الاثنين، 4 مارس 2013

3.إيجاز التعريف في علم التصريف لابن مالك.تحقيق اسمه وتوثيق نسبته

إيجاز التعريف في علم التصريف 

ص -29- المبحث الأول: تحقيق اسمه وتوثيق نسبته وسبب تصنيفه وزمن تأليفه
أولاً: تحقيق اسمه وتوثيق نسبته:
لم يترك ابن مالك اسم كتابه مجهولاً ولا نسبته خفية بل صرح بذلك في مقدمته فقال: (فألفت ذلك في مجموع سميته "إيجاز التعريف في علم التصريف")1
وورد اسمه ونسبته في أكثر من مرجع بعضها صرح بالاسم متمماً وبعضها جاء به مختصراً، ففي ارتشاف الضرب لأبي حيان: (وفي التسهيل لابن مالك أن ذلك لغة وفي إيجاز التعريف له أيضاً أن التحقيق شاذ)2.
وفي شرح التسهيل لناظر الجيش: (والثاني عن أبي عمرو الشيباني هذا آخر كلامه -ابن مالك- في إيجاز التعريف)3
وفي كشف الظنون لحاجي خليفة (إيجاز التعريف لضروري التصريف لجمال الدين محمد بن عبدالله بن مالك النحوي)4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق ص13.
2 الارتشاف 1: 267.
3 عن حاشية المساعد 4: 168.
4 كشف الظنون 1: 205.



ص -30- وورد اسمه ونسبته أيضاً في هدية العارفين1 و الاعلام للزركلي2 وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان3 ومقدمة التسهيل لمحمد بركات4 ودائرة المعارف الإسلامية5 ومقدمة الاعتماد في نظائر الضاد والظاء6 ومقدمة شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ7 ومقدمة شرح التسهيل للمصنف8 ومقدمة وفاق المفهوم في اختلاف المقول والمرسوم9
ووقع خلط عند بعض الباحثين بين اسم هذا الكتاب وكتاب آخر للمصنف هو "التعريف في ضروري التصريف"10
فجعلهما بعضهم كتاباً واحداً11، وعدَّ البعض إيجاز التعريف شرحاً لضروري التصريف12.
وسبب هذا اللبس هو أن كلا الكتابين مختصران في فن التصريف لابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هدية العارفين 6: 130.
2 6: 233.
3 5: 294.
4 التسهيل ص36.
5 دائرة المعارف الإسلامية المجلد (1) عدد (5) ص272.
6 الاعتماد في نظائر الضاد والظاء ص14.
7 مقدمة شرح عمدة الحافظ 1:44.
8 شرح التسهيل لابن مالك.
9 وفاق المفهوم 13، 15.
10 قمنا بتحقيقه ونشرته دار البخاري للنشر والتوزيع بالمدينة المنورة عام 1418هـ.
11 محمد بركات في تقديمه للتسهيل وعبدالرحمن السيد في مقدمة شرح التسهيل للمصنف وعدنان الدوري في تقديمه لشرح عمدة الحافظ وأحمد دولة في مقدمة تحقيق شرح التصريف لابن إيَّاز.
12 إسماعيل باشا في هدية العارفين 6/130 وأمين النيبالي في مقدمة تحقيق وفاق المفهوم / لابن مالك.



ص -31- مالك وإن كان التعريف في ضروري التصريف أشد اختصاراً من "إيجاز التعريف".
والصحيح أنهما كتابان كل منهما مستقل بذاته وليس أحدهما شرحاً للآخر.
وبعد هذه الجولة في المراجع من مخطوط ومطبوع تتأكد لنا صحة نسبة هذا الكتاب لابن مالك، وأن اسمه هو "إيجاز التعريف في علم التصريف".
ثانياً: سبب تصنيفه وزمن تأليفه:
ذكر ابن مالك في مقدمة كتابه أمرين عدهما السبب الأساسي الباعث في ثنيه عنان العناية وشحذه سنان العزم على وضع هذا الكتاب وأول هذين الأمرين أهمية موضوع الكتاب علم التصريف، وثانيهما التشرف بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي1 بإهدائه هذا الكتاب، وقد أهداه كتابين آخرين هما: وفاق المفهوم في اختلاف المقول والمرسوم2 والإعلام بمثلث الكلام المنظوم3.
أمَّا زمن تأليف الكتاب فلم أعثر على نص يحدده بدقة، ولكن يمكن تقريبه حيث إنه ألفه للسلطان الملك الناصر، وهذا الملك حكم ما بين سنتي 634، 659هـ.
وعلى ذلك يكون تأليف الكتاب تم في هذه الفترة لم يسبقها ولم يعقبها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد الأيوبي آخر ملوكهم ولد بحلب سنة 627هـ وتولى الخلافة بعد وفاة والده سنة 634هـ وقد قتله هولاك سنة 659هـ.
تنظر ترجتمه في النجوم الزاهرة 7: 204، والدارس في تاريخ المدارس 1: 115، 459 والروضتين لأبي شامة 1: 197 وإيضاح المكنون 2: 635 والأعلام 8: 249.
2 ينظر وفاق المفهوم ص43.
3 عن مقدمة محقق إكمال الإعلام بتثليث الكلام ص55-56.



ص -32- المبحث الثاني: موضوع الكتاب ومنهجه
استهل ابن مالك كتابه هذا بمقدمة جميلة استفتحها بحمد الله وتمجيده والصلاة والسلام على صفوة العالم وخيرته ثم ضمنها عدة أمور بدأها بالإشادة بموضوع الكتاب -علم التصريف- وبيان أهميته وعظم مزيته، ثم تطرق إلى الحديث عما امتن الله عليه به من التمكين في هذا الفن الذي قد بلغ فيه الغاية فألم بشوارده، وازداد من فوائده، وتحصل على قواعده، واستطاع تفصيل مقاصده، وصوغها بعبارات تستعذب وألفاظ لا تستصعب وإيداعها هذا المجموع الذي سماه "إيجاز التعريف في علم التصريف".
ثم ذكر ـ رحمه الله ـ أنه وضع هذا الكتاب من أجل التشرف بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- وقد خلت المقدمة من بيان المنهج الذي نُسج على منواله الكتاب والنص على الموضوعات التي اشتمل عليها.
ومن خلال دراستي للكتاب تبين لي أنه قد تضمن جل مسائل التصريف واشتمل على أهم قضايا هذا الفن.
وقد قسمه مصنفه إلى فصول بلغ عددها ستين فصلاً سكب فيها مادته العلمية بأسلوب سهل وعبارة واضحة ودقيقة، مع جودة في التقسيم ومهارة في التفصيل وتسلسل في الأفكار، فجاء كل فصل مستقلاً بمسائلة التي هي تكملة لما قبلها ممَّا يسهل فهم قضايا الكتاب واستيعابها
وقد بدأ المصنف مسائل الكتاب بما تقتضي المنهجية العلمية أن يبدأ به ألا وهو التعريف بعلم التصريف ـ موضوع الكتاب وميدان أبحاثه ـ،



ص -33- ثم طفق يفصل موضوعاته واحداً تلو الآخر حتى أتى على آخرها.
فتحدث عن المجرد والمزيد من الأسماء والأفعال وأوزانها ثم حركة عين المضارع وبناء الفعل للمفعول والأمر، ثم الميزان الصرفي وحروف الزيادة ومواقعها وختم كتابه بالحديث عن الإدغام وحروفه وأحكامه.
ومسائل الكتاب موزعة في فصوله على النحو التالي:
1- التعريف بالتصريف وبيان أقسام المجرد والمزيد وأوزانهما وبيان حركة عين المضارع ثم صياغة الفعل للمفعول والأمر، ثم بيان علامات أصالة الحرف ثم الميزان الصرفي وقد استغرقت هذه المباحث عشرة فصول من الكتاب.
2- حروف الزيادة وعلاماتها ومواقعها، وقد وقعت هذه القاضايا في ثمانية فصول.
3- الإعلال بأنواعه الثلاثة من قلب ونقل وحذف وتعد مسائل هذا الموضوع هي جوهر الكتاب حيث إنها قد استغرقت جل فصوله فقد وقعت في سبعة وثلاثين فصلاً.
4- الإدغام وحروفه وأحكامه وهو آخر مباحث الكتاب وقد وقع في خمسة فصول.
وقد ظهرت لي في الكتاب بعض السمات البارزة أوضحها في المبحث التالي.



ص -34- المبحث الثالث: السمات البارزة في الكتاب
تتجلى في الكتاب سمات بارزة رفعت من قدره وأعلت من شأنه ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: حسن الأسلوب ووضوح العبارة وسلاسة الألفاظ مع جودة التقسيم وحسن التفصيل وتسلسل الأفكار وهذه الصفات صُبِغَ بها الكتاب من مستهله إلى مختتمه.
ثانياً: اشتماله على كثير من آراء علماء التصريف واختلافاتهم، ولم يكتف المصنف بسرد تلك الآراء وتسليمها دون تمحيص بل وقف منها موقف العالم المدقق والخبير المحقق، فقام باستعراضها ومناقشتها المناقشة العلمية مستنيراً في ذلك بما حباه الله به من سعة في العلم وتوقد في الذهن فأيد ما رآه راجحاً بالدليل الساطع، والحجة القوية، وفند ما ضعف دليله أو غابت حجته، غير مكترث بصاحب الرأي وإن علت مكانته فهو لا يقدس الأشخاص وإنّما يَنْشُد الحق أنى وجده أخذ به وناصر القائل به أياً كان1 وإليكم أمثلة على ذلك، قال ـ رحمه الله ـ:
"وفُعْلَل كبُرْقَع وجُرْشَع، ولم يروه سيبويه لكن رواه الأخفش من أئمة البصرة والفراء من أئمة الكوفة وزيادة الثقة مقبولة، وزعم الفراء أن الفتح في جُرشَع أكثر من الضم.
ومما يؤيد رواية هذين الإمامين قول العرب: مالي من ذاك عُنْدَدُ أي بُدُّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للتعرف على آراء ابن مالك ومذهبه النحوي وموقفه من العلماء ينظر ابن مالك وأثره في النحور العربي للدكتور/عبد المنعم هريدي، وابن مالك وأثره في اللغة ليحي محمد يحيى، ومقدمة محقق التسهيل ص43 وما بعدها.



ص -35- فجاءوا به مفكوكاً غير مُدغم، ولا يفعلون ذلك بذي مثلين متحركين لا يوازن فَعَلاً أو فِعَلاً ولا فُعلاً إلا إذا كان أحدهما مزيداً للإلحاق كقَرْدَد، أو كان ما قبلهما مزيداً للإلحاق نحو: "ألَنْدَد، بمعنى الألد، ومعلوم أن "عُنْدَداً" ليس موازناً لفَعَل وأخواته فيتعين كونه ملحقاً بفُعْلَل إما بزيادة إحدى الدالين فيكون من العُنود وإما بزيادة النون قبلها فيكون من الأعداد.. الخ1.
وقال أيضاً: (وبثبوته في جميع التصاريف كنون "كضيفن" فإنها أصل خلافاً للخليل، فإن العرب قالت: ضفن الرجل فهو ضافن وضيفن إذا تبع الأضياف تطفلاً حكى ذلك أبوزيد)2.
وقال أيضاً: (وقد خففوا هذا النوع بإبدال أحد الأمثال ياءً نحو: تَظَنَّيت، لأنه من الظن، وكلا التخفيفين مطرد في أقيسة الكوفيين، والبصريون فيهما مع السماع، ويرون أن "كفكف" وأمثاله بناء مرتجل رباعي كل حروفه أصول وليس من مادة الثلاثي في شيء، وهذا تكلـف والمختار فيه ما قاله الكوفيون)3.
وقال أيضاً: (وهذا الذي ذكرته وإن كان خلاف المشهور عند البصريين فهو مؤيد بالدليل وهو موافق لقول أئمة اللغة فمن قولهم ما حكاه الأزهري عن ابن السكيت وعن الفراء أنهما قالا: ما كان من النعوت مثل الدُنْيا والعُلْيَا فإنه بالياء، لأنهم يستثقلون الواو مع ضمة أوله وليس فيه اختلاف إلا أنَّ أهل الحجاز قالوا: القُصْوَى، فأظهروا الواو وهو نادر، وبنو تميم يقولون: القصيا، هذا قول ابن السكيت وقول الفراء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق ص 62ـ63ـ64.
2 التحقيق ص82.
3 التحقيق ص 87.



ص -36- والواقع على وفقه قال تعالى: { وإذ أنتم بالعُدوة الدُّنْيا }1. وقال تعالى: { وكلمة الله هي العليا }2.
وهاتان صفتان محضتان والنحويون يقولون هذا الإعلال مخصوص بالاسم ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة أو بالدُّنيا والاسمية فيها عارضة، ويزعمون أن حُزوى تصحيحه شاذ كتصحيح "حَيْوة" وهذا قول لا دليل على صحته فلا مبالاة باجتنابه)3.
وقال أيضاً: والحقوا بالأربعة المذكورة: الشَّرْوَى، والطَّغْوَى والْعَوَّى والرَّعْوَى" زاعمين أن أصلهما من الياء والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو سداً لباب التكثر من الشذوذ حيث أمكن سده وذلك أن الشروى معناه المثل ولا دليل على أن واوه منقلبة عن ياء إلا إدعاء من قال إنه من شريت وذلك ممنوع إذ هي دعوى مجردة عن الدليل)4.
ثالثاً: التعويل على أصول التصريف من إجماع وقياس وسماع وعلة5 فما أجمع عليه العرب أو العلماء يجب التمسك به، وما توفرت فيه أسباب القياس يعطي حكم نظيره، وكلام العرب الموثوق بهم يعتمد عليه ويستشهد به شعراً كان أو نثراً أو أمثالاً عربية أو أقوالاً ثابتة عنهم6 والتعليل للمسائل متفشٍ في الكتاب وفيما يلي أمثلة مقتضبة لبعض هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية:42 من الأنفال.
2 من الآية 40 من سورة التوبة.
3 التحقيق ص 155
4 التحقيق ص157.
5 ينظر الاقتراح في علم أصول النحو ص25،48،88،94،112.
6 سيأتي الحديث عن شواهد الكتاب في مبحث مستقل.



ص -37- الأمور قال المصنف رحمه:
1- (ولكن الاستدلال به لا يساوي الاستدلال بعيسة ولا يقاربه، لأن جميع العرب يقولون: عيسة وجمهورهم يقولون: معيشة لا معووشة فثبت أن إبدال الضمة كسرة في المفرد لتسلم الياء حكم مبني على ما استعمله جميع العرب، وإبدال الياء فيه واواً حكم مبني على قول شاذ والشاذ لا يعول عليه)1.
2- (ومن لغته إبدال الهمزة من الواو المضمومة ضمة لازمة فيقول في "وُدٍّ" أُدّ قال أيضاً في "وُوعِد" أُوعِد، وكذلك ما أشبهه فيهمز، لأجل الضمة لا لأجل اجتماع الواوين فإن اجتماعهما عارض)2.
3- (وأهملوا مكسور الأول مضموم الثاني، لأن الكسرة ثقيلة والضمة أثقل منها فكرهوا الانتقال من مستثقل إلى أثقل منه)3.
4- (ومنع من زيادة الواو أولاً استثقالها وتعرضها للإبدال الجائز)4.
5- (فإن انفك المثلان كمَهْدَدِ فأحدهما زائد إلا أن يوجب تقدير زيادته استعمال ما أهمل كمحبب فإنهم مَفْعَل، لأن تقدير زيادة إحدى باءية يوجب أن يكون الأصل: "م.ح.ب" وهو تركيب أهملت العرب جميع وجوهه)5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق ص127.
2 التحقيق ص108.
3 التحقيق ص59.
4 التحقيق ص85.
5 التحقيق 99.



ص -38- رابعاً: الاعتماد على الاشتقاق من ذلك قوله:
1-(والاستدلال على زيادة الحرف بسقوطه في بعض التصاريف لغير علة وعلى أصالته بلزومه في جميع التصاريف راجح على كل دليل كلزوم ميم "معد" في قولهم: تمعدد تَمَعْدُداً فهو متمعدد إذا تشبه بمعد مع انتفاء صيغة تقارب هذا المعنى عارية من الميم)1.
2- ويحكم بزيادة التاء في أول المضارع وفي موازن تفعَّل وتفاعل وافتعل نحو: تضرَّب، وتعَلَّم وتقارب، واقترب لسقوطها مماهن مشتقات منه وهو الضرب والعلم والقرب)2.
3- (وكذلك شيطان فإن اشتقاقه من الشطون- وهو البعد، لأن نونه لزمت في قولهم: تشيطن الرجل إذا تشبه بالشياطين ولو كان من الشيط وهو الاحتراق لقيل تشيط)3.
خامساً: التفسير للكلمات الغريبة: اشتمل الكتاب على كثير من غريب اللغة ولكن غرابة تلك الألفاظ لم تخف على المصنف حيث إننا وجدناه يفسر كثيراً منها ويوضح معناه ومن أمثلة ذلك:
1- (دُئِل لدويبة، ووُعل للوعل، ورُئِم للسه)4.
2- (وقَرْهب وهو الثور المسن)5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق 92.
2 التحقيق ص96.
3 التحقيق ص93.
4 التحقيق ص59.
5 التحقيق ص60.



ص -39- 3- (لقيت منه الفتكرين أي الدواهي)1.
4- (عُلَبِط بمعنى علابط وهو الضخم، وجُنَدِل وهو المكان ذوالجنادل أي الحجارة)2.
سادساً: تضمنه لبعض أساليب المحاورة من مثل:
(فإن قيل ما تجنبتموه من عدم النظير بتقدير أصالة نوني كنهبل وهُندلع لازم بتقدير زيادتهما فلم أوثر الحكم بالزيادة على الحكم بالأصالة؟ فالجواب أن باب ذوات الزوائد أوسع مجالاً من باب ذوات التجريد فهو أحمل لنادر يستعمل، وأيضاً فإن كنهبلان وإن لم يوجد في الربعي المزيد فيه ما يوافقه في حوزته فَنعل فقد وجد ما يوافقه في زنة مستندرة كخنضرف وهي العجوز التي خضرف جلدها أي استرخى)3.
سابعاً: نسبة اللغات إلى أصحابها أحياناً نحو قوله:
( إلا أن أهل الحجاز قالوا: القصوى فأظهروا الواو وهو نادر وبنو تميم
يقولون: القصيا..)4. (وبنو عامر رهط جميل بن معمر يقولون في مضارع "وَجَد" "تجُد")5.
ثامناً: الإحالة إلى المسائل السابقة واللاحقة دون إعادتها تجنباً للتكرار، وقد بينت مواضع الإحالات في حواشي التحقيق.
تاسعاً: الإكثار من الأمثلة من أجل توضيح المسائل وتثبيت القواعد الصرفية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق ص75.
2 التحقيق ص 76، وينظر فهرس اللغة فما كان بين قوسين ( ) فهو مما فسره المصنف.
3 التحقيق ص103.
4 التحقيق ص156.
5 التحقيق ص190.



ص -40- المبحث الرابع: مصادر الكتاب وشواهده وأثره في الخالفين
أولاً: مصادره:
إن مما لاشك فيه أن ابن مالك لم يبلغ ما بلغه من سعة الاطلاع وغزارة العلم والتمكن من نواصي فنون اللغة العربية إلا بعد أن استوعب جل ما سطرته أقلام سابقيه وفاحت به قرائح معاصريه، وإن المطلع على مؤلفاته ليدرك ذلك جلياً وقد ذكر العلماء أنه ـ رحمه الله ـ "كان كثير المطالعة سريع المراجعة لا يكتب شيئاً من محفوظه حتى يراجعه في محله"1.
ولاشك أن هذا الكتاب من آثار تلك المطالعات وثمار تلك المراجعات، فإنه قد تضمن كثيراً من آراء العلماء وأقوالهم، إلا أنه خلا من التصريح بأسماء المصادر التي استمد منها مادته باستنثاء مرجع واحد هو "تصريف الأخفش" الذي ورد التصريح به، غير أن التصريح بأسماء أصحاب الآراء مكننا من إرجاع كثير منها إلى مؤلفاتهم وقد بينا ذلك في حواشي التحقيق.
يبقى أننا لا نستطيع الجزم بأن نقل ابن مالك من تلك المراجع كان مباشراً بل يحتمل أن يكون بواسطة وإن كان تعبيره أحياناً يوحي بالمباشرة وذلك من مثل قوله: (وهما أصلان بنص سيبويه)2.
وقوله: (وحكى يعقوب: لقيت منه الفتكرين)3.
وقوله: (حكى ذلك أبوزيد)4.
وقوله: (حكاه ابن القطاع)5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينظر نفح الطيب2: 428.
2 التحقيق ص79.
3 التحقيق ص75.
4 التحقيق ص83.



ص -41- ثانياً: شواهده:
لم تكن شواهد الكتاب بالكثيرة جداً وقد يرجع سبب ذلك إلى اختصار الكتاب وصغر حجمه، وقد جاءت شواهده متنوعة على النحو التالي:
1- القرآن الكريم: إن مما لا شك فيه ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان أن القرآن الكريم هو المورد الصافي والمصدر الأساسي في تأصيل اللغة العربية، ونصوصه هي المصدر الأول في الاستشهاد على قضاياها ومسائلها، ولا غرو في ذلك فهو أعلا درجات الفصاحة والبيان لذلك نجد كتب اللغة العربية زاخرة بالآيات القرآنية التي جاءت شواهد ناصعة وأدلة قاطعة على ما جيء بها من أجله ومن الكتب التي اسْتُشْهِد فيها ببعض الآيات القرآنية هذا الكتاب فقد تضمن عدة آيات وقع الاستشهاد بها على قضايا صرفية مختلفة ولم يلتزم المصنف في استشهاده بقراءة معينة بل استشهد بقراءات مختلفة ومن أمثلة ذلك قوله: (والإبدال اللازم إن وليها واو أخرى كما فعل بالأصلية في: نحو: (أقتت)1
وقوله: (ومن قرأ "أئمة") بالتسهيل أو التحقيق مخالف للقياس والاقتداء به متعين لصحة النقل2.
2- الشعر: لم يخل الكتاب من الشواهد الشعرية ولكنها كانت فيه قليلة وللاطلاع على مواضعها تراجع فهرس الأشعار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحقيق ص83.
2 التحقيق ص117، وينظر فهرس الآيات القرآنية.



ص -42- 3- الأمثال العربية: ورد في الكتاب مثلان عربيان أحدهما قولهم (أسق رقاش فإنها سقاية)1 والثاني: قولهم:(التقت حلقتا البطان).
4- الأقوال العربية: تنتشر في الكتاب عبارات (فإن العرب قالت)2، (ويستدل بقول العرب3) (وبعض العرب يقول4:)، (فإنهم قالوا:)5 (في قولهم:6).
ثالثاً: أثره في الخالفين:
لم يكن الكتاب مجهولاً عند بعض العلماء الذين جاءوا بعد ابن مالك، بل إن بعضهم قد أفاد منه ونقل عنه مصرحاً باسمه كما حدث لأبي حيان في ارتشاف الضرب فقد قال فيه: (وفي التسهيل لابن مالك أن ذلك لغة وفي إيجاز التعريف له أيضاً أن التحقيق شاذ)7.
ونقل عنه أيضاً بعض النقولات دون أن يسميه مكتفياً بقوله: قال ابن مالك ونحوها.
ومن الذين نقلوا عنه أيضاً وصرحوا باسمه ناظر الجيش في شرحه للتسهيل فقد قال: (والثاني عن أبي عمرو الشيباني هذا آخر كلامــه ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينظر فهرس الأمثال العربية.
2 التحقيق ص83.
3 التحقيق ص97.
4 التحقيق ص90.
5 التحقيق ص92.
6 التحقيق ص93.
7 الارتشاف 1:267 وتنظر فهرس الأعلام.



ص -43- ابن مالك- في إيجاز التعريف)1.
وممن نقل عنه في مواضــع متعــددة ابن عقيــل في شـرحه للتسهيــل -المساعد- ولكنه لم يصرح باسمه بل اكتفى بقوله: وقال المصنف في غير هذا الكتاب أو في كتاب له آخر ونحو ذلك2
ونَقْلُ هؤلاء الأئمة من الكتاب يدل على تقديرهم له وثقتهم به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عن حاشية محقق المساعد 4:168.
2 ينظر المساعد 4: 157، 159، 179-193، 194

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق