء.
وإذا قلت فعلة فجمعت ما في واحده الواو أثبت الواو، كما قلت فعلٌ فأثبت ذلك، وذلك قولك: حولٌ وعوضٌ، لأن الواحد قد ثبت فيه، وليس بعدها ألف فتكون كالسياط. وذلك قولك: كوزٌ وكوزةٌ، وعودٌ وعودةٌ، وزوجٌ وزوجةٌ. فهذا قبيلٌ آخر.
وقد قالوا ثورةٌ وثيرةٌ، قلبوها حيث كانت بعد كسرة، واستثقلوا كما استثقلوا أن تئبت في ديمٍ. وهذا ليس بمطرد. يعني ثيرةٌ.
وإذا جمعت قيلٌ قلت أقوالٌ، لأنه ليس قبلها ما يستثقل معه من كسرة أو ياء.
ولو جمعت الخيانة والحياكة كما قلت رسالةٌ ورسائل، لقلت حوائك وخوائن؛ لأن الواو إذا كانت بعد فتحة أخف عليهم وبعد ألف، فكأنك قلت عاود، فتقلبها واواً كما قلبت ميزاناً وموازين، ولا يكون أسوأ حالاً في الرد إلى الأصل من رد الساكن إلى الأصل حيث قلب.
ومما أجري مجرى حالت حيالاً ونام نياماً: اجتزت اجتيازاً، وانقدت انقياداً، قلبت الواو ياء حيث كانت بين كسرة وألف، ولم يحذفوا كما حذفوا في الإقالة والاستعاذة، لأن ما قبل هذا المعتل لم يكن ساكناً في الأصل حرك بحركة ما بعده فيفعل ذلك بمصدره. ولكن ما قبله بمنزلة قاف قام ونون نام، فنام وقاد يجري مجراهما. والحرف قبل المعتل فيما ذكرت لك ساكن الأصل، ومصدره كذلك، فأجري مجراه.
فأما اسم اختار واختير فمعتلٌّ كما اعتل اسم قال وقيل، وكذلك اسم انقاد وانقيد ونحوه.
فأما الفعال من جاورت فتقول فيه بالأصل، وذلك الجوار والحوار. ومثل ذلك عاونته عواناً. وإنما أجريتها على الأصل حيث صحت في الفعل ولم تعتل كما قلت تجاور ثم قلت التجاور، وكما صح فعلت وتفعلت حيث قلت سوغته تسويغاً وتقول تقولاً.


وأما الفعول من نحو قلت مصدراً، ومن نحو سوط جمعاً، فليس قبل الواو فيه كسرة فتقلبها كما تقلبها ساكنة، فهم يدعونها على الأصل كما يدعون أدوراً، ويهمزون كما يهمزونه. والوجهان مطردان، وكذلك فعولٌ. ولم يسكنوا فيحذفوا ويصيرا بمنزلة ما لا زيادة فيه نحو فعلٍ، وذلك نحو غارت غووراً، وسارت سووراً، وحولٌ وحوولٌ، وخورٌ وخوورٌ، وساقٌ وسووقٌ. وكذلك قالوا: القوول، والموونة، والنووم، والنوور. وقد همزوا كما همزوا أدؤر، لاجتماع الواو والضم، ولأن الضم فيها أخفى.
ولا يفعلون ذلك بالياء في هذه الأبنية، لأنها بعدها أخف عليهم، لخفة الياء وشبهها بالألف، فكأنها بعد ألف، ولكنها تقلب ياء في فعل؛ وذلك قولهم: صيمٌ في صومٍ، وقيمٌ في قوم، وقيلٌ في قول، ونيمٌ في نومٍ. لما كانت الياء أخف عليهم وكانت بعد ضمة، شبهوها بقولهم عتيٌّ في عتوٍ، وجثيٌّ في جثوٍ، وعصيٌّ في عصوٍ. وقد قالوا أيضاً: صيمٌ ونيمٌ، كما قالوا عتيٌّ وعصيٌّ. ولم يقلبوا في زوارٍ وصوامٍ لأنهم شبهوا الواو في صيمٍ بها في عتوٍ إذا كانت لاماً وقبل اللام واو زائدة. وكلما تباعدت من آخر الحرف بعد شبهها وقويت وترك ذلك فيها إذ لم يكن القلب الوجه في فعلٍ. ولغة القلب مطردة في فعلٍ.
وقالوا: مشوبٌ ومشيبٌ، وحورٌ وحيرٌ، وهذا النحو، فشبهوه بفعلٍ وأجروه مجراه.
وأما طويلٌ وطوالٌ فهو بمنزلة جاور وجوارٌ، لأنها حية في الواحد على الأصل.
وأما فعلانٌ فيجري على الأصل وفعلى، نحو جولانٍ وحيدانٍن وصورى وحيدى. جعلوه بالزيادة حتى لحقته بمنزلة ما لا زيادة فيه مما لم يجىء على مثال الفعل، نحوا لحول والغير واللومة. ومع هذا أنهم لم يكونوا ليجيئوا بهما في المعتل الأضعف على الأصل نحو: غزوانٍ، ونزوانٍ، ونفيانٍ. ويتركان في يالمعتل الأقوى.
وكذلك فعلاء، نحو السيراء. وفعلاء بمنزلة ذلك. قالوا: قوباء وخيلاء، فتمت كما قالوا: عرواءٌ.
وقد قالبعضهم في فعلان وفعلى كما قالوا في فعلٍ ولا زيادة فيه، جعلوا الزيادة في آخره بمنزلة الهاء، وجعلوه معتلاً كاعتلاله ولا زيادة فيه. وذلك قولهم: دارانٌ من دار يدور، وحادانٌ من حاد يحيد، وهامانٌ ودالانٌ. وهذا ليس بالمطرد كما لا تطرد أشياء كثيرة ذكرناها.
وأما فعلى وفعلى وهذا النحو فلا تدخله العلة كما لا تدخل فعلٌ وفعل.
باب ما تقلب فيه الياء واواً
وذلك فعلى إذا كانت اسماً. وذلك: الطوبى، والكوسى، لأنها لا تكون وصفاً بغير ألف ولام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً.
وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فعلٍ منها، يعني بيضٌ. وذلك قولهم: امرأةٌ حيكى. ويدلك على أنها فعلى أنه لا يكون فعلى صفةً.
ومثل ذلك: " قسمةٌ ضيزى " فإنما فرقوا بين الاسم والصفة في هذا كما فرقوا بين فعلى اسماً وبين فعلى صفة في بنات الياء التي الياء فيهن لام. وذلك قولهم: شروى وتقوى في الأسماء.
وتقول في الصفات: صديا وخزيا، فلا تقلب. فكذلك فرقوا بين فعلى صفة وفعلى اسماً فيما الياء فيه عين، وصارت فعلى ههنا نظيرة فعلى هناك، ولم يجعلوها نظيرة فعلى حيث كانت الياء ثانية، ولكنهم جعلوا فعلى اسماً بمنزلتها، لأنها إذا ثبتت الضمة في أول حرف قلبت الياء واواً، والفتحة لا تقلب الياء، فكرهوا أن يقلبوا الثانية إذا كانت ساكنةً إلا كما قلبوا ياء موقنٍ، وإلا كما قلبوا واو ميزانٍ وقيل. وليس شيءٌ من هذا يقلب وقبله الفتحة. وكما قلبوا ياء يوقن في الفعل.
فأما فعلى فعلى الأصل في الواو والياء، وذلك قولهم: فوضى، وعيثى. وفعلى من قلت على الأصل كما كانت فعلى من غزوت على الأصل، فإنما أرادوا أن تحول إذا كانت ثانيةً من علة، فكان ذلك تعويضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها.
باب ما تقلب الواو فيه ياءً
إذا كانت متحركة والياء قبلها ساكنة، أو كانت ساكنة والياء بعدها متحركة
وذلك لأن الياء والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها لكثرة استعمالهم إياهما وممرهما على ألسنتهم، فلما كانت الواو ليس بينها وبين الياء حاجزٌ بعد الياء ولا قبلها، كان العمل من وجهٍ واحد ورفع اللسان من موضع واحد، أخف عليهم. وكانت الياء الغالبة في القلب لا الواو؛ لأنها أخف عليهم، لشبهها بالألف. وذلك قولك في فيعلٍ: سيدٌ وصيبٌ، وإنما أصلهما سيودٌ وصيوبٌ.


وكان الخليل يقول: سيدٌ فيعلٌ وإن لم يكن فيعلٌ في غير المعتل، لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا كينونةٌ والقيدود، لأنه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود. ألا ترى أنك تقول جملٌ منقاد وأقود، فأصلهما فيعلولةٌ. وليس في غير المعتل فيعلولٌ مصدراً. وقالوا: قضاةٌ فجاءوا به على فعلةٍ في الجمع، ولا يكون في غير المعتل للجمع. ولو أرادوا فيعلٌ لتركوه مفتوحاً كما قالوا تيحانٌ وهيبانٌ.
وقد قال غيره: هو فيعلٌ، لأنه ليس في غير المعتل فيعلٌ. وقالوا: غيرت الحركة لأن الحركة قد تقلب إذا غير الاسم. ألا تراهم قالوا بصريٌّ، وقالو أمويٌّ، وقالوا أختٌ، وأصله الفتح. وقالوا دهريٌّ. فكذلك غيروا حركة فيعلٍ.
وقول الخليل أعجب إلي؛ لأنه قد جاء في المعتل بناءٌ لم يجىء في غيره، ولأنهم قالوا هيبانٌ وتيحانٌ فلم يكسروا. وقد قال بعض العرب:
ما بال عيني كالشعب العين
فإنما يحمل هذا على الاطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك؛ ووجدت بناء في المعتل لم يكن في غيره. ولا تحمله على الشاذ الذي لا يطرد، فقد وجدت سبيلاً إلى أن يكون فيعلاً.
وأما قولهم: ميتٌ وهينٌ ولينٌ، فإنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائرٍ، لاستثقالهم الياءات، كذلك حذفوها في كينونةٍ وقيدودةٍ وصيرورةٍ، لما كانوا يحذفونها في العدد الأقل، ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية في العدد، إلا حرفاً واحداً. وإنما أرادوا بهن مثال عيضموزٍ.
وإذا أردت فيعل من قلت قلت قيلٌ. فلو كان يغير شيء من الحركة باطراد لغيروا الحركة ههنا. فهذه تقوية لأن يحمل سيدٌ على فيعلٍ، إذ كانت الكسرة مطردة كثيرة. وبنات الياء فيما ذكرت لك وبنات الواو سواء.
ومما قلبوا الواو فيه ياء ديارٌ وقيامٌ، وإنما كان الحد قيوامٌ وديوار.
وقالوا قيومٌ وديورٌ، وإنما الأصل قيوومٌ وديوورٌ، لأنهما بنيا على فيعالٍ وفيعولٍ.
وأما فعيلٌ مثل حذيمٍ فبمنزلة فيعلٍ، إلا أنك تكسر أول حرف فيه.
وأما زيلت ففعلت من زايلت. وإنا زايلت بارحت، لأن مازلت أفعل ما برحت أفعل، فإنما هي من زلت، وزلت من الياء. ولو كانت زيلت فيعلت لقلت في المصدر زيلةً ولم تقل تزييلاً.
وأما تحيزت فتفيعلت من حزت، والتحيز تفيعلٌ.
وأما صيودٌ وطويلٌ وأشباه ذلك فإنما منعهم أن يقلبوا الواو فيهن ياءً أن الحرف الأول متحرك، فلم يكن ليكون إدغامٌ إلا بسكون الأول. ألا ترى أن الحرفين إذا تقارب موضعهما فتحركا أو تحرك الأول وسكن الآخر لم يدغموا نحو قولهم: وتدٌ ووتدٌ فعلٌ، ولم يجيزوا وده على هذا فيجعلوه بمنزلة مد لأن الحرفين ليسا من موضع تضعيف، فهم في الواو والياء أجدر أن لا يفعلوا ذلك.
وإنما أجروا الواو والياء مجرى الحرفين المتقاربين، وإنما السكون والتحرك في المتقاربين، فإذا لم يكن الأول ساكناً لم تصل إلى الإدغام، لأنه لا يسكن حرفان. فكانت الواو والياء أجدر أن لا يفعل بهما ما يفعل بمد ومد، لبعد ما بين الحرفين. فلما لم يصلوا إلى أن يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة لم يقلبوا وتركوها على الأصل كما ترك المشبه به.
وفوعلٌ من بعت بيعٌن تقلب الواو كما قلبها وهي عين في فيعلٍ وفيعلٍ من قلت. وكذلك فعيل من بعت وفعولٌ، تقول بيعٌ وبيعٌ. وعلى هذه الطريقة فأجر هذا النحو.
وسألت الخليل عن سوير وبويع ما منعهم من أن يقلبوا الواو ياءً؟ فقال: لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا بأصل، وإنما صارت للضمة حين قلت فوعل. ألا ترى أنك تقول: سير ويساير، فلا تكون فيهما الواو. وكذلك تفوعل نحو: تبويع، لأن الواو ليست بلازمة، وإنما الأصل الألف.
ومثل ذلك قولهم: رويةٌ ورويا ونوىٌ، لم يقلبوها ياءً حيث تركوا الهمزة، لأن الأصل ليس بالواو، فهي في سوير أجدر أن يدعوها، لأن الواو تفارقها إذا تركت فوعل، وهي في هذه الأشياء لا تفارق إذا تركت الهمزة.


وقال بعضهم: ريا وريةٌ، فجعلها بمنزلة الواو التي ليست ببدل من شيءٍ. ولا يكون في سوير وتبويع، لأن الواو بدل من الألف، فأرادوا أن يمدوا كما مدوا الألف، وأن لا يكون فوعل وتفوعل بمنزلة فعل وتفعل. ألا تراهم قالوا: قوول وتقوول، فمدوا ولم يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدةً، لئلا يكون كفعل وتفعل، وليكون على حال الألف في المد. ولا تدغمها فتصير بمنزلة حرفين يلتقيان في غير حروف المد من موضع واحد الأول منهما ساكن، فكما ترك الإدغام في الواوين كذلك ترك في سوير وتبويع.
ونحو هذه الواو والياء في سوير وتبويع واو ديوانٍ، وذلك لأن هذه الياء ليست بلازمة للاسم كلزوم ياء فيعلٍ وفيعالٍ وفعيلٍ ونحو ذلك، وإنما هي بدلٌ من الواو وكما أبدلت ياء قيراطٍ مكان الراء، ألا تراهم يقولون دوبوينٌ في التحقير، ودواوين في الجمع، فتذهب الياء. فلما كانت كذلك شبهت هذه الياء بواو رويةٍ وواو بوطر؛ فلم يغيروا الواو كما لم يغيروا تلك الواو للياء. ولو بنيتها، يعني ديوان؛ على فيعالٍ لأدغمت، ولكنك جعلتها فعالٌ ثم أبدلت كما قلت تظنيت. وكذلك قلت قراريط فرددت وحذفت الياء. وهي من بعت على القياس لو قيل بياعٌ بإدغام، لأنك لا تنجو من ياءين.
باب ما يكسر عليه الواحد
مما ذكرنا في الباب الذي قبله ونحوه
اعلم أنك إذا جمعت فوعلاً من قلت همزة كما همزة فواعل من عورت وصيدت.
فإذا جمعت سيداًن وهو فيعلٌ، وفيعلاً نحو عينٍ همزت، وذلك: عيلٌ وعيائل، وخيرٌ وخيائر، لما اعتلت ههنا، فقلبت بعد حرف مزيد في موضع ألف فاعلٍ، همزت حيث وقعت بعد ألف، وصار انقلابها ياء نظير الهمزة في قائلٍ. ولم يصلوا إلى الهمزة في الواحد إذ كانت قبلها ياء، فكأنهم جمعوا شيئاً مهموزاً. ولم يكن ليعتل بعد ياء زائدة في موضع ألف ولا يعتل بعد الألف. ولو لم يعتل لم يهمز، كما قالوا: ضيونٌ وضياون، وقالوا: عينٌ وعيائن.
وإذا جمعت فعلٌ من قلت قلت قوائل، همزت.
وإذا جمعت فعولاً فبناؤه بناء فوعلٍ في اللفظ سواء. ألا ترى أن الواوين يقدمان ويؤخران. وذلك قولك إذا أردت فوعلاً قولٌ، وإذا أردت فعولاً قولٌ. وتهمز فعاول فتقول قوائل كما همزت فعاعل. وإنما فعلوا ذلك لالتقاء الواوين، وأنه ليس بينهما حاجز حصين، وإنما هو الألف تخفى حتى تصير كأنك قلت قوول، وقربت من آخر الحرف فهمزت وشبهت بواو سماء، كما قالوا صيمٌ، فأجروها مجرى عتيٍ. وذلك الذي دعاهم إلى أن غيروا شوايا.
وإذا التقت الواوان على هذا المثال فلا تلتفتن إلى الزائد وإلى غير الزائد. ألا تراهم قالوا أول وأوائل، فهمزوا ما جاء من نفس الحرف وأما قول الشاعر:
وكحل العينين بالعواور
فإنما اضطر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازماً له في الكلام فيهمز.
وكذلك فواعل من قلت قوائل، لأنها لا تكون أمثل حالاً من فواعل من عورت ومن أوائل.
واعلم أن بنات الياء نحو بعت تبيع في جميع هذا كبنات الواو، يهمزن كما همزت فواعل من صيدت، فجعلتها بمنزلة عورت، فوافقتها كما وافقت حييت شويت، لأن الياء قد تستثقل مع الواو كما تستثقل الواوان، فوافقت هذه الواو وصارت يجري عليها ما يجري على الواو في الهمز وتركه، كما اتفقتا في حال الاعتلال وترك الأصل. فلما كثرت موافقتها لها في الاعتلال والخروج عن الأصل، وكانت الياءان تستثقلان وتستثقل الياء مع الواو، أجريت مجراها في الهمز، لأنهم قد يكرهون من الياء مثل ما يكرهون من الواو.
ويهمز فعيلٌ من قلت وبعت. وذلك قوائل وبيائع، فهمزت الياء كما همزت الواو في فعاول، فاتفقا في هذا الباب كما اتفقت الياء والواو فيما ذكرت لك، إذ كان اجتماع الياءات يكره، والياء مع الواو مكروهتان.
باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا
إذا كسر للجمع على الأصل
فمن ذلك: فيعالٌ، نحو ديارٍ وقيام، وديورٍ، وقيومٍ، تقول دياوير وقياويم.
ومثل ذلك عوارٌ تقول عواويرً، ولا تهمز هذا كما تهمز فعاعل من قلت.


وخالفت فعالٌ فعلاً كما يخالف فاعولٌ نحو طاووسٍ عاوراً إذا جمعت فقلت طواويس. وإنما خالفت الحروف الأول هذه الحروف لأن كل شيء من الأول همز على اعتلال فعله أو واحده فإنما شبه حيث قرب من آخر الحروف بالياء والواو اللتين تكونان لامين، إذا وقعتا بعد الألف ولا شيء بعدهما، نحو سقاءٍ وقضاءٍ، فجعلت الياءات والواوات هنا كأنهن أواخر الحروف، كما جعلت الواوان في صيمٍ كأنهما أواخر الحروف. فإذا فصلت بينهن وبين أواخ الحروف بحرفٍ جرين على الأصل، تقول: الشقاوة والغواية، فتخرجهما على الأصل، إذا كان آخر الكلمة ما بعدهما وحرف الإعراب. فإذا كان هذا النحو هكذا فالمعتل الذي هو أقوى وقد منعه أن يكون آخر الحرف حرفان، أقرب من البيان، والأصل له ألزم. ومثل هذا قولهم: زوارٌ وصوامٌ، لما بعدت من آخر الكلمة قويت كما قويت الواو في أخوةٍ وأبوةٍ، حيث لم يكونا أواخر الحرفين. فالبيان والأصل في الصوام ينبغي أن يكون ألزم وأثبت، لأنه أقوى المعتلين.
باب فعل من فوعلت
من قلت وفيعلت من بعت
وذلك قولك: قد قوول وقد بويع في فوعلت وفيعلت، فمددت كما مددت في فاعلت. وإنما وافق فوعلت وفيعلت فاعلت ههنا كما اتفقن في غير المعتل. ألا ترى أنك تقول: بيطرت فتقول بوطر، فتمد كما كنت ماداً لو قلت باطرت. وتقول صومعت فتجريها مجرى صامعت لو تكلمت بها. وكذلك فيعلت من بعت إذا قلت فيها فعل، وكذلك تفيعلت منها إذا قلت قد تفوعل، توافق تفاعلت كما وافق الآخر فاعلت. وذلك قولك: تقوول وتبويع، وافق تفاعلت كما يوافق تفيعلت من غير المعتل، وذلك قولك: تفوهق من تفيهقت. كما وافق فاعلت من هذا الباب غير المعتل ولم يكن فيه إدغام، كذلك وافقه فوعلت وفيعلت.
ولم تجعل هذا بمنزله العينين في حولت وزيلت، لأن هذه الواو والياء تزدان كما تزاد الألف. ألا ترى أنهما قد يجيئان وليس بعدهما حرفٌ من موضعهما، ولا يلزمهما تضعيف. وذلك قولك: حوقلت وبيطرت. فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى الألف، وفرق بين هاتين وبين الأخرى المدغمة. وكذلك فعولت تمد منهما ولا تدغم، ولا تجعلها بمنزلة العينين، إذ كانتا حرفين مفترقين. ألا ترى أن الزيادة التي فيها تلحق ولا يلزمها التضعيف في جهورت. فلما كانت الزيادة كذلك جرت ههنا مجراها لو لم تكن بعدها واوٌ زائدة. فكذلك إذا كان الحرف فعولت وفعيلت تجري كما جرت الواو والياء في فوعلت وفيعلت مجراهما وليس بعدهما واو ولا ياء، لأنهما كانا حرفين مفترقين. وذلك قولك: قد بووع وقوول، قلبت ياء بويع واواً للضمة كما فعلت ذلك في فعللت. وسيبين ذلك إن شاء الله.
ولا تقلب الواو ياءً في فوعل من بعت إذا كانت من فيعلت لأن أمرها كأمر سويرت.
وتقول في افعوعلت من سرت: اسييرت، تقلب الواو ياءً لأنها ساكنة بعدها ياء. فإذا قلت فعلت قلت: اسيويرت، لأن هذه الواو قد تقع وليست بعدها ياء، كقولك اغدودن، فهي بمنزلة واو فوعلت وألف افعاللت، وكذلك هي من قلت؛ لأن هذه الواو قد تقع وليس بعدها واو، فيجريان في فعل مجرى غير المعتل كما أجريت الأول مجرى غير المعتل فأجريت اسيوير على مثال اغدودن في هذا المكان، واشهوب في هذا المكان، ولم تقلب الواو ياءً، لأن قصتها قصة سوير.
وسألته عن اليوم فقال: كأنه من يمت وإن لم يستعملوا هذا في كلامهم، كراهية أن يجمعوا بين هذا المعتل وياء تدخلها الضمة في يفعل كراهية أن يجتمع في يفعل ياءان في إحداهما ضمةٌ مع المعتل. فلما كانوا يستثقلون الواو وحدها في الفعل رفضوها في هذا لما يلزمهم من الاستثقال في تصرف الفعل. ومما جاء على فعل لا يتكلم به كراهية نحو ما ذكرت لك: أول، والواو، وآءة وويحٌ، وويسٌ، وويلٌ، بمنزله اليوم، كأنها من: ولت ووحت، وأؤت، وإن لم يتكلم بها؛ تقديرها ععت من قولك: آءةٌ؛ لما يجتمع فيه مما يستثقلون.
وسألته: كيف ينبغي له أن يقول أفعلت في القياس من اليوم على من قال أطولت وأجودت، فقال: أيمت، فتقلب الواو ههنا كما قلبها في أيام. وكذلك تقلبها في كل موضع تصح فيه ياء أيقنت. فإذا فعلت أفعل ومفعلٌ ويفعل قلت: أووم ويووم وموومٌ؛ لأن الياء لا يلزمها أن تكون بعدها ياء كفعلت من بعت، وقد تقع وحدها. فكما أجريت فيعلت وفوعلت مجرى بيطرت وصومعت، كذلك جرى هذا مجرى أيقنت.


وإذا قلت أفعل من اليوم قلت أيم كما قلت أيام. فإذا كسرت على الجمع همزت فقلت أيائم، لأنها اعتلت ههنا كما اعتلت في سيدٍ. والياء قد تستثقل مع الواو فكما أجريت سيداً مجرى فوعلٍ من قلت، كذلك تجري هذا مجرى أول.
وأما افعوعلت من قلت فبمنزلة افعوعلت من سرت في فعل، وأتمت افعوعلت منها كما يتم فاعلت وتفاعلت، لأنهم لو أسكنوا كان فيه حذف الألف والواو، لئلا يلتقي ساكنان.
وكذلك افعاللت وافعللت. وذلك قولك في افعوعلث اقوولت وفي افعاللت من الياء والواو: اسواددت وابياضضت. فإذا أردت فعل قلت: ابيوض كما قلت اشهوب وضورب، فقلبت الألف.
وأما افعللت فقولك: ازوررت وابيضضت.
باب تقلب فيه الياء واواً
وذلك قولك في فعللٍ من كلت كولل، وفعلل إذا أردت الفعل كولل، ولم تجعل هذه الأشياء بمنزلة بيضٍ وقد بيع، حيث خرجت إلى مثالها لبعدها من هذا، وصارت على أربعة أحرف، وكان الاسم منها لا تحرك ياؤه ما دام على هذه العدة، وكان الفعل ليس أصل يائه التحريك. فلما كان هذا هكذا جرى فعله في فعل مجرى بوطر من البيطرة، وأيقن يوقن وأوقن، والاسم يجري مجرى موقنٍ. سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقال:
مظاهرةً نياً عتيقاً وعوططاً ... فقد أحكما خلقاً لها متباينا
العوطط فعللٌ.
باب ما الهمزة فيه في موضع اللام
من بنات الياء والواو
وذلك نحو: ساء يسوؤ، وناء ينوء؛ وداء يداء، وجاء يجيء، وفاء يفيء، وشاء يشاء.
اعلم أن الواو والياء لا تعلان واللام ياء أو واوٌ، لأنهم إذا فعلوا ذلك صاروا إلى ما يستثقلون، وإلى الالتباس والإجحاف. وإنما اعتلتا للتخفيف. فلما كان ذلك يصيرهم إلى ما ذكرت لك رفض.
فهذه الحروف تجري مجرى قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وهاب يهاب. إلا أنك تحول اللام ياءً إذا همزت العين، وذلك قولك: جاءٍ كما ترى، همزت العين التي همزت في بائعٍ واللام مهموزةٌ، فالتقت همزتان، ولم تكن لتجعل اللام بين بين من قبل أنهما في كلمة واحدة، وأنهما لا يفترقان، فصار بمنزلة ما يلزمه الإدغام لأنه في كلمة واحدة، وأن التضعيف لا يفارقه. وسترى ذلك في باب الإدغام إن شاء الله.
فلما لزمت الهمزتان ازدادتا ثقلاً، فحولوا اللام وأخرجوها من شبه الهمزة.
وجميع ما ذكرت لك في فاعلٍ بمنزلة جاء. ولم يجعلوا هذا بمنزلة خطايا لأن الهمز لم يعرض في الجمع، فأجري هذا مجرى شاءٍ وناءٍ من شأوت ونأيت.
وأما خطايا فحيث كانت همزتها تعرض في الجمع أجريت مجرى مطايا.
واعلم أن ياء فعائل أبداً مهموزة، لا تكون إلا كذلك، ولم تزد إلا كذلك، وشبهت بفعاعل.
وإذا قلت فواعل من جئت قلت جواءٍ، كما تقول من شأوت شواءٍ، فتجريها في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد، لأنك أجريت واحدها مجرى الواحد من شأوت.
وأما فعائل من جئت وسؤت فكخطايا، تقول: جبايا وسوايا.
وأما الخليل فكان يزعم أن قولك جاءٍ وشاءٍ ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة. وذلك نحو قولهم، للعجاج:
لاثٍ بها الأشاء والعبرى
وقال، لطريف بن تميم العنبري:
فتعرفوني أنني أناذاكم ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
وأكثر العرب يقول: لاثٌ وشاكٌ سلاحه. فهؤلاء حذفوا الهمزة، وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت حين قالوا فاعلٌ، لأن من شأنهم الحذف لا القلب ولم يصلوا إلى حذفها كراهية أن تلتقي الألف والياء وهما ساكنتان. فهذا تقويةٌ لمن زعم أن الهمزة في جاء هي الهمزة التي تبدل من العين. وكلا القولين حسنٌ جميل.
وأما فعائلٌ من جئت فجياءٍ، ومن سوت سواءٍ، لأنها ليست همزةً تعرض في جمعٍ، فهي كمفاعلٍ من شأوت.
وأما فعللٌ من جئت وقرأت فإنك تقول فيه: جيأى وقرأى، وفعللٌ منهما: قرئىٍ وجوئىٍ، وفعللٌ: قرئىٍ وجيءٍ. وإنما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين ولزومهما. وليس يكون ههنا قلبٌ كما كان في جاءٍ، لأنه ليس ههنا شيء أصله الواو ولا الياء فإذا جعلته طرفاً جعلته كياء قاضٍ، وإنما الأصل ههنا الهمز. فإنما أجري جاءٍ في قول من زعم أنه مقلوب مجرى لاثٍ حيث قلبوا قراءٍ وجياءٍ، لأن الهمزة ثابتة في الواحد، وليست تعرض في الجمع، فأجريت مجرى مشأى ومشاءٍ ونحو هذا.


وأما فعاعل من جئت وسؤت فتقول فيه سوايا وجبايا، لأن فعاعل من بعت وقلت مهموزان، فلما وافقت اللام مهموزةً لم يكن من قلب اللام ياءً بدٌّ، كما قلبتها في جاء وخطايا. فلما كانت تقلب ياء وكانت الهمزة إنما تكون في حال الجمع أجريت مجرى فواعل من شويت وحويت حين قلت: شوايا، لأنها همزة عرضت في الجمع وبعدها ياءٌ فأجريت مجرى مطايا. ومن جعلها مقلوبة فشبهها بقوله شواعٍ وإنما يريد شوائع، فهو ينبغي له أن يقول جياءٍ وشواءٍ، لأنهما همزتا الأصل التي تكون في الواحد. وإنما جعلت العين التي أصلها الياء والواو طرفاً، فأجريت مجرى واو شأوت وياء نأيت في فاعل.
وأما افعللت من صدئت فاصدأيت، تقلبها ياء كما تقلبها في مفعللٍ، وذلك قولك: مصدىءٍ كما ترى، ويفعلل يصدئى، لم تكن لتكون ههنا بمنزلة بنات الياء وتكون في فعلت ألفاً. ومن ثم لم يجعلوها ألفاً ساكنة. كما أنك لم تقل أغزوت إذ كنت تقول يغزى، فلم تكن لتجعل فعلت منه بمنزلة الهمزة وسائره كبنات الياء، فأجري هذا مجرى رمى يرمي.
وهذا قول الخليل.
وفياعل من سؤت وجئت بمنزلة فعاعل، تقول: جبايا وسيايا، لأنها همزة عرضت في الجمع.
وسألته عن قوله: سؤته سوائيةً فقال: هي فعاليةٌ بمنزلة علانيةٍ. والذين قالوا سوايةٌ حذفوا الهمزة كما حذفوا همزة هارٍ ولاثٍ، كما اجتمع أكثرهم على ترك الهمزة في ملكٍ وأصله الهمزة. قال الشاعر:
فلست لانسىٍ ولكن لملأكٍ ... تنزل من جو السماء يصوب
وقالوا: مألكةٌ وملأكةٌ، وإنما يزيد رسالةٌ.
وسألته عن مسائية فقال: هي مقلوبة. وكذلك أشياء وأشاوى. ونظير ذلك من المقلوب قسيٌّ، وإنما أصلها قووسٌ، كرهوا الواوين والضمتين. ومثل ذلك قول الشاعر:
مروان مروان أخو اليوم اليمى
وإنما أراد اليوم، فاضطر إلى هذا ومع ذلك أن هذه الواو تعتل في فعلٍ وتكره، فهي في الياء أجدر أن تكره، فصار اليوم بمنزلة القووس. فمسائيةٌ إنما كان حدها مساوئةٌ، فكرهوا الواو مع الهمزة لأنهما حرفان مستثقلان.
وكان أصل أشياء شيئاء، فكرهوا منها مع الهمزة مثل ما كره من الواو وكذلك أشاوى أصلها أشايا كأنك جمعت عليها إشاوة، وكأن أصل إشاوة شيئاء، ولكنهم قلبوا الهمزة قبل الشين وأبدلوا مكان الياء الواو، كما قالوا: أتيته أتوةً، وجبيته جباوةً، والعليا والعلياء.
ومثل هذا في القلب طأمن واطمأن. فإنما حمل هذه الأشياء على القلب حيث كان معناها معنى ما لا يطرد ذلك فيه، كان اللفظ فيه إذا أنت قلبته ذلك اللفظ، فصار هذا بمنزلة ما يكون فيه الحرف من حروف الزوائد ثم يشتق في معناه ما يذهب فيه الحرف الزائد.
وأما جذبت وجبذت ونحوه فليس فيه قلب، وكل واحدٍ منهما على حدته، لأن ذلك يطرد فيهما في كل معنىً، ويتصرف الفعل فيه. وليس هذا بمنزلة ما لا يطرد مما إذا قلبت حروفه عما تكلموا به وجدت لفظه لفظ ما هو في معناه من فعلٍ أو واحدٍ هو الأصل الذي ينبغي أن يكون ذلك داخلاً عليه كدخول الزوائد.
وجميع هذا قول الخليل.
وأما كلا وكلٌّ فمن لفظين؛ لأنه ليس ههنا قلب ولا حرفٌ من حروف الزوائد يعرف هذا له موضعاً.
باب ما كانت الواو والياء فيه لامات
اعلم أنهن لاماتٍ أشد اعتلالاً وأضعف، لأنهن حروف إعراب، وعليهن يقع التنوين، والإضافة إلى نفسك بالياء، والتثنية، والإضافة، نحو هنيٍ، فإنما ضعفت لأنها اعتمد عليها بهذه الأشياء. وكلما بعدتا من آخر الحرف كان أقوى لهما. فهما عيناتٍ أقوى، وهما فاءاتٍ أقوى منهما عيناتٍ ولاماتٍ. وذلك نحو غزوت ورميت.
واعلم أن يفعل من الواو تكون حركة عينه من المعتل الذي بعده، ويفعل من الياء تكون حركة عينه من الحرف الذي بعده، فيكون في غزوت أبداً يفعل، وفي رميت يفعل أبداًز ولم يلزمهما يفعل ويفعل حيث اعتلتاء لأنهم جعلوا ما قبلهما معتلين كاعتلالهما.
واعلم أن فعلت قد تدخل عليهما كما دخلت عليهما وهما عيناتٌ، وذلك شقيت وغبيت.
وأما فعل فيكون في الواو نحو سرو يسرو، ولا يكون في الياء، لأنهم يقرون من الواو إليها، فلم يكونوا لينقلوا الأخف إلى الأثقل فيلزمها ذلك في تصرف الفعل.


واعلم أن الواو في يفعل تعتل إذا كان قبلها ضمة ولا تقلب ياءً ولا يدخلها الرفع، كما كرهوا الضمة في فعل، وذلك نحو البون والعون. فالأضعف أجدر أن يكرهوا ذلك فيه. ولكنهم ينصبون لأن الفتحة فيها أخف عليهم، كما أن الألف أخف عليهم من الواو. ألا تراهم إذا قالوا فعلٌ من باب قلت لم تعتل، وذلك نحو: النومة، واللومة. والضمة فيها كواو بعدها، والفتحة فيها كألف بعدها، وذلك قولك: هو يغزوك، ويريد أن يغزوك.
وإذا كان قبل الياء كسرةٌ لم يدخلها جرٌّ كما لم يدخل الواو ضم، لأن الياءات قد يكره منها ما يكره من الواوات، فصارت وقبلها كسرة كالواو والضمة قبلها، ولا يدخلها الرفع إذ كره الجر فيها، لأن الواو قد تكره بعد الياء حتى تقلب ياءً، والضمة تكره معها حتى تكسر في بيضٍ ونحوها. فلما تركوا الجر كانوا لما هو أثقل مع الياء وما هو منها أترك.
وأما النصب فإنه يدخل عليها؛ لأن الألف والفتحة معها أخف كما كانتا كذلك في الواو. وذلك قولك: هذا راميك وهو يرميك، ورأيت راميك ويريد أن يرميك.
وإذا كانت الياء والواو قبلها فتحةٌ اعتلت وقلبت ألفاً كما اعتلت وقبلها الضم والكسر، ولم يجعلوها وقبلها الفتحة على الأصل إذ لم تكن على الأصل وقبلها الضمة والكسرة، فإذا اعتلت قلبت ألفاً، فتصير الحركة من الحرف الذي بعدها كما كانت الحركة قبل الياء والواو حيث اعتلت مما بعدها. وذلك قولك: رمى ويرمى، وغزا ويغزى، ومرمى ومغزىً.
وأما قولهم: غزوت ورميت، وغزون ورمين، فإنما جئن على الأصل لأنه موضعٌ لا تحرك فيه اللام، وإنما أصلها في هذا الموضع السكون، وإنما تقلب ألفاً إذا كانت متحركةً في الأصل، كما اعتلت الياء وقبلها الكسرة، والواو وقبلها الضمة، وأصلها التحرك.
واعلم أن الواو إذا كان قبلها حرف مضموم في الاسم وكانت حرف الإعراب قلبت ياءً وكسر المضموم، كما كسرت الباء في مبيع. وذلك قولك: دلوٌ وأدلٍ، وأحقٍ كما ترى، فصارت الواو ههنا أضعف منها في الفعل حين قلت يغزو ويسرو، لأن التنوين يقع عليها والإضافة بالياء نحو قولك: هنيٌّ، والتثنية، والإضافة إلى نفسك بالياء؛ فلا تجد بداً من أن تقلبها، فلما كثرت هذه الأشياء عليها وكانت الياء قد تغلب عليها لو ثبتت، أبدلوها مكانها، لأنها أخف عليهم والكسرة من الواو والضمة. وهي أغلب على الواو من الواو عليها. فإن كان قبل الواو ضمة ولم تكن حرف إعراب ثبتت، وذلك نحو: عنفوانٍ، وقمحدوةٍ، وأفعوانٍ، لأن هذه الأشياء التي وقعت على الواو في أدلٍ ونحوها وقعت ههنا على الهاء والنون. وقالوا: قلنسوةٌ فأثبتوا، ثم قالوا قلنسٍ فأبدلوا مكانها الياء لما صارت حرف الإعراب.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ ساكنٌ جرتا مجرى غير المعتل، وذلك نحو: ظبيٍ ودلوٍ، لأنه لم يجتمع ياءٌ وكسرة، ولا واوٌ وضمة، ولم يكن ما قبلهما مفتوحاً فتجري مرى ما قبله الكسرة أو ما قبله الضمة في الاعتلال، وقويتا حيث ضعف ما قبلهما. ومن ثم قالوا: مغزوٌّ كما ترى وعتوٌّ فاعلم.
وقالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ، شبهوها حيث كان قبلها حرف مضموم ولم يكن بينهما إلا حرف ساكن بأدلٍ. فالوجه في هذا النحو الواو. والأخرى عربية كثيرة.
والوجه في الجمع الياء، وذلك قولك: ثديٌّ وعصيٌّ، لأن هذا جمعٌ كما أن أدلياً جمعٌ. وقد قال بعضهم: إنكم لتنتظرون في نحوٍ كثيرة، فشبهوها بعتوٍ. وهذا قليل، وإنما أراد جمع النحو. فإنما لزمتها الياء حيث كانت الياء تدخل فيما هو أبعد شبهاً، يعني صيمٌ.
وقد يكسرون أول الحروف لما بعده من الكسرة والياء، وهي لغة جيدة. وذلك قول بعضهم: ثديٌّ، وحقيٌّ، وعصي، وجثيٌّ. وقال فيما قلبت الواو فيه ياءً من غير الجمع. البيت لعبد غيوث بن وقاصٍ الحارثي:
وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معدياً عليه وعاديا
وقالوا: يسنوها المطر، وهي أرضٌ مسنيةٌ. وقالوا: مرضيٌّ وإنما أصله الواو. وقالوا مرضوٌّ فجاءوا به على الأصل والقياس.


فإن كان الساكن الذي قبل الياء والواو ألفاً زائدةً همزت، وذلك نحو: القضاء، والنماء، والشقاء. وأنما دعاهم إلى ذلك أنهم قالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ وعصيٌّ، فجعلوا اللام كأنها ليس بينها وبين العين شيء، فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، وألزموها الاعتلال في الألف لأنها بعد الفتحة أشد اعتلالاً. ألا ترى أن الواو بعد الضمة تثبت في الفعل وفي قمحدوةٍ، وتدخلها الفتحة، والياء بعد الكسرة تدخلها الفتحة ولا تغير فتحول من موضعها. وهما بعد الفتحة لا تكونان إلا مقلوبتين لازماً لهما السكون.
ولا يكون هذا في دلوٍ وظبيٍ ونحوهما، لأن المتحرك ليس بالعين، ولأنك لو أردت ذلك لغيرت البناء وحركت الساكن.
واعلم أن هذه الواو لا تقع قبلها أبداً كسرةٌ إلا قلبت ياء. وذلك نحو: غاز، وغزى، ونحوهما.
وسألته عن قوله غزى وشقى إذا خففت في لغة من قال عصر وعلم فقال: إذا فعلت ذلك تركتها ياءً على حالها، لأني إنما خففت ما قد لزمته الياء، وإنما أصلها التحريك وقلب الواو، وليس أصل هذا بفعل ولا فعل. ألا تراهم قالوا: لقضوً الرجل، فلما كانت مخففة مما أصله التحريك وقلب الواو، لم يغيروا الواو. ولو قالوا غزو وشقو لقالوا: لقضى.
وسألته عن قول بعض العرب: رضيوا، فقال: هي بمنزلة غزى، لأنه أسكن العين، ولو كسرها لحذف لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة وقبلها الكسرة.
وتقول سرووا على الإسكان، وسروا على إثبات الحركة.
وتقول في فعلٍ من جئت: جيءٌ. فإن خففت الهمزة قلت جيٌ فضممت للتحريك.
وتقول في فعللٍ من جئت: جوىءٍ. فإن خففت قلت جيٍ، تقلبها ياءً للحركة كما تقول في موقنٍ مييقنٌ في التحرك للتحقير، وكما تقول في ليةٍ لويةٌ. وليس ذا بمنزلة غزى، لأن الواو إنما قلبتها للكسرة، فصارت كأنها من الياء. ألا ترى أنك تفعل ذلك في أفعلت واستفعلت ونحوهما إذا قلت أغزيت واستغزيت.
وإذا قلت فعلت من سقت فيمن قال سيقً قلت سقت؛ لأن هذه كسرة كما كسرت خاء خفت.
باب ما يخرج على الأصل
إذا لم يكن حرف إعراب
وذلك قولك: الشقاوة، والإداوة، والإتاوة، والنقاوة، والنقاية، والنهاية.
قويت حيث لم تكن حرف إعراب كما قويت الواو في قمحدوةٍ. وذلك قولهم : أبوةٌ وأخوةٌ، لا يغيران ولا تحولهما فيمن قال مسنيٌّ وعتيٌّ، لأنه قد لزم الإعراب غيرهما.
وسألته عن قولهم: صلاءةٌ، وعباءةٌ، وعظاءةٌ؟ فقال: إنما جاءوا بالواحد على قولهم: صلاءٌ وعظاءٌ وعباءٌ، كما قالوا: مسنيةٌ ومرضيةٌ حيث جاءتا على مرضيٍ ومسنيٍ.
وإنما ألحقت الهاء آخراً حرفاً يعرى منها ويلزمه الإعراب، فلم تقو قوة ما الهاء فيه على أن لا تفارقه. وأما من قال صلايةٌ وعبايةٌ فإنه لم يجىء بالواحد على الصلاء والعباء، كما أنه إذا قال خصيان لم يثنه على الواحد المستعمل في الكلام. ولو أراد ذلك لقال خصيتان.
وسألته عن الثنايين فقال: هو بمنزلة النهاية، لأن الزيادة في آخره لا تفارقه، فأشبهت الهاء. ومن ثم قالوا مذروان، فجاءوا به على الأصل، لأن ما بعده من الزيادة لا يفارقه.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ مفتوح وكانت الهاء لازمة لم تكن إلا بمنزلتها لو لم تكن هاءٌ، وذلك نحو: العلاة، وهناةٍ، وقناةٍ. وليس هذا بمنزلة قمحدوة لأنها حيث فتحت وقبلها الضمة كانت بمنزلتها منصوبةً في الفعل. وذلك نحو: سرو، ويريد أن يغزوك.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحة قلبت ألفاً، ثم لم يدخلها تغيرٌ في موضع من المواضع. فإنما قمحدوةٌ بمنزلة ما ذكرت لك من الفعل.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحةٌ في الفعل أو غيره لزمها الألف وأن لا تغير.
وأما النفيان والغثيان فإنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكناًن فحركوا كما حركوا رميا وغزوا، وكرهوا الحذف مخافة الالتباس، فيصير كأنه فعالٌ من غير بنات الياء والواو. ومثل الغثيان والنفيان: النزوان والكروان.


وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازماً أو غير لازم فهي مبدلةٌ مكانها الياء، لأنهم قد قلبوا الواو في المعتل الأقوىل ياءً وهي متحركة، لما قبلها من الكسر، وذلك نحو: القيام، والثيرة، والسياط. فلما كان هذا في هذا ال نحو ألزموا الأضعف الذي يكون ثالثاً الياء.
وكينونتها ثانيةً أخف، لأنك إذا وصلت إليها بعد حرفٍ كان أخف من أن تصل إليها بعد حرفين. وذلك قولك: محنيةٌ، فإنما هي من حنوت وهي الشيء المحني من الأرض - وغازيةٌ. وقالوا: قنيةٌ للكسرة وبينهما حرف، والأصل قنوةٌ فكيف إذا لم يكن بينهما شيء.
باب ما تقلب فيه الياء واواً
ليفصل بين الصفة والاسم
وذلك فعلى. إذا كانت اسماً، أبدلوا مكانها الواو، نحو: الشروى، والتقوى، والفتوى.
وإذا كانت صفةً تركوها على الأصل، وذلك نحو: صدياً وخزياورياً. ولو كانت ريا اسماً لقلت روىً، لأنك كنت تبدل واواً موضع اللام وتثبت الواو التي هي عين.
وأما فعلى من الواو فعلى الأصل؛ لأنها إن كانت صفة لم تغير كما لم تغير الياء. وإن كانت اسماً ثبتت لأنها تغلب على الياء فيما هي فيه أثبت. وذلك قولك: شهوى، ودعوى. فشهوى صفة، ودعوى اسم، وعدوى كدعوى.
وأما فعلى من بنات الواو فإذا كانت اسماً فإن الياء مبدلة مكان الواو، كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى، فأدخلوها عليها في فعلى كما دخلت عليها الواو في فعلى لتتكافئا. وذلك قولك: الدنيا، والعليا، والقصيا. وقد قالوا القصوى فأجروها على الأصل لأنها قد تكون صفةً بالألف واللام.
فإذا قلت فعلى من ذا الباب جاء على الأصل إذا كان صفةً وهو أجدر أن يجيء على الأصل، إذ قالوا القصوى فأجروه على الأصل وهو اسم، كما أخرجت فعلى من بنات الياء صفةً على الأصل.
وتجري فعلى من بنات الياء على الأصل اسماً وصفة، كما جرت الواو في فعلى صفة واسماً على الأصل.
وأما فعلى منهما فعلى الأصل صفة واسماً، تجريهما على القياس لأنه أوثق، ما لم تتبين تغييراً منهم.
باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء
قلبت الهمزة ياء والياء ألفاً
وذلك قولك: مطيةٌ ومطايا، وركيةٌ وركايا، وهديةٌ وهدايا، فإنما هذه فعائل، كصحيفةٍ وصحائف.
وإنما دعاهم إلى ذلك أن الياء قد تقلب إذا كانت وحدها في مثل مفاعل فتبدل ألفاً. وذلك نحو: مدارى وصحارى.
والهمزة قد تقلب وحدها ويلزمها الاعتلال، فلما التقى حرفان معتلان في أثقل أبنية الأسماء ألزموا الياء بدل الألف، إذ كانت تبدل ولا معتل قبلها، وأردوا أن لا تكون الهمزة على الأصل في مطايا إذ كان ما بعدها معتلاً وكانت من حروف الاعتلال، كما اعتلت الفاء في قلت وبعت إذا اعتل ما بعدها. فالهمزة أجدر؛ لأنها من حروف الاعتلال. وإن شئت قلت صارت الهمزة مع الألفين حيث اكتتنفتاها بمنزلة همزتين، لقرب الألف منهما، فأبدلت. يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاء فيحققون، يقولون رأيت سلا فلا يحققون، كأنها همزة جاءت بعدها، وأبدلوا مكان الهمزة الياء التي كانت ثابتةً في الواحد، كما أبدلوا مكان حركة قلت التي في القاف وحركة ياء بعت اللتين كانتا في العينين، ليعلم أن الياء في الواحد، كما علم أن ما بعد الباء والقاف مضمومٌ ومكسور.
وقد قال بعضهم: هداوى، فأبدلوا الواو، لأن الواو قد تبدل من الهمزة.
وأما ما كانت الواو فيه ثابتة نحو: إداوةٍ، وعلاوةٍ، وعراوةٍ، فإنهم يقولون فيه: هراوى، وعلاوى، وأداوى، ألزموا الواو ههنا كما ألزموا الياء في ذلك، وكما قال حبالى ليكون آخره كآخر واحده. وليست بألف تأنيث كما أن هذه الواو غير تلك الواو.
ولم يفعلوا هذا في جاءٍ، لأنه شيءٌ على مثال قاضٍ تبدل فيه الياء ألفاً. وقد فعل ذلك فيما كان على مثال مفاعل لأنه ليس يلتبس بغيره، لعلمهم أنه ليس في الكلام على مثال مفاعل. وذلك يلتبس لأن في الكلام فاعلاً.
وفواعل من شويت كذلك، لأنها همزة تعرض في الجمع وبعدها الياء، فهمزتها كما همزت فواعل من عورت، فهي نظيرها في غير العنل، كما أن صحائف ورسائل نظيرة مطايا وأداوى.


وكذلك فواعل من حييت هن حوايا، تجري الياء مجرى الواو كما أجريتهما مجرى واحداً في قلت وبعت وعورت وصيدت ولا تدرك الهمزة في قلت وبعت وعورت وصيدت في موضعٍ إلا أدركهما ثم اعتلتا اعتلال مطايا. وذلك قولك شوايا في فواعل وحوايا.
وفواعلٌ منهما بمنزلة فواعل، في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياءً، كما فعلت ذلك في عورت. وذلك قولك عوائرٌ. ولا يكون أمثل حالاً من فواعل وأوائل. وذلك قولك شواءٍ.
وأما فعائلٌ من بنات الياء والواو فمطاءٍ ورماءٍ، لأنها ليست همزة لحقت في جمعٍ، وإنما هي بمنزلة مفاعلٍ من شأوت وفاعلٍ من جئت، لأنها تخرج على مثال مفاعل. وهي في هذا المثال بمنزلة فاعلٍ من جئت، فهمزتها بمنزلة همزة فعالٍ من حييت. وإن جمعت قلت مطاءٍ، لأنها لم تعرض في الجمع.
وفياعل من شويت وحييت بمنزلة فواعل، تقول: حيايا وشيايا، وذلك لأنك تهمز سيداً وبيعاً إذا جمعت.
فكل شيء من باب قلت وبعت همز في الجمع فإن نظيره من حييت وشويت يجيء على هذا المثال، لأنها همزةٌ تعرض في جمع وبعدها ياءٌ، ولا يخافون التباساً.
وقالوا: فلوةٌ وفلاوى، لأن الواحد فيه واو فأبدلوه في الجمع واواً.
وأما فعائلٌ وفواعلٌ ففيه مع شبهه بمفاعلٍ من شأوت وجاءٍ فيما ذكرت لك - يعني أنه واحد - أن له مثالاً مفتوحاً يلتبس به لو جعلته بمنزلة فعائل، نحو حبارى، فكرهوا أن يلتبس به ويشبهه. وليس للجمع مثال أصلٍ ما بعد ألفه الفتح.
باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء
وذلك: سريٌّ وأسرياء، وأغنياء وأشقياء. وإنما صرفوها عن سرواء وغنياء لأنهم يكرهون تحريك الياء والواو وقبلهما الفتحة؛ إلا أن يخافوا التباساً في رميا وغزوا ونحوهما.
والياء إذا كانت قبلها الكسرة فهي في النصب والفتح بمنزلة غير المعتل، فلما كانت الحركة تكره وقبلها الفتحة، وكانت أفعلاء قد يجمع بها فعيلٌ؛ فروا إليها كما فروا إليها في التضعيف في أشداء، كراهية التضعيف.
باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء
وذلك إذا كانت فعلت على خمسة أحرف فصاعداً. وذلك قولك: أغزيت وغازيت، واسترشيت.
وسألت الخليل عن ذلك فقال: إنما قلبت ياءً لأنك إذا قلت يفعل لم تثبت الواو للكسرة، فلم يكن ليكون فعلت على الأصل وقد أخرجت يفعل إلى الياء. وأفعل وتفعل ونفعل.
قلت: فما بال تغازينا وترجينا وأنت إذا قلت يفعل منهما كان بمنزلة يفعل من غزوت.
قال: الألف بدلٌ من الياء ههنا التي أبدلت مكان الواو، وإنا أدخلت التاء على غازيت ورجيت.
وقال: ضوضيت وقوقيت بمنزلة ضعضعت، ولكنهم أبدلوا الياء إذ كانت رابعة. وإذا كررت الحرفين فهما بمنزلة تكريرك الحرف الواحد، فإنما الواوانن ههنا بمنزلة ياءي حييت وواوي قوةٍ، لأنك ضاعفت. وكذلك: حاحيت، وعاعيت، وهاهيت. ولكنهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء؛ فصارت كأنها هي. يدلك على أنها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء، كما قالوا: السرهاف والفرشاط؛ والحاحاة والهاهاة، فأجري مجرى دعدعت إذ كن للتصويت، كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل دهدهت بمنزلة دحرجت، ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة نحوها، فأبدلت كما أبدلت من الياء في هذه.
وقالوا: دهدوة الجعل، وقالوا: دهدية الجعل، كماقالوا دحروجةٌ. يدلك على أنها مبدلة قولهم: دهدهت.
فأما الغوغاء ففيها قولان: أما من قال غوغاءٌ فأنث ولم يصرف فهي عنده مثل عوراء.
وأما من قال غوغاء فذكر وصرف فإنما هي عنده بمنزلة القمقام، وضاعفت الغين والواو كما ضاعفت القاف والميم. وكذلك الصيصية والدوداة، والشوشاة؛ فإنما يضاعف حرفٌ وياء أو واو، كما ضاعفت القمقام، فجعلت هؤلاء بمنزلتها، كما تجعل الحياء وحييت بمنزلة الغصص وغصصت، وكما تجعل القوة بمنزلة الغصة. فهؤلاء في الأربعة بمنزلة هؤلاء في الثلاثة.
والموماة بمنزلة الدوداة والمرمر، ولا تجعلها بمنزلة تمسكن؛ لأن ما جاء هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضرب الميم زائدةً إلا قليلاً.
وأما قولهم: الفيفاة فالألف زائدة، لأنهم يقولون الفيف في هذا المعنى.
وأما القيقاء والزيزاء فبمنزلة العلباء، لأنه لا يكون في الكلام مثل القلقال إلا مصدراً.


وإذا كانت الياء زائدة رابعة فهي تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. وذلك نحو: سلقيت، وجعبيت، تجريهما وأشباههما مجرى ضوضيت وقوقيت.
وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة، وهما بمنزلة صمحمحٍ، ولا تجعلهما على عثوثلٍ لأن مثل صمحمحٍ أكثر. وكذلك قطوطى.
وقالوا: القيقاء والزيزاءة، فإنما أرادوا الواحد على القيقاء، والزيزاء. وقد قال بعضهم: قيقاءةٌ وقواقٍ، فجعل الياء مبدلةً كما أبدلها في قيلٍ.
وسألته عن أثفية فقال: هي فعليةٌ فيمن قال أثفت، وأفعولةٌ فيمن قال ثفيت.
هذا باب التضعيف في بنات الياء
وذلك نحو: عييت وحييت وأحييت واعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف من بنات الياء، ولا تجعل بمنزلة المضاعف من غير الياء، لأنها إذا كانت وحدها لاماً لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء، فكذلك إذا كانت مضاعفةً. وذلك نحو: يعيا ويحيا، ويعيى ويحيى، أجريت ذلك مجرى يخشى ويخشى.
ومن ذلك محياً، قالوه كما قالوا مخشىً.
فإذا وقع شيءٌ من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي لا تفارقهما، فإن الإدغام جائزٌ فيه، لأن اللام من يرمي ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل، فلما ضاعفت صرت كأنك ضاعفت في غير بنات الياء حيث صحت اللام على الأصل وحدها. وذلك قولك: قد حي في هذا المكان، وقد عي بأمره. وإن شئت قلت: قد حيى في هذا المكان وقد عيى بأمره. والإدغام أكثر، والأخرى عربيةٌ كثيرة. وسنبين هذا النحو إن شاء الله.
ومثل ذلك قد أحي البلد، فإنما وقع التضعيف لأنك إذا قلت خشي أو رمي كانت الفتحة لا تفارق، وصارت هذه الأحرف على الأصل بمنزلة طرد واطرد وحمد، فلما ضاعفت صارت بمنزلة مد وأمد وود. قال الله عز وجل: " ويحيى من حي عن بينةٍ " .
وكذلك قولهم: حياءٌ وأحيةٌ، ورجلٌ عييٌّ وقومٌ أعياء؛ لأن اللام إذا كانت وحدها كانت بمنزلة غير المعتل فلزمتها الحركة، فأجري مجرى حي.
فإذا قلت فعلوا وأفعلوا قلت: حيا وأحيوا، لأنك قد تحذفها في خشوا وأخشوا. قال الشاعر:
وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
وقد قال بعضهم: حيوا وعيوا. لما رأوها في الواحد والاثنين والمؤنث إذا قالوا حييت المرأة، بمنزلة المضاعف من غير الياء، أجروا الجمع على ذلك.
قال الشاعر:
عيوا بأمرهم كما ... عيت ببيضتها الحمامه
وقال ناسٌ كثير من العرب: قد حيى الرجل وحييت المرأة، فبين. ولم يجعلوها بمنزلة المضاعف من غير الياء. وأخبرنا بهذه اللغة يونس.
وسمعنا بعض العرب يقول، أعييتاء وأحييةٌ؛ فيبين. وأحسن ذلك أن تخفيها وتكون بمنزلتها متحركة. وإذا قلت يحيى أو معىٍ ثم أدركه النصب فقلت: رأيت معيباً ويريد أن يحييه، لم تدغم لأن الحركة غير لازمة، ولكنك تخفي وتجعلها بمنزلة المتحركة، فهو أحسن وأكثر. وإن شئت بينت كما بينت حيى.
والدليل على أن هذا لا يدغم قوله عز وجل: " أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى " .
ومثل ذلك معييةٌ؛ لأنك قد تخرج الهاء فتذهب الحركة وليست بلازمة لهذا الحرف. وكذلك محييان ومعييان وحييان، إلا أنك إن شئت أخفيت. والتبيين فيه أحسن مما في يائه كسرة، لأن الكسرة من الياء، فكأنهن ثلاث ياءات.
فأما تحيةٌ فبمنزلة أحييةٍ، وهي تفعلةٌ.
والمضاعف من الياء قليل، لأن الياء قد تثقل وحدها لاماً، فإذا كان قبلها ياءٌ كان أثقل لها.
باب ما جاء على أن فعلت منه
مثل بعت وإن كان لم يستعمل في الكلام
لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس. فلو قلت يفعل من حي ولم تحذف لقلت يحى، فرفعت ما لا يدخله الرفع في كلامهم، فكرهوا ذلك كما كرهوه في التضعيف.
وإن حذفت فقلت يحيى أدركته علة لا نقع في كلامهم، وصار ملتبساً بغيره، يعني يعي ويقي ونحوه. فلو كانت علةٌ بعد علة كرهوا هذا الاعتماد على الحرف.
فمما جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت: آيٌ، وغايةٌ، وآيةٌ. وهذا ليس بمطرد، لأن فعله يكون بمنزلة خشيت ورميت، وتجري عينه على الأصل. فهذا شاذٌّ كما شذ قودٌ وروعٌ وحولٌ، في باب قلت. ولم يشذ هذا في فعلت لكثرة تصرف الفعل وتقلب ما يكرهون فيه فعل ويفعل. وهذا قول الخليل.


وقال غيره: إنما هي آيةٌ وأيٌّ فعل، ولكنهم قلبوا الياء وأبدلوا مكانها الألف لاجتماعهما، لأنهما تكرهان كما تركه الواوان، فأبدلوا الألف كما قالوا الحيوان، وكما قالوا ذوائب، فأبدلوا الواو كراهية الهمزة وهذا قولٌ.
وأما الخليل فكان يقول: جاء على أن فعله معتلٌّ وإن لم يكن يتكلم به، كما قالوا قودٌ، فجاء كأن فعله على الأصل.
وجاء استحيت على حاي مثل باع، وفاعله حاءٍ مثل بائعٍ مهموز، وإن لم يستعمل، كما أنه يقال يذر ويدع، ولا يستعمل فعل. وهذا النحو كثير.
والمستعمل حايٍ غير مهموز، مثل عاورٍ إذا أردت فاعلاً، ولا تعل لأنها تصح في فعل نحو عور. وكذلك استحيت أسكنوا الياء الأولى منها كما سكنت في بعت، وسكنت الثانية لأنها لام الفعل، فحذفت الأولى لئلا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا هذا حيث كثر في كلامهم.
وقال غيره: لما كثرت في كلامهم وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على الحاء، كما ألزموا يرى الحذف، وكما قالوا: لم يك ولا أدر.
وأما الخليل فقال: جاءت على حيت، كما أنك حيث قلت استحوذت واستطيبت كان الفعل كأنه طيبت وحوذت. فهذا شذ على الأصل كما شذ هذا على الأصل، ولا يكون الاعتلال في فعلت منه كما لم يجىء فعلت من باب جئت وقلت على الأصل.
وقول الخليل يقويه أول، وآءةٌ، ويوم، ونحو هذا، لأنها قد جاءت على أشياء لم تستعمل. والآخر قولٌ.
وقالوا: حيوة كأنه من حيوة وإن لم يقل؛ لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة وقبلها الياء فيما لا لا تكون الياء فيه لازمة في تصرف الفعل، نحو يوجل، حتى قالوا ييجل. فلما كان هذا لازماً رفضوه كما رفضوا من يومٍ يمت كراهيةً لاجتماع ما يستثقلون. ولكن مثل لويت كثير لأن الواو تحيا ولم تعتل في يلوى كييجل فيكون هذا مرفوضاً، فشبهت واو ييجل بالواو الساكنة وبعدها الياء فقلبت ياءً كما قلبت أولاً. وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها، أخف عليهم من الضمة في الياء والواو بعدها، لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف. وهذا إذا صرت إلى يفعل.
باب التضعيف في بنات الواو
اعلم أنهما لا تثبتان كما تثبت الياءان في الفعل. وإنما كرهتا كما كرهت الهمزتان حتى تركوا فعلت كما تركوه في الهمز في كلامهم، فإنما يجيء ابداً على فعلت على شيء يقلب الواو ياءً. ولا يكون فعلت ولا فعلت، كراهية أن تثبت الواوان. فإنما يصرفون المضاعف إلى ما يقلب الواو ياءً. فإذا قلبت ياءً جرت في الفعل وغيره والعين متحركةٌ مجرى لويت ورويت، كما أجريت أغزيت مجرى بنات الياء حين قلبت ياءً، وذلك نحو: قويت وحويت وقوي.
ولم يقولوا قد قو، لأن العين وهي على الأصل قالبةٌ الواو الآخرة إلى الياء، ولا يلتقي حرفان من موضع واحد، فكسرت العين ثم أتبعتها الواو وإذا كان أصل العين الإسكان ثبتت، وذلك قولك: قوةٌ وصوةٌ وجو وحوةٌ وبوٌّ، لما كانت لا تثبت مع حركة العين اسماً كما لا تثبت واو غزوت في الاسم والعين متحركة، بنوها كما بنيت والعين ساكنة في مثل غزوٍ وغزوةٍ ونحو ذلك.
قلت: فهلا قالوا قووت تقوو، كما قالوا: غزوت تغزو؟ قال: إنما ذلك لأنه مضاعف، فيرفع لسانه ثم يعيده، وهو هنا يرفع لسانه رفعةً واحدة فجاز هذا، كما قالوا: سآلٌ ورآسٌ، لأنه حيث رفع لسانه رفعةً واحدة كانت بمنزلة همزة واحدة. فلم يكن قووت كما لم يكن اصدأأت وأأت، وكانت قوةٌ كما كانت سآلٌ. واحتمل هذا في سآلٍ لأنه أخف، كما كان أصم أخف عليهم من أصمم.
واعلم أن الفاء لا تكون واواً واللام واواً في حرف واحد. ألا ترى أنه ليس مثل وعوت في الكلام. كرهوا ذلك كما كرهوا أن تكون العين واواً واللام واوٌ ثانية. فلما كان ذلك مكروهاً في موضع يكثر فيه التضعيف نحو رددت وصممت، طرحوا هذا من الكلام مبدلاً وعلى الأصل، حيث كان مثل قلق وسلس أقل من مثل رددت وصممت. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.


وقد جاء في الياء كما جاءت العين واللام ياءين. وأن تكون فاءً ولاماً أقل، كما كان سلس أقل. وذلك قولهم: يديت إليه يداً. ولا يكون في الهمزة إذ لم يكن في الواو، ولكنه يكون في الواو في بنات الأربعة، نحو الوزوزة والوحوحة، لأنه يكثر فيها مثل قلقل وسلسل ولم تغير؛ لأن بينهما حاجزاً، وما قبلها ساكن فلم تغير: وتكون الهمزة مثل الدأدأة: ضرب من السير ثانية ورابعة، لأن مثل نفنفٍ كثير. وتكون في الواو نحو ضوضيت، وهي في الواو أوجد لأنها أخف من الهمزة. فإذا كان شيءٌ من هذا النحو في الهمزة فهو للواو ألزم، لأنها أخف وهم لها أشد احتمالاً.
واعلم أن افعاللت من رميت بمنزلة أحييت في الإدغام والبيان والخفاء، وهي متحركة، وكذلك افعللت. وذلك قولك في افعاللت: ارماييت، وهو يرمايي، وأحب أن يرمايى بمنزلة " أن يحيي الموتى " . وتقول ارماييا، فتجربها مجرى أحييا ويحييان. وتقول قد ارموى في هذا المكان كما قلت: قد حي فيه، وأحي فيه، لأن الفتحة لازمة، ولا تقلب الواو ياءً لأنها كواو سوير لا تلزم وهي في موضع مد. وتقول: قد ارمايوا، كما تقول: قد أحيوا. وتقول: ارمييت في الفعللت يرميى، كما تقول يحيي. وتقول: ارمييا، كما تقول: قد أحييا. ومن قال يحييان فأخفى قال ارمييا فأخفى. وتقول: قد ارمى في هذا المكان، لأن الفتحة لازمة. ومن قال أحيي فيها قال ارمويى فيها إذا أرادها من ارماييت، ولا يقلب الواو، لأنها مدة. وتقول: مرماييةٌ ومرميية فتخفى، كما تقول معييةٌ. وإن شئت بينت على بيان معييةٍ والمصدر ارمياءً وارمياءً، واحيياءً واحيياءً.
وأما افعللت وافعاللت من غزوت فاغزويت واغزاويت، ولا يقع فيها الإدغام ولا الإخفاء، لأنه لا يلتقي حرفان من موضعٍ واحد.
ومثل ذلك من الكلام: ارعويت، وأثبت الواو الأولى لأنه لا يعرض لها في يفعل ما يقلبها. ولم تكن لتحولها ألفاً وبعدها ساكن وإنما هي بمنزلة نزوانٍ.
وأما افعاللت من حييت فبمنزلتها من رميت.
وأما افعللت فبمنزلة ارمييت، إلا أنه يدركها من الإدغام مثل ما يدرك اقتتلت، وتبين كما تبين، لأنهما ياءان في وسط الكلمة كالتاء في وسطها. وذلك قولك: احييت واحييينا، كما قلت اقتتلت واقتتلنا، واحيييا كما قلت اقتتلت، واقتتلا. ومن قال يقتل فكسر القاف وأدغم قال يحيى. ومن قال يقتل قال يحيى. ومن قال يقتتل فأخفى وتركها على حركتها فإنه يقول يحييى.
وتقول فيمن قال قتلوا: حيوا. ومن قال اقتتلوا فأخفى قال احييوا. ومن قال قتلوا قال حيوا. ومن قال في مفتعلٍ مقثتلٌ قال محيياً. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن أخفى فقال مقتتلٌ قال محيياً. فقسه في الإدغام على افعللت.
وإنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت فيلزمه الإدغام أنه في وسط الحرف، ولم يكن طرفاً فيضعف كما تضعف الواو، ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.
وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة غزوت، وذلك قول العرب: قد احواوت الشاة واحواويت. فالواو بمنزلة واو غزوت، والعين بمنزلتها في افعاللت من عورت.
وإذا قلت احواويت فالمصدر احوياءً، لأن الياء تقلبها كما قلبت واو أيامٍ.
وإذا قلت افعللت قلت: احوويت تثبتان حيث صارتا وسطاً، كما أن التضعيف وسطاً أقوى نحو: اقتتلنا، فيكون على الأصل، وإن كان طرفاً اعتل. فلما اعتل المضاعف من غير المعتل في الطرف كانوا للواوين تاركين، إذ كانت تعتل وحدها. ولما قوي التضعيف من غير المعتل وسطاً جعلوا الواوين وسطاً بمنزلته، فأجرى احوويت على اقتتلت والمصدر احوواءً. ومن قال قتالاً قال حواءً.
وتقول في فعلٍ من شويتٌ شيءٌ، قلبت الواو ياء حيث كانت ساكنة بعدها ياءٌ، وكسرت الشين كما كسرت تاء عتىٍّ وصاد عصيٍ، كراهية الضمة مع الياء، كما تكره الواو الساكنة وبعدها الياء.
وكذلك فعلٌ من أحييت.
وقد ضم بعض العرب ولم يجعلها كبيضٍ، لأنه حين أدغم ذهب المد وصار كأنه بعد حرف متحرك نحو صيدٍ. ألا ترى أنها لو كانت في قافية مع عمىٍ جاز. فهذا دليلٌ على أنه ليس بمنزلة بيضٍ. ولم يجعلوها كتاء عتيٍّ وصاد عصيٍ ونون مسنية لأنهن عينات، فإنما شبهن بلام أدلٍ وراء أجرٍ. وقالوا قرنٌ ألوى وقرونٌ ليٌّ، سمعنا ذلك منهم.


ومثل ذلك قولهم: ريا وريةٌ حيث قلبوا الواو المبدلة من الهمزة فجعلوها كواو شويت. وقد قال بعضهم رياً وريةٌ كما قالوا ليٌّ. ومن قال ريةٌ قال في فعلٍ من وأيت فيمن ترك الهمز: ويٌّ، ويدع الواو على حالها، لأنه لم يلتق الواوان إلا في قول من قال أعد.
ومن قال ريا فكسر الراء قال ويٌّ فكسر الواو إلا في قول من قال إسادةٌ وسألته عن قوله معايا فقال: الوجه معايٍ، وهو المطرد. وكذلك قول يونس. وإنما قالوا معايا كما قالوا مدارى وصحارى، وكانت مع الياء أثقل إذ كانت تستثقل وحدها.
وسألته عن قولهم: لم أبل فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف لأنه لا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا ذلك في الجزم لأنه موضع حذفٍ، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم كنون يكن حين أسكنت. فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن.
وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثرا في كلامهم، إذ كان من كلامهم حذف النون والحركات. وذلك نحو: مذ، ولد، وقد علم. وإنما الأصل لدن ومنذ وقد علم. وهذا من الشواذ، وليس مما يقاس عليه ويطرد.
وزعم الخليل أن ناساً من العرب يقولون: لم أبله، لا يزيدون على حذف الألف حيث كثر الحذف في كلامهم، كما حذفوا ألف احمر وألف علبطٍ، وواو غدٍ.
وكذك فعلوا بقولهم: ما أباليه بالةً، كأنها باليةٌ بمنزلة العافية.
ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى ههنا ولا يلزمه حذفٌ، كما أنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحركٍ لم تحذف؛ لأنه بعد شبهها من التنوين كنون منذ ولدن.
وإنما جعلوا الألف تثبت مع الحركة. ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في غير موضع الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة.
باب ما قيس من المعتل
من بنات الياء والواو ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غير المعتل
تقول في مثل حمصيصةٍ من رميت رمويةٌ، وإنما أصلها رمييةٌ، ولكنهم كرهوا ههنا ما كرهوا في رحيىٍ حيث نسبوا إلى رحى فقالوا رحويٌّ لأن الياء التي بعد الميم لو لم يكن بعدها شيءٌ كانت كياء رحىً في الاعتلال فلما كانت كذلك تعتل، ويكون البدل أخف عليهم، وكرهوها وهي واحدة، كانوا لها في توالي الياءات والكسرة فيها أكره، فرفضوها. فإنما أمرها كأمر رحىً في الإضافة.
وكذلك مثل الصمكيك، تقول: رمويٌّ.
وكذلك مثل الحلكوك تقول رمويٌّ، لأنك تقلب الواو ياءً فتصير إلى مثل حال فعليل.
وأما فعلولٌ منها نحو بهلولٍ فتقول: رمييٌّ، وكان أصلها رميويٌ، ولكنك قلبت الواو التي قبل الياء لأنها ساكنة وبعدها ياء. وتثبت الياء الأولى، لأنك لو أضفت إلى ظبيٍ قلت ظبيٌّ، وإلى رمىٍ قلت رميىٌّ فلم تغيره، فكأنك أضفت إلى رمى.
وكذلك فعليل، إلا أنك تكسر أول الحرف تقول: رميىٌّ. ومن غزوت: غزويٌّ، تقلب الواو ياءً لأن قبلها ياء ساكنة. كما أنك تقول في فعيل: غزى تقلب للياء التي قبل الواو.
وأما فعلولٌ منها، فغزويٌّ، وأصلها غزووٍّ، فلما كانوا يستثقلون الواوين في عتيٍ ومعديٍ ألزم هذا بدل الياء، حيث اجتمعت ثلاث واوات مع الضمتين في فعلولٍ، فألزم هذا التغيير كما ألزم مثل محنيةٍ البدل إذ غيرت في ثيرةٍ والسياط ونحوهما.
وتقول في مفعولٍ من قويت: هذا مكان مقويٌّ فيه، لأنهن ثلاث واوات بمنزلة ما ذكرت لك من فعلولٍ من غزوت، وإنما حدها مقووٌّ، كما أنه إذا قال مفعولٌ من شقيت قال مكانٌ مشقوٌّ فيه، لأنها من الواو من شقوةٍ وشقاوة، ولم يدرك الواو ما يغيرها إلا أن تقول مشقيٌّ فيما قال أرضٌ مسنيةٌ.
وتقول في فعلولٍ من قويت: قويٌّ، تغير منها ما غيرت من فعلولٍ من غزوت.
وتقول في أفعولةٍ من غزوت أغزوةٌ. وقد جاءت في الكلام أدعوةٌ. وقد تكون أدعيةٌ، على أرضٍ مسنية.
وتقول في أفعولٍ من قويت أقويٌّ لأن فيها ما في مفعولٍ من الواوات فغير منها ما غيرت في مفعولٍ منها.
وتقول في فعلولٍ من غزوت غزوىٌّ لاجتماع واوات مع الضمة التي في اللام.
وتقول في فعلولٍ من شويت وطويت: شووى وطووىٌّ، وإنما حدها وقد قلبوا الواوين: طيىٌّ وشيىٌّ، ولكنك كرهت الياءات كما كرهتها في حيىٍ حين أضفت إلى حيةٍ فقلت: حيوىٌّ.


وكذلك فيعولٌ من طويت، لأن حدها وقد قلبت الواوين طيىٌّ فقد اجتمع فيها مثل ما اجتمع في فعلولٍ، وذلك قولك طيوىٌّ. ومن قال في النسب إلى أمي: أميىٌّ، وإلى حيةٍ: حيىٌّ، تركها على حالها فقال في فعلول طيىٌّ فيمن قال لىٌّ، وطيىٌّ فيمن قال لىٌّ.
وأما فيعلولٌ من غزوت فغيزوٌّ بمنزلة مغزوٍ، وهي من قويت قيوٌّ قلبت الواو التي هي عين وأثبت واو فيعولٍ الزائدة، لأن التي قبلها متحركة، فلما سلمت صارت وما بعجها كواوي غيزوٍ.
وتقول في فيعلٍ من حويت وقويت: حياً وقياً؛ قلبت التي هي عين ياء للياء التي قبلها الساكنة، وقلبت التي هي لامٌ ألفاً للفتحة قبلها، لأنها تجري مجرى لام شقيت، كما أجريت حييت مجرى خشيت.
وتقول منها فيعلٌ حيٍ وقيٍ، لأن العين منها واوٌ كما هي في قلت. وإنما منعهم من أن تعتل الواو وتسكن في مثل قويت ما وصفت لك في حييت. وينبغي أن يكون فيعلٌ هو وجه الكلام فيه، لأن فيعلاً عاقبت فيعلاً فيما الواو والياء فيه عين. ولا ينبغي أن يكون في قول الكوفيين إلا فيعلاً مكسور العين، لأنهم يزعمون أنه فيعلٌ، وأنه محمدود عن أصله.
وأما الخليل فكان يقول: عاقبت فيعلٌ فيعلاً فيما الياء والواو فيه عينٌ واختصت به، كما عاقبت فعلةٌ للجمع فعلةٌ فيما الياء والواو فيه لامٌ.
وكذلك شويت وحييت بهذه المنزلة. فإذا قلت فيعلٌ قلت حيٌّ وشيٌّ وقيٌّ، تحذف منها ما تحذف من تصغير أحوى، لأنه إذا كان آخره كآخره فهو مثله في قولك أحي، إلا أنك لا تصرف أحي.
وتقول في فعلانٍ من قويت: قووانٌ. وكذلك حييت. فالواو الأولى كواو عور، وقويت الواو الآخرة كقوتها في نزوانٍ، وصارت بمنزلة غير المعتل، ولم يستثقلوها مفتوحتين كما قالوا: لوويٌّ وأحوويٌّ. ولا تدغم لأن هذا الضرب لا يدغم في رددت.
وتقول في فعلانٍ من قويت قوانٌ. وكذلك فعلانٌ من حييت حيانٌ، تدغم لأنك تدغم فعلانٍ من رددت. وقد قويت الواو الآخرة كقوتها في نزوان، فصارت بمنزلة غير المعتل. ومن قال حيى عن بينةٍ قال قووانٌ.
وأما قولهم: حيوانٌ فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة ولم يكونوا ليلزموها الحركة ههنا والأخرى غير معتلة من موضعها، فأبدلوا الواو ليختلف الحرفان كما أبدلوها في رحوى حيث كرهوا الياءات، فصارت الأولى على الأصل، كما صارت اللام الأولى في ممل ونحوه على الأصل، حين أبدلت الياء من آخره.
وكذلك فعلانٌ من حييت تدغم، إلا في اللغة الأخرى. وذلك قولك: حيانٌ. ولا تدغم في قويت، تقول قويانٌ لأنك تقلب اللام ياء. ومن قال عميةٌ فأسكن قال قويانٌ. وإنما خففوا في عميةٍ وكان ذلك أحسن لأنهم يقولون فخذٌ في فخذٍ. فإذا كانت مع الياء فهو أثقل. ولا تقلب الواو ياءً لأنك لا تلزم الإسكان، وليس الأصل الإسكان. ومن قال ريةٌ في رؤيةٍ قلبها فقال قيانٌ.
وتقول في فيعلانٍ من حييت وقويت وشويت: حيانٌ وشيانٌ وقيانٌ، لأنك تحذف ياءً هنا كما حذفتها في فيعلٍ، وكما كنت حاذفها في أفيعلانٍ، نحو التصغير في أشيويانٍ، تقول أشيانٌ لو كانت اسماً. فهم يكرهون ههنا ما يكرهون في تصغير شاويةٍ وراوية في قولهم: رأيت شويةً لأنها لم تعد أن كانت كألف النصب والهاء، لأنهما يخرجان الياء في فاعلٍ ونحوه على الحركة في الأصل؛ كما يخرجونه في فيعلانٍ لو جاءت في رميت. فأجر أويت مجرى شويت وغويت.
وتقول في مفعلةٍ من رميت مرموةٌ، لأنك تقول في الفعل رمو الرجل، فيصير بمنزلة سرو الرجل، ولغزو الرجل. فإذا كانت قبلها ضمة وكانت بعدها فتحة لا تفارقها صارت كالواو في قمحدوةٍ وترقوةٍ، فجعلتها في الاسم بمنزلتها في الفعل كما جعلت الواو ههنا بمنزلتها في سرو.
وكذلك فعلوةٌ من رميت تقول فيها رميوةٌ.
وتقول في فعلةٍ من رميت وغزوت إذا لم تكن مؤنثةً على فعلٍ: رموةٌ وغزوةٌ. فإن بنيتها على فعلٍ قلت رميةٌ وغزيةٌ، لأن مذكرهما رمٍ وغزٍ، فهذا نظير عظاءة حيث كانت على عظاءٍ، وعبايةٍ حيث لم تكن على عباءٍ. ألا تراهم قالوا خطواتٌ فلم يقلبوا الواو، لأنهم لم يجمعوا فعلاً ولا فعلةً جاءت على فعلٍ. وإنما يدخل التثقيل في فعلاتٍ. ألا ترى أن الواحدة خطوةٌ؟! فهذا بمنزلة فعلةً وليس لها مذكر.


ومن قال خطواتٌ بالتثقيل فإن قياس ذلك في كليةٍ كلواتٌ، ولكنهم لم يتكلموا إلا بكليات مخففةً، فراراً من أن يصيروا إلى ما يستثقلون، فألزموها التخفيف إذ كانوا يخففون في غير المعتل كما خففوا فعلاً من باب بونٍ ولكنه لابأس بأن تقول في مديةٍ مدياتٌ، كما قلت في خطوةٍ خطواتٌ لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة، ومن ثقل في مدياتٍ فإن قياسه أن يقول في جروةٍ جرياتٌ، لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا يتكلمون بذلك إلا مخففاً، فراراً من الاستثقال والتغيير. فإذا كانت الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد رفعةً، لأن العمل من موضع واحد، فإذا خالفت الحركة فكأنهما حرفان من موضعين متقاربين الأول منهما ساكن نحو وتدٍ.
وفعللةٌ من رميت بمنزلة فعلوةٍ، رميوةٌ، وتفسيرها تفسيرها.
وتقول في مثل ملكوتٍ من رميت: رموتٌ، ومن غزوت غزوتٌ، تجعل هذا مثل فعلوا ويفعلون. كما جعلت فعلانٌ منزلة فعلاً لللاثنين، وفعليلٌ بمنزلةٍ فعلىٍ. وذلك قولك رميا، جاءوا بها على الأصل كراهية التباس الواحد بالاثنين. وقالوا: رحوىٌّ ولم يحذفوا، لأنهم لو حذفوا لالتبس ما العين فيه مكسورةٌ بما العين فيه مفتوحةٌ.
وتقول في فوعلةٍ من غزوت: غوزوةٌ، وأفعلةٍ: أغزوةٌ، وفي فعل: غزوٌّ. ولا يقال في فوعلٍ غوزىٌّ، لأنك تقول في فوعلت: غوزيت، من قبل أنك لم تبن فوعلاً ولا أفعلةً على فوعلت، وإنما بنيت هذا الاسم من غزوت من الأصل. ولو كان الأمر كذلك لم تقل في أفعولةٍ أدعوةٌ، لأنك لو قلت أفعل وأفعلت لم تكن إلا ياءً، ولدخل عليك أن تقول في مفعولٍ مغزىٌّ، لأنك حركت ما لو لم يكن ما قبله الحرف الساكن ثم كان فعلاً لكان على بنات الياء، ولو ثنيته أخرجته إلى الياء. فأنت لم تحرك الآخر بعد ما كان مفعلاً، ولكنك إنما بنيته على مفعولٍ، ولم تلحقه واو مفعولٍ بعد ما كان مفعلٌ.
وكذلك فوعلةٌ لم تلحقها التثقيل بعد ما كانت فوعل، ولكنه بني وهذا له لازمٌ كمفعولٍ.
وتقول في فوعلةٍ من رميت: روميةٌ، وأفعلة: أرميةٌ، تكسر العين كما تكسرها في فعولٍ إذا قلت ثديٌّ. ومن قال عتىٌّ في عتوٍ قال في أفعلةٍ من غزوت: أغزيةٌ. ولا تقول رومياةٌ كما قال في افعل ارميا، لأن أصل هذا افعلل والتحريك له لازم. ألا ترى أنك تقول ارمييت وتقول احمررت، فأصل الأول التحريك كما كان أصل الدال الأولى من رددت التحريك. وأفعلة وفوعلةٌ إنما بنيتا على هذا، وليس الأصل التحريك. ولو كان كذلك لقلت في فعلٍ رمياً، لأن أصله الحركة.
وحدثنا أبو الخطاب أنه سمعهم يقولون: هبىٌّ وهبيةٌ للصبي والصبية. فلو كان الأصل متحركاً لقالوا هبياً وهبياةٌ.
وتقول في فعلالةٍ من غزوت: غزواوةٌ، إذ لم تكن على فعلالٍ كما كانت صلاءةٌ على صلاءٍ. فإن كانت كذلك قلت غزواءةٌ ولا تقول: غزوايةٌ، لأنك تقول: غزويت كما لم تقل في فوعلةٍ غوزيةٌ، لأن التثقيلة حين جاءت كان الحرف المزيد بمنزلة واو مغزوٍ المزيدة وأدعوةٍ. ولو كنت إنما تأخذ الأسماء التي ذكرت لك من الأفعال التي تكون عليها لقلت: غزوايةٌ وغوزيةٌ؛ ولكنك إنا تجيء بهذه الأشياء التي ليست على الأفعال المزيدة على الأصل، لا على الأفعال التي تكون فيها الزيادة. كما أن فيها الزيادة ولكنها على الأصل، كما كان مغزوٌّ ونحوه على الأصل.
وتقول في مثل كوألل من رميت: رومياً، ومن غزوت غوزواً. وتقولها من قويت: قوواً؛ ومن حييت حوياً، ومن شويت: وشياً، وحدها شووياً، ولكنك قلبت الواو إذ كانت ساكنة.
وتقول في فعولٍ من غزوت غزووٌّ، لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا تراهم لم يقولوا في فعلٍ غزيٌّ للفتحة كما قالوا عتيٌّ. ولو قالوا فعلٌ من صمت لم يقولوا صيمٌ كما قالوا صيمٌ.
وكعثولٍ من قويت قيوٌّ؛ وكان الأصل قيووٌّ، ولكنك قلبت الواو ياء كما قلبتها في سيدٍ، وهي من شويت شيىٌّ والأصل شيوىٌّ، ولكن قلبت الواو.
وتقول في مثل خلفنةٍ من رميت وغزوت: رمينةٌ وغزونةٌ، لا تغير، لأن أصلها السكون، فصارتا بمنزلة غزون ورمين.
وتقول في مثل صمحمحٍ من رميت: رميماً. وفي مثل حلبلابٍ من غزوت ورميت رميماءٌ وغزيزاءٌ، كسرت الزاي والواو ساكنة فقلبتها ياء.


وتقول في فوعلةٍ من أعطيت: عوطوةٌ على الأصل، لأنها من عطوت، فأجر أولً وعيت على أول وعدت وآخره على آخر رميت؛ وأول وجيت على أول وجلت وآخره على آخر خشيت في جميع الأشياء. ووأيت بمنزلة وعيت كما أن أويت كغويت وشويت.
وتقول في فعليةٍ من غزوت: غزويةٌ، ومن رميت: رمييةٌ، تخفى وتحقق، وتجري ذلك مجرى فعليةٍ من غير المعتل، ولا تجعلها وإن كانت على غير تذكير كأحييةٍ، ولكن كقعددٍ.
وتقول في فعلٍ من غزوت: غزٍ، ألزمتها البدل إذ كانت تبدل وقبلها الضمة، فهي ههنا بمنزلة محنيةٍ.
وتقول في فعلوةٍ من غزوت: غزويةٍ، ولا تقول: غزووةٌ، لأنك إذا قلت: عرقوةٌ فإنما تجعلها كالواو في سرو ولغزو. فإذا كانت قبلها واو مضمومة لم تثبت، كما لا يكون فعلت مضاعفاً من الواو في الفعل نحو قووت. وأما غزوٌّ فلما انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتل، وصارت الزاي مفتوحة، فلم يغيروا ما بعدها لأنها مفتوحة، كما أنه لا يكون في فعلٍ تغييرٌ البتة لا يغير مثل الواو المشددة. فلما لم يكن قبل الواو المشددة ما كانت تعتل به من الضمة صارت بمنزلة واو قوٍ.
وأما فعلول فلما اجتمعت فيه ثلاث واوات مع الضم صارت بمنزلة محنيةٌ، إذ كانوا يغيرون الثنتين كما ألزموا محنيةً البدل؛ إذ كانوا يغيرون الأقوى.
وتقول في مثل فيعلى من غزوت غيزوى، لأنك لم تلحق الألف فيعلاًن ولكنك بنيت الاسم على هذا. ألا تراهم قالوا مذروان، إذ كانوا لا يقيدون الواحد، فهو في فيعلى أجدر أن يكون، لأن هذا يجيء كأنه لحق شيئاً قد تكلم به بغير علامة التثنية، كما أن الهاء تلحق بعد بناء الاسم، ولا يبنى لها. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء الجمع
الذي هو على مثال مفاعل ومفاعيل فإذا جمعت فعلٌّ نح رمىٍ وهبىٍ قلت: هباى ورماى، لأنها بمنزلة غير المعتل نحو معدٍ وجبنٍ. ولا تغير الألف في الجمع الذي يليها، لأن بعدها حرفاً لازماً. ويجري الآخر على الأصل لأن ما قبلها ساكن وليس بألف. وكذلك غزاو.
وأما فعللٌ من رميت فرمياً؛ ومن غزوت غزوىً؛ والجمع غزاوٍ ورماىٍ لا يهمز؛ لأن الذي يلي الألف ليس بحرف الإعراب، واعتلت الآخرة لأن ما قبلها مكسور.
وأما فعاليل من رميت فرمائى، والأصل رمايى، ولكنك همزت كما همزوا في رايةٍ وآيةٍ حين قالوا رائى وآئى، فأجريته مجرى هذا حيث كثرت الياءات بعد الألف، كما أجريت فعليلةٍ مجرى فعليةٍ.
ومن قال راوىٌّ فجعلها واواً قال: رماوى. ومن قال: أميىٌّ وقال آيىٌّ قال: رمايىٌّ، فلم يغير.
وكذلك فعاليل من حييت ومفاعيل. وقد كرهوا الياءين وليستا تليان الألف حتى حذفوا إحداهما فقالوا أثافٍ؛ ومعطاءٌ ومعاطٍ. فهم لهذا أكره وأشد استثقالاً، إذ كن ثلاثاً بعد ألف قد تكره بعدها الياءات.
ولو قال إنسان أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو أثافٍ وأواقٍ، ومعطاءٍ ومعاطٍ، حيث كرهوا الياءين - قال قولاً قوياً، إلا أنه يلزم الحذف هذا، لأنه أثقل للياءات بعد الألف، والكسرة التي في الياء الأولى، كما ألزم التغيير مطايا.
ومن قال: أغير لأنهم قد يستثقلون فيغيرون ولا يحذفون، فهو قويٌ. وذلك: راوىٌّ في رايةٍ، لم يحذفوها فتجريه عليها كما أجروا فعليلةً مجرى فعليةٍ.
وما يغير للاستثقال ولم يحذف أكثر من أن يحصى. فمن ذلك في الجمع: معايا ومدارى ومكاكى. وفي غير ذلك: جاءٍ، وأدؤرٌ. وهذا النحو أكثر من أن يحصى.
وأما فعاليل من غزوت فعلى الأصل لا يهمز ولا يحذف، وذلك قولك: غزاوى، لأن الواو بمنزلة الحاء في أضاحي، ولم يكونوا ليغيروها وهم قد يدعون الهمزة إليها في مثل غزاوى. فالياءات قد يكرهن إذا ضوعفن واجتمعن، كما يكره التضعيف من غير المعتل نحو تظنيت، فذلك أدخلت الواو عليها وإن كانت أخف منها.
ولم تعر الواو من أن تدخل على الياء؛ إذ كانت أختها، كما دخلت الياء عليها. ألا تراهم قالوا موقنٌ وعوططٌ. وقالوا في أشد من هذا: جباوةٌ وهي من جبيت، وأتوة، وأدخلوها عليها لكثرة دخول الياء على الواو، فلم يريدون أن يعروها من أن تدخل عليها.
ولها أيضاً خاصةٌ ليست للياء كما أن للياء خاصةً ليست لها. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب التضعيف


اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم، وأن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن يكون من موضع واحد. ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيءٍ من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضرببٍن ولم يجىء فعللٌ ولا فعللٌ إلا قليلاً، ولم يبنوهن على فعالل كراهية التضعيف، وذلك لأنه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من موضع واحد ثم يعودوا له، فلما صار ذلك تعباً عليهم أن يداركوا في موضع واحد ولا تكون مهلةٌ، كرهوه وأدغموا، لتكون رفعةً واحدة، وكان أخف على ألسنتهم مما ذكرت لك.
أما ما كانت عينه ولامه من موضعٍ واحد فإذا تحركت اللام منه وهو فعلٌ ألزموه الإدغام، وأسكنوا العين. فهذا متلئبٌّ في لغة تميم وأهل الحجاز. فإن أسكنت اللام فإن أهل الحجاز يجرونه على الأصل، لأنه لا يسكن حرفان.
وأما بنو تميم فيسكنون الأول ويحركون الآخر ليرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة وصار تحريك الآخر على الأصل، لئلا يسكن حرفان، بمنزلة إخراج الآخرين على الأصل لئلا يسكنا، وقد بينا اختلاف لغات أهل الحجاز وبني تميم في ذلك واتفاقهم، واختلاف بني تميم في تحريك الآخر ومن قال بقولهم، فيما مضى في الأفعال ببيانه. وإنما أكتب لك ههنا ما لم أذكره فيما مضى ببيانه.
فإن قيل: ما بالهم قالوا في فعل ردد فأجروه على الأصل؟ فلأنهم لو أسكنوا صاروا إلى مثل ذلك إذ قالوا ردد، فلما كان يلزمهم ذلك التضعيف كان الترك على الأصل أولى، ومع هذا أن العين الأولى تكون أبداً ساكنة في الاسم والفعل، فكرهوا تحريكها. وليست بمنزلة أفعل واستفعل ونحو ذلك، لأن الفاء تحرك وبعدها العين، ولا تحرك العين وبعدها العين أبداً.
واعلم أن كل شيء من الأسماء جاوز ثلاثة أحرف فإنه يجري مجرى الفعل الذي يكون على أربعة أحرف إن كان يكون ذلك اللفظ فعلاً، أو كان على مثال الفعل ولا يكون فعلاً، أو كان على غير واحدٍ من هذين، لأن فيه من الاستثقال مثل ما في الفعل. فإن كان الذي قبل ما سكن ساكناً حركته وألقيت عليه حركة المسكن. وذلك قولك: مستردٌّ ومستعدٌّ وممدٌّ وممدٌّ ومستعدٌّ، وإنما الأصل مستعددٌ وممددٌ ومستعددٌ.
وكذلك مدقٌّ والأصل مدققٌ، ومردٌّ وأصله مرددٌ.
وإن كان الذي قبل المسكن متحركاً تركته على حركته. وذلك قولك مرتدٌّ، وأصله مرتددٌ، كانت حركته أولى فتركته على حركته إذ لم تضطر إلى تحريكه.
وإن كانت قبل المسكنة ألفٌ لم تغير الألف، واحتملت ذلك الألف لأنها حرف مدٍّ، وذلك قولك: رادوا ومادوا، والجادة، فصارت بمنزلة متحرك.
وأما ما يكون أفعل فنحو ألد وأشد، وإنما الأصل ألدد وأشدد، ولكنهم ألقوا عليها حركة المسكن وأجريت هذه الأسماء مجرى الأفعال في تحريك الساكن وإلزام الإدغام وترك المتحرك الذي قبل المدغم، وترك الألف التي قبل المدغم.
ولا تجري ما بعد الألف مجرى ما بعد الألف في يضربانني إذا ثنيت، لأن هذه النون الأولى قد تفارقها الآخرة، وهذه الدال الأولى التي في رادٍ لا تفارقها الآخرة، فما يستثقلون لازمٌ للحرف.
ولا يكون اعتلالٌ إذا فصل بين الحرفين، وذلك نحو الإمداد والمقداد وأشباههما.
فأما ما جاء على ثلاثة أحرف لا يزادة فيه فإن كان يكون فعلاً فهو بمنزلته وهو فعلٌ، وذلك قولك في فعلٍ صبٌّ زعم الخليل أنها فعلٌ لأنك تقول صببت صبابةً كما تقول: قنعت قناعةً وقنعٌ.
ومثله رجلٌ طبٌّ وطبيبٌ، كما تقول قرحٌ وقريح، ومذلٌ ومذيلٌ. ويدلك على أن فعلاً مدغم أنك لم تجد في الكلام مثل طببٍ على أصله.


وكذلك رجل خافٌ. وكذلك فعلٌ أجري هذا مجرى الثلاثة من باب قلت على الفعل، حيث قالوا في فعل وفعل قال وخاف، ولم يفرقوا بين هذا والفعل كما فرقوا بينهما في أفعل، لأنهما على الأصل فجعلوا أمرهما واحداً حيث لم يجاوزوا الأصل. فكما لم يحدث عددٌ غير ذلك كذلك لم يحدث خلافٌ. ألا ترى أنهم أجروا فعلاً اسماً من التضعيف على الأصل، وألزموه ذلك؛ إذ كانوا يجرونه على الأصل فيما لا يصح فعله في فعلت من بنات الواو ولا في موضع جزمٍ كما لا يصح المضاعف. وذلك نحو: الخونة؛ والحوكة؛ والقود. وذلك نحو شررٍ ومددٍ. ولم يفعلوا ذلك في فعلٍ لأنه لا يخرج على الأصل في باب قلت، لأن الضمة في المعتل أثقل عليهم. ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلاً في التضعيف ولا فعلاً؛ لأنها ليست تكثر كثرة فعلٍ في باب قلت، ولأن الكسرة أثقل من الفتحة، فكرهوها في المعتل. ألا تراهم يقولون فخذٌ ساكنةً وعضدٌ، ولا يقولون جملٌ. فهم لها في التضعيف أكره.
وقد قال قوم في فعلٍ فأجروه على الأصل، إذ كان قد يصح في باب قلت وكانت الكسرة نحو الألف. وذلك قولهم: رجلٌ ضففٌ وقومٌ ضففو الحال. فأما الوجه فرجلٌ ضفٌّ وقومٌ ضفو الحال.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف وليس يكون فعلاً فعلى الأصل كما يكون ذلك في باب قلت، ليفرق بينهما كما فرق بين أفعل اسماً وفعلاً من باب قلت. فمن ذلك قولك في فعلٍ: دررٌ، وقددٌ، وكللٌ، وشددٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وخززٌ، وقذذ السهم، وسددٌ، وظللٌ، وقللٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وحضضٌ، ومددٌ، وبللةٌ، وشددٌ، وسننٌ.
وقد قالوا عميمةٌ وعمٌّ، فألزموها التخفيف، إذ كانوا يخففون غير المعتل كما قالوا بونٌ في جمع بوان.
ومن ذلك ثنىٌ فألزموها التخفيف.
ومن قال في صيد صيدٌ قال في سررٍ سرٌّ فخفف.
ولا يستنكر في عميمةٍ عممٌ. فأما الثنى ونحوه فالتخفيف، لم يستعملوا في كلامهم الياء والواو لامات في باب فعلٍ، واحتمل هذا في الثلاثة أيضاً لخفتها، وأنها أقل الأصول عدداً.
باب ما شذ من المضاعف
فشبه بباب أقمت، وليس بمتلئبٍ
وذلك قولهم: أحست، يريدون أحسست، وأحسن، يريدون أحسسن. وكذلك تفعل به في كل بناء تبنى اللام من الفعل فيه على السكون ولا تصل إليها الحركة ولا تصل إليها الحركة، شبهوها بأقمت، لأنهم أسكنوا الأولى، فلم تكن لتثبت والآخرة ساكنةٌ. فإذا قلت لم أحس لم تحذف، لأن اللام في موضع قد تدخله الحركة، ولم يبن على سكون لا تناله الحركة، فهم لا يكرهون تحريكها. ألا ترى أن الذين يقولون لا ترد يقولون رددت كراهيةً للتحريك في فعلت، فلما صار في موضعٍ قد يحركون فيه اللام من رددت أثبتوا الأولى، لأنه قد صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا أدرك نحو يقول ويبيع.
وإذا كان في موضعٍ يحتملون فيه التضعيف لكراهية التحريك، حذفوا لأنه لا يلتقي ساكنان.
ومثل ذلك قولهم: ظلت ومست، حذفوا وألقوا الحركة على الفاء، كما قالوا خفت. وليس هذا النحو إلا شاذاً. والأصل في هذا عربيٌّ كثير. وذلك قولك: أحسست، ومسست، وظللت.
وأما الذين قالوا: ظلت ومست فشبهوها بلست، فأجروها في فعلت مجراها في فعل، وكرهوا تحريك اللام فحذفوا. ولم يقولوا في فعلت لست البتة، لأنه لم يتمكن تمكن الفعل. فكما خالف الأفعال المعتلة وغير المعتلة في فعل كذلك يخالفها في فعلت.
ولا نعلم شيئاً من المضاعف شذ عما وصفت لك إلا هذه الأحرف وقالوا: " وإذا الأرض مدت " " وحقت " .
واعلم أن لغةً للعرب مطردةً يجري فيها فعل من رددت مجرى فعل من قلت، وذلك قولهم: قد رد وهد، ورحبت بلادك وظلت، لما أسكنوا العين ألقوا حركتها على الفاء، كما فعل ذلك في جئت وبعت. ولم يفعلوا ذلك في فعل نحو عض وصب، كراهية الالتباس، كما كره الالتباس في فعل وفعل من باب بعت. وقد قال قوم: قد رد، فأمالوا الفاء ليعلموا أن بعد الراء كسرة قد ذهبت، كما قالوا للمرأة أغزى، فأشموا الزاي ليعلموا أن هذه الزاي أصلها الضم. وكذلك لم تدعى. ولم يضموا فتقلب الياء واواً فيلتبس بجمع القوم. ولم تكن لتضم والياء بعدها لكراهية الضمة وبعدها الياء، إذ قدروا على أن يشموا الضم. فالياء تقلب الضمة كسرةً كما تقلب الواو في لية ونحوها. وإنما قالوا قيل من قبل أن القاف ليس قبلها كلام فيشموا.


واعلم أن رد هو الأجود الأكثر، لا يغير الإدغام المتحرك؛ كما لا يغيره في فعل وفعل ونحوهما. وقيل وبيع وخيف أقيس وأكثر وأعرف، لأنك لا تفعل بالفاء ما تفعل بها في فعلت وفعلت.
وأما تغزين ونحوها فالإشمام لازمٌ لها ولنحوها، لأنه ليس في كلامهم أن تقلب الواو في يفعل ياءً في تفعل وأخواتها. وإنما صيرت فيها الكسرة للياء، وليس يلزمها ذلك في كلامهم كما لزم رد وقيل، فكرهوا ترك الإشمام مع الضمة والواو إذ ذهبا، وهما يثبتان في الكلام فكرهوا هذا الإجحاف. وأصل كلامهم تغيير فعل من رددت وقلت.
باب ما شذ فأبدل مكان اللام والياء
لكراهية التضعيف، وليس بمطرد
وذلك قولك: تسريت، وتظنيت، وتقصيت من القصة، وأمليت، كما أن التاء في أسنتوا مبدلة من الياء، أرادوا حرفاً أخف عليهم منها وأجلد، كما فعلوا ذلك في أتلج، وبدلها شاذ هنا بمنزلتها في ستٍّ. وكل هذا التضعيف فيه عربيٌّ كثير جيد.
وأما كل وكلا فكل واحدةٍ من لفظ. ألا تراه يقول رأيت كلا أخويك، فيكون مثل معي ولا يكون فيه تضعيف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: هنانان، يريدون هنين. فهذا نظيره.
هذا باب تضعيف اللام
في غير ما عينه ولامه من موضع واحد فإذا ضاعفت اللام وأردت بناء الأربعة لم تسكن الأولى فتدغم وذلك قولك: قرددٌ، لأنك أردت أن تلحقه بجعفرٍ وسلهبٍ؛ وليس بمنزلة بناء معدٍ، لأن معداً بني على السكون، وليس أصله الحركة. وليس هذا بمنزلة مردٍ، ولو كان هذا بمنزلة مردٍ لما جاز قرددٌ في الكلام، لأن ما يدغم وأصله الحركة لا يخرج على أصله، فإنما كل واحدٍ منهما بناءٌ على حدة؛ وإنما معدٌّ بمنزلة خدبٍ، تقول فعللٌ لأنه ليس في الكلام فعللٌ، يعني فيما اللام فيه مضاعفة نحو قرددٍ. وكذلك معدٌّ ليس من فعللٍ في شيء.
وقالوا: قعددٌ وسرددٌ، أرادوا أن يلحقوا هذا البناء بالتضعيف بجعشمٍ. ومنزلة جبنٍ منها منزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: رمددٌ، ألحقوه بالتضعيف بزهلقٍ. وطمر منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا قعددٌ فألحقوه بندندبٍ وعنصلٍ بالتضعيف، كما ألحقوا ما ذكرت لك ببنات الأربعة.
ودرجةٌ منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: عفنججٌ، فلم يغير عن زنة جحنفلٍ؛ كأنه لم يكن ليغير عفججٌ عن زنة جحفلٍ.
ولا تلحق هذه النون فعلاً لأنها إنما تلحق ما تلحقه ببنات الخمسة.
وإذا ضاعفت اللام وكان فعلاً ملحقاً ببنات الأربعة لم تدغم؛ لأنك إنما أردت أن تضاعف لتلحقه بما زدت بدحرجت وجحدلت. وذلك قولك: جلببته فهو مجلببٌ، وتجلبب ويتجلبب، أجريته مجرى تدحرج ويتدحرج في الزنة، كما أجريت فعللت على زنة دحرجت.
وأما اقعنسس فأجروه على مثال احرنجم.
فكل زيادة دخلت على ما يكون ملحقاً ببنات الأربعة بالتضعيف فإن تلك الزيادة إن كانت تلحق ببنات لأربعة فإن هذا ملحق بتلك الزمة من بنات الأربعة كما كان ملحقاً بها وليس زيادةٌ سوى ما ألحقها بالأربعة.
وأما احمررت واشهاببت فليس لهما نظيرٌ في باب الأربعة. ألا ترى أنه ليس في الكلام احرجمت ولا احراجمت فيكون ملحقاً بهذه الزيادة، فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى ما لم يلحق بناءً ببناء غيره، مما عينه ولامه من موضع واحد، لأنه تضعيفٌ وفيه من الاستثقال مثل ما في ذلك، ولم يكن له نظيرٌ في الأربعة على ما ذكرت لك فيحتمل التضعيف ليسلموا زنة ما ألحقوه به.
فإن قلت: فهلا قالوا استعدد على زنة استخرج؟ فإن هذه الزيادة لم تلحق بناءً يكون ملحقاً ببناء، وإنما لحقت شيئاً يعتل وهو على أصله، كما أن أخرجت على الأصل، ولو كان بخرج من شيء إلى شيء لفعل ذلك به، ولما أدغموا في أعددت كما لم يدغموا في جلبيت.
وأما سبهللٌ وقفعددٌ فملحقٌ بالتضعيف بهمرجلٍ، كما ألحقوا قردداً بجعفرٍ.
وإذا ضوعف آخر بنات الأربعة في الفعل صار على مثال افعللت وأجري في الإدغام مجرى احمررت. وكذلك اطمأننت واطمأن، واقشعررت واقشعر، لأنه ليس في بنات الخمسة مثل اسفرجل ولا فعلٌ البتة، فيكون هذا ملحقاً بتلك الزنة كما كان اقعنسس ملحقاً باحرنجم، وتجلبب ملحقاً بتدحرج. فكما لم يكن لأحمر واشهاب نظير في الأربعة فأدغم، كذلك أدغم هذا إذ لم يكن له نظير في الخمسة.
باب ما قيس من المضاعف
الذي عينه ولامه من موضع واحد، ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غيره


تقول في فعلٍ من رددت رددٌ، كما أخرجت فعلاً على الأصل، لأنه لا يكون فعلاً.
وتقول في فعلانٍ: رددانٌ، وفعلانٍ: رددانٌ، يجري المصدر في هذا مجراه لو لم تكن بعده زيادة. ألا تراهم قالوا: خششاء.
وتقول في فعلانٍ: ردانٌ، وقعلانٍ: ردانٌ، أجريتهما على مجراهما وهما على ثلاثة أحرف ليس بعدها شيء، كما فعلت ذلك بفعلٍ وفعلٍ.
وتقول في فعلولٍ من رددت: رددودٌ، وفعليلٍ: ردديدٌ كما فعلت ذلك بفعلانٍ.
وأما فعلانٌ من قلت فقولانٌ، كما فعلت ذلك: بفعلانٍ. لأنها من غزوت لا تسكن. ولكنك إن شئت همزة فيمن همز فعولاً من قلت وأدؤراً.
وكذلك فعلانٌ تقول: قولانٌ، ولا تجعل ذلك بمنزلة المضاعف، ولكنك تجريه مجرى فعلانٍ من بابه، يعني جولانٌ ونفيانٌ، لأنه يوافقه وهو على ثلاثة أحرف ثم يصير على الأصل بالزيادة، فكذلك هذا. وإنما جعلوا هذا يتحرك مع تحرك واو غزوت.
وتقول في افعللت من رددت: اردددت، وتجرى الدالين الآخرين مجرى راء احمررت، وتكون الأولى بمنزلة الميم. والمصدر اردداداً. ومن قال في الاقتتال قتالاً فأدغم أدغم هذا فقال: الرداد.
وتقول في افعللت ارداددت، وتجريه مجرى اشهاببت، وتكون الأولى بمنزلة الهاء.
وتقول في مثل عثوثلٍ: ردوددٌ، لأنه ملحق بسفرجلٍ.
فإذا قلت افعوعلت وافعوعل كما قلت اغدودن قلت اردود يردود مثل يسبطر، واردوددت تجريه في الإدغام مجرى احمررت لأنه لا نظير له في الأربعة نحو احروجمت واحروجم.
وتقول مثل اقعنسس: اردندد، الأولى كالعين والأخريان كالسينين.
وتقول في مثل قرددٍ: رددٌ؛ لأن الأولى ساكنة كعين جعفرٍ وبعدها متحركة، فمن ثم شددت، والأخريان بمنزلة دالى قرددٍ.
ومثال دخللٍ: رددٌ. ومثل رمددٌ رددٌ. وفي مثل صمحمح: ردددٌ لأنه مثل سفرجلٍ، ولم تحرك الثانية لأنها بمنزلة حاء صمحمحٍ.
وتقول مثل جلعلع: ردددٌ، ولم تدغم في الآخرة كما لم تفعل ذلك في ردد، فتركوا الحرف على أصله لأنهم يرجعون إلى مثل ما يفرون منه فيدعون الحرف على الأصل.
وتقول في مثل خلفنةٍ: رددنةٌ، لا تدغم، لأن الحرف ليس مما يصل إليه التحريك، فإنما هو بمنزلة رددت.
وتقول في فوعلٍ من رددت: روددٌ اسماً. وإن كان فعلاً قلت: روددت ورودد يرودد. وكذلك فيعلٌ اسماً: ريددٌ. وإن كان فعلاً قلت ريدد لأنه ملحق بالأربعة، فأردت أن تسلم تلك الزنة كما سلمتها في جلبب. فكما لم تغير الزنة حين ألحقت بالتضعيف كذلك لا تغيرها إذا ألحقت بالواو والياء.
وإنما دعاهم إلى التسليم أن يفرقوا بين ما هو ملحقٌ بأبنية الأربعة وما لم يلحق بها، وما ألحق بالخمسة وما لم يلحق بها.
ويقوي رودداً ونحوه قولهم: ألنددٌ، لأنها ملحقة بالخمسة كعقنقلٍ وعثوثلٍ. والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثةً بناء ببناءٍ والعدة على خمسة أحرف إلا والحرف على مثال سفرجلٍ. ولا تكاد تلحق وليست آخراً بعد ألف إلا وهي تخرج بناءً إلى بناء.
فإن قلت: أقول جلب ورود، لأن إحدى اللامين زائدة، فإنهم قد يدغمون وإحداهما زائدة، كما يدغمون وهما من نفس الحرف. وذلك نحو احمر واطمأن. وكرهوا في عفنج مثل ما كرهوا في ألندٍ.
فإن قلت: إنما ألحقتها بالواو؟ فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة جعفرٍ وكعسبٍ، كما لم يمنع ذلك في جلبب، إذ كانت اللامان قد تكرهان كما يكره التضعيف وليس فيه زيادة إذا لم يكن على مثال ذكرت لك. فكما كان يوافقه وأحد حرفيه زائد، كذلك يوافق في هذا ما أحد حرفيه على الزيادة.
ويقوي هذا ألنددٌ، لأن الدالين من نفس الحرف إحداهما موضع العين والأخرى موضع اللام.
وأما فعولٌ فردودٌ، وليس فيه اعتلال ولا تشديد، لأنك قد فصلت بينهما.
باب ما شذ من المعتل على الأصل
وذلك نحو ضيونٍ. وقولهم:
قد علمت ذاك بنات ألببه
وحيوة وتهلل، ويومٌ أيوم للشديد.
فأبنية كلام العرب صحيحه ومعتله، وما قيس من معتله ولم يجىء إلا نظيره في غيره، على ما ذكرت لك.
واعلم أن الشيء قد يقل في كلامهم، وقد يتكلمون بمثله من المعتل كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون.
فمما قل فعللٌ وفعللٌ. وهم يقولون: ردد يردد الرجل. وقد يطرحونه وذلك نحو فعاللٍ، كراهية كثرة ما يستثقلون.


وقد يقل ما هو أخف مما يستعملون كراهية ذلك أيضاً. وذلك نحو: سلس وقلق، ولم يكثر كثرة رددت في الثلاثة كراهية كثرة التضعيف في كلامهم. فكأن هذه الأشياء تعاقب.
وقد يطرحون الشيء وغيره أثقل منه في كلامهم، كراهية ذلك. وهو وعوت وحيوت. وتقول حييت وحيى قبل، فتضاعف. وتقول: احووى؛ فهذا أثقل. وإن كانوا يكرهون المعتلين بينهما حرف، والمعتلين وإن اختلفا.
ومما قل مما ذكرت لك: ددنٌ ويديت.
وقد يدعون البناء من الشيء قد يتكلمون بمثله لما ذكرت لك؛ وذلك نحو رشاءٍ، لا يكسر على فعلٍ. ومن ثم تركوا من المعتل ما جاء نظيره في غيره.
وقد يجيء الاسم على ما قد اطرح من الفعل وقد بينا ذلك، وما يجيء من المعتل على غير أصله وما يجيء على أصله بعلله.
فهذه حال كلام العرب في الصحيح والمعتل.
هذا باب الإدغام
هذا باب عدد الحروف العربية، ومخارجها، ومهموسها ومجهورها، وأحوال مجهورها ومهموسها، واختلافها.
فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والكاف، والقاف، والضاد، والجيم، والشين، والياء، واللام، والراء، والنون، والطاء والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والطاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو.
وتكون خمسةً وثلاثين حرفاً بحروف هن فروعٌ، وأصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار، وهي: النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين، والألف التي تمال إمالة شديدة، والشين التي كالجيم، والصاد التي تكون كالزاي، وألف التفخيم، يعنى بلغة أهل الحجاز، في قولهم: الصلاة والزكاة والحياة.
وتكون اثنين وأربعين حرفاً بحروف غير مستحسنةٍ ولا كثيرةٍ في لغة من ترتضى عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر؛ وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء.
وهذه الحروف التي تمتتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة، إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف، لأنها من حافة اللسان مطبقةٌ، لأنك جمعت في الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين. وهي أخف لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كانت في الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك في الأيمن.
ولحروف العربية ستة عشر مخرجاً.
فللحلق منها ثلاثةٌ. فأقصاها مخرجاً: الهمزة والهاء والألف. ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء. وأدناها مخرجاً من الفم: الغين والخاء.
ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف.
ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلاً ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.
ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام مخرج الراء.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء، والدال، والتاء.
ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي، والسين، والصاد.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال، والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء، والميم، والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة.
فأما المجهورة فالهمزة، والألف، العين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاي، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. فذلك تسعة عشر حرفاً.


وأما المهموسة فالهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والسين، والتاء، والصاد، والثاء، والفاء. فذلك عشرة أحرف.
فالمجهورة: حرفٌ أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم؛ إلا أن النون والميم قد يعتمد لها في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنةٌ. والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما.
وأما المهموس فحرفٌ أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس. ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. فإذا أردت إجراء الحروف فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمد، أو بما فيها منها. وإن شئت أخفيت.
ومن الحروف الشديد، وهو الذي يمنع الصوت أن يجرى فيه وهو الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء، والدال، والباء. وذلك أنك لو قلت ألحج ثم مددت صوتك لم يجر ذلك.
ومنها الرخوة وهي: الهاء، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والضاد، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء. وذلك إذا قلت الطس وانقض، وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت.
وأما العين فبين الرخوة والشديدة، تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء.
ومنها المنحرف، وهو حرفٌ شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة، وهو اللام. وإن شئت مددت فيها الصوت. وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه. وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدق اللسان فويق ذلك.
ومنها حرفٌ شديد يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنةٌ من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف، لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه الصوت. وهو النون، وكذلك الميم.
ومنها المكرر وهو حرفٌ شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، فتجافى للصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه. وهو الراء.
ومنها اللينة، وهي الواو والياء، لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما كقولك: وأىٌ، والواو وإن شئت أجريت الصوت ومددت.
ومنها الهاوى وهو حرفٌ اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو، لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك، وهي الألف.
وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها. وأخفاهن وأوسعهن مخرجاً: الألف، ثم الياء، ثم الواو.
ومنها المطبقة والمنفتحة. فأما المطبقة فالصاد، والضاد، والطاء، والظاء.
والمنفتحة: كل ما سوى ذلك من الحروف؛ لأنك لا تطبق لشيءٍ منهن لسانك، ترفعه إلى الحنك الأعلى.
وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصورٌ فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف.
وأما الدال والزاي ونحوهما فإنما ينحصر الصوت إذا وضعت لسانك في مواضعهن.
فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان، وقد بين ذلك بحصر الصوت. ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً، والصاد سيناً، والظاء ذالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس شيءٌ من موضعها غيرها.
وإنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الإدغام وما يجوز فيه، وما لا يحسن فيه ذلك ولا يجوز فيه، وما تبدله استثقالاً كما تدغم، وما تخفيه وهو بزنة المتحرك.
باب الإدغام في الحرفين
اللذين تضع لسانك لهما موضعاً واحداً لا يزول عنه وقد بينا أمرهما إذا كانا من كلمة لا يفترقان. وإنما نبينهما في الانفصال.
فأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواءٌ إذا كانا منفصلين، أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعداً. ألا ترى أن بنات الخمسة وما كانت عدته خمسةً لا تتوالى حروفها متحركةً، استثقالاً للمتحركات مع هذه العدة، ولابد من ساكن. وقد تتوالى الأربعة متحركةً في مثل علبطٍ؛ ولا يكون ذلك في غير المحذوف.
ومما يدلك على أن الإدغام فيما ذكرت لك أحسن أنه لا يتوالى في تأليف الشعر خمسة أحرف متحركة، وذلك نحو قولك: جعل لك وفعل لبيدٌ. والبيان في كل هذا عربيٌّ جيد حجازيٌّ.


ولم يكن هذا بمنزلة قد واحمر ونحو ذلك، لأن الحرف المنفصل لا يلزمه أن يكون بعده الذي هو مثله سواءً. فإن كان قبل الحرف المتحرك الذي وقع بعده حرفٌ مثله حرفٌ متحرك ليس إلا، وكان بعد الذي هو مثله حرفٌ ساكنٌ حسن الإدغام. وذلك نحو قولك: يدداود، لأنه قصدٌ أن يقع المتحرك بين ساكنين واعتدالٌ منه.
وكلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن. وإن شئت بينت.
وإذا التقى الحرفان المثلاثن اللذان هما سواءٌ متحركين، وقبل الأول حرف مدٍ، فإن الإدغام حسنٌ، لأن حرف المد بمنزلة متحركٍ في الإدغام. ألا تراهم في غير الانفصال قالوا: راد، وتمود الثوب. وذلك قولك: إن المال لك، وهم يظلموني، وهما يظلماني، وأنت تظلميني. والبيان ههنا يزداد حسناً لسكون ما قبله.
ومما يدلك على أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا في بعض القوافي لم يجز أن يكون ما قبل المحذوف إذا حذف الآخر إلا حرف مدٍ ولين، كأنه يعوض ذلك، لأنه حرفٌ ممطولٌ.
وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذيبعده حرفٌ مثله سواءٌ، حرفٌ ساكن، لم يجز أن يسكن، ولكنك إن شئت أخفيت، وكان بزنته متحركاً من قبل أن التضعيف لا يلزم في المنفصل كما يلزم في مدقٍ ونحوه مما التضعيف فيه غير منفصل. ألا ترى أنه قد جاز ذلك وحسن أن تبين فيما ذكرنا من نحو جعل لك. فلما كان التضعيف لا يلزم لم يقو عندهم أن يغير له البناء. وذلك قولك: ابن نوحٍ، واسم موسى، لا تدغم هذا. فلو أنهم كانوا يحركون لحذفوا الألف، لأنهم قد استغوا عنها، كما قالوا قتلوا وخطف فلم يقو هذا على تغيير البناء كما لم يقو على أن لا يجوز البيان فيما ذكرت لك.
ومما يدلك على أنه يخفى ويكون بزنة المتحرك قول الشاعر:
وإني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذب عن أعراضها لحقيق
وقال غيلان بن حريثٍ:
وامتاج مني حلبات الهاجم ... شأو مدلٍ سابق اللهامم
وقال أيضاً:
وغير سفعٍ مثلٍ يحامم
فلو أسكن في هذه الأشياء لانكسر الشعر، ولكنا سمعناهم يخفون. ولو قال إني ما قد كلفتني فأسكن الياء وأدغمها في الميم في الكلام لجاز، لحرف المد. فأما اللهامم فإنه لا يجوز فيها الإسكان، ولا في القرادد، لأن قردداً فعللٌ، ولهمماً فعللٌ ولا يدغم، فيكره أن يجيء جمعه على جمع ما هو مدغمٌ واحده، وليس ذلك في إني بما. ولكنك إن شئت قلت قرادد فأخفيت، كما قالوا متعففٌ فيخفى. ولا يكون في هذا إدغام، وقد ذكرنا العلة.
وأما قول بعضهم في القراءة: " إن الله نعما يعظكم به " فحرك العين فليس على لغة من قال نعم فأسكن العين، ولكنه على لغة من قال نعم فحرك العين. وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيلٍ، وكسروا كما قالوا لعبٌ. وقال طرفة:
ما أقلت قدمٌ ناغلها ... نعم الساعون في الحي الشطر
وأما قوله عز وجل: " فلا تتناجوا " فإن شئت أسكنت الأول للمد، وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركاً. وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين.
وتقول: هذا ثوب بكرٍ، البيان في هذا أحسن منه في الألف، لأن حركة ما قبله ليس منه فيكون بمنزلة الألف.
وكذلك: هذا جيب بكرٍ. ألا ترى أنك تقول: اخشو واقداً فتدغم، واخشى ياسراً، وتجريه مجرى غير الواو والياء.
ولا يجوز في القوافي المحذوفة. وذلك أن كل شعرٍ حذفت من أتم بنائه حرفاً متحركاً أوزنة حرفٍ متحرك فلابد فيه من حرف لينٍ للردف، نحو:
وما كل ذي لبٍ بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
فالياء التي بين الياءين ردفٌ. وإن شئت أخفيت في ثوب بكرٍ وكان بزنته متحركاً. وإن أسكنت جاز، لأن فيهما مداً وليناً، وإن لم يبلغا الألف. كما قالوا ذلك في غير المنفصل نحو قولهم: أصيم. فياء التحقير لا تحرك لأنها نظيرة الألف في مفاعل ومفاعيل، لأن التحقير عليهما يجري إذا جاوز الثلاثة. فلما كانوا يصلون إلى إسكان الحرفين في الوقف من سواهما، احتمل هذا في الكلام لما فيهما مما ذكرت لك.
وتقول: هذا دلو واقدٍ، وظبي ياسرٍ، فتجري الواوين والياءين ههنا مجرى الميمين في قولك اسم موسى، فلا تدغم.


وإذ قلت مررت بولي يزيد وعدو وليدٍ، فإن شئت أخفيت وإن شئت بينت، ولا تسكن، لأنك حيث أدغمت الواو في عدوٍ والياء في وليٍ فرفعت لسانك رفعةً واحدة ذهب المد، وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل. فالواو الأولى في عدوٍ بمنزلة اللام في دلوٍ، والياء الأولى في وليٍ بمنزلة الياء في ظبيٍ. والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي ليا مع قولك ظبييا، ودوا مع قولك غزوا.
وإذا كانت الواو قبلها ضمةٌ والياء قبلها كسرة، فإن واحدةً منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها. وذلك قولك: ظلموا واقداً، واظلمى ياسراً، ويغزو واقدٌ، وهذا قاضي ياسرٍ، لا تدغم. وإنما تركوا المد على حاله في الانفصال كما قالوا قد قوول، حيث لم تلزم الواو، وأرادوا أن تكون على زنة قاول، فكذلك هذه، إذ لم تكن الواو لازمةً لها، أرادوا أن يكون ظلموا على زنة ظلما واقداً، وقضى ياسراً، ولم تقو هذه الواو عليها كما لم يقو المنفصلان على أن تحرك السين في اسم موسى.
وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسراً واخشو واقداً أدغمت، لأنهما ليسا بحرفي مد كالألف، وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، واذهب بنا. فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام، لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواءٌ، وليس بينهما حاجز.
وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام في مثل قولك، قرأ أبوك، وأقرىء أباك، لأنك لا يجوز لك أن تقول قرأ أبوك فتحققهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان، لأن المنفصلين يجوز فيهما البيان أبداً، فلا يجريان مجرى ذلك. وكذلك قالته العرب وهو قول الخليل ويونس.
وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناسٌ معه. وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديءٌ، فيجوز الإدغام في قول هؤلاء. وهو رديء.
ومما يجري مجرى المنفصلين قولك: اقتتلوا ويقتتلون، إن شئت أظهرت وبينت، وإن شئت أخفيت وكانت الزنة على حالها، كما تفعل بالمنفصلين في قولك: اسم موسى وقوم مالك، لا تدغم. وليس هذا بمنزلة احمررت وافعاللت، لأن التضعيف لهذه الزيادة لازمٌ، فصارت بمنزلة العين واللام اللتين هما من موضعٍ واحد في مثل يرد ويستعد، والتاء الأولى التي في يقتتل لا يلزمها ذلك، لأنها قد تقع بعد تاء يفتعل العين وجميع حروف المعجم.
وقد أدغم بعض العرب فأسكن لما كان الحرفان في كلمة واحد، ولم يكونا منفصلين، وذلك قولك: يقتلون وقد قتلوا، وكسروا القاف لأنهما التقيا، فشهت بقولهم رد يا فتى. وقد قال آخرون: قتلوا، ألقوا حركة المتحرك على الساكن. وجاز في قاف اقتتلوا الوجهان ولم يكن بمنزلة عض وفر يلزمه شيءٌ واحد، لأنه يجوز في الكلام فيه الإظهار والإخفاء، والإدغام. فكما جاز فيه هذا في الكلام وتصرف دخله شيئان يعرضان في التقاء الساكنين.
وتحذف ألف الوصل حيث حركت القاف كما حذفت الألف في رد حيث حركت الراء، والألف في قل لأنهما حرفان في كلمة واحدة، لحقهما الإدغام فحذفت الألف كما حذفت في رد، لأنه قد أدغم كما أدغم.
وتصديق ذلك قول الحسن: " إلا من خطف الخطفة " . ومن قال يقتل قال مقتلٌ ومن قال يقتل قال مقتلٌ.
وحدثني الخليل وهارون أن ناساً يقولون: " مردفين " فمن قال هذا فإنه يريد مرتدفين. وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا، وهي قراءةٌ لأهل مكة كما قالوا رد يا فتى فضموا لضمة الراء. فهذه الراء أقرب. ومن قال هذا قال مقتلين، وهذا أقل اللغات. ومن قال قتل قال ردف في ارتدف، يجري مجرى اقتتل ونحوه.
ومثل ذهاب الألف في هذا ذهابها في قولك: سل، حيث حركت السين.
فإن قيل: فما بالهم قالوا ألحمر فيمن حذف همزة أحمر، فلم يحذفوا الألف لما حركوا اللام. فلأن هذه الألف قد ضارعت الألف المقطوعة نحو أحمر. ألا ترى أنك إذا ابتدأت فتحت وإذا استفهمت ثبتت. فلما كانت كذلك قويت كما قلت الجوار حين قلت جاورت، وتقول: ياألله اغفر لي، وأفألله لتفعلن. فتقوى أيضاً في مواضع سوى الاستفهام. ومنها: إي ها ألله ذا.
وحسن الإدغام في اقتتلوا كحسنه في جعل لك. إلا أنه ضارع، حيث كان الحرفان غير منفصلين، احمررت.
وأما اردد فليس فيه إخفاء، لأنه بين ساكنين، كما لا تخفى الهمزة مبتدأة ولا بعد ساكن، فكذلك ضعف هذا إذ كان بين ساكنين.
وأما رد داود فبمنزلة اسم موسى لأنهما منفصلان، وإنما التقيا في الإسكان، وإنما يدغمان إذا تحرك ما قبلهما.


باب الإدغام في الحروف المتقاربة
التي هي من مخرج واحد
والحروف المتقاربة مخارجها إذا أدغمت فإن حالها حال الحرفين اللذين هما سواءٌ في حسن الإدغام، وفيما يزداد البيان فيه حسناً، وفيما لا يجوز فيه إلا الإخفاء وحده، وفيما يجوز فيه الإخفاء والإسكان.
فالإظهار في الحروف التي من مخرج واحد وليست بأمثالٍ سواءٍ أحسن، لأنها قد اختلفت. وهو في المختلفة المخارج أحسن، لأنها أشد تباعداً وكذلك الإظهار كلما تباعدت المخارج ازداد حسناً.
ومن الحروف ما لا يدغم فيمقاربه ولا يدغم فيه مقاربه كما لم يدغم في مثله، وذلك الحرف الهمزة، لأنها إنما أمرها في الاستثقال التغيير والحذف، وذلك لازمٌ لها وحدها كما يلزمها التحقيق، لأنها تستثقل وحدها، فإذا جاءت مع مثلها أو مع ما قرب منها أجريت عليه وحدها، لأن ذلك موضع استثقال كما أن هذا موضع استثقال.
وكذلك الألف لا تدغم في الهاء ولا فيما تقاربه، لأن الألف لا تدغم في الألف، لأنهما لو فعل ذلك بهما فأجريتا مجرى الدالين والتاءين تغيرتا فكانتا غير ألفين، فلما لم يكن ذلك في الألفين لم يكن فيهما مع المتقاربة، فهي نحوٌ من الهمزة في هذا، فلم يكن فيهما الإدغام كما لم يكن في الهمزتين.
ولا تدغم الياء وإن كان قبلها فتحة، ولا الواو وإن كان قبلها فتحة مع شيءٍ من المتقاربة، لأن فيهما ليناً ومداً، فلم تقو عليهما الجيم والباء، ولا ما لا يكون فيه مدٌّ ولا لينٌ من الحروف، أن تجعلهما مدغمتين، لأنهما يخرجان ما فيه لينٌ ومدٌّ إلى ما ليس فيه مدٌّ ولا لينٌ، وسائر الحروف لا تزيد فيها على أن تذهب الحركة، فلم يقو الإدغام في هذا كما لم يقو على أن تحرك الراء في قرم موسى. ولو كانت مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح والواو التي ما قبلها مفتوح ما هو مثلهما سواءٌ، لأدغمتهما ولم تستطع إلا ذلك، لأن الحرفين استويا في الموضع وفي اللين، فصارت هذه الياء والواو مع الميم والجيم نحواً من الألف مع المقاربة، لأن فيهما ليناً وإن لم يبلغا الألف، ولكن فيهما شبهٌ منها. ألا ترى أنه إذا كانت واحدةٌ منهما في القوافي لم يجز في ذلك الموضع غيرها، إذا كانت قبل حرف الروي، فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك. وذلك قولك: رأيت قاضي جابرٍ، ورأيت دلو مالكٍ، ورأيت غلامي جابرٍ، ولا تدغم في هذه الياء الجيم وإن كانت لا تحرك، لأنك تدخل اللين في غير ما يكون فيه اللين وذلك قولك: أخرج ياسراً، فلا تدخل ما لا يكون فيه اللين على ما يكون فيه اللين كما لم تفعل ذلك بالألف.
وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام، لأنهما حينئذ أشبه بالألف.
وهذا ما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح؛ لأنهما يكونان كالألف في المد والمطل، وذلك قولك: ظلموا مالكاً، واظلمي جابراً.
ومن الحروف حروفٌ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها. وتلك الحروف: الميم، والراء، والفاء، ولشين. فالميم لا تدغم في الباء، وذلك قولك: أكرم به، لأنهم يقلبون النون ميماً في قولهم: العنبر؛ ومن بدا لك. فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون لم يغيروه؛ وجعلوه بمنزلة النون، إذ كانا حرفي غنةٍ. وأما الإدغام في الميم فنحو قولهم: اصحمطراً، تريد: اصحب مطراً، مدغم.
والفاء لا تدغم في الباء لأنها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى وانحدرت إلى الفم، وقد قاربت من الثنايا مخرج الثاء؛ وإنما أصل الإدغام في حروف الفم واللسان لأنها أكثر الحروف، فلما صارت مضارعة للثاء لم تدغم في حرف من حروف الطرفين، كما أن الثاء لا تدغم فيه، وذلك قولك: اعرف بدراً. والباء قد تدغم في الفاء للتقارب، ولأنها قد ضارعت الفاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام في حروف الفم؛ وذلك قولك: اذهب في ذلك؛ فقلبت الباء فاءً كما قلبت الباء ميماً في قولك: اصحمطراً.


والراء لا تدغم في اللام ولا في النون، لأنها مكررة، وهي تفشى إذا كان معها غيرها، فكرهوا أن يجحفوا بها فتدغم مع ما ليس يتفشى في الفم مثلها ولا يكرر. ويقوي هذا أن الطاء وهي مطبقةٌ لا تجعل مع التاء تاءً خالصةً لأنها أفضل منها بالإطباق، فهذه أجدر أن لا تدغم إذ كانت مكررة. وذلك قولك: اجبر لبطة، واختر نقلاً. وقد تدغم هذه اللام والنون مع الراء، لأنك لا تخل بهما كما كنت مخلاً بها لو أدغمتها فيهما، ولتقاربهن، وذلك: هرأيت، ومرأيت.
والشين لا تدغم في الجيم، لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء، فصارت منزلتها منها نحواً من منزلة الفاء مع الباء، فاجتمع هذا فيها والتفشى، فكرهوا أن يدغموها في الجيم كما كرهوا أن يدغموا الراء، فيما ذكرت لك. وذلك قولك: افرش جبلة. وقد تدغم الجيم فيها كما أدغمت ما ذكرت لك في الراء، وذلك: أخرشبثاً.
فهذا تلخيصٌ لحروفٍ لاتدغم في شيء، ولحرفوٍ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها.
ثم نعود إلى الإدغام في المقاربة التي يدغم بعضها في بعض إن شاء الله.
الهاء مع الحاء: كقولك: اجبه حملاً، البيان أحسن لاختلاف المخرجين، ولأن حروف الحلق ليست بأصلٍ للإدغام لقلتها. والإدغام فيها عربيٌّ حسن لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، فقد اجتمع فيها قرب المخرجين والهمس. ولا تدغم الحاء في الهاء كا لم تدغم الفاء في الباء لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالاً، فلا تدغم.
العين مع الهاء: كقولك اقطع هلالاً، البيان أحسن. فإن أدغمت لقرب المخرجين حولت الهاء حاءً والعين حاءً، ثم أدغمت الحاء في الحاء، لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله، فأبدلت مكانها أشبه الحرفين بها ثم أدغمته فيه كي لا يكون الإدغام في الذي فوقه ولكن ليكون في الذي هو من مخرجه. ولم يدغموها في العين إذ كانتا من حروف الحلق، لأنها خالفتها في الهمس والرخاوة، فوقع الإدغام لقرب المخرجين، ولم تقو عليها العين إذ خالفتها فيما ذكرت لك. ولم تكن حروف الحلق أصلاً للإدغام. ومع هذا فإن التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين. ألا ترى أن التقاءهما في باب رددت أكثر. والمهموس أخف من المجهور. فكل هذا يباعد العين من الإدغام، إذ كانت هي والهاء من حروف الحلق. ومثل ذلك: اجبه عنبه في الإدغام والبيان، وإذا أردت الإدغام حولت العين حاء ثم أدغمت الهاء فيها فصارتا حاءين. والبيان أحسن.
ومما قالت العرب تصديقاً لهذا في الإدغام قول بني تميم: محم، يريدون: معهم، ومحاولاء، يريدون: مع هؤلاء.
ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله:
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحى مر عقابٍ كاسر
يريدون: ومسحه.
العين مع الحاء كقولك: اقطع حملاً، الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ، لأنهما من مخرج واحد.
ولم تدغم الحاء في العين في قولك: امدح عرفة، لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين، وهي مثلها في الهمس والرخاوة مع قرب المخرجين، فأجريت مجرى الميم مع الباء، فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء. ولم تقو العين على الحاء إذ كانت هذه قصتها، وهما من المخرج الثاني من الحلق، وليست حروف الحلق بأصلٍ للإدغام. ولكنك لو قلبت العين حاءً فقلت في: امدح عرفة: امدحرفة، جاز كما قلت: اجبحنبه تريد: اجبه عنبه، حيث أدغمت وحولت العين حاءً ثم أدغمت الهاء فيها.
الغين مع الخاء. البيان أحسن والإدغام حسن، وذلك قولك: ادمخلفاً، كما فعلت ذلك في العين مع الحاء والخاء مع الغين. البيان فيهما أحسن لأن الغين مجهورة وهما من حروف الحلق، وقد خالفت الخاء في الهمس والرخاوة، فشبهت بالحاء مع العين. وقد جاز الإدغام فيها لأنه المخرج الثالث، وهو أدنى المخارج من مخارج الحلق إلى اللسان. ألا ترى أنه يقول بعض العرب: منخلٌ ومنغلٌ فيخفى النون كما يخفيها مع حروف اللسان والفم، لقرب هذا المخرج من اللسان، وذلك قولك في اسلخ غنعك: اسلغنمك. ويدلك على حسن البيان عزتها في باب رددت.


القاف مع الكاف، كقولك: الحق كلدة. الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ. وإنما أدغمت لقرب المخرجين، وأنهما من حروف اللسان، وهما متفقان في الشدة. والكاف مع القاف: انهك قطناً، البيان أحسن والإدغام حسنٌ. وإنما كان البيان أحسن لأن مخرجهما أقرب مخارج اللسان إلى الحلق، فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام.
الجيم مع الشين، كقولك: ابعج شبثاً، الإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وهما من حروف وسط اللسان.
اللام مع الراء نحو: اشغل رحبة لقرب المخرجين؛ ولأن فيهما انحرافاً نحو اللام قليلاً، وقاربتها في طرف اللسان. وهما في الشدة وجري الصوت سواءٌ، وليس بين مخرجيهما مخرجٌ. والإدغام أحسن.
النون تدغم مع الراء لقرب المخرجين على طرف اللسان، وهي مثلها في الشدة، وذلك قولك: من راشدٍ ومن رأيت. وتدغم بغنةٍ وبلا غنةٍ. وتدغم في اللام لأنها قريبةٌ منها على طرف اللسان، وذلك قولك: من لك. فإن شئت كان إدغاماً بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان، وإن شئت أدغمت بغنة لأن لها صوتاً من الخياشيم فترك على حاله؛ لأن الصوت الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيبٌ فيغلب عليه الاتفاق. وتدغم النون مع الميم لأن صوتهما واحد، وهما مجهوران قد خالفا سائر الحروف التي في الصوت، حتى إنك تسمع النون كالميم، والميم كالنون، حتى تتبين، فصارتا بمنزلة اللام والراء في القرب، وإن كان المخرجان متباعدين، إلا أنهما اشتبها لخروجهما جميعاً في الخياشيم.
وتقلب النون مع الباء ميماً لأنها من موضع تعتل فيه النون، فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم، كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع، فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع، ولم يجعلوا النون باءً لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنةٌ. ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم، وذلك قولهم: ممبك، يريدون: من بك. وشمباء وعمبرٌ، يريدون شنباء وعنبراً.
وتدغم النون مع الواو بغنة وبلا غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميماً أن الواو حرف لين تتجافى عنه الشفتان، والميم كالياء في الشدة وإلزام الشفتين، فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، وليس مثلها في اللين والتجافي والمد، فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، وكرهوا البدل لما ذكرت لك.
وتدغم النون مع الياء بغنة وبلا غنة لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرجٌ من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء. ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياء، وكذلك الألثغ باللام؛ لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت لك إليهما.
وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً مخرجه من الخياشيم؛ وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم، لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرجٌ من غير الفم كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم، لأنه ليس حرفٌ يخرج من ذلك الموضع غيرها، فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبسٌ، وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان، ومن قال، ومن جاء.
وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم، ولكن صوت الفم أشرب غنةً. ولو كان مخرجها من الخياشيم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام، حتى تصير مثلهن في كل شيء.
وتكون مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينةً، موضعها من الفم. وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها، فلم تخف ههنا كما لم تدغم في هذا الموضع، وكما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق. وإنما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها.
وهو قولك: من أجل زيدٍ، ومن هنا، ومن خلفٍ، ومن حاتمٍ، ومن عليك، ومن غلبك، ومنخلٌ. بينةٌ، هذا الأجود الأكثر.
وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف. وقد بينا لم ذلك.


ولم نسمعهم قالوا في التحرك: حين سليمان فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم، لأنها لا تحول حتى تصير من مخرج موضع الذي بعدها. وإن قيل لم يستنكر ذلك، لأنهم قد يطلبون ههنا من الاستخفاف كما يطلبون إذا حولوها.
ولا تدغم في حروف الحلق البتة، ولم تقو هذه الحروف على أن تقلبها، لأنها تراخت عنها ولم تقرب قرب هذه الستة، فلم يحتمل عندهم حرفٌ ليس مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة.
وتكون ساكنةً مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بينةً. والواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق. وذلك قولك: شاةٌ زنماء وغنمٌ زنمٌ، وقنواء وقنيةٌ، وكنيةٌ ومنيةٌ. وإنما حملهم على البيان كراهية الالتباس فيصير كأنه من المضاعف، لأن هذا المثال قد يكون في كلامهم مضاعفاً. ألا تراهم قالوا امحى حيث لم يخافوا التباساً؛ لأن هذا المثال لا تضاعف فيه الميم.
وسمعت الخليل يقول في انفعل من وجلت: اؤجل كما قالوا امحى، لأنها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو، فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك: من مثلك، ومن مات. فهذا يتبين فيه أنها نون بالمعنى والمثال. وكذلك انفعل من يئس على هذا القياس.
وإذا كانت مع الياء لم تتبين، وذلك قولك: شمباء، والعمبر، لأنك لا تدغم النون وإنما تحولها ميماً. والميم لا تقع ساكنةً قبل الباء في كلمةٍ، فليس في هذا التباسٌ بغيره.
ولا نعلم النون وقعت ساكنةً في الكلام قبل راء ولا لام، لأنهم إن بينوا ثقل عليهم لقرب المخرجين، كما ثقلت التاء مع الدال في ودٍ وعدانٍ. وإن أدغموا التبس بالمضاعف ولم يجز فيه ما جاز في ودٍ فيدغم، لأن هذين حرفان كل واحدٍ منهما يدغم في صاحبه، وصوتهما من الفم، والنون ليست كذلك لأن فيها غنةً فتلتبس بما ليس فيه الغنة، إذ كان ذلك الموضع قد تضاعف فيه الراء. وذلك أنه ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنلٍ. وإنما احتمل ذلك في الواو والياء والميم لبعد المخارج.
وليس حرفٌ من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم يدغم في النون، لأن النون لم تدغم فيهن حتى يكون صوتها من الفم وتقلب حرفاً بمنزلة الذي بعدها، وإنما هي معهن حرفٌ بائنٌ مخرجه من الخياشيم، فلا يدغمن فيها كما لا تدغم هي فيهن؛ وفعل ذلك بها معهن لبعدهن منها وقلة شبههن بها، فلم يحتمل لهن أن تصير من مخارجهن.
وأما اللام فقد تدغم فيها، وذلك قولك: هنرى، فتدغم في النون. والبيان أحسن، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام، فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها.
ولم يدغموا الميم في النون لأنها لا تدغم في الباء التي هي من مخرجها ومثلها في الشدة ولزوم الشفتين، فكذلك لم يدغموها فيما تفاوت مخرجه عنها ولم يوافقها إلا في الغنة.
ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفاً لا يجوز فيها معهن إلا الإدغام؛ لكثرة لام المعرفة في الكلام؛ وكثرة موافقتها لهذه الحروف؛ واللام من طرف اللسان. وهذه الحروف أحد عشر حرفاً، منها حروف طرف اللسان، وحرفان يخالطان طرف اللسان. فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام، كما لم يجز في يرى إذ كثر في الكلام، وكانت الهمزة تستثقل، إلا الحذف. ولو كانت ينأى وينأل لكنت بالخيار.
والأحد عشر حرفاً: النون، والراء، والدال، والتاء، والصاد، الطاء، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال.
واللذان خالطاها: الضاد والشين، لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام. والشين كذلك حتى اتصلت بمخرج الطاء.
وذلك قولك: النعمان، والرجل؛ وكذلك سائر هذه الحروف.
فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام هل وبل، فإن الإدغام في بعضها أحسن، وذلك قولك: هرأيت لأنها أقرب الرحوف إلى اللام وأشبهها بها، فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من مخرج واحد، إذ كانت اللام ليس حرفٌ أشبه بها منها ولا أقرب، كما أن الطاء ليس حرف أقرب إليها ولا أشبه بها من الدال. وإن لم تدغم فقلت: هل رأيت فهي لغةٌ لأهل الحجاز؛ وهي عربية جائزة.
وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة، وليس ككثرتها مع الراء، لأنهن قد تراخين عنها، وهن من الثنايا وليس منهن انحراف.
وجواز الإدغام على أن آخر مخرج اللام قريبٌ من مخرجها، وهي حروف طرف اللسان.


وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة، وليس كحسنه مع هؤلاء، لأن هؤلاء من أطراف الثنايا وقد قاربن مخرج الفاء.
ويجوز الإدغام لأنهن من الثنايا كما أن الطاء وأخواتها من الثنايا، وهن من حروف طرف اللسان كما أنهن منه.
وإنما جعل الإدغام فيهن أضعف وفي الطاء وأخواتها أقوى لأن اللام لم تسفل إلى أطراف اللسان كما لم تفعل ذلك الطاء وأخواتها. وهي مع الضاد والشين أضعف، لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه. ولكنه يجوز إدغام اللام فيهما لما ذكرت لك من اتصال مخرجهما. قال طريق بن تميم العنبري:
تقول إذا استهلكت مالاً للذةٍ ... فكيهة هشىءٌ بكفيك لائق
يريد: هل شيء؟ فأدغم اللام في الشين.
وقرأ ابو عمرو: هثوب الكفار، يريد هل ثوب الكفار فأدغم في الثاء.
وأما التاء فهي على ما ذكرت لك، وكذلك أخواتها. وقد قرىء بها: بتؤثرون الحياة الدنيا، فأدغم اللام في التاء.
وقال مزاحمٌ العقيلي:
فدع ذا ولكن هتعين متيماً ... على ضوء برقٍ آخر الليل ناصب
يريد: هل تعين؟ والنون إدغامها فيها أقبح من جميع هذه الحروف، لأنها تدغم في اللام كما تدغم في الياء والواو والراء والميم، فلم يجسروا على أن يخرجوها من هذه الحروف التي شاركتها في إدغام النون وصارت كأحدها في ذلك.
باب الإدغام في حروف طرف اللسان
والثنايا الطاء مع الدال كقولك: اضبد لماً، لأنهما مع موضعٍ واحد، وهي مثلها في الشدة إلا أنك قد تدع الإطباق على حاله فلا تذهبه، لأن الدال ليس فيها إطباق، فإنم تغلب على الطاء لأنها من موضعها، ولأنها حصرت الصوت من موضعها كما حصرته الدال. فأما الإطباق فليست منه في شيء، والمطبق أفشى في السمع، ورأوا إجحافاً أن تغلب الدال على الإطباق وليست كالطاء في السمع. ومثل ذلك إدغامهم النون فيما تدغم فيه بغنة. وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها كالدال سواءً، أرادوا أن لا تخالفها إذ آثروا أن يقلبوها دالاً، كما أنهم أدغموا النون بلا غنة.
وكذلك الطاء مع التاء، إلا أن إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلاً، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة. وكلٌّ عربيٌّ. وذلك: أنقتوأما، تدغم.
وتصير الدال مع الطاء طاء، وذلك: انقطالباً. وكذلك التاء، وهو قولك: انعطالباً، لأنك لا تجحف بهما في الإطباق ولا في غيره.
وكذلك التاء مع الدال، والدال مع التاء، لأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر، ليس في واحدٍ منهما إطباقٌ ولا استطالةٌ ولا تكرير.
ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب قولهم: حتهم، يريدون: حطتهم.
والتاء والدال سواءٌ، كل واحدةٍ منهما تدغم في صاحبتها حتى تصير التاء دالاً والدال تاء، لأنهما من موضع واحد، وهما شديدتان ليس بينهما شيء إلا الجهر والهمس، وذلك قولك: انعدلاماً، وانقتلك فتدغم.
ولو بينت فقلت: اضبط دلاما، واضبط تلك، وانقد تلك، وانعت دلاماً لجاز. وهو يثقل التكلم به لشدتهن، وللزوم اللسان موضعهن لا يتجافى عنه.
فإن قلت: أقول اصحب مطراً، وهما شديدتان، والبيان فيهما أحسن؟ فإنما ذلك لاستعانة الميم بصوت الخياشيم، فضارعت النون. ولو أمسكت بأنفك لرأيتها بمنزلة ما قبلها.
وقصة الصاد مع الزاي والسين، كقصة الطاء والدال والتاء. وهي من السين كالطاء من الدال، لأنها مهموسةٌ مثلها، وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الزاي كالطاء من التاء، لأن الزاي غير مهموسة، وذلك قولك افحسالماً فتصير سيناً وتدع الإطباق على حاله. وإن شئت أذهبته. وتقول: افحزردة. وإن شئت أذهبت الإطباق. وإذهابه مع السين أمثل قليلاً لأنها مهموسة مثلها. وكله عربي.
ويصيران مع الضاد صاداً كما صارت الدال والتاء مع الطاء طاءً. يدلك التفسير. والبيان فيها أحسن لرخاوتهن وتجافي اللسان عنهن، وذلك قولك: احبصابراً، وأوجصابرا. والزاي والسين بمنزلة التاء والدال تقول: احبزردة، ورسملة فتدغم.
وقصة الظاء والذال والثاء كذلك أيضاً، وهي مع الذال كالطاء مع الدال لأنها مجهورة مثلها وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الثاء بمنزلة الطاء من التاء، وذلك قولك: احفذلك فتدغم، وتدع الإطباق. وإن شئت أذهبته. وتقول: احفثابتاً. وإن شئت أذهبت الإطباق، وإذهابه مع الثاء كإذهابه من الطاء مع التاء.


وإن أدغمت الذال والثاء فيهما أنزلتهما منزلة الدال والتاء إذا أدغمتهما إلى الطاء، وذلك قولك: خظالماً وابعظالماً.
والذال والثاء كل واحدة منهما من صاحبتها منزلة الدال والتاء، وذلك قولك: خثابتاً وابعذلك. والبيان فيهن أمثل منه منه في الصاد والسين والزاي لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن، لانحراف طرف اللسان إلى طرف الثنايا ولم يكن له ردٌّ. والإدغام فيهن أكثر وأجود؛ لأن أصل الإدغام لحروف اللسان والفم، وأكثر حروف اللسان من طرف اللسان وما يخالط طرف اللسان، وهي أكثر من حروف الثنايا.
والطاء والدال والتاء يدغمن كلهن في الصاد والزاي والسين، لقرب المخرجين لأنهن من الثنايا وطرف اللسان، وليس بينهن في الموضع إلا أن الطاء وأختيها من أصل الثنايا، وهن من أسفله قليلاً مما بين الثنايا. وذلك قولك: ذهبسلمى وقسمعت فتدغم. واضبزردة، فتدغمن. وانعصابراً فتدغم. وسمعناهم ينشدون هذا البيت، لابن مقبل:
فكأنما اغتبقصبير غمامة بعرا ... تصفقه الرياح زلالا
فأدغم التاء في الصاد. وقرأ بعضهم: لا يسمعون يريد: لا يتسمعون. والبيان عربيٌّ حسنٌ لاختلاف المخرجين.
وكذلك الظاء والثاء والذال، لأنهن من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وهن أخواتٌ، وهن من حيزٍ واحد، والذي بينهما من الثنيتين يسيرٌ. وذلك قولك: ابعسلمة، واحفسلمة، وخصابراً، واحفزردة.
وسمعناهم يقولون؛ مزمانٌٍ، فيدغمون الذال في الزاي. ومساعةٌٍ، فيدغمونها في السين. والبيان فيها أمثلٌ لأنها أبعد من الصاد وأختيها، وهي رخوةٌ، فهو فيهن أمثل منه في الطاء وأختيها.
والطاء والثاء والذال أخوات الطاء والدال والتاء، لا يمتنع بعضهن من بعض في الإدغام، لأنهن من حيز واحد، وليس بينهن إلا ما بين طرف الثنايا وأصولها، وذلك قولك: اهبظالما وأبعذلك. وانعثابتاً، واحفطالباً، وخداد، وابعتلك. وحجته قولهم: ثلاث دراهم، تدغم الثاء من ثلاثة في الهاء إذا صارت تاءً، وثلاث أفلس، فأدغموها. وقالوا: حدتهم، يريدون حدثتهم، فجعلوها تاءً. والبيان فيه جيد.
وأما الصاد والسين والزاي فلا تدغمهن في هذه الحروف التي أدغمت فيهن، لأنهن حروف الصفير. وهن أندى في السمع. وهؤلاء الحروف إنما هي شديدٌ ورخوٌ، لسن في السمع كهذه الحروف لخفائها. ولو اعتبرت ذلك وجدته هكذا. فامتنعت كما امتنعت الراء أن تدغم في اللام والنون للتكرير.
وقد تدغم الطاء والتاء والدال في الضاد، لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها، لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين، وهي مع ذا مطبقة، فلما قاربت الطاء فيما ذكرت لك أدغموها فيها كما أدغموها في الصاد وأختيها، فلما صارت بتلك المنزلة أدغموا فيها التاء والدال، كما أدغموها في الصاد لأنهما من موضعها، وذلك قولك: اضبضرمه، وانعضرمة.
وسمعنا من يوثق بعربيته قال:
ثار فضجضجةً ركائبه
فأدغم التاء في الضاد.
وكذلك الظاء والذال والثاء، لأنهن من حروف طرف اللسان والثنايا، يدغمن في الطاء وأخواتها، ويدغمن أيضاً جميعاً في الصاد والسين والزاي، وهن من حيزٍ واحد، وهن بعد في الإطباق والرخاوة كالضاد، فصارت بمنزلة حروف الثنايا. وذلك: احفضرمة، وخضرمة، وابعضرمة.
ولا تدغم في الصاد والسين والزاي لاستطالتها، يعني الضاد؛ كما امتنعت الشين. ولا تدغم الصاد وأختاها فيها لما ذكرت لك. فكل واحدةٍ منهما لها حاجز. ويكرهون أن يدغموها، يعني الضاد، فيما أدغم فيها من هذه الحروف، كما كرهوا الشين. والبيان عربيٌ جيد؛ لبعد الموضعين، فهو فيه أقوى منه فيما مضى من حروف الثنايا.
وتدغم الطاء والدال والتاء في الشين لاستطالتها حين اتصلت بمخرجها، وذلك قولك: اضبشبثاً، وانعشبثاً، وانقشبثاً.
والإدغام في الضاد أقوى لأنها قد خالطت باستطالتها الثنية، وهي مع ذا مطبقة، ولم تجاف عن الموضع الذي قربت فيه من الطاء تجافيها. وما يحتج به في هذا قولهم: عاوشنباء فأدغموها.
وتدغم الظاء والذال والثاء فيها، لأنهم قد أنزلوها منزلة الضاد، وذلك قولك: احفشنباء، وابعثنباء، وخشنباء. والبيان عربي جيد. وهو أجود منه في الضاد لبعد المخرجين، وأنه ليس فيها إطباقٌ ولا ما ذكرت لك في الضاد.


واعلم أن جميع ما أدغمته وهو ساكنٌ يجوز لك فيه الإدغام إذا كان متحركاً، كما تفعل ذلك في المثلين. وحاله فيما يحسن ويقبح فيه الإدغام وما يكون فيه أحسن وما يكون خفياً، وهو بزنته متحركاً قبل أن يخفى كحال المثلين.
وإذا كانت هذه الحروف المتقاربة في حرفٍ واحد ولم يكن الحرفان منفصلين ازداد ثقلاً واعتلالاً، كما كان المثلان إذ لم يكونا منفصلين أثقل، لأن الحرف لا يفارقه ما يستثقلون. فمن ذلك قولهم في مثتردٍ: مثردٌ لأنهما متقاربان مهموسان. والبيان حسنٌ. وبعضهم يقول: متثردٌ؛ وهي عربية جيدة. والقياس متردٌ؛ لأن أصل الإدغام أن يدغم الأول في الآخر.
وقالوا في مفتعلٍ من صبرت: مصطبرٌ، أرادوا التخفيف حين تقاربا ولم يكن بينهما إلا ما ذكرت لك، يعني قرب الحرف، وصارا في حرفٍ واحد. ولم يجز إدخال الصاد فيها لما ذكرنا من المنفصلين، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالصاد وهي الطاء؛ ليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد من الحروف، وليكون عملهم من وجهٍ واحد إذ لم يصلوا إلى الإدغام.
وأراد بعضهم الإدغام حيث اجتمعت الصاد والطاء، فلما امتنعت الصاد أن تدخل في الطاء قلبوا الطاء صادا فقالوا: مصبرٌ.
وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ: " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً " .
والزاي تبدل لها مكان التاء دالاً، وذلك قولهم: مزدانٌ في مزتان، لأنه ليس شيء أشبه بالزاي من موضعها من الدال، وهي مجهورة مثلها وليست مطبقة كما أنها ليست مطبقة. ومن قال مصبرٌ قال مزانٌ.
وتقول في مستمعٍ: مسمعٌ فتدغم؛ لأنهما مهموسان ولا سبيل إلى أن تدغم السين في التاء، فإن أدغمت قلت مسمعٌ كما قلت مصبرٌ، حيث لم يجز إدخال الصاد في الطاء.
وقال ناسٌ كثير: مثردٌ في مثتردٍ، إذ كانا من حيزٍ واحد، وفي حرف واحد. وقالوا في اضطجر: اضجر، كقولهم: مصبرٌ.
وكذلك الظاء. لأنهما إذا كانا منفصلين، يعني الظاء وبعدها التاء، جاز البيان، ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت، فلما صارا في حرفٍ واحد ازدادا ثقلاً، إذ كانا يستثقلان منفصلين، فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي لطاء ليكون العمل من وجه واحد، كما قالوا: قاعدٌ ومغالق فلم يميلوا الألف، وكان ذلك أخف عليهم، وليكون الإدغام في حرفٍ مثله إذ لم يجز البيان والإطباق حيث كانا في حرف واحد، فكأنهم كرهوا أن يجحفوا به حيث منع هذا. وذلك قولهم: مظطعنٌ ومضطلم، وإن شئت قلت مطعنٌ ومطلمٌ، كما قال زهير:
هذا الجواد الذي يعطيك نائله ... عفواً ويظلم أحياناً فيطلم
وكما قالوا: يطن ويظطن من الظنة. ومن قال متردٌ ومصبرٌ قال مطعنٌ ومطلمٌ، وأقيسهما مطعنٌ ومطلمٌ، لأن الأصل في الإدغام أن يتبع الأول الآخر. ألا ترى أنك لو قلت من المنفصلين بالإدغام نحو ذهب به وبين له فأسكنت الآخر لم يكن إدغامٌ حتى تسكن الأول. فلما كان كذلك جعلوا الآخر يتبعه الأول، ولم يجعلوا الأصل إن ينقلب الآخر فتجعله من موضع الأول.
وكذلك تبدل للذال من مكان التاء أشبه الحروف بها لأنهما إذا كانتا في حرف واحد لزم أن لا يبينا إذ كانا يدغمان منفصلين، فكرهوا هذا الإجحاف، وليكون الإدغام في حرف مثله في الجهر. وذلك قولك مدكرٌ، كقولك مطلمٌ، ومن قال مظعن قال مذكر. وقد سمعناهم يقولون ذلك. والأخرى في القرآن، في قوله: " فهل من مدكرٍ " . وإنما منعهم من أن يقولوا مذدكرٌ كما قالوا مزدانٌ أن كل واحد منهما يدغم في صاحبه في الانفصال، فلم يجز في الحرف الوادح إلا الإدغام. والزاي لا تدغم فيها على حالٍ فلم يشبهوها بها.
والضاد في ذلك بمنزلة الصاد لما ذكرت لك من استطالتها. كالشين، وذلك قولك مضطجع، وإن شئت قلت مضجعٌ. وقد قال بعضهم: مطجعٌ حيث كانت مطبقة ولم تكن في السمع كالضاد، وقربت منها وصارت في كلمة واحدة. فلما اجتمعت هذه الأشياء وكان وقوعها معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها معها في الانفصال، اعتقدوا ذلك وأدغموها، وصارت كلام المعرفة، حيث ألزموها الإدغام فيما لا تدغم فيه في الانفصال إلا ضعيفاً. ولا يدغمونها في الطاء لأنها لم تكثر معها في الكلمة الواحدة ككثرة لام المعرفة مع تلك الحروف.


وإذا كانت الطاء معها، يعنى مع التاء، فهو أجدر أن تقلب التاء طاء، ولا ندغم الطاء في التاء فتخل بالحرف لأنهما في الانفصالن أثقل من جميع ما ذكرناه. ولم يدغموها في التاء لأنهم لم يريدوا إلا أن يبقى الإطباق. إذ كان يذهب في الانفصال، فكرهوا أن يلزموه ذلك في حرف ليس من حروف الإطباق. وذلك قولك: اطعنوا.
وكذلك الدال، وذلك قولك ادانوا من الدين، لأنه قد يجوز فيه البيان في الانفصال على ما ذكرنا من الثقل وهو بعد حرفٌ مجهورٌ، فلما صار ههنا لم يكن له سبيل إلى أن يفرد من التاء كما يفرد في الانفصال، فيكون بعد الدال غيرها، كما كرهوا أن يكون بعد الطاء غير الطاء من الحروف، فكرهوا أن يذهب جهر الدال كما كرهوا ذلك في الذال.
وقد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته هذه الحروف الأربعة الصاد والضاد، والطاء والظاء، في فعلت، بهن في افتعل، لأنه يبنى الفعل على التاء، وبغير الفعل فتسكن اللام كما أسكن الفاء في افتعل، ولم تترك الفعل على حاله في الإظهار فضارعت عندهم افتعل. وذلك قولهم: فحصط برجلي، وحصط عنه وخبطه، وحفطه، يريدون: حصت عنه، وخبطته، وحفظته.
وسمعناهم ينشدون هذا البيت، لعلقمة بن عبدة:
وفي كل حي قد خبط بنعمةٍ ... فحق لشأسٍ من نداك ذنوب
وأعرب اللغتين وأجودهما أن لا تقلبها طاء، لأن هذه التاء علامة الإضمار، وإنما تجيء لمعنىً.
وليست تلزم هذه التاء الفعل. ألا ترى أنك إذا أضمرت غائباً قلت فعل فلم تكن فيه تاءٌ، وليست في الإظهار. فإنما تصرف فعل على هذه المعاني وليست تثبت على حالٍ واحد. وهي في افتعل لم تدخل على أنها تخرج منه لمعنىً ثم تعود لآخر، ولكنه بناءٌ دخلته زيادةٌ لا تفارقه. وتاء الإضمار بمنزلة المنفصل.
وقال بعضهم: عده، يريد: عدته، شبهها بها في ادان، كما شبه الصاد وأخواتها بهن في افتعل. وقالوا: نقده، يريدون: نقدته.
واعلم أن ترك البيان هنا أقوى منه في المنفصلين، لأنه مضارع، يعني ما يبنى مع الكلمة في نحو افتعل. فأن تقول: احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، فتبين - أحسن من حفظت وأخذت وبعثت، وإن كان هذا حسناً عربياً.
وحدثنا من لا نتهم أنه سمعهم يقولون: أخذت، فيبينون.
فإذا كانت التاء متحركة وهذه الحروف ساكنةً بعدها لم يكن إدغام، لأن أصل الإدغام أن يكون الأول ساكناً، لما ذكرت لك من المنفصلين، نحو: بين لهم وذهب به.
فإن قلت: ألا قالوا بينهم فجعلوا الآخر نوناً؟ فإنهم لو فعلوا ذلك صار الآخر هو الساكن، فلما كان الأول هو الساكن على كل حال كان الآخر أقوى عليه. وذلك قولك: استطعم واستضعف، واستدرك واستثبت. ولا ينبغي أن يكون إلا كذا، إذ كان المثلان لا إدغام فيهما في فعلت وفعلن نحو رددت ورددن، لأن اللام لا يصل إليها التحريك هنا، فهذا يتحرك في فعل ويفعل ونحوه، وهو تضعيف لا يفارق هذا اللفظ، والتاء هنا بين ساكنين في بناء لا يتحرك واحد منهما فيه، في فعل ولا اسم، ولا يفارق هذا اللفظ.
ودعاهم سكون الآخر في المثلين أن بين أهل الحجاز في الجزم فقالوا اردد ولا تردد. وهي اللغة العربية القديمة الجيدة. ولكن بني تميم أدغموا ولم يشبهوها برددت، لأنه يدركها التثنية، والنون الخفيفة والثقيلة، والألف واللام وألف الوصل، فتحرك لهن.
فإذا كان هذا في المثلين لم يجز في المتقاربين إلا البيان نحو: تد، ولا تتد إذا نهيت. فلهذا الذي ذكرت لك لم يجز في استفعل الإدغام.
ولا يدغمونها في استدار واستطار واستضاء، كراهيةً لتحريك هذه السين التي لا تقع إلا ساكنة أبداًن ولا نعلم لها موضعاً تحرك فيه. ومع ذلك أن بعدها حرفاً أصله السكون فحرك لعلةٍ أدركته، فكانوا خلقاء أن لو لم يكن إلا هذا ألا يحملوا على الحرف في أصله أكثر من هذا، فقد اجتمع فيه الأمران.
فأما اختصموا واقتتلوا فليستا كذلك، لأنهما حرفان وقعا متحركين والتحرك أصلهما، كما أن التحرك الأصل في ممد. والساكن الذي قبله قد يتحرك في هذا اللفظ كما تحرك فاء فعلت نحو مددت، لأنك قد تقول: مد، وقل ونحو ذلك.


وقالوا: وتد يتد، ووطد يطد، فلا يدغمون كراهية أن يلتبس باب مددت لأن هذه التاء والطاء قد يكون في موضعهما الحرف الذي هو مثل ما بعده، وذلك نحو وددت وبللت. ومع هذا أنك لو قلت ود لكان ينبغي أن تقول يد في يتد فيخفف به، فيجتمع الحذف والإدغام مع الالتباس. ولم يكونوا ليظهروا الواو فتكون فيها كسرة وقبلها ياءٌ، وقد حذفوها والكسرة بعدها، ومن ثم عز في الكلام أن يجيء مثل رددت وموضع الفاء واو.
وأما اصبروا واظلموا ويخصمون ومضجعٌ وأشباه هذا فقد علموا أن هذا البناء لا تضاعف فيه الصاد والضاد والطاء والدال. فهذه الأشياء ليس فيها التباسٌ.
وقالوا: محتدٌ، فلم يدغموا، لأنه قد يكون في موضع التاء دالٌ.
وأما المصدر فإنهم يقولون التدة والطدة، وكرهوا وطدوا ووتداً، لما فيه من الاستثقال. فإن قيل بين كراهية الالتباس. وإن شئت أبقيت في الطاء الإطباق وأدغمت، لأنه إذا بقي الإطباق لم يكن التباسٌ من الأول ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد، وإذا تقارب المخرجان قولهم: يطوعون في يتطوعون، ويذكرون في يتذكرون، ويسمعون في يتسمعون. الإدغام في هذا أقوى، إذ كان يكون في الانفصال. والبيان فيهما عربي حسن لأنهما متحركان، كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون. وتصديق الإدغام قوله تعالى: " يطيروا بموسى " ، و " يذكرون " .
فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة، لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن. وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع، ومن تذكر اذكر، دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال.
ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف، والقاف في قتلوا. فالألف هنا، يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف.
وتصديق ذلك قوله عز وجل: " فادارأتم فيها " يريد: فتدارأتم " وازينت " إنما هي تزينت. وتقول في المصدر: ازينا ودارأ. ومن ذلك قوله عز وجل: " اطيرنا بك " .
وينبغي على هذا أن تقول في تترس: اترس. فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله.
فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون، فأنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما: وتصديق ذلك قوله عز وجل: " تتنزل عليهم الملائكة " ، و " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .
وإن شئت حذفت التاء الثانية. وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: " تنزل الملائكة والروح فيها " ، وقوله: " ولقد كنتم تمنون الموت " . وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: " فادارأتم " و " ازينت " وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون. فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك.
وهذه التاء لا تعتل في تدأل إذا حذفت الهمزة فقلت تدل، ولا في تدع؛ لأنه يفسد الحرف ويلتبس لو حذفت واحدةٌ منهما.
ولا يسكنون هذه التاء في تتكلمون ونحوها ويلحقون ألف الوصل، لأن الألف إنما لحقت فاختص بها ما كان في معنى فعل وافعل في الأمر. فأما الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين فإنها لا تلحقها كما لا تلحق أسماء الفاعلين، فأرادوا أن يخلصوه من فعل وافعل.
وإن شئت قلت في تتذكرون ونحوها: تذكرون، كما قلت: تكلمون، وهي قراءة أهل الكوفة فيما بلغنا. ولا يجوز حذف واحدةٍ منهما، يعني من التاء والذال في تذكرون، لأنه حذف منها حرفٌ قبل ذلك وهو التاء، وكرهوا أن يحذفوا آخر، لأنه كره الالتباس وحذف حرفٍ جاء لمعنى المخاطبة والتأنيث. ولم تكن لتحذف الذال وهي من نفس الحرف فتفسد الحرف وتخل به، ولم يروا ذلك محتملاً إذا كان البيان عربياً.
وكذلك أنزلت التاء التي جاءت للإخبار عن مؤنث، والمخاطبة.
وأما الدكر فإنهم كانوا يقلبونها في مدكرٍ وشبهه، فقلبوها هنا، وقلبها شاذٌّ شبيهٌ بالغلط.
باب الحرف الذي يضارع به حرفٌ
من موضعه والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه


فأما الذي يضارع به الحرف الذي من مخرجه فالصاد الساكنة إذا كانت بعدها الذال. وذلك نحو: مصدرٍ، وأصدر، والتصدير؛ لأنهما قد صارتا في كلمة واحدة، كما صارت مع التاء في كلمة واحدة في افتعل فلم تدغم الصاد في التاء لحالها التي ذكرت لك. ولم تدغم الذال فيها ولم تبدل لأنها ليست بمنزلة اصطبر وهي من نفس الحرف. فلما كانتا من نفس الحرف أجريتا مجرى المضاعف الذي هو من نفس الحرف من باب مددت، فجعلوا الأول تابعاً للآخر، فضارعوا به أشبه الحروف بالذال من موضعه وهي الزاي، لأنها مجهورة غير مطبقة. ولم يبدلوها زاياً خالصةً كراهية الإجحاف بها للإطباق، كما كرهوا ذلك فيما ذكرت لك من قبل هذا.
وسمعنا العرب الفصحاء يجعلونها زاياً خالصة، كما جعلوا الإطباق ذاهباً في الإدغام. وذلك قولك في التصدير: التزدير، وفي الفصد: الفزد، وفي أصدرت: أزدرت.
وإنما دعاهم إلى أن يقربوها ويبدلوها أن يكون عملهم من وجهٍ واحد، وليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد، إذ لم يصلوا إلى الإدغام ولم يجسروا على إبدال الذال صاداً، لأنها ليست بزيادة كالتاء في افتعل. والبيان عربيٌّ.
فإن تحركت الصاد لم تبدل، لأنه قد وقع بينهما شيء فامتنع من الإبدال، إذ كان يترك الإبدال وهي ساكنة، ولكنهم قد يضارعون بها نحو صاد صدقت. والبيان فيها أحسن. وربما ضارعوا بها وهي بعيدة، نحو مصادر، والصراط؛ لأن الطاء كالدال، والمضارعة هنا وإن بعدت الدال بمنزلة قولهم: صويقٌ ومصاليق، فأبدلوا السين صاداً كما أبدلوها حين لم يكن بينهما شيء في: صقت ونحوه.
ولم تكن المضارعة هنا الوجه، لأنك تخل بالصاد، لأنها مطبقة، وأنت في صقت تضع في موضع السين حرفاً أفشى في الفم منها للإطبقاق، فلما كان البيان ههنا أحسن لم يجز البدل.
فإن كانت سينٌ في موضع الصاد وكانت ساكنةً لم يجز إلا الإبدال إذا أردت التقريب، وذلك قولك في التسدير: التزدير، وفي يسدل ثوبه: يزدل ثوبه، لأنها من موضع الزاي وليست بمطبقة فيبقى لها الإطباق. والبيان فيها أحسن؛ لأن المضارعة في الصاد أكثر وأعرف منها في السين، والبيان فيهما أكثر أيضاً.
وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين، لأنها استطالت حتى خالطت أعلى الثنيتين، وهي في الهمس والرخاوة كالصاد والسين، وإذا أجريت فيها الصوت وجدت ذلك بين طرف لسانك وانفراج أعلى الثنيتين، وذلك قولك: أشدق، فتضارع بها الزاي. والبيان أكثر وأعرف، وهذا عربيٌّ كثير.
والجيم أيضاً قد قربت منها فجعلت بمنزلة الشين. من ذلك قولهم في الأجدر: أشدر. وإنما حملهم على ذلك أنها من موضع حرفٍ قد قرب من الزاي، كما قلبوا النون ميماً مع الياء إذ كانت الياء في موضع حرف تقلب النون معه ميماً، وذلك الحرف الميم. يعني إذا أدغمت النون في الميم وقد قربوها منها في افتعلوا، حين قالوا اجدمعوا أي اجتمعوا، واجدرءوا، يريد اجترءوا، لما قربها منها في الدال وكان حرفاً مجهوراً، قربها منها في افتعل لتبدل الدال مكان التاء، وليكون العمل من وجه واحد. ولا يجوز أن يجعلها زاياً خالصة ولا الشين، لأنهما ليسا من مخرجها.
باب ما تقلب فيه السين صاداً
في بعض اللغات
تقلبها القاف إذا كانت بعدها في كلمة واحدة، وذلك نحو: صقت، وصبقت. وذلك أنها من أقصى اللسان، فلم تنحدر انحدار الكاف إلى الفم، وتصعدت إلى ما فوقها من الحنك الأعلى.
والدليل على ذلك أنك لو جافيت بين حنكيك فبالغت ثم قلت: قق قق، لم تر ذلك مخلاً بالقاف. ولو فعلته بالكاف وما بعدها من حروف اللسان أخل ذلك بهن. فهذا يدلك على أن معتمدها على الحنك الأعلى. فلما كانت كذلك أبدلوا من موضع السين أشبه الحروف بالقاف، ليكون العمل من وجهٍ واحد، وهي الصاد، لأن الصاد تصعد إلى الحنك الأعلى للإطباق، فشبهوا هذا بإبدالهم الطاء في مصطبرٍ الدال في مزدجرٍ، ولم يبالوا ما بين السين والقاف من الحواجز؛ وذلك لأنها قلبتها على بعد المخرجين. فكما لم يبالوا بعد المخرجين لم يبالوا ما بينهما من الحروف، إذا كانت تقوى عليها والمخرجان متفاوتان.
ومثل ذلك قولهم: هذه حلبلابٌ. فلم يبالوا ما بينهما، وجعلوه بمنزلة عالم. وإنما فعلوا هذا لأن الألف قد تمال في غير الكسر نحو: صار وطار وغزا وأشباه ذلك. فكذلك القاف لما قويت على البعد لم يبالوا الحاجز.


والخاء والغين بمنزلة القاف، وهما من حروف الحلق بمنزلة القاف من حروف الفم، وقربهما من الفم كقرب القاف من الحلق، وذلك نحو: صالغ في سالغ، وصلخ في سلخ. فإذا قلت زقاً أو زلق لم تغيرها، لأنها حرف مجهور، ولا تتصعد كما تصعدت الصاد من السين، وهي مهموسة مثلها، فلم يبلغوا هذا إذ كان الأعرب الأكثر الأجود في كلامهم ترك السين على حالها. وإنما يقولها من العرب بنو العنبر. وقالوا صاطعٌ في ساطعٍ، لأنها في التصعد مثل القاف، وهي أولى بذا من القاف، لقرب المخرجين والإطباق.
ولا يكون هذا في التاء إذا قلت نتق، ولا في الثاء إذا قلت ثقب فتخرجها إلى الظاء، لأنها ليست كالظاء في الجهر والفشو في الفم. والسين كالصاد في الهمس والصفير والرخاوة، فإنما يخرج الصوت إلى مثله في كل شيء إلا الإطباق.
فإن قيل: هل يجوز في ذقطها أن تجعل الذال ظاء لأنهما مجهورتان ومثلان في الرخاوة؟ فإنه لا يكون، لأنها لا تقرب من القاف وأخواتها قرب الصاد، ولأن القلب أيضاً في السين ليس بالأكثر، لأن السين قد ضارعوا بها حرفاً من مخرجها، وهو غير مقاربٍ لمخرجها ولا حيزها، وإنما بينها وبين القاف مخرجٌ واحد، فلذلك قربوا من هذا المخرج ما يتصعد إلى القاف. وأما التاء والثاء فليس يكون في موضعهما هذا، ولا يكون فيهما مع هذا ما يكون في السين من البدل قبل الدال في التسدير إذا قلت: التزدير. ألا ترى أنك لو قلت التثدير لم تجعل الثاء ذالاً، لأن الظاء لا تقع هنا.
باب ما كان شاذاً
مما خففوا على ألسنتهم وليس بمطرد
فمن ذلك ستٌّ، وإنما أصلها سدسٌ. وإنما دعاهم إلى ذلك حيث كانت مما كثر استعماله في كلامهم، أن السين مضاعفة، وليس بينهما حاجزٌقويٌّ، والحاجز أيضاً مخرجه أقرب المخارج إلى مخرج السين، فكرهوا إدغام الدال فيزداد الحرف سيناً، فتلتقي السينات. ولم تكن السين لتدغم في الدال لما ذكرت لك، فأبدلوا مكان السين أشبه الحروف بها من موضع الدال، لئلا يصيروا إلى أثفل مما فروا منه إذا أدغموا. وذلك الحرف التاء، كأنه قال سدتٌ، ثم أدغم الدال في التاء. ولم يبدلوا الصاد لأنه ليس بينهما إلا الإطباق.
ومثل مجيئهم بالتاء قولهم: ييجل، كسروا ليقلبوا الواو ياءً. وقولهم أدلٍ، لأنهم لو لم يكسروا لم تصر ياءً. كما أنهم لو لم يجيئوا بالتاء لم يكن إدغامٌ.
ومن ذلك قولهم: ودٌّ، وإنما أصله وتدٌ، وهي الحجازية الجيدة. ولكن بني تميم أسكنوا التاء كما قالوا في فخذ: فخذٌ فأدغموا. ولم يكن هذا مطرداً لما ذكرت لك من الالتباس، حتى تجشموا وطداً ووتداً، وكان الأجود عندهم تدةً وطدةً، إذ كانوا يتجشمون البيان.
ومما بينوا فيه قولهم: عتدانٌ، وقال بعضهم. عتدانٌ فراراً من هذا. وقد قالوا: عدانٌ شبهوه بودٍ. وقلما تقع في كلامهم ساكنة، يعني التاء في كلمةٍ قبل الدال، لما فيه من الثقل، فإنما يفرون بها إلى موضع تتحرك فيه. فهذا شاذ مشبه بما ليس مثله نحو يهتدي ويقتدي.
ومن الشاذ قولهم: أحست، ومست، وظلت، لما كثر في كلامهم كرهو التضعيف، وكرهوا تحريك هذا الحرف الذي لا تصل إليه الحركة في فعلت وفعلن، الذي هو غير مضاعف، فحذفوا كما حذفوا التاء من قولهم: يستطيع فقالوا: يسطيع؛ حيث كثرت، كراهية تحريك السين، وكان هذا أحرى إذ كان زائداًن استثقلوا في يسطيع التاء مع الطاء، وكرهوا أن يدغموا التاء في الطاء فتحرك السين، وهي لا تحرك أبداً، فحذفوا التاء. ومن قال يسطيع فإنما زاد السين على أطاع يطيع، وجعلها عوضاً من سكون موضع العين.
ومن الشاذ قولهم: تقيت وهو يتقي، ويتسع، لما كانتا مما كثر في كلامهم وكانتا تاءين، حذفوا كما حذفوا العين من المضاعف نحو أحست ومست. وكانوا على هذا أجرأ لأنه موضع حذفٍ وبدلٍ.
والمحذوفة: التي هي مكان الفاء. ألا ترى أن التي تبقى متحركةٌ.
وقال بعضهم: استخذ فلانٌ أرضاً، يريد اتخذ أرضاً، كأنهم بدلوا السين مكان التاء في اتخذ، كما أبدلوا حيث كثرت في كلامهم وكانتا تاءين، فأبدلوا السين مكانها كما أبدلت التاء مكانها في ستٍ. وإنما فعل هذا كراهية التضعيف.
ومثل ذلك قول بعض العرب: الطجع في اضطجع، أبدل اللام مكان الضاد كراهية التقاء المطبقين، فأبدل مكانها أقرب الحروف منها في المخرج والانحراف. وقد بين ذلك.


وكذلك السين لم تجد حرفاً أقرب إلى التاء في المخرج والهمس حيث أرادوا التخفيف، منها.
وإنما فعلوا هذا لأن التضعيف مستثقل في كلامهم.
وفيها قولٌ آخر أن يكون استفعل، فحذف التاء للتضعيف من استتخذ كما حذفوا لام ظلت.
وقال بعضهم في يستطيع: يستيع. فإن شئت قلت: حذف الطاء كما حذف لام ظلت، وتركوا الزيادة كما تركوها في تقيت. وإن شئت قلت: أبدلوا التاء مكان الطاء، ليكون ما بعد السين مهموساً مثلها، كما قالوا: ازدان، ليكن ما بعده مجهوراً، فأبدلوا من موضعها أشبه الحروف بالسين، فأبدلوها مكانها كما تبدل هي مكانها في الإطباق.
ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث: بلعنبر وبلحارث، بحذف النون.
وكذلك يفعلون بكل قبيلةٍ تظهر فيها لام المعرفة.
فأما إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك، لأنها لما كانت مما كثر في كلامهم، وكانت اللام والنون قريبتي المخارج، حذفوها وشبهوها بمست، لأنهما حرفان متقاربان، ولم يصلوا إلى الإدغام كما لم يصلوا في مسست لسكون اللام. وهذا أبعد، لأنه اجتمع فيه أنه منفصل وأنه ساكن لا يتصرف تصرف الفعل حين تدركه الحركة.
ومثل هذا قول بعضهم: علماء بنو فلانٍ، فحذف اللام، يريد: على الماء بنو فلانٍ. وهي عربية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق